عماد النقشبندي - دهوك
لكل شعب من الشعوب على وجه البسيطة مقومات وعادات وتقاليد، وموروثات تتناقلها الأجيال عبر الأجيال، يتجسد على شكل قطع منزلية وادوات تستخدم في الحياة، فيمر الزمن لتصبح هذه القطع المتوارثة ذات قيمة مادية ومعنوية على قدر سواء، فتصبح هذه القطع (أنتيكة)، وقد أصبح الطلب عليها أكبر من ذي قبل فيزداد سعرها وترتفع قيمتها......
الشعب الكردي، بصفته أحد الشعوب القديمة والتي لها من العمق التاريخي على صعيد المنطقة بشكل عام وعلى صعيد العراق بشكل خاص، يحتفظ بالكثير من الموروثات والانتيكات ذات الطابع والمميزات الخاصة بهذا الشعب العريق، وفي دهوك، توجد عدة محال تجارية في سوق المدينة تتعامل بالتحف والأنتيكات الخاصة بالفلكلور الكردي، وهناك كانت لنا هذه التغطية، حيث التقيت مع السيد (فرست حسن محمد) وهو صاحب أحد المحال الكبيرة المختصة بالأنتيكة والفلكلوريات والسجاد اليدوي الكردي،
الحوارـ منذ متى وأنت تعمل في هذه المهنة؟.
-بداية، كان والدي وأعمامي يعملون بهذه المهنة منذ ستينيات القرن الماضي، وبعد ذلك ظهر حب هذه المهنة لدي ما جعلني أرث المهنة عنهم وبكل حب لها وإخلاص، فمنذ حوالي 30 سنة قمت بامتهان هذه المهنة الجميلة التي كان لها أثر كبير في مجريات حياتي بشكل عام؛ فقد أصبحت أهتم بها أكثر من اهتمامي بأي شيء آخر.
الحوارـ من أين تأتون بالقطع الفلكلورية والتراثية التي تتعاملون بها؟.
-نعتمد في هذه المهنة على موروثات البيوت القديمة في المدينة وكذلك من القرى التابعة لمدينة دهوك، فنقوم بشراء هذه القطع ومعالجتها وتنظيفها والاهتمام بها وبرونقها لتصبح أهلا للعرض، ومنها ما نقوم بتصنيعه اعتمادا على الموروث الشعبي، مثل العكاز أو ما يعرف بـ(الجاكون)، والسبح الخشبية والسبح المصنوعة من حبات (الحبة الخضراء) والفخاريات وغيرها.
الحوارـ هل تتعاملون بالقديم فقط أم أن هناك مجالا للجديد عندكم؟.
-المعروف عن مهنتنا هو التعامل بالقديم، وهذا هو المعروف عن التجارة بالأنتيكة بشكل عام، ولكننا نتعامل بالجديد أيضا، إذ أننا لا نتحرج من التعامل بالجديد والقديم على حد سواء، فالقديم له سوقه ومحبوه ورواده، وكذلك الجديد الذي يحاكي القديم، وهذا أيضا له سوقه الخاص. عموما فالأنتيكة تنقسم إلى عدة أقسام، فمنها.
القطع الصوفية والقطنية، وهي ما يأتينا من القرى التابعة لمدينة دهوك، حيث النساء وخاصة العجائز يعملن بهذا العمل إما بهدف التسلية أو لكونهن زاولن هذا العمل لغرض سد حاجة أسرهن في السابق وقد تعودت أيديهن على هذا العمل، لذا تراهن يعملن في حياكة السجاد اليدوي الكردي وهو من اختصاصنا عبر السنين، والملابس الصوفية التي كانت من متطلبات درء برد الشتاء وكذلك الجواريب الصوفية وبعض المنسوجات الأخرى.
القطع الخشبية، ومنها الشمعدانات والسبح اليدوية والغليون (البايب) والعكاز المعروف في عموم العراق بـ (الجاكون) وغيرها من المنتجات التي يأتي البعض منها من القرى ومنها ما يقوم صناع مهرة في دهوك بعمله، أما المميز من معروضاتنا الخشبية فيأتينا من منطقة آميدي (العمادية) حيث يقوم بصناعتها اسماعيل آميدي.
القطع الفخارية، من المعروف في عموم المنطقة الشمالية بأن فخاريات منطقة آميدي (العمادية) هي من أشهر الفخاريات، لذا فنحن نتعامل مع السيد إيشو من قرية كانوديرا، فيزودنا بأجود ما تصنعه يديه من فخاريات.
القطع المعدنية، نحصل عليها من خلال ما هو موجود في البيوت القديمة من موروثات فضية ونحاسية وبرونزية وغيرها، ولا يوجد الآن من يصنع أشياء مماثلة للصناعات الفلكلورية المعدية؛ لأن الصناعات المعدنية في دهوك تكاد تكون قد انعدمت، وهذا يعود لعدة أسباب، منها عدم الاستقرار الذي عانت منه المنطقة لعدة عقود من الزمن، لهذا السبب تجد الموجودات المعدنية إما أن تكون قديمة أو أنها ليست من الصناعات الكردية حصرا، هذا بالإضافة إلى أننا نتعامل بغير ذلك من المقتنيات الأخرى مثل الأحجار الكريمة والكريستالات وغيرها.
بيد أنني مختص بتجارة السجاد اليدوي الكردي حصراً، لذا تجد في هذا المتجر العديد من الأنواع من هذا السجاد اليدوي الفاخر والمناسب من حيث السعر، فنحن لانسعى للربح الفاحش بل نكتفي بالفائدة المناسبة والبسيطة وكما قيل سابقاً(القناعة كنز لايفنى).
الحوارـ هل شاركت في معارض متخصصة بالموروث الكردي؟.
-بالتأكيد، شاركت في معرض بغداد الدولي سنة 1988 كممثل عن محافظة دهوك؛ وقد حاز جناحنا على اهتمام كبير من قبل الزوار الذين أعجبوا بما رأوه من الفلكلور الكردي الذي كان غير معروف عند أغلبهم، كما شاركت في معرض دهوك الدولي سنة 2010 وكان للمعرض بشكل عام وقع جميل على الحضور، وبشكل خاص كان لجناح الفلكلور طعم أضاف للمعرض بهاء وجمالا، ما انعكس بالإيجاب على الجو العام للمعرض، كما وحاز جناح الفلكلور على إعجاب كل من زاره لما كان فيه من عبق التاريخ الكردستاني.
الحوارـ من هم زبائنكم بشكل عام؟.
ينقسم زبائننا بشكل عام إلى ثلاثة أقسام هم:
ـ زبائن من المدينة نفسها، وهؤلاء يشكلون ما نسبته 25% تقريباً.
ـ زبائن من السياح العراقيين، وهؤلاء يشكلون كذلك ما نسبته 30ـ 35% تقريباً.
ـ زبائن من الوافدين من الخارج سواء كانوا أكرادا أو أجانب، وهؤلاء أيضاً يشكلون ما نسبته أكثر من 40%، تقريبا وهم الأكثر بين المقتنين للحاجيات الفلكلورية الكردية لما تشكله من ذكرى جميلة يحملونها معهم حين العودة إلى ديارهم.
أنا عندما أتحدث عن هذه النسب لا أريد من القارئ العزيز أن يأخذ نظرة خاطئة عن مدى الفائدة المادية من هذا العمل المضني، حيث أن العوائد المادية لا تكاد تساوي التعب الذي يصيبنا من هذا العمل.
الحوارـ بما أنك تحدثت عن العوائد المادية الضعيفة، فما الذي يدعوك للاستمرار بهذا العمل؟.
-العمل في هذا المجال محبب إلي، وإلا لكنت قد غيرته إلى سواه، ولكن محبتي لتراث الآباء والأجداد ومحاولة مني لعرضه على الأبناء والأحفاد بل حتى على الغرباء ما جعلني أستمر به ولا أفكر بالانقطاع عنه ما استطعت، جانب آخر يجعلني استمر بهذا العمل هو الاهتمام من قبل المهتمين بهذا الجانب مثل الباحثين والإعلاميين وغيرهم من يساعدنا على تحمل هذه الناحية المهمة من نواحي التاريخ والتراث القومي الكردستاني. حيث أنني قد أجري معي أكثر من 50 لقاءاً بين الصحف والمجلات والتلفزيونات العراقية والعربية والأجنبية، وهذا هو خير داعم لي بالمواصلة في هذا العمل الذي وجدت نفسي فيه بشكل لا أراني أنني سأغيره ما تمكنت إلى ذلك سبيلاً.
الحوارـ هل تتلقون مساعدة من الحكومة في هذا المجال؟.
-أريد التحدث عن مدينة دهوك، التي لا تحصل على الاهتمام المناسب من قبل الحكومة المحلية المتمثلة بالمحافظة، أو الحكومة في أربيل، على عكس ما يحصل عليه العاملون في نفس المجال في مدينة أربيل مثلاً، ففي قلعة أربيل على سبيل المثال هناك شخص يعمل في هذا العمل التراثي والفلكلوري وهو يتلقى راتباً شهرياً من الحكومة كحافز تشجيعي للاستمرار بهذا العمل الذي يعرض للعالم تراث الشعب الكردي، هنا نريد من الحكومة أن تكيل بنفس المكيال للعاملين بهذا المجال في جميع المحافظات الكردية وليس للبعض فقط والبعض الآخر يحرم منها بلا سبب معقول أو مقبول، علما بأننا ندعم كل الأعمال التي تعرض الجوانب التراثية والفلكلورية الكردية .
الحوارـ ماذا تتمنى في كلمة أخيرة ومختصرة؟.
-أمنيتان اثنتان، أتمنى أن يصار إلى افتتاح متاحف مناسبة في مدينة دهوك لعرض الموروثات الكردية ليتعرف الأحفاد على منجزات الأجداد، كما أتمنى أن أعرض باسم شعبي منتجات وفلكلوريات وتراثيات هذا الشعب الطيب في أكبر المعارض العالمية، لأعرف العالم من هو الشعب الكردي، كما ولا يفوتني شكر مجلة الحوار على هذا اللقاء الطيب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق