د. عمر عبد العزيز
ترجمة/ مثنى محمود
في عام 1993، وفي غمرة التحضيرات والاستعدادات لإعلان " الاتحاد الإسلامي الكوردستاني"، كحزب جديد على الساحة الكوردستانية، حينها كنت أنا العبد الفقير أحد المساهمين في عملية البحث عن "الاسم" و"الشعار" و"الرمز" و"اللون" للحزب الجديد، حيث توصلنا بعد ساعات من البحث المضني والجهد المتواصل والبحث بين الأفكار والملاحظات إلى القرار الأخير حول "الاسم"، و"الشعار"، و"الرمز"، و"اللون"، وما زال العمل بهذه العناصر متواصلاً حتى يومنا هذا، على الرغم من مرور عشرين عاماً على الإعلان، وانعقاد ست مؤتمرات للحزب، حيث لم تطرأ أي تغييرات، ولو طفيفة، على هذه العناصر الأربعة.
والآن، وبعد مرور كل هذه السنين، وكجزء من الأمانة الملقاة على عاتقي، فإنني وجدت بأنه من الضروري أن أوضح، وأضع أمام أنظار الأجيال الجديدة، بعض معاني ودلالات هذه العناصر، وربما كانت أيضاً محطة للذكرى والتذكير، بالنسبة للأساتذة والأخوة والأخوات من جيل التأسيس، الذين لم يكونوا ضمن لجان التحضير للإعلان، أو أنهم - وبعد مرور كل هذه السنين - من الممكن أن يكونوا قد نسوا بعضاً من الأسباب والعوامل والدوافع، التي كانت خلف اختيار هذه العناصر الأربعة، ومدلولاتها ومعانيها.
ومن الطبيعي أن يأتي هذا الجهد، ليقطع الطريق أمام أي تحريف، أو تأويل خاطئ لمعاني الألفاظ والرموز ومدلولاتها. وعليه، سأوضح هذا الموضوع في (6) نقاط:
أولاً: فيما يتعلّق بتسمية الحزب بـ"الاتحاد الإسلامي الكوردستاني":
1- من المعلوم أن معظم قيادات (الاتحاد)، وكوادره المتقدمة، في فترة ما بعد انتفاضة عام 1991، وحتى عام 1994، - أي قبل إعلان الحزب ببضع سنين - كانوا عاملين في منظمة دعوية - خيرية، يطلق عليها باللغة العربية: (الرابطة الإسلامية الكوردية)، واسمها باللغة الكوردية: (یه كگرتووی ئیسلامی كورد).
وهذه المنظمة كان قد تم تأسيسها وإعلانها خلال مؤتمر تاريخي، انعقد في مدينة (اسطنبول)، وذلك في حزيران سنة 1988، وبحضور العديد من الشخصيات الكوردستانية، التي جاءت من أجزاء كوردستان الأربعة. وحينها تم اختيار البروفيسور "علي محي الدين القره داغي" رئيساً لهذه المنظمة، ولهذا فإن إحياء هذا الاسم " یه كگرتوو"، جاء وفاءً وعرفاناً من قبل مؤسسي الحزب.
2- إن كلمة "یه كگرتوو" جاءت بمثابة إشارة إلى توحيد صفوف محاور التنظيمات الإسلامية وتنظيم جهودها، والتي كانت تنشط في الخفاء إبّان حكم البعثيين، وخاصة في حقبة الثمانينيات، حيث كان عمل التيار الوسطي الإسلامي قد اتجه نحو العمل التنظيمي والمؤسسي. وهذا ما كانت تؤمن به قيادات التيار الوسطي، من ضرورة توحيد عمل التيار الإسلامي المعتدل، الذي كان له العديد من الأعضاء والمؤيدين المنتشرين في أنحاء كوردستان.
3- إن كلمة (الإســلامي) تأتي بمعنى نسبة تنظيم " یه كگرتوو" إلى دين "الإسلام"، وذلك لاعتبار الإسلام دين الأغلبيــة لشعب كوردستان، وباعتباره أيضاً المرجع الفكري للقادة والمؤسسين الذين قرروا إعلان هذا الحزب، أي بمعنى اعتقادهم بأن الإسلام هو المصدر الأساس للأفكار والقيم.
4- إن كلمة (كوردستان) تشير إلى البعد "القومي والوطني" لنضال "یه كگرتوو"، باعتبار كوردستان هي موطن الكورد بالدرجة الأولى، وباقي القوميات الأخرى، وهذا الأمر جاء من إيمان قادة (الاتحاد الإسلامي الكوردستاني) بأن النضال القومي، والعمل على تحقيق أهداف الشعب الكوردي، هو جزء لا يتجزّأ من النضال الإسلامي.
5- بتاريخ 21/7/1993 قرّر المجتمعون من أعضاء مجلس الشورى (أي قيادة الحزب غير المعلنة في ذلك الوقت) تشكيل لجنة من السادة: (الأستاذ محمد فرج - الأمين العام الحالي للاتحاد الإسلامي، والأستاذ هادي علي، والعبد الفقير عمر عبد العزيز)، وذلك للإشراف على المؤتمرات المحلية للحزب في جميع المدن، وإجراء الاستفتاء حول إعلان الحزب واسمه. وبعد مرور شهر من الجولات واللقاءات والمشاورات، التي أجريناها من بهدينان حتى طرميان وبيتوين وهةورامان، قمنا بإعداد تقرير نهائي، وقدّمناه آنذاك للقيادة، وبالنتيجة تم إقرار اسم: (یه كگرتووى ئيسلامى كوردستان) باللغة الكوردية، واسم (الاتحاد الإسلامي الكوردستاني) باللغة العربية، بتاريخ 28/9/1993.
ثانياً: "شعار" الاتحاد:
1- أمّا فيما يتعلّق بشعار (الاتحاد الإسلامي الكوردستاني)، وما يعنيه، فإنه يشتمل على أربعة جبال، تشير إلى أجزاء بلاد كوردستان الأربعة المجزأة: الشمالي، الجنوبي، الشرقي، والغربي.. وهذا التصور المقصود كان نابعاً من إيمان مؤسسي الاتحاد بوحدة أجزاء كوردستان الأربعة. وكدليل على هذه الغاية: أتذكر بأنني اقترحت في أحد الاجتماعات أن تكون الجبال خمسة بدلاً من أربعة، وذلك للإشارة إلى "كوردستان الحمراء"، أي "آذربيــجان"، كجزء منسي من كوردستان الكبيرة قبل تقسيمها، ولكن بسبب شهرة عبارة "الأجزاء الأربعة"، أبقي على الجبال الأربعة، ولم تضف الخامسة إليها. على أي حال، وجبلٌ من هذه الجبال يظهر بصورة أكبر من الجبال الأخرى، إشارة إلى حلم كوردستان الكبرى التي ستحتضن أجزاء الوطن المجزأ.
2- الهلال الأبيض: يشير إلى البعد والمرجعية الإسلامية في نضال (الاتحاد الإسلامي الكوردستاني)، باعتبار الإسلام دين غالبية أبناء شعب كوردستان. وفي (الهلال) رمزية أخرى، كونه يدلُّ على بداية إطلالة شهر جديد، فإنه هنا يوحي ببداية ظهور جديد، ويشير إلى إشراقــة يوم جديد.
أما احتضان الهلال للكفين المتصافحين، وللأحرف الإنكليزية الثلاثة: "k.i.u"، وللجبال، فإنه يرمز إلى حضن الإسلام، باعتباره المرجع الفكري لأعضاء الاتحاد، وللحزب، كمؤسسة وآلية عمل، ولكوردستان، كموطن، وجغرافيا، وبيئة للأشخاص وللمنظمة.
3- الكفان المتصافحان: ويُشيران إلى إيمان (الاتحاد الإسلامي الكوردستاني) بالحاجة إلى وحدة شعب كوردستان واتحاده، على مستوى الأبعاد الثلاثة: "الدينية"، و"القومية"، و"الوطنية". بمعنى أنه في وقت واحد يعبّر عن (الأخـــوة الدينية) في دائرة الفكر، و(الوحــدة القومية) في دائرة اللغة، ولهجاتها، و(التسامح والتعايش) بين سكان بلاد كوردستان، باعتباره المنهج الأصوب للقضاء على الخلافات، وإحلال التسامح، والسلم الاجتماعي.
4- أما الثلج الأبيض المتراكم على قمم الجبال: فإنه جاء ليعبِّر عن النضال المدنيّ لـ(الاتحاد الإسلامي الكوردستاني)، وابتعاده عن اللجوء إلى عمل المليشيات، وعدم تأسيس مكتب عسكري، وقوة مسلحة، في نضاله ونشاطه.
ثالثاً / فيما يتعلق بشعارات (الحرية.. الإخاء.. العدالة):
إن اختيار هذه الشعارات الثلاثة، جاء مقصوداً، ومعبِّراً عن الأبعاد والإشارات الفكرية التالية:
1- الحريــة: ويرمز هذا الشعار إلى إيمان (الاتحاد الإسلامي الكوردستاني) بحريات الفرد المواطن، ومعاداته للعبودية الفكرية، والقهر السياسي، والظلم الاجتماعي، وسلب حريات الإنسان، بأي عذر، أو حجة، وتحت أي مسمى.
2- الإخــاء: ويشير هذا الشعار إلى إيمان (الاتحاد الإسلامي) بالتسامح، ووحدة الصف، والبعد عن الفرقة، والخلافات العرقية، والسياسية، والطائفية، والمذهبية.
3- العدالـــة: وهذا الشعار يُشير إلى المنهج الأصوب، لتحقيق الاستقرار الاجتماعي، وللقضاء على الظلم والاضطهاد والتمييز.
رابعاً/ فيما يخصُّ بإشارة لفظ الجلالة (الله)، في الكفين المتصافحين:
من الضروري أن أذكر للتاريخ، وفي هذه المناسبة - باعتباري أحد واضعي هذا التصميم - : بأنه لم يكن في مخيلة أي شخص، من الذين شاركوا في صياغة هذا الرمز، آنذاك في نهاية عام 1993، أن تكون أصابع اليد العليا "اليد اليسرى من جهة القارئ"، على شكلها الحالي، وتقرأ كـ(الله) لفظ الجلالة.. ولكن بعد حفر الختم الأول لهذا الرمز، واستعماله، وجدنا ومن قدر الله تعالى - وبعيداً عن أي غاية - بأنه جاء قريباً من لفظ الجلالة (الله)، ولا أخفي حقيقة تفاؤلنا بالخير والسعادة، إلاّ أننا لم نكن أبداً مع أن ينقش لفظ الجلالة (الله)، ويبرز، في الشعار، بهذا الشكل الموجود اليوم.
ولكن، وبعد توسع الحزب، وافتتاح مكاتبه، ومؤسساته، ومراكزه، وفروعه المتعدّدة، وبعد تزايد عمليات طبع، ونشر المنشورات الداخلية، والخارجية، وبعد تراجع، أو مرونة المركزية في التخطيط، والتصميم، تم إبراز لفظ الجلالة (الله) أكثر من النسخة الأصلية. علماً بأنني لست من المؤيدين لذلك، سواءً كان ذلك لعظمة لفظ الجلالة (الله)، أو لكون لفظ الجلالة لم يكن بارزاً على هذا الشكل في نسخة التصميم الأصلي، لأن ذلك لم يكن مقصوداً، كما ذكرت.
خامساً/ فيما يتعلّق بالأحرف الثلاثة باللغة الإنكليزية (k.i.u)المكتوبة على الجبال:
من الواضح أن هذه الأحرف الثلاثة الإنكليزية، جاءت اختصاراً لـ(Kurdistan Islamic union)، وما هي إلاّ الترجمة الإنكليزية لـ(الاتحاد الإسلامي الكوردستاني)، حتى يفهم القارئ والمشاهد الأجنبـي اسم الحزب ورمزه، ولا سيّما أن هذا الأسلوب من اختصار أسماء المنظمات والأحزاب معروف عندهم، ومعمول به لديهم بشكل واسع.
سادساً/ أما ما يرتبط باختيار اللون البني لـ(الاتحاد الإسلامي الكوردستاني):
كأحد الأعراف المعمول بها في تمييز خصائص الحزب السياسي وإظهارها، فإن كل حزب يختار لونه الخاص به. ومن هذا المنطلق، قررت الهيئة التأسيسية للاتحاد الإسلامي الكوردستاني، اختيار "اللون البني/ أو: القهوائي" للحزب، على الرغم من وجود ملاحظات حول هذا اللون، لكونه غير مألوف بكثرة، مع احتمالية مواجهة بعض المشاكل الفنية، بسبب عدم التحكم طباعياً بدرجة حدة هذا اللون وظهوره.
ومن المهم معرفة، أن الأسباب والدوافع وراء اختيار هذا اللون، كانت واضحة آنذاك، ولم يكن السبب الوحيد لذلك انعدام إمكانية اختيار الألوان الأخرى، إذ نوقشت العديد من الاختيارات، كـ"اللون النيلي"، و"اللون البرتقالي"، و"اللون البنفسجي"، و"الأزرق الغامق"، أو خلط عدة ألوان، والتي لم تكن مستعملة حتى ذلك الحين، إلا إن الأغلبية كانت مع اختيار اللون البني، لعدة أسباب منها:
1- إن "اللون البني" يرمز إلى الأرض، وإلى الوطن، الذي أعلن فيه هذا الحزب، أي: "كوردستان"، باعتبارها البيئة السياسية والاجتماعية الحاضنة للحزب.
2- في الوقت نفسه يشير هذا اللون إلى لون المادة التي خلق منها الإنسان "أي الطين"، سيد الكائنات على وجه الأرض، وذلك وفق أصوب الاتجاهات الإسلامية.
3- كذلك يشير هذا اللون إلى التواضع وخدمة البشر. على النحو الذي يرمز فيه هذا اللون إلى الأرض، بما توحي به من معاني التواضع وخدمة بني البشر.
هذه الأسس، وغيرها، أصبحت بمثابة الإجابة على الأسئلة المطروحة حول سر اختيار اللون البني، والتي طرحت للمناقشات في حينها نهاية عام 1993، وفقاً للمذكرات والتوصيات المحفوظة لدي.
كل هذه النقاط التي تحدثت عنها من: دائرية شعار الحزب، واللون البني، ووجود الهلال الأبيض، والكفان المتصافحتان، والجبال، وعددها، والقمم البيضاء، وحروف k.i.u، والشعارات الموجودة داخل العلم، تم إقرارها ومصادقتها في اجتماع 19/2/1994، أي - بعد مرور 13 يوماً على إعلان الحزب، وبعدها دخلت حيّز التنفيذ، وصنعت الأختام على أساسها في 5/3/ 1994، وجرى استخدامها بعد ذلك التاريخ.
كل ما عرضناه للقارئ الكريم يعتبر موثقاً لدينا، ومحفوظاً. وسوف أتطرق في مقال آخر، إن شاء الله، إلى تاريخ ولادة فكرة الحزب، والخطوات التي مهدت لإعلانه، والآليات التي اتبعت، وبعض المعلومات الهامة، والمفيدة، المتعلّقة بهذا الشأن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق