مراسل الحوار - الموصل
أثار موقف مجلس محافظة صلاح الدين مؤخراً بخصوص إعلان المحافظة إقليماً، مواقف متباينة في الشارع الموصلي بين مرحب ورافض له وللتوقيت الذي جاء فيه، وكذلك هناك من رحب بالفكرة من سياسيي المحافظات الأخرى، وهناك من عدّ هذا الموقف بداية لتجزئة العراق إلى (كانتونات)، ومن السياسيين من قال بأن هذا هو الجزء الأخير من السياسة الأمريكية المرسومة للعراق ما بعد الخروج الأمريكي، وهذا هو المخطط الذي وضع خطوطه العريضة بل كان (عرابه) "كما يحلو للبعض أن يقول" نائب الرئيس الأمريكي (جو بايدن)....
محافظة نينوى تَحدّثَ فيها بعض السياسيين عن احتمالية السير على خطى محافظة صلاح الدين في تبنيها لمشروع الأقاليم بكل ما فيه من ايجابيات وسلبيات، والنسبية بين الايجابيات والسلبيات تتراوح وتقدر بحسب الظروف الآنية.
وفي محاولة منا لاستقراء آراء الجمهور في مدينة الموصل حول قبول هذه الفكرة من عدمه، استطلعت (الحوار) آراء شريحة عشوائية تمثل مختلف الثقافات؛ فمنهم المعلم، وأستاذ الجامعة، والمدرس، والكاسب، وسائق الأجرة، والعسكري المتقاعد وغيرهم،
كان السؤال الرئيسي: هل أنت "مع" أم "ضد" إعلان إقليم نينوى؟ ولماذا؟ فجاءت الإجابة بنحو متقارب نوعا ما، حيث كان أكثر من الـ50% بقليل مع كلمة (نعم)، وأقل من الـ50% بقليل مع كلمة (ضد).
ولكن الذين لم يكونوا مع الفكرة كانت كلمتهم الأشهر والأكبر هي (لا أريد تقسيم العراق بأي شكل من الأشكال).
وكان من بين الرافضين من قال: (أنا أشك بجدوى الأمر على مقياس ما أراه من تلكؤ في الخدمات العامة في المدينة من أعلى مركز فيها نزولاً إلى أبسط مركز، ومازلنا تحت الحكم المركزي للعاصمة بغداد، فكيف بنا حين نعلن الإقليم؟!) وختم قائلاً: (بهذه الفئة من السياسيين،،، أنا غير متفائل!).
ولكن الموافقين لم يكونوا على كلمة واحدة، بل كانوا على آراء عديدة.
فبعضهم رفضوا القبول بفكرة تقسيم العراق من حيث المبدأ، وإنما فقط محاولة السيطرة على مقدرات المدينة بخيرها وشرها، بأموالها ومواردها، بموظفيها والتعيينات فيها، بمدنييها وعسكرييها. ببساطة؛ بكل ما فيها.
وأما البعض الآخر من الموافقين على الفكرة فقالوا، لِمَ لا نحاول أن نجرب هذه الحالة الجديدة نوعا ما على مجتمعنا، فنحن نمتلك من المؤهلات المادية والأكاديمية والبشرية ما يؤهلنا لحكم محافظتنا بأنفسنا هذا (إذا لم نندمج في تحالفات مع أقاليم أخرى)، وكلا الأمرين إيجابي إلى حد بعيد، وبشكل عام نحن موافقون على المبدأ؛ أما الآليات فنتركها إلى وقتها.
البعض الآخر عدّ الأمر مقامرة، فإما أن نخرج من التدخلات غير المقبولة من الغير في مقدرات المحافظة، وإما السقوط في هاوية الجشع التي لا ترحم والتي يتهيأ لها البعض ممن يصح القول عنهم بأنهم (تجار الحروب) أو المنتفعين من السياسة وما تأتي به.
التقيت رجلا ستينيا (والذي تبين لي أنه عميد ركن من الجيش العراقي "المنحل") ويعمل سائق أجرة!؟، أخذت أتحدث معه تدريجيا عن الموضوع، حيث قال؛ السياسة يا ولدي أبعد بكثير من أن تتصور، فهذه هي حلقة جديدة من حلقات المسلسل الذي كتبت حلقاته، وأنتج، في البيت الأبيض.. يا ولدي لا تسمع للقيل والقال، فالكل يتكلم ويرفع الصوت، ثم لا يكون إلا كما تريد أمريكا.! وإذا سألتني عن رأيي، فأنا مع أن تحصل جميع المدن والمحافظات العراقية من الشمال إلى الجنوب على كل حقوقها من غير نقصان على أن يبقى العراق واحداً موحداً.
وأما الآخر فقال: شهدت أغلب الانقلابات العسكرية منذ زمن عبد الكريم قاسم، ثم عبد السلام عارف، ثم عبد الرحمن عارف، ثم أحمد حسن البكر، فصدام، وأخيرا العودة من جديد إلى الاحتلال.. كل ذلك والشعب يصفق لكل من هؤلاء الذين ذكرتهم؛ ولكن ما أن ينقلب ظهر المِجنّ حتى ترى الذين صفقوا بالأمس هم نفسهم الذين يسبون ويلعنون، هذا الشعب لا يقف عند حد من حدود الولاء. ولكن ما المانع من التجربة؟ لِذا أو لذاك، فأنا غير متفائل بكل ما تأتي به السياسة الآن في العراق المحتل.
معلم متقاعد من مواليد 1949 قال لي: أنا لا أريد أن ينطبق علينا المثل العراقي القائل: (أخذناها من يد الحرامي ووضعناها بيد فتاح الفال) "مع كل احترامنا للسياسيين، ولكن هذا رأي مواطن، وله علينا حق ذكر رأيه".
وكل الشعب العراقي يعلم بمغزى ومدلولات هذا المثل، فهل المسؤولون في المحافظة أهل لهذه المسؤولية أم لا؟ هنا يكمن بيت القصيد، ولكنني لست ضد الأمر من حيث المبدأ لما فيه من بصيص النور الذي نتمناه.
السيد عبدالباسط، (عسكري متقاعد) قال؛ أنا مع وحدة العراق من حيث المبدأ، ولكنني أحب أن تنال هذه المحافظة حقها من الثروات العراقية مثل، الكهرباء والميزانية الخاصة والكافية لها. والتعيينات سواءا العسكرية أو المدنية، كما لا يفوتني "كوني عسكري متقاعد" أن أذكر التدخلات العسكرية التي تعاني منها المحافظة، لذا لو تمكنت المحافظة من إعلان إقليمها الخاص، فسوف نتمكن من خرط أبناء المحافظة في سلك الجيش والشرطة الخاصين بالمحافظة "وكل في قضائه وناحيته" لكي نتمكن من السيطرة على الوضع الأمني الذي نعاني منه منذ بداية الاحتلال ولحد اليوم، وكما يقال (أهل مكة أدرى بشعابها).
ولكن؛ أغرب ما سمعت من مشاركات في هذا الموضوع هو ما قاله السيد (ابوإدريس) وهو رجل ستيني وعسكري متقاعد، حيث قال:
الدستور العراقي جاء في فترة حرجة من تاريخ العراق، لذا ترى فيه خللاً هنا أو مثلبةً هناك،"وهذا رأيي الشخصي" ولكلٍ رؤيته الشخصية؛ وعليه جاء قانون الأقاليم ليضع أولى لبـِنات التقسيم المعمول عليه منذ زمن في جحور خفافيش الظلام، أما الآن فلقد ظهر للعيان، ولكن مهما يكن فإن الأقاليم فيها من الإيجابيات التي تمكن الشعب من الاعتماد على القدرات الذاتية في كل مدينة لرفع المستوى العام في المدينة، والتنافس فيما بين المدن من أجل النهوض بالعراق بشكل عام، وخير مثال على ذلك ما وصل إليه إقليم كردستان العراق من التقدم والرقي في شتى مجالات الحياة؛ ولكن.. أخشى ما أخشاه أن يظهر أمامنا في قابل الأيام من يطالب بإقليم شرق نينوى أو إقليم غرب نينوى وكذلك جنوب نينوى ...إلخ!!. وهذا أخطر ما يواجه البلد.
وهكذا يتضح لنا من خلال هذا الاستطلاع مدى تباين الشارع الموصلي في مواقفه من قضية إعلان الاقاليم، الذي نص عليه الدستور في الباب الخامس. الأقاليم. ص 43 السطر الأول.
(يحق لكل محافظةٍ أو أكثر، تكوين اقليمٍ بناءاً على طلبٍ بالاستفتاء عليه، يقدم بإحدى طريقتين).
هذا التبيان يطرح على الطاولة سؤالا هاما للغاية هو؛ إلى اين يتجه المشهد العراقي في ظل الاستقطاب الحالي، وفي ظل تراجع الخدمات، وانسداد أفق العملية السياسية التي انتجت حكومة مهلهلة لم تنجح إلى اليوم في تعيين وزراء امنين فيها، فيما يسير الوضع الأمني نحو المزيد من التدهور ونزيف الدماء!!.r
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق