د. سعد سعيد الديوه جي
في 18/11/2010 تناقلت وكالات الأنباء والصحافة تصريحات الرئيس الفرنسي ساركوزي ومن داخل صرح الديمقراطية الليبرالية باريس، عن نيته في منع بناء المآذن في فرنسا ورفع الأذان من عليها؛ ثم قال بأننا نريد إسلاماً فرنسياً!.
لا ندري كيف نبتت هذه الفكرة في رأس زعيم لدولة لها وزنها العالمي ويجب أن يكون مسؤولاً عن كل ما ينطق به، فهل سمع يوماً السيد ساركوزي بإسلام عربي أو تركي أو هندي أو كردي؟! وهل سمع بمسيحية إسبانية أو فرنسية أو ايطالية ..... ؟!. أن ما يحدث في فرنسا وغيرها من الدول الليبرالية إلى حد العظم أمر يدعو للعجب العجاب! وهم منفتحون على كل الأفكار الاشتراكية والإلحادية والوجودية وكل ما يمت إلى الديانات من أفكار وممارسات. فماذا يعني الأذان بين كل هذه التيارات المتلاطمة في هذه المجتمعات الليبرالية وهم في غالبيتهم " لا أدريون " ولا يشكل الدين عندهم نظاماً حياتياً له وزنه الخاص فهل الأذان نشيد إرهابي أم عبارات تدعو للتعصب والانتقام والقتل؟! إنه يبدأ بـ ((الله أكبر)) وهذا مالا يختلف عليه أحد مهما تباينت المفاهيم والمشاعر وينتهي بـ ((لا أله إلا الله)). وهي جملة تمس شغاف القلب وتدعو الإنسان للتعلق بخالقه لفترة وجيزة هي فترة الصلاة على الأقل في خضم الحياة المتلاطمة والتوجه بخشوع نحو عالم الروح ... نحو عالم آخر مع خالق رحمن رحيم. ومما يؤسف له بأن هذه الدعوات تخرج في أيام تعلو فيها الأصوات من هنا وهناك حول "حوار الحضارات" وتعقد المؤتمرات والندوات في هذا الشأن. في فنادق فاخرة ومنتجعات ساحرة! ثم يطلعون علينا بتوصيات وقرارات ترضي الجميع لا يقرأها أحد ولا يطبقها أحد، وعندما كتبت قبل فترة في أحد الصحف بأن هذا الحوار في كنهه ((حوار طرشان)) أعترض بعض الأخوة واتهموني بالتعصب والتشاؤم، وهاهي الأيام ومع الأسف تثبت ومع الأسف الشديد صواب تشاؤمي في حوار بدأت أبوابه تغلق يوماً بعد يوم ومن قبل الآخر الذي يتهمنا بالانغلاق والانعزالية والتعصب والتخلف. وفي هذا المجال تحضرني أفكار لأستاذنا الجليل الدكتور عماد الدين خليل في إحدى مقالاته عندما سمى هذه الممارسات في الفكر الغربي بـ ((العقدة السوداء)) وقال بأنها تتحكم بالعقل والوجدان الغربيين وهي سوداء لأنه لا يدري أحد متى تنحل خيوطها المتشابكة وتزول فالليبرالية والتنوير لهما تاريخ عميق كما يرويها أستاذنا الجليل مع هذه العقدة السوداء؛ فيذكر أن (فولتير) أحد أقطاب الثورة الفرنسية بشعاراتها البراقة – حرية – إخاء – مساواة، قد ألف مسرحية عن محمد (صلى الله عليه وسلم) وقدمها هدية للحبر الأعظم في زمانه جاء في الإهداء وبالحرف الواحد ((فلتستغفر قداستك لعبد خاضع ومن أشد الناس إعجاباَ بالفضيلة إذ تجرأ فقدم إلى رئيس الديانة الحقيقية ما كتبه ضد مؤسس ديانة كاذبة بربرية ..... فلتأذن لي قداستك في أن أضع عند قدميك الكتاب ومؤلفه ))!. وقبل الأذان قامت الدنيا ولم تقعد على الحجاب والنقاب وكل الممارسات التي تدخل في المفهوم الليبرالي داخل الحرية الشخصية والتي تعتبر مقدسة عندهم إلى حد العبادة، ولكن عند حدود الإسلام تتحول إلى عقدة سوداء! عقدة نفسية سيظلون يشتكون منها طالما تبعت أفكارهم وممارستهم خارج الفطرة ودين الفطرة. إن العقل الغربي يضع نفسه من حيث يدري؛ أو لا يدري وبهذه الممارسات في قفص التخلف الفكري والانغلاق الذي يحاول أن يضعنا فيه ثم يصدر أحكاماً جزافية سيكتبها التاريخ يوماً ويضعها في مصافي أحكام وقرارات محاكم التفتيش السيئة الصيت ولكن بإطار فكري آخر أن تفكير السيد ساركوزي لا يختلف عن تفكير – فيديار سورا جبراساد نيبول – الأديب البريطاني الحائز على جائزة نوبل في الأدب نظير شتمه الإسلام والعرب والذي قال فيه (بأن المسلمين بشكل عام شعوب مليئة دائما بالحقد) ولو تخلى السيد ساركوزي عن دبلوماسيته لأفصح عن مثل هذا الكلام وسيقولها في يوم ما ثم ينال عليها جائزة نوبل . إنه يريد مسلماً يذهب للمسجد ويخرج منه كما دخل إليه وهو ثمل يتأبط ذراع صديقته ويؤمن بالزواج المثلي والتسيب والانحلال، وإذا كان الأمر كذلك فأنه سيظل يحلم إلى أبد الآبدين . والعقد السوداء ثمرة نتنة للأمراض النفسية في الفكر الغربي المعادي للفطرة والتوحيد! وهذا المرض هو ((الإسلاموفوبيا)) الذي اخترعوه ثم آمنوا به ككل الأصنام على مدى التاريخ عندما يصنعها البشر ثم يكون عبداً لها ولكنه صنم فكري . وما يجب أن يعرفه السيد ساركوزي بأن المسلم يستطيع إقامة صلاته في كل الأماكن إذا حان وقتها ويستطيع أداءها منفردة وجماعة وبدون واسطة؛ و إن كانت هنالك منارة أو لم تكن، وبمجرد أن ينظر المسلم إلى ساعته فيعلم أن وقت الصلاة قد حان فيذهب إلى لقاء ربه وحمده وشكره والخضوع له ومعاهدته على فعل الخير وترك الشر, فهل سيمنع السيد ساركوزي المسلمين الفرنسيين من ارتداء الساعات اليدوية؟.إن ساركوزي ومن على شاكلته يدقون الأسافين بين المسلمين والمسيحيين بهذه الممارسات الخاطئة التي لا معنى لها في عالم منفتح ومتواصل، وهذه الأسافين لا تقل خطورة عن استعمال الأسلحة والعنف، بل هي التي تمهد الطريق للعنف، ولذلك يجب على العقلاء من الفريقين وأد هذه الممارسات في مهدها وليس بالضرورة من خلال مؤتمرات في فنادق فاخرة. ولو أراد ساركوزي ومن هم على شاكلته فهم ما يعنيه الإسلام بالنسبة للآخر؛ فليقرأ صفحة واحدة لا أكثر عن مكانة المسيح (عليه السلام) وجلال قدره عند المسلمين، ومكانة والدته مريم العذراء – سيدة نساء العالمين – وكل أنبياء الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، وعندها سيعلم أن المسلم الملتزم يطبق تعاليم المسيح (عليه السلام) في العفة والحياء والابتعاد عن الزنا والابتذال ويطبق كل أخلاق الأنبياء عليهم السلام. وعلى هذا النهج فالمسلم الذي يختط حياته وفق تعاليم القرآن والسنة النبوية لا يكره أحدا ولا يعادي أحدا؛ وعلى قاعدة متينة وصلبة {لكم دينكم ولي دين} أما أن يكون الدين الحق قطعة قماش تفصل حسب الأهواء والرغبات؛ فالأمر لا ينطبق على الإسلام الصحيح، أينما عاش المسلم وفي كل الأجواء وهم يدركون ذلك تمام الإدراك يقول تعالى {فلما جاءتهم آيتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين وجحدوا بها وأستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً فأنظر كيف كان عاقبة المفسدين}(14 النمل).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق