21‏/01‏/2022

تساؤلات من باب الشكّ المنهجي ..حول حديث (لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة)

إدريس آيات – النيجر 

?  السيدة المحترمة والناجحة إلى حدٍ كبير، (أنجيلا دوروتيا ميركل)، المستشارة الألمانية، غادرت منصبها، بأكثر الأرقام (فلاحًا) - إن جاز التعبير - بعد حكمها لألمانيا قرابة 16 عامًا.

 -رفعت من الأمن الداخلي، فأصبحت ألمانيا ثامن دولة أكثر أمنًا في العالم، من بين (195) دولة.

-  رفعت اقتصاد ألمانيا إلى 3.8 تريليون دولار (الأول أوروبيًا، والرابع عالميًا)، ويقارب كامل اقتصاد أفريقيا (55 دولة).

-  جعلت من ألمانيا، البلد الأوروبي الأكثر استقراراً سياسيًا، وخفضت من نسبة البطالة، وارتفع نسبة المليادريين الألمان، وتضاعفت نسبة التصنيع بشركات جديدة تنافس كبريات الكونغولميرات في المعمورة.

-  في عهدها باتت ألمانيا ترسل محميات عسكرية خارج البلاد، منذ الحرب العالمية الثانية، ما فشل في تحقيقه كل الرجال الذين سبقوها، وذلك لجرائم هتلر.

 -  على صعيد التسامح، هي الدولة الأوروبية الأكثر استقبالاً للاجئين، خاصة من سوريا وليبيا، وحتى من أفريقيا جنوب الصحراء، بخلاف قيادات الرجال الذين يهينون المهاجرين. وفي عهدها كانت ألمانيا الدولة الأوروبية التي تحارب الإسلاموفوبيا أكثر، بخلاف جارتها فرنسا مثلاً، بقيادة رجال حمقى.

غادرت منصبها، دون تاريخ مخزي، للرشوة، ولا فساد مرتبط بها، ولا خانت زوجها، ولم تقم بمحسوبية لأولادها على حساب وطنها.. لم تبن قصرـًا خاصًا لها، ولم تضع حسابًا سـريًا تحول ميزانية الدولة فيه.

- والآن:

- 1  هل حقًا قال الرسول هذا الحديث؟ لأننا درسنا في تاريخ التشـريع أن الرسول لا يمكن أن يقول شيئًا، أو يتنبّأ بشيء ويكذّبه الواقع، لأنّه - صلوات ربّي عليه - لا ينطق عن الهوى. فقد تنبّأ باستشهاد عددٍ من أصحابه، وهذا ما حدث. ومقتل أكابر قريش في معركة بدر. وكذلك أحاديثه عن تمكين الإسلام والمسلمين، في وقتٍ كانوا تحت تعذيب قريش، حتى شكّ منه بعض أصحابه. أو حديثه عن طاعون عمواس، الذي حدث. وأحاديث النبي عن بعض الفتوحات، كالشام وبيت المقدس، وزوال الروم والفرس، والكثير منها.

 إذن، هل يعقل أن يقول الرسول هذا الحديث، ويكذبه واقع، مثل واقع المستشارة (أنجيلا ميركل)، أم أنّ الحديث من وضع الوضّاعين؟؟

-2  إنْ كان الرسول قاله، فأيٌ من أنواع (الفلاح) قصد؟!. لأنّ ألمانيا أفلحت حقًا في عهدها، كما لم تكن من قبل، وإن قال قائل: يقصد به (الفلاح الأُخروي)، فلا أعتقد أنّ الله سيعذّب أمة بأكملها فقط لأنها ولّت أمورها امرأة.

إذن ما نوع الفلاح المقصود، إن كان حقاً من الصادق المصدوق؟!

-3  بعيدًا عن النقاشات المملة عن أن المقصود بها (ولاية عامة، أو خاصة) قرأت لأحد تجّار الدين المتزمتين في أفريقيا، وهو يعلّق بجهلٍ على قصة بلقيس، وأن هدهد -وهو طير- يستنكر ولاية بلقيس - وهي امرأة- على قومها. كي لا يحاججني أحدهم بهذا المنطق المعوج الناتج عن فهم معكوس، يجب أن ندرك أن استغراب (الهدهد) كان عن " ما تعبد هي وقومها من دون الله"، وليس عن ولاية بلقيس، التي بقيادتها اهتدى قومها إلى نبي الله سليمان، وأسلمت هي ومن معها، وقد أفلحت، وأفلح قومها.

     - إذن:

هناك ثلاثة احتمالات، إذا اتبعنا الشك البحثي والمنهجي:

أولاً: إما أنّ الرسول لم يقل هذا الحديث إطلاقًا، لذلك كذّبه واقع تاريخي.

ثانياً: الرسول قاله، لكنّه ليس حديثًا خبرياً في المعاملات وأحكام السياسة والقضاء، إنّما هو حديث تعبدّي، أي يقول لنا: (لا تولّوا أموركم امرأة)، فنتعبّد بذلك، كمسلمين، دون أن نبحث عن العلّة وراء ذلك، والمقصد الشـرعي وراءه. لكن هذا أيضاً يبطله قوله: (لن يفلح)، ما يعني أنّه ليس من العبادات التي لا تُسْتَجوَب، ولا علاقة له بالآخرة، بل بالدنيا. كما أنّ الكثير من المشايخ المتزمتين، كانوا ضدّ رئاسيات غير المسلمات؛ حتى ترأست رئيسة تنزانيا الحالية، السيدة (سامية صلوحي)، فسكتوا، وبعضهم دعموها، لأنّها مسلمة ومحجبة!. إذن ما هو المعيار؟ هل لا بأس بولاية المرأة، إذا كانت مسلمة، في بلد يكثر فيه المسيحيون؟ إذا كانت المعايير تتبدل مع الظرف والحالة، فلم َ -إذن- التمسّك بالحديث من الأساس!!؟

ثالثاً: إن الرسول قاله حقًا، وهو يقصد الفلاح الدنيوي، لكن جاء واقع تاريخي وأبطل صحة الحديث. (وهذا بالنسبة لي -كمسلم - بعيد الاحتمال). فالرسول لن يقول شيئًا يكذبه الواقع، الذي هو من صنع الله. كما لن يقول شيئًا لم يأخذه من المشـرّع؛ الذي هو الله!

قبل أن يكفرّني تجّار الدين في التشكيك في صحة حديث معيّن، أنا أسأل فقط، من باب الشكّ المنهجي- أو الشكّ الإبراهيمي إن شئت - ليطمئن قلبي. ولا يقولن أحدكم: هل تشّك في حديث لأجل امرأة غير مسلمة؟! لا، الحقيقة أنا أشك في أن يقول الرسول شيئًا  يخالفه واقعٌ تاريخي. فالرسول كل كلامه وحي،، ولا يأتي بشيء من عنده، فقد حذّره الله من ذلك {ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل. لأخذنا منه باليمين. ثم لقطعنا منه الوتين}.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق