الدكتور: خليل حلاوجي
كل الأنبياء صنعوا من
الأجيال الجديدة في المجتمع أصحاب قدرة على تولي الأمور لنهضة بلدانهم.. هذا هو
الدرس الأعظم للإيمان الذي يؤهل الإنسان ليفكر من أجل إصلاح الحياة.. حيث الدين هو
المبشـر بالعمل الصالح للدخول إلى الجنة؛ على الأرض وفي السماء ..
ومن أجل ذلك، نجد أن المدرسة التي تعد طلابها ليفكروا من أجل إصلاح الحياة .. نراها تخطط لجعل مخرجاتها تتجدد بالنفع والتأثير التجديدي لكل تفاصيل الحياة.. فالتعليم شـرط بناء المجتمع، وتغييره
الحقيقيّ، نحو الاكتفاء المعرفي، وذلك لا يتم إلا بتحوير بيئة التعليم: رفضاً للتفكير المعلّب، واستعداداً للتفكير الناقد، وتعليماً للطلاب أن يفكروا.. وبذلك يتم هضم الطلاب لوعي الإصلاح، وتيسير النبوغ، ومكافأة الإنجازات، والتحديث المستمر.وللتفكير الناقد أدواته؛ حين ندّرب الطالب على تقبّل التفسيرات
المبسطة للقضايا المعقدة، بأن تُدرّس نظرية الاحتمالات، ونعطي للطالب مساحة واسعة
من التأمل، ليخضع رؤيته إلى الدليل الإحصائي، فلا يؤيد أو يعارض إلا بدليل محصّن
بالرياضيات، بعيداً عن التحيزات العاطفية..
ويمكن أن نعد لجيل المستقبل، الذي يدرك بفطنة أن كل حادثة إنما
يسبقها سبب، وتتبعها نتيجة..
ثم إن عليه أن يحذر حين يستلهم دروس الماضي في فهم وإدراك مشكلات
الحاضر، فالتاريخ لا يعيد نفسه، لأن المجتمعات البشـرية تتغير ظروفها، وهي ترتقي،
وتتغير معالم فهمها للفيزياء والبايولوجيا، فضلاً عن تغير الطبيعة البشـرية،
وارتقاء مستوى الوعي الحضاري، حيث التطور التقني في كل مجالات الحياة يفرض إيقاعاً
سـريعاً لمواجهة الأحداث، وبالتالي نشهد أن الطبيعة البشـرية قابلة للتعديل، ففي
كل حدث نشهده اليوم ثمة ملابسات تختلف عن نفس الحدث الذي وقع قبل مئات السنين،
فالأحوال تتغير كل يوم، بل وكل ساعة، فحين نلاحظ وجوه شبه عديدة بين شيئين، في
تفكيرنا المعلب، فإننا نرصد اختلافات كبرى، نوعاً وكماً، في تفكيرنا الناقد، لنفس
الحادث.. إن التشابه والتمثيل الناقص، أو المغلوط، قد يخدعنا بحجج واهية ومموهة،
تضلل بسطاء الناس، وهم يؤمنون بالمتن القائل: (إن ما يصلح لليوم لا بد أن يصلح لكل
زمان)، وبذلك تزول الحدود في منهجية التفكير لزمن الماضي مروراً بالحاضر والمستقبل،
فيقع البعض في فخ التفكير المعلب. فنجاح الإنسان فيما مضـى، يؤهله لنجاح مماثل
فيما يأتي. وهو أمر متعذر حين يتناسى هذا الإنسان تغير شـروط الواقع، وفروضه، وإلزاماته،
لتحقيق النجاح المستقبلي، حيث يتوجب (الحذف والإضافة) لتتواصل آلية التحديث.
وهكذا، جاءت فيزياء انيشتاين رافضة للتفكير المعلب لفيزياء نيوتن،
فآمنت بشـرط التحديث المنهجي، وتم استحداث أسس جديدة مغايرة لأسس نيوتن..
إن مدارسنا اليوم مطالبة بإنقاذ طريقة تفكير طلابنا، وتحريرهم من
سجن التفكير المعلب إلى رحابة التأمل والتفكر والتدبر، لفهم واقعنا بشكل تفصيلي
دقيق.. ليتم إعداد هؤلاء الطلاب لتصحيح مسار حياتنا المتعثر، وإلا .. فإن المدارس
ستظل هي الأخرى داعمة لصور النمطية، والآبائية، التي ترفضها الحياة، التي ترغمنا
على التجديد..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق