21‏/01‏/2022

لماذا نكرهُ المعارضين؟

بكر أبو بكر

فلسطين

?  لطالما أكدنا المفاهيم والأفكار، وذلك في السياق النظري التربوي والتثقيفي والتعبوي، بمعنى أننا في كثير من المحاضـرات نلجأ لطرح الأفكار والمفاهيم لتبيانها، والعمل على غرسها في النشء، أو إعادة غرسها في الكبار، ممن نسوا - تحت ضغط واقع الحال - أهميتها، فنشعلها في النفس لتعود مفاهيمًا ومسلكاً وقيماً، أي تحويل الأفكار إلى أداة فاعلة تمشي على الأرض.

التعبئة الدينية، والتعبئة الوطنية، والتعبئة الحركية والمجتمعية.. تستلزم التشديد على المفاهيم؛ تلك الأساسية

المتعلقة بالفكرة الأساس، أو بالدين، وهي عامة الأفكار الرحبة التي تنضح بالمحبة والرحابة والقبول، فلا دين أو فكرة ممتدة لا يكون لها من هذا الاتساع ما يجعل منها متبناة من الشـريحة الأوسع.

واقع الحال -كما يقولون- كثيرًا ما يتناقض مع سمو أو بهاء أو عظمة أو صحة الأفكار، كما الحال فيما نقوله عن الإسلام العظيم: فلقد تقاتل المسلمون زمنًا طويلًا، حتى باتوا لا يشكلون النموذج الحيّ للدلالة على الدين السمح. وبمعنى آخر أنك تستطيع أن تأخذ الإسلام من مصادره الأولية، أي من القرآن الكريم والسنة المطهرة، وقد لا تستطيع ذلك حين تلجأ للآراء والتفاسير والتأويلات، التي لوت فيها عديد الاتجاهات عنق المفاهيم لما يتفق مع طريقة تفكيرها، أو مع أهدافها ومصالحها الفئوية الخاصة.

لنقل بشكل آخر: إن الدين الإسلامي -كما الأديان- يبتغي المحبة والعدالة والحق والإعمار وسعادة الإنسان في الدارين، فأين تجد هذا الأمر اليوم، بعيدًا عن الكتب؟ لقد وجد الإمام محمد عبده ذلك في أوروبا؟ وليس في الدول المسماة (إسلامية)؟! وفي آخر إحصائية، بدت دول الشمال الأوروبي الأكثر تطبيقاً للقيم الإسلامية! وكان الإمام محمد عبده قد قال عن أوروبا، أو فرنسا: رأيت الإسلام ولم أر المسلمين، قاصدًا قيم النظام الداخلي داخل البلد (ولم يقصد العقيدة، أو السياق الإرهابي الاستعماري للغرب الغازي آنذاك).

كانت هذه المقدمة ضـرورية للقول إن النظرية والتطبيق كثيرًا ما يتصادمان على أرض الواقع، وفي كثير من الأحيان لا يكون معتنقو الفكرة السامية - غالبًا اسميًا - هم بالفعل رعاتها، ونموذجها. وسوء أداء المعتنقين ليس حجة على الفكرة.

دعنا نقول أيضًاً: إن هناك فئة كبيرة تهتم بالشكليات، أو تهتم بالمظاهر(الطقوس...) على حساب الفكرة برجليها، أو على حساب التطبيق، فتفترض بذاتها أنها هي حامية الفكرة، ولكن عندما تصطدم بمصالحها، تدوسها برجليها! وتحت مبررات جاهزة من نبع ذات الفكرة (الدين، الأيديولوجية...إلخ).

وهناك فئة تعتنق قيم امتلاك المطلق والحق الأبلج حصـريًا، كما تتسم بالاستبداد وقيم التفرد وقيم الأنا العليا والكِبر، فتقف هذه القيم العائق الأول أمام الأذن، فتمتلأ وقراً يمنع السمع.

يقول الله تعالى: {تلك الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}(83 القصص)، ويقول: {ولا تمشِ في الأرض مرحًا}، أي: لا تمشِ مختالًا مستكبرًا، لأنك {لن تخرق الأرض}، وأيضاً في ذات الآية من (سورة لقمان): {ولن تبلغ الجبال طولًا}.

ذات الأمر يمكننا أن نعكسه على التنظيمات السياسية، ومنها الفلسطينية، والثورة الفلسطينية التي في خريفها التنظيمي، وربما الفكري العملي اليوم، باتت تتبرم بالاختلاف، وتنظر للمعارضين نظرة خروج ومروق ورِدّة أو عداء، فبدلًا من السعي لزيادة مساحات الاقتراب، تعمل مع الأسهل، أي أن تستخدم كل وسائل إلحاق الأذى - المستمدة من السلطة المادية، أو المعنوية- بالآخر، لمجرد المخالفة بالرأي أو الفهم أو السياسة.

التبرم بالمعارضين، لدى البعض، ليست إلا دلالة على هوى ونزق لصاحب الموقع، المركز، أو دلالة استبداد لا يقبل الآخر، {أنا ربكم الأعلى}!

التبرم والرفض المطلق للمعارضين مؤشـر أو دلالة ضعف ذاتي، ليس بالضـرورة للفكرة، وإنما لطريقة فهمها. وهو رفض يقفز ليتحول حقدًا على المخالف، ولربما يكون مثل هذا التبرم بالآخر لسوء التفسير، أو الانغلاق والتحجر العقلي، وكثيرًا ما تكون المصالح الذاتية الأنانية الطاغية حجر عثرة أمام تقبل الآخر.

نحن في المجتمعات العربية والإسلامية، أو ما تسمى مجتمعات العالم الثالث، وبالفصائل –في كثير منّا- مازلنا نتبرم بالآخرين، الى الدرجة التي نسعى فيها لإقصائهم، وكأن الحدّية، أو الإقصائية، أو منطق الأبيض والأسود، هو المنطق الوحيد السائد في الدنيا، رغم عديد الألوان.. فنحن لا نعي آداب الاختلاف حين نتنكر للاحترام المتبادل، ومساحات الالتقاء الواسعة للفكرة، وحينما نتسلط باستخدام النظام (أو تطويع بنوده) لعزل أو إقصاء المخالف. فالأسهل هو البتر، بينما الطبابة تأخذ وقتًا طويلًا، قد لا يسعف المستفرد، ولا يتحمل ثمنه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق