21‏/01‏/2022

مرافئ/ قطرة من بحر الإتكيت!

د. يحيى عمر ريشاوي

? يعكس الذوق والإتكيت – إلى حد كبير – شخصية الإنسان وماهيته، ونحن شئنا أم أبينا، أحسسنا به أم لم نحس، خططنا له أم لم نخطط، فإننا نستخدم في حياتنا اليومية - وبشكل دائم - قواعد السلوك والإتكيت في التعامل مع الآخرين. نستخدمها مع العائلة، ونستخدمها مع الأصدقاء، ومع الجيران، ومع زملاء العمل، بل وربما نستخدم الإتكيت (من دون أن نشعر به) أحياناً مع أنفسنا وذواتنا حين نهم بفعل شيء، أو التفكير في شيء!

وهناك مساحات واسعة حول استخدام الذوق والإتكيت في التعاملات اليومية، في ثنايا التنزيل العظيم، وفي ثنايا السيرة النبوية العطرة. الإتكيت في العبادات، والإتكيت في العلاقات السياسية مع الآخرين، والإتكيت في الزيارات والعلاقات الاجتماعية، الإتكيت في تناول الطعام، الإتكيت في اللبس، الإتكيت في الحديث ومخاطبة الآخرين،

وغيرها كثير. والغريب أننا في كثير من الأحيان ننسـى هذه الدرر النادرة الموجودة في ديننا الحنيف، وتثير إعجابنا فنون وأساليب الإتكيت في المجتمعات الغربية! (من دون أن يعني ذلك أنني أقلل من شأن هذه السمة الحضارية لدى هذه المجتمعات).

ومعظم الذين لا يراعون الذوق والإتكيت وقواعد السلوك الاجتماعي في تعاملاتهم اليومية، حجتهم الوحيدة أنهم أحرار في تصـرفاتهم، وأن الإتكيت وقواعد السلوك الاجتماعي فيها نوع من التقيد والتعقيد! ناسين بذلك، أو متناسين، أن حريتهم الشخصية تنتهي حين تبدأ حرية الآخرين وحياتهم، وأنك لست حراً في تصـرفاتك اليومية، وتعاملك مع الآخرين، كيفما وأنى شئت. فحين تعيش مع الآخرين، وتحتكّ بهم، فإن عليك أن تدفع شيئاً من الضـريبة الاجتماعية لهذا الاحتكاك، وذلك بقواعد اجتماعية وسلوكية - ربما لا إرادية - اتفق عليها الجميع، أو ربما معظمهم، وأنك حين تتجاوز هذا السلوك الاجتماعي والإتكيت، فإنك ستحاسب (اجتماعياً) شئت أم أبيت.

صحيح أن هذه القواعد الاجتماعية في الإتكيت تختلف من مجتمع إلى آخر، وصحيح أنه لا يمكنك تطبيق القواعد نفسها على المجتمعات كافة، وصحيح أن المبالغة والتطرف في الإتكيت ليس محبذاً، وربما يؤدي إلى نتائج عكسية، ولكن من الواضح أننا لكي نعيش ونتعايش بسلاسة مع الآخرين، فإننا نحتاج إلى رعاية هذه القواعد الاجتماعية التي تدل على سلوك حضاري رفيع لدى صاحبها.

 جرّب الإتكيت أثناء تواجدك في مناسبة اجتماعية، وجرّبه حين تحاول أن تتصل عن طريق الهاتف بصديقك، أو حتى بزوجتك، وجرّبه حين تريد أن تذهب لزيارة أحدهم في بيته.. جرّبه هنا وهناك لمدة شهر (من دون تصنّع أو مبالغة) وسوف ترى النتيجة.. وأيّ نتيجة؟!

هناك تعليقان (2):