07‏/04‏/2014

أين أصحاب الفكر والأدب والرسالة من مواقع التواصل الاجتماعي؟

محمد صادق أمين
المتابع لواقع منطقتنا الفكري، والثقافي، والأدبي، والدعوي، يدرك بما لايقبل الشك أن طبيعة العلاقة التي تربط هذه النخب بالسواد الأعظم من المجتمع، الذي تؤكد الدراسات الموثقة أن 40% منه يعاني أمية القراءة والكتابة، وفي تقديري الشخصي أن 40% منه كذلك من غير أميي القراءة والكتابة يعانون من الأمية الثقافية! طبيعة علاقة هذه النخب بهذا السواد الأعظم من الأميين علاقة فوقية، حيث يجلس المثقف في برج عاجي، مشمئزا من الواقع المتردي لقومه، ينتقد أخلاقهم، وفكرهم، وجهلهم، رغم أن بعضهم يشارك في هذا الجهل وقلة الذوق، حين يرمي بقصاصة ورق من سيارته المسرعة في الشارع!.
فالثقافة ليست نصوصا تكتب، ولا خطبا تلقى على الملأ، ولا هي تلك الكلمات المعقدة التي لا يفهمها إلا نخب النخب في المقالات النقدية والفنية والأدبية، بل هي سلوك حضاري يقدم للإنسانية إنسانا متحضرا في سلوكه وأخلاقه.
وبما أن عصرنا اليوم هو عصر ثورة مواقع التواصل الاجتماعي، وما أحدثته من تغيير في أخلاق، وفكر، وثقافة، وأمزجة الناس، يكون التساؤل هنا عن موقع المثقفين في هذه الوسائل وجيها جدا: هل نزل المثقف من برجه العاجي، وخصص وقتا لمن يراهم عوام الناس، ويشمئز من صورهم، ومنشوراتهم، وتعليقاتهم الضحلة بحسب علو برجه العاجي! ليقدم لهم رافعة للذوق والفكر والثقافة بدل النقد والاشمئزاز والترفع؟ أم بقي قابعا في برجه العاجي يرصد، وينقد، ويلعن الظلام؟.
أجيب على السؤال من خلال تجربتي في هذا العالم: تواجدهم في هذا الميدان أمر عز وجوده، فمن يملكون فكرا وأدبا، يترفعون عن التواصل مع الناس عبر (الفيس بوك)! إذ لا زال المثقف الشرقي ينظر إلى الناس على أنهم (رعاع) و(عوام) و (جهلة) لا ينبغي أن يحط من قدره، وعلو مكانته، وثقافته، بمخالطتهم ومشاركتهم سذاجة حياتهم (المتخلفة)، صحيح توجد أسماء ثقافية لامعة على صفحات التواصل الاجتماعي، ويوجد إعلاميون وأدباء لهم صفحات (فيسبوك) و(تويتر) يتابعها الملايين، لكن انظر في حساباتهم ستعرف مصداق كلامي عن التعامل بفوقية مع الناس! انتبه كيف ينشرون نتاجاتهم، ثم يترفعون عن التعليق على من يعلق عليها مدحا أو نقدا، لا يشكرون من يعجب بهم، ولو بلغ بهم ذرى التمجيد بالمدح والثناء، بل يترفعون عن تأشير (أعجبني) بـ(الماوس)، وهو أمر لا يكلف شيئا، لأن الترفع والتعالي سمة المثقف الشرقي، مع شديد الأسف، رغم أنهم يدركون أن هؤلاء العوام هم من صنعوا مجدهم الذي به يفاخرون!!!.
الأمر الأدهى والأنكى من ما تقدم ذكره، أن بعض من يتسمى بالفكر، والأدب، والثقافة، والعلم، يتخذ الألقاب مركبا لتحقيق غايات وعلاقات مشبوهة، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فالسواد الأعظم من الناس في منطقتنا يتخذ وسائل التواصل الاجتماعي، وخصوصا (الفيس بوك) للهروب من ثقل الواقع الاجتماعي، بأعبائه السياسية، والثقافية، والفكرية، بل من الأعراف والتقاليد، التي تثقل كاهل الإنسان وتمنعه أن يكون هو (هو) بلا قناع مزيف!.
والكثير من الناس يتخذها وسيلة للعلاقات التي تنفس عن الكبت العاطفي والجنسي، الذي فرضته بعض الأفكار المتشددة على المجتمع، فصار الفرد في مجتمعه متدينا، وعلى (الفيس) متفلتا! وقد قالت لي صديقة ذات يوم، والعهدة عليها، إن أسخف من يتواصلون معها على (النت) هم أصحاب الألقاب! (الكاتب، الشاعر، ،الأديب ...إلخ) !!!. 
في وسائل التواصل الاجتماعي تبرز الأمراض الاجتماعية التي تسكننا، وتكشف زيف مجتمعنا، المتمظهر بمظهر الثقافة والتدين، والذي يدعي الحفاظ على الشعائر الدينية، ويصب بعض الأعراف الجاهلية في قالب الدين كي يمنحها القداسة! بينما في الحقيقة إذا خلا بنفسه، أو ظن أنه وحده على (الفيس بوك)، أبرز ذلك الشيطان القابع وراء قفصه الصدري، فيتطاير شرره مثل البراكين ترمي حممها ذات اليمين وذات الشمال.. 
أجد نفسي بحاجة إلى مطارحة الوسط الثقافي بهذه الصراحة الشديدة، لعل النظر في المرآة يساعدنا على حلحلة مشاكلنا وعقدنا المتجذرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق