كلنا نمارس
التبرير في حياتنا اليومية، سواء كنا زعماء سياسيين، أو مفكرين، أو أشخاصا عاديين،
ضمن إطار العائلة في البيت الصغير، أو في المجتمع والدولة، الكل يبرر للكل، حتى الطفل
الذي يرتاد مدرسته، يكون قد تشرب أبجديات (فن) التبرير، في البيت أو الحارة، قبل تعلمه
أبجديات اللغة في المدرسة، ويحفظ عن ظهر القلب المبررات التي يغطي بها غيابه وكسله،
ومشاكسته في الصف، أو في الشارع، أمام معلميه، أو أبويه، محاولا إقناعهم بحجته، وقد
تنجح خطته، ويقتنعون بها، وقد لا تنجح، ويتعرض لموقف (بايخ)، الأمر يتوقف على مدى ذكاء
ومهارة المبرر في وضع خطته (كذبته) المحبوكة. وعندما يشب، ويكبر، تتوسع خبرته ومداركه
أكثر، ويتعلم مبادئ وأسس هذا الفن أكثر، حتى يصبح أستاذا كبيرا في هذا المجال، ويقوم
بتعليم الأجيال اللاحقة. هذه العادة التي تنتشر وتتطور أكثر
في المجتمعات المتخلفة، بينما تضيق وتنحسر في المجتمعات المتحضرة، التي تعتمد الصدق والشفافية في مسيرتها الحياتية..
في المجتمعات المتخلفة، بينما تضيق وتنحسر في المجتمعات المتحضرة، التي تعتمد الصدق والشفافية في مسيرتها الحياتية..
والتبرير
- بحسب علماء النفس والاجتماع والفلسفة- «حيلة لا شعورية، تلجأ النفس البشرية إليها،
وتسوغ سلوك الشخصية، أو ميولها، أو دوافعها، التي لا تكون مقبولة عند المجتمع»، أي
أنه (كذب مقنع)، أقوى وأسوأ من الكذب العادي. فالمبرر يتعمد الكذب على نفسه، وعلى الآخرين
أيضا، يعني هو كذب مركب، وهو "أعذار، تبدو للنظرة العابرة أنها مقنعة ومنطقية،
ولكنها ليست الأسباب الحقيقية، والدوافع الفعلية، يعني هي أعذار واهية". وأخيرا
؛ هو الشماعة التي يعلق الإنسان عليها أخطاءه، وفشله.
و(التبرير)
يعتبر أهم وأعظم اختراع لغوي وفكري واجتماعي وسياسي واقتصادي اكتشفه الإنسان منذ أن
وجد. وما يميزه عن الحيوانات ليس اللغة، ولا العقل، ولا الإحساس، ولا الوظائف الجسدية،
ولا أي شيء آخر؛ فكل ما هو موجود فيه، موجود فيها، وربما أكثر، ولكن ما يميزه عنها
هو (التبرير)، فهو اختراع يتفرد به الإنسان وحده، دون غيره من الكائنات الحية الأخرى
الموجودة معه..
والعجيب
أن هذه العادة السيئة تلازم الإنسان حتى وهو في الآخرة، وأمام الله، الذي لا تخفى عليه
خافية، محاولا التخلص من ورطته بكل السبل، وإيجاد تبريرات لأفعاله المشينة التي اقترفها
في الدنيا، والإفلات من العقاب المحتوم..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق