عبد السلام مدني:
ضمن الفكر الإسلامي نفسهعندنا إشكاليات متعددةمن ناحية احترام التنوع وقنوات الحوار والعيش المشترك
حاوره : آرام سعدي
يعد تجسر الهوة بين الثقافات أمراً ضرورياً وعاجلاً للسلام والاستقرار والتنمية، ويشكل التنوع الثقافي قوة محركة للتنمية، ليس على مستوى النمو الاقتصادي فحسب، بل أيضاً كوسيلة لعيش حياة فكرية وعاطفية ومعنوية وروحية أكثر اكتمالاً، ويعتبر التنوع الثقافي ميزة ضرورية للحد من الفقر وتحقيق التنمية المستدامة، في الوقت عينه، يساهم القبول بالتنوع الثقافي، والإقرار به، عبر الاستعمال الإبداعي للإعلام وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، بشكل خاص، في خلق الحوار بين الحضارات والثقافات، وفي بلوغ الاحترام والتفاهم المتبادل. وقد تحول تعزيز التنوع الثقافي "التراث المشترك للبشرية"، وفقاً للإعلان العالمي لليونسكو، المتعلق بالتنوع الثقافي للعام 2001، والحوار الناتج عنه، الى إحدى القضايا العصرية الأشد إلحاحاً، وبالتالي إلى قضية أساسية بالنسبة إلى ولاية المنظمة.
وللحديث حول "التنوع الثقافي من أجل الحوار والتنمية" أجرت مجلة (الحوار) هذا اللقاء مع المدرب الدولي والناشط (عبدالسلام مدني).
الحوار: ما المقصود بالتنوع الثقافي في المجتمع؟
عبدالسلام مدني: التنوع الثقافي حالة اجتماعية طبيعية وأصيلة في المجتمعات الإنسانية. لا يوجد مجتمع واحد ووحدوي في كل تفاصيله. التنوع الثقافي هو وجود انتماءات متعددة ضمن إطار مجتمعي واحد من ناحية العرق، أو الدين أو المذهب أو الطائفة.. هذا هو الأصل في المفهوم، وإن كان من الممكن سحبه وضم حتى التوجه الفكري والأيديولوجي إليه. وهي الحالة الطبيعية للمجتمع الإنساني، لأن مجموعة من هذه الانتماءات قد وجدت مع وجود الإنسان، فهو مسير عليها، وهي جعل إلهي (كالقومية والعرق واللغة..)، ومجموعة أخرى هي خياراتنا الإنسانية في هذه الحياة (كالدين، والمذهب والطائفة والتوجه الفكري والأيديولوجي).الحوار: أين تكمن أهمية التنوع الثقافي؟
عبدالسلام مدني: الأصل في الموضوع أن هناك شعباً يعيش في مساحة جغرافية، وحدود سياسية، معينة، فإن قرروا أن يتقبلوا انتماءاتهم وخياراتهم المتنوعة لبعضهم البعض، وأن يركزوا على كيفية جعل البلد مكاناً سعيداً ومريحاً للعيش للجميع كمواطنين، فهذا بحد ذاته إنجاز حقيقي ومهم وكبير، لأن العكس معناه أن نتحول إلى التصارع والتقاتل والإلغاء، وهذا معناه أن نعيش في جحيم مستمر، فقط لأن (الآخر) لا يعجبني توجهه أو انتماؤه، أو أنا لا أعجبه! وأنا هنا أسميه (الآخر) مجازاً، لأنه من هو (الآخر)، ولم يكون هناك (آخر)، بدلاً من أن نكون مجموعة مواطنين متعايشين؟!.
الحوار: كيف يتم ترسيخ مبدأ قبول الآخر في المجتمع وفق التنوع الثقافي؟
عبدالسلام مدني: كلمة (قبول الآخر) في حد ذاتها معناها أننا نفصل على أساس معين، وليس مطلوباً أن يكون هناك (أنا) و(الآخر)، وأنا إن رضيت بهذا الشرح، فهو فقط للتوضيح، وإلا فهي مشكلة بنيوية كبيرة. الفكرة هي إن علينا تجاوز مفهوم (القبول)، وكأننا أصحاب الحق والأرض، و(سنسمح) و(نقبل) بـ(الآخر)، وكأنها صدقة عليه. الموضوع يجب أن يتركز في (الاحترام)، وتجاوز فكرة (الوصاية)، أو (الحكم)، على انتماءات أو خيارات بقية المواطنين. يجب أن نعيش مع بعض مجتمعين على المشتركات التي تجمعنا، والتي ستحسن من مستوى معيشتنا وحياتنا في هذه السفينة (المجتمع)، الذي يحتوينا جميعاً، حتى لو كانت هذه السفينة هي الكرة الأرضية كلها، وليس فقط حدود دولة سياسية معينة! فكما قلنا مجموعة من هذه الانتماءات والتنوعات الثقافية وجدت مع وجود الإنسان، فهو مسير عليها، وهي جعل إلهي (كالقومية والعرق واللغة..)، ومجموعة أخرى هي خياراتنا الإنسانية في هذه الحياة (كالدين، والمذهب والطائفة والتوجه الفكري والأيديولوجي)، وإيماننا واحترامنا لهذا التنوع، مؤشر على إيماننا واحترامنا للجعل الإلهي وللخيار الإنساني. "ملاحظة: أقصد بالحكم أن يقوم أحدنا بالحكم على الآخر، لمجرد أنه من قومية أخرى، أو دين، أو مذهب آخر، أنه كذا وكذا، دون أن يعرفه هو كشخص".الحوار: كيف نستثمر التنوع الثقافي في تنمية المجتمع؟
عبدالسلام مدني: التعامل مع (الاختلاف)، أو بمعنى أدق: (التنوع)، مهارة وثقافة بحد ذاتها. في المجتمعات المبتلاة بضعف مهارات وثقافة العيش المشترك والاحترام الثقافي المتبادل-كمجتمعاتنا بشكل عام، في هذه المرحلة - قد يؤدي تنوعنا إلى الاختلاف والخلاف، ومنها إلى مآسٍ كالتي نعيشها يومياً. صحيح أنها ليست جميعها دموية وإقصائية، ولكن ممارسات كثيرة تقوم بها التجمعات البشرية المختلفة/ المتنوعة تجعل حالة الانغلاق والعزلة بينها واضحة. وهناك وضوح في أن مظاهر التعامل والتواصل عابرة التجمعات الضيقة، ضمن المجتمع الواحد جغرافياً وسياسياً، ضعيفة وهشة، ولم تصل إلى مرحلة الاندماج في مفهوم المواطنة تحت مظلة الاحترام المتبادل وتجاوز فكرة الوصاية والحكم. التنوع يمكن أن يكون إضافة نوعية للمجتمعات التي تطور مهارات ونظم وقوانين، وتبدع عادات وأعراف جديدة، تجعل من التنوع ثروة جبارة في سبيل نهضة المجتمع.؛إن علينا تجاوز مفهوم (القبول)، وكأننا أصحاب الحق والأرض، و(سنسمح) و(نقبل) بـ(الآخر)، وكأنها صدقة عليه. الموضوع يجب أن يتركز في (الاحترام)، وتجاوز فكرة (الوصاية)، أو (الحكم)، على انتماءات أو خيارات بقية المواطنين. يجب أن نعيش مع بعض، مجتمعين على المشتركات التي تجمعنا، والتي ستحسن من مستوى معيشتنا وحياتنا في هذه السفينة (المجتمع).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق