07‏/04‏/2014

العلاقة بين الاستاذ والطالب في الحضارة الاسلامية 2-2

د.ناصر عبدالرزاق ملا جاسم
واجبات الطالب تجاه العلم وتجاه أستاذه
قبل الحديث عن علاقة الطالب بأستاذه، حدد (ابن جماعة) مجموعة من المبادئ على الطالب اتباعها، إذا أراد أن يكون عالماً، من بينها:
1- أن تكون نيته لله (سبحانه وتعالى)، وأن يطهر قلبه من الغش والدنس والغلّ والحسد وسوء العقيدة والخلق، ليصلح بذلك لقبول العلم وحفظه.
2- أن يبادر إلى ذلك أيام شبابه، فإن كل ساعة تمضي من عمره لا بدَلَ لها ولا عوض عنها، ولا يتوقف أمام العقبات فإنها لا محالة زائلة، ويبذل الاجتهاد وقوة الجد في التحصيل. ولذلك استحب السلف التغرب عن الأهل، والبعد عن الوطن، للتفرغ للعلم.
3- أن يركز على علمه، وليس على طعامه ولباسه، فبالصبر على ضيق العيش ينال سعة العلم، ويجمع شمل القلب عن مفترقات الآمال، فتتفجر فيه ينابيع الحكم. قال الشافعي (رحمه الله): لا يطلب أحد هذا العلم بالملك وعز النفس، فيفلح، ولكن من طلبه بذل النفس وضيق العيش وخدمة العلماء، أفلح.
4- وينبغي لطالب العلم أن لا يخالط إلا من يفيده، أو يستفيد من صحبته، ويعينه على ما هو بصدده، فليكن صاحباً صالحاً ديناً تقياً ورعاً ذكياً كثير الخير قليل الشر حسن المداراة، إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه، وإن احتاج واساه، وإن ضجر صبره.
أما بالنسبة لعلاقته مع أستاذه، فتقع عليه جملة مسؤوليات حددها (ابن جماعة) بالآتي:
1- اختيار الأستاذ المناسب (لا سيما فيما يخص في واقعنا: الإشراف على مستوى الدراسات العليا)، إذ ينبغي للطالب أن يقدم النظر، ويستخير الله، فيمن يأخذ العلم عنه، ويكتسب حسن الأخلاق والآداب منه. وليكن إن أمكن ممن كملت أهليته، وتحققت شفقته، وظهرت مروءته، وعرفت عفته، واشتهرت صيانته، وكان أحسن تعليماً، وأجود تفهيماً. ولا يرغب الطالب في زيادة العلم، مع نقص في ورع أو دين أو عدم خلق جميل.
2- يجب أن لا تغره الألقاب العلمية، والشهرة، وذيوع الصيت، فقد عدّ (الغزالي)، وغيره، ذلك من الكبر على العلم، وجعله عين الحماقة، لأن الحكمة ضالة المؤمن، يلتقطها حيثما وجدها، ويغتنمها متى ظفر بها، ويتقلد المنّة لمن ساقها إليه.
3- ليجتهد على أن يكون الأستاذ واسع الإطلاع، ومعرفته قائمة على التجربة، وليس فقط على ما في بطون الكتب.
4- أن ينقاد لأستاذه في أموره، ولا يخرج عن رأيه وتدبيره، بل يكون معه كالمريض مع الطبيب الماهر، فيشاوره فيما يقصده، ويتحرى رضاه فيما يعتمده، ويبالغ في حرمته والتقرب إلى الله تعالى بخدمته، ويعلم أن ذله لأستاذه عز، وخضوعه له فخر، وتواضعه له رفعة. قال (الغزالي): لا ينال العلم إلا بالتواضع، وإلقاء السمع. قال: ومهما أشار عليه أستاذه بطريق في التعليم، فليقلده، وليدع رأيه، فخطأ مرشده أنفع له من صوابه في نفسه. وقد نبه الله تعالى على ذلك في قصة موسى والخضر (عليهما السلام) بقوله: [إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً] )الكهف: 67(، هذا مع علو قدر (موسى) الكليم في الرسالة والعلم، حتى شرط عليه السكوت، فقال: [فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً] )الكهف: 70(.
5- أن ينظره بعين الإجلال، ويعتقد فيه درجة الكمال، فإن ذلك أقرب إلى نفعه به، وكان بعض السلف إذا ذهب إلى أستاذه تصدق بشيء. وقال (الشافعي) (رضي الله عنه): كنت أصفح الورقة بين يدي (الإمام مالك) صفحاً رفيقاً هيبةً له، لئلا يسمع وقعها.
ومن الواجب على الطالب في مجال الأدب، ما نقله (ابن جماعة) عن (الخطيب البغدادي)، أن يخاطب الطالب أستاذه: أيها العالم، وأيها الحافظ، ونحو ذلك، وما تقولون في كذا، وما رأيكم في كذا، وشبه ذلك، ولا يسميه في غيبته أيضاً باسمه، إلا مقروناً بما يشعر بتعظيمه، كقوله: قال الأستاذ، أو الأستاذ كذا، وقال شيخنا، أو قال حجة الإسلام، أو نحو ذلك.
6- أن يعرف له حقه، ولا ينسى له فضله، وأن يعظم حرمته، ويرد غيبته، ويغضب لها، فإن عجز عن ذلك، قام وفارق ذلك المجلس. وينبغي أن يدعو له مدة حياته، ويرعى ذريته وأقاربه بعد وفاته، ويتعمد زيارة قبره، والاستغفار له، والصدقة عنه، ويسلك في السمت والهدى مسلكه، ويراعي في العلم والدين عادته، ويقتدي بحركاته وسكناته، في عاداته وعباداته، ويتأدب بآدابه، ويقتدي به.
7- أن يصبر على جفوة تصدر من الأستاذ، أو سوء تعامل، ولا يصده ذلك عن ملازمته، والإيمان بعلمه، ويفسر أفعاله على الوجه الحسن، ويبدأ هو عند جفوة أستاذه بالاعتذار، والتوبة مما وقع، والاستغفار، وينسب إلى نفسه هو الخطأ، ويجعل العَتْبَ عليه، فإن ذلك أبقى لمودة الأستاذ، وأنفع للطالب في دنياه وآخرته. وعن بعض السلف: من لم يصبر على ذل التعليم، بقي عمره في الجهالة، ومن صبر عليه، آل أمره إلى عز الدنيا والآخرة.
8- أن يشكر الأستاذ على تنبيهه على ما فيه فضيلة، وعلى توبيخه على ما فيه نقيصة، أو على كسل يعتريه، أو قصور يعاينه، أو غير ذلك مما في إيقافه عليه وتوبيخه إرشاده وصلاحه، ويعد ذلك من نعم الله تعالى عليه باعتناء أستاذه به وحرصه عليه.
وإذا أوقفه الأستاذ على نقص من أدب، أو خطأ صدر عنه، يشكر الأستاذ على إفادته ذلك، واعتنائه بأمره، فإن كان له في ذلك عذر، كان إعلام الأستاذ بذلك أصلح.
9- أن لا يدخل على الأستاذ في غير قاعة المحاضرات إلا باستئذان، سواء كان الأستاذ وحده، أو كان معه غيره، فإن استأذن ولم يأذن له الأستاذ انصرف، ولا يكرر الاستئذان، وإن شك في علم الأستاذ به، فلا يزيد في الاستئذان فوق ثلاث مرات أو ثلاث طرقات بالباب أو الحلقة، وليكن طرق الباب خفياً بأدب بأظفار الأصابع، ثم بالأصابع، ثم بالحلقة قليلاً قليلاً، فإن كان الموضع بعيداً عن الباب والحلقة، فلا بأس برفع ذلك بقدر ما يسمع لا غير، وإذا أذن، وكانوا جماعة، يُقَدَّم أفضلهم وأسنهم بالدخول والسلام عليه، ثم سلم عليه الأفضل فالأفضل. وينبغي أن يدخل على الأستاذ وهو في هندام مرتب، متطهر البدن والثياب، نظيفهما، وإذا وجد جماعة عنده يتحدث معهم فسكتوا عن الحديث، أو دخل ووجد الأستاذ وحده يصلي، أو يذكر، أو يكتب، أو يطالع، فترك ذلك، أو سكت، ولم يبدأه بكلام، أو بسط حديث، فليسلم ويخرج سريعاً، إلا أن يحثه الأستاذ على المكث، وإذا مكث فلا يطيل إلا أن يأمره بذلك.
10- طريقة جلوس الطالب عند الأستاذ أثناء الإشراف أو الدرس: يجب على الطالب (ولا سيما طالب الدراسات) أن لا يختار وقتاً لمقابلة أستاذه غير مناسب له، أو لم تجر عادته بالتدريس فيه، ولا يختار وقتاً خاصاً به دون غيره، وإن كان رئيساً كبيراً، لما فيه من الترفع والحمق على الأستاذ والطلبة والعلم، وأن يجلس عند الأستاذ جلسة الأدب، كما يجلس الصبي بين يدي المقري بتواضع وخضوع وسكون وخشوع، ويصغي إلى الأستاذ ناظراً إليه، متعقلاً لقوله، بحيث لا يُحْوِجُه إلى إعادة الكلام مرة ثانية، ولا يلتفت من غير ضرورة، ولا ينظر إلى يمينه أو شماله أو فوقه أو قدامه بغير حاجة، ولا سيما عند بحثه له، أو عند كلامه معه، فلا ينبغي أن ينظر إلا إليه، ولا يضطرب لضجة يسمعها، أو يلتفت إليها، ولا سيما عند بحث له، ولا ينفض كميه، ولا يحسر عن ذراعيه، ولا يعبث بيديه، أو رجليه، أو غيرهما من أعضائه، ولا يضع يده على لحيته، أو فمه، أو يعبث بها في أنفه، ولا يفتح فاه، ولا يقرع سنه، ولا يضرب الأرض براحته، أو يخط عليها بأصابعه، ولا يشبك بيديه، أو يعبث بأزراره، ولا يستند بحضرة الأستاذ إلى حائط أو مخدة أو درابزين، أو يجعل يده عليها، ولا يعطي الأستاذ جنبه أو ظهره، ولا يعتمد على يده إلى ورائه أو جنبه، ولا يكثر كلامه من غير حاجة، ولا يحكي ما يضحك منه، أو ما فيه بذاءة، أو يتضمن سوء مخاطبة، أو سوء أدب، ولا يضحك لغير عجب، ولا يعجب دون الأستاذ، فإن غلبه تبسم، تبسم بغير صوت البتة. قال بعضهم: ومن تعظيم الأستاذ أن لا يجلس إلى جانبه، ولا على مصلاه، أو وسادته، وإن أمره الأستاذ بذلك فلا يفعله، إلا إذا جزم عليه جزماً يشق عليه مخالفته، فلا بأس بامتثال أمره في تلك الحال، ثم يعود إلى ما يقتضيه الأدب، وقد تكلم الناس في أي الأمرين أولى أن يعتمد: امتثال الأمر، أو سلوك الأدب، والذي يترجح ما قدمته من التفصيل: فإن جزم الأستاذ بما أمره به، بحيث يشق عليه مخالفته، فامتثال الأمر أولى، وإلا فسلوك الأدب أولى، لجواز أن يقصد الأستاذ خيره وإظهار احترامه والاعتناء به، فيقابل هو ذلك بما يجب من تعظيم الأستاذ والأدب معه.
11- أما بالنسبة للسلوك في مناقشة الأستاذ، فيكون أن يحسن خطابه مع الأستاذ بقدر الإمكان، فلا يشق عليه في النقاش، ولا يشكك في قوله، ويأتي بمصادر أخرى تنقض كلامه. وإذا أصر الأستاذ على قول، أو دليل، فلا يغير وجهه، أو عينيه، أو يشير إلى غيره، كالمنكر لما قاله، بل يأخذه ببشر ظاهر، وإن لم يكن الأستاذ مصيباً، لغفلة، أو سهو، أو قصور نظر، في تلك الحال، فإن العصمة في البشر للأنبياء "صلى الله عليهم وسلم". 
- ولا يسأل عن شيء في غير موضعه، إلا لحاجة، أو علم بإيثار الأستاذ ذلك، وإذا سكت الأستاذ عن الجواب لم يلح عليه، وإن أخطأ في الجواب، فلا يرد في الحال عليه، وقد تقدم. وكما لا ينبغي للطالب أن يستحيي من السؤال، فكذلك لا يستحيي من قوله: لم أفهم، إذا سأله الأستاذ، لأن ذلك يفوت عليه مصلحته العاجلة والآجلة، أما العاجلة: فحفظ المسألة، ومعرفتها، واعتقاد الأستاذ فيه الصدق والورع والرغبة، والآجلة: سلامته من الكذب والنفاق، واعتياده التحقيق.
- مراعاة دوره، فلا يتقدم بغير رضا من سبقه. روي أن أنصارياً جاء إلى النبي "صلى الله عليه وسلم" يسأله، وجاء رجل من ثقيف، فقال النبي "صلى الله عليه وسلم": يا أخا ثقيف إن الأنصاري قد سبقك بالمسألة فاجلس، كيما نبدأ بحاجة الأنصاري قبل حاجتك. يستحب للسابق أن يقدم على نفسه من كان غريباً، لتأكد حرمته، ووجوب ذمته. وروي في ذلك حديثان عن ابن عباس وابن عمر "رضي الله عنهم".
- إذا استفهم منه الأستاذ استفهام تقرير وجزم، كقوله: ألم تقل كذا، وأليس مرادك كذا، فلا يبادر بالرد عليه بقوله: لا، أو: ما هو مرادي، بل يسكت، أو يوري عن ذلك بكلام لطيف، يفهم الأستاذ قصده منه، فإن لم يكن بد من تحرير قصده وقوله، فليقل: فأنا الآن أقول كذا، وأعود إلى قصد كذا، ويعيد كلامه، ولا يقل: الذي قلته، أو: الذي قصدته، ليضمنه الرد عليه. وإذا سمع الأستاذ يذكر حكماً في مسألة، أو فائدة مستغربة، أو يحكي حكاية، أو ينشد شعراً، وهو يحفظ ذلك، أصغى إليه إصغاء مستفيد له في الحال، متعطش إليه، فرح به، كأنه لم يسمعه قط.
- ولا ينبغي للطالب أن يكرر سؤال ما يعلمه، ولا استفهام ما يفهمه، فإنه يضيع الزمان، وربما أضجر الأستاذ، وإذا لم يسمع كلام الأستاذ لبعده، أو لم يفهمه من الإصغاء إليه، والإقبال عليه، فله أن يسأل الأستاذ إعادته، وتفهيمه، بعد بيان عذره، بسؤال لطيف.
- أن لا يسبق الأستاذ إلى شرح مسألة، أو جواب سؤال منه، أو من غيره، ولا يساوقه فيه، ولا يظهر معرفته به، أو إدراكه له، قبل الأستاذ، فإن عرض الأستاذ عليه ذلك ابتداء، والتمسه منه، فلا بأس.
وينبغي أن لا يقطع على الأستاذ كلامه؛ أي كلام كان، ولا يسابقه فيه، ولا يساوقه، بل يصبر، حتى يفرغ الأستاذ كلامه، ثم يتكلم، ولا يتحدث مع غيره، والأستاذ يتحدث معه، أو مع جماعة المجلس.
- وليكن ذهنه حاضراً في كل وقت، بحيث إذا أمره بشيء، أو سأله عن شيء، أو أشار إليه، لم يحوجه إلى إعادته ثانياً، بل يبادر إليه مسرعاً، ولم يعاوده فيه، أو يعترض عليه بقوله: فإن لم يكن الأمر كذا. ولا يتكلم في أثناء درس غيره، أو درسه، بما لا يتعلق به، أو بما يقطع عليه بحثه، وإذا شرع بعضهم في درس، فلا يتكلم بكلام يتعلق بدرس فرغ، ولا بغيره، مما لا تفوت فائدة، إلا بإذن من الأستاذ، وصاحب الدرس.
- وإن أساء بعض الطلبة أدباً على غيره، لم ينهره غير الأستاذ، إلا بإشارته، أو سراً بينهما، على سبيل النصيحة، وإن أساء أحد أدبه على الأستاذ، تعين على الجماعة انتهاره، ورده، والانتصار للشيخ بقدر الإمكان، وفاء لحقه، ولا يشارك أحد من الجماعة أحداً في حديثه، ولا سيما الأستاذ. قال بعض الحكماء: من الأدب أن لا يشارك الرجل في حديثه، وإن كان أعلم به منه.
12- أما طريقة تلقي الأغراض من يد الأستاذ، فيتوقف أمامها (ابن جماعة) بقوله:
- إذا ناوله الأستاذ شيئاً تناوله باليمين، وإن ناوله شيئاً ناوله باليمين، فإن كان ورقة يقرؤها، ونحو ذلك، نشرها، ثم دفعها إليه، ولا يدفعها إليه مطوية، إلا إذا علم أو ظن إيثار الأستاذ لذلك، وإذا أخذ من الأستاذ ورقة، بادر إلى أخذها منشورة، قبل أن يطويها.
- إذا ناول الأستاذ كتاباً، ناوله إياه مهيئاً لفتحه، والقراءة فيه، من غير احتياج إلى إدارته، فإن كان النظر في موضع معين، فليكن مفتوحاً كذلك، ويعين له المكان، ولا يرميه إليه، سواء أكان كتابا، أو ورقة، أو غير ذلك. ولا يمد يديه إليه إذا كان بعيداً، ولا يحوج الأستاذ إلى مد يده أيضاً، لأخذ منه أو عطاء، بل يقوم إليه قائماً، وإذا جلس بين يديه لذلك، فلا يقرب منه قرباً كثيراً ينسب فيه إلى سوء أدب.
- وإذا ناوله قلماً ليمد به، فليمده قبل إعطائه إياه، وإن وضع بين يديه دواة، فلتكن مفتوحة الأغطية، مهيأة للكتابة منها. وإن ناوله سكيناً، فلا يصوب إليه شفرتها، ولا نصابها، ويده قابضة على الشفرة، بل يكون عرضاً وحد شفرتها إلى جهته، قابضاً على طرف النصاب، مما يلي النصل، جاعلاً نصابها على يمين الآخذ.
- وإن ناوله سجادة ليصلي عليها، نشرها أولاً، والأدب أن يفرشها هو عند قصد ذلك، وإذا فرشها ثنى مؤخَّرَ طرفها الأيسر كعادة الصوفية، فإن كانت مثنية جعل طرفيها إلى يسار المصلي، وإن كانت فيه صورة محراب تحرى به جهة القبلة إن أمكن. وإذا قام الأستاذ، بادر القوم إلى أخذ السجادة، وإلى الأخذ بيده، أو عضده، إن احتاج، وإلى تقديم نعله، إن لم يشق ذلك على الأستاذ، ويقصد بذلك كله التقرب إلى الله، وإلى قلب الأستاذ.
وقيل: أربعة لا يأنف الشريف منهن، وإن كان أميراً: قيامُه من مجلسه لأبيه، وخدمته للعالم يتعلم منه، والسؤال عن ما لا يعلم، وخدمته للضيف.
13- أما طريقة السير مع الأستاذ، فتكون أمامه بالليل، وخلفه بالنهار، إلا أن يقتضي الحال خلاف ذلك، لزحمة، أو غيرها. ويتقدم عليه في المواطئ المجهولة الحال، كوحل، أو حوض، أو المواطئ الخطرة، ويحترز من رش ثياب الأستاذ، وإذا كانا في زحمة، صانه عنها. وإذا مشى أمامه التفت إليه بعد كل قليل، فإن كان وحده، والأستاذ يكلمه حالة المشي، وهما في ظل، فليكن في يمينه، وقيل: عن يساره، متقدماً عليه قليلاً، ملتفتاً إليه، ويُعَرِّف الأستاذ بمن قرب منه، أو قصده من الأعيان، إن لم يعلم الأستاذ به.
- ولا يمشي بجانب الأستاذ، إلا لحاجة، أو إشارة منه، ويحترز من مزاحمته بكتفه، وملاصقة ثيابه، ويؤثره بجهة الظل في الصيف، وبجهة الشمس في الشتاء، وبجهة الجدار في الشارع، وبالجهة التي لا تقرع الشمس فيها وجهه إذا التفت إليه. ولا يمشي بين الأستاذ وبين من يحدثه، ويتأخر عنهما إذا تحدثا، أو يتقدم، ولا يقرب، ولا يستمع، ولا يلتفت، فإن أدخله في الحديث، فليأت من جانب آخر، ولا يشق بينهما. وإذا مشى مع الأستاذ اثنان، فاكتنفاه، فقد رجَّح بعضهم أن يكون أكبرهما عن يمينه، وإن لم يكتنفاه، تقدم أكبرهما، وتأخر أصغرهما.
- وإذا صادف الأستاذ في طريقه بدأه بالسلام، ويقصده بالسلام إن كان بعيداً، ولا يناديه، ولا يسلم عليه من بعيد، ولا من ورائه، بل يقرب منه، ويتقدم عليه، ثم يسلم، ولا يشير عليه ابتداء بالأخذ في طريق، حتى يستشيره، ويتأدب فيما يستشيره الأستاذ بالرد إلى رأيه.
وبعد، إن الدرس الذي يقدمه لنا (ابن جماعة)، هو درس الإسلام، بخلقه الذي علمنا إياه المصطفى (صلى الله عليه وسلم)، وهو أولى بأن نعيه، ونعمل به، أساتذة كنا أم طلبة، لأنه الأساس الذي ينطلق من عقيدتنا وبيئتنا، وسنحاسب به يوم القيامة، فليراجع كل منا سلوكه التعليمي، ويعود إلى رحابة السلوك الإسلامي، وينبذ ما سواه.
عسى أن يكون ما مضى مفيداً، فذكر إن نفعت الذكرى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق