الدكتور محمد نزار الدباغ
صدر عن دار ومكتبة الجيل العربي للنشر والتوزيع في الموصل كتاب "حوليات الموصل منذ الفتح الإسلامي حتى نهاية القرن التاسع عشر" للباحث بسام إدريس الجلبي، في طبعته الأولى سنة 2013، ويقع الكتاب من جزأين يتألف الجزء الأول من (311) صفحة، أما الجزء الثاني فيقع في (440) صفحة، بإجمالي عدد صفحات وصل إلى (750) صفحة تقريباً.
تضمن الجزء الأول أحداثاً تاريخية ابتدأت من الألف الرابع قبل الميلاد، وحتى سنـة (499هـ/1105م)، أما الجزء الثاني فابتدأت أحداثه من سنة (500هـ/1106م)، ولغاية سنة 1900م. وقد شكلت المادة التي تقع ضمن نصوص التاريخ الإسلامي أكثر من ثلثي الكتاب، أما المادة المتعلقة بنصوص التاريخ الحديث، والتي تبدأ من القرن (10هـ/16م) وإلى نهاية الكتاب، فتشكل الثلث المتبقي من الكتاب.
وتخلل الصفحات من (1-35) من الجزء الأول ملاحظات المُؤَلِف وطريقته في تأليف كتابه، وقد أوضح المُؤَلِف أن هذا الكتاب يشكل التسلسل رقم (5) ضمن سلسة إصدارات أسرة (الجلبي)، والتي يكون عميدها الراحل الدكتور داؤد الجلبي (ت1960)، وذكر المُؤَلِف أن كتابه هذا (الحوليات...) مكون بأجمعه من نصوص مستعارة من المصادر والمراجع منسقة زمنياً، وذكر المُؤَلِف أنه أتى بالنصوص التي ورد فيها ذكر الموصل في متن الكتاب مع الإشارة إلى إسم المصدر أو المرجع وذكر مُؤَلِفِهِ.
ولم يُلحَق بالكتاب قائمة بالمصادر والمراجع لأنها متبوعة بعد كل نص وقائمة المصطلحات الفنية ومختصرات عناوين الكتب التي ورد ذكرها بكثرة في الكتاب. واحتوت المقدمة على مفهوم عام لمعنى التاريخ بوصفه مدخلاً لمفهوم الحوليات، والتي تصدرت أول عبارة من عنوان الكتاب، والتي هي ببساطة تعني إطلاقاً كتابة الأحداث التاريخية، وذلك حسب السنة تلو الأخرى، أي حسب السنين، أو أن يضع المؤرخ أمامه جدولاً بالسنين ثم يبدأ بكتابة الأحداث المهمة في كل سنة، والتي تستوعب النشاطات التي جرت خلال حول أو سنة في مختلف الفعاليات البشرية سياسية وعسكرية واقتصادية وعشرات المشتقات منها كالمفاوضات، والمهادنات، والحروب، والاتجار بالمدن، وتتويج الأمراء، والنشاطات الاجتماعية كثورات أهل المدن، والفعاليات الفنية والترفيهية مثل أقوال الشعراء ومجالس الغناء، ووقوع الكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات والحرائق وغيرها، مع وفيات العلماء المشهورين، وتواريخ للإشارة إلى ما له صلة بالعمارة من بناء مدرسة أو جامع أو جسر وغيرها. وعمد المُؤَلِف إلى ذكر النصوص المختلفة لعدد غير قليل من المؤرخين للخبر الواحد.
واعتمد المُؤَلِف تاريخ الفتح العربي الإسلامي للموصل سنة (16هـ/637م) مُفتتحاً لكتابه (الحوليات...) لأن المعلومات حول الموصل قبل هذا التاريخ قليلة إلى حد الندرة، لكنه مع ذلك فقد أخذ الأحداث التي وقعت قبل الفتح عندما يأتي في الخبر ذكر "الموصل" دون "نينوى" حتى أصبح تاريخ "نينوى" جزء من تاريخ "الموصل".
أما تاريخ توقف المُؤَلِف فهو مع آخر سنة من القرن (19م) لأن الأخبار لم تعد حولية بعد التاريخ الأخير بل شهرية، وجاءت لغة الحوليات التي كتبها المُؤَلِف بثلاث طرائق إما نصاً أصلياً أو بصياغة المُؤَلِف اللغوية محتفظاً بروح ومحتوى النص الأصلي، وقد لجأ المُؤَلِف لهذه الطريقة عندما يكون الخبر طويلاً جداً مع إمكانية اختصاره، أما الطريقة الثالثة فهي أخذ النص الأصلي تتخلل مكوناته نقاط (...) مشيرة إلى ترك أو اجتياز في كلام النص ويشير عدد النقاط إلى كمية المتروك.
ويلاحظ في كتابة الحوليات إنها مملوءة بالفراغات السنوية عندما يعجز المؤرخ عن إيجاد خبر يخص الموصل في سنة أو سنوات من تعاقب السنين، فالمؤرخ محكوم بعطاءات المصادر. وقد عمد المُؤَلِف إلى إيراد التهميشات، والتي جاءت قليلة، ولكنه لم يتجاوزها حينما تظهر تناقضات في المعلومات بين التواريخ والشخوص، ومن أجل تصحيح معلومة وردت في الأصل في مصدر وجاء مصدر آخر يصححها في المعلومات.
وتكمن أهمية الكتاب في أنه جمع لنا جُلَّ النصوص المتعلقة بالموصل مرتبة زمنياً من بين مئات المصادر والمراجع، والتي أورد بعض مختصرات لعناوينها في بداية الكتاب، والتي زودتنا بمادة مهمة عن الموصل، والتي تردد ذكرها كثيراً في كتابه (الحوليات...)، ومنها "تاريخ الرسل والملوك" للطبري، وكتاب "تاريخ الموصل" للأزدي، فضلاً عن "معجم البلدان" لياقوت الحموي، و"الكامل في التاريخ" لإبن الأثير، و"ووفيات الأعيان" لإبن خلكان، و"البداية والنهاية" لإبن كثير، و"العبر" لإبن خلدون، بالإضافة إلى كتابي "زُبدة الآثار الجلية" و"منية الأدباء" لياسين العمري، و"منهل الأولياء" لمحمد أمين العمري، و"تاريخ الموصل" لسليمان الصائغ، فضلاً عن "موسوعة الموصل الحضارية" لمجموعة مؤلفين.
اعتمد المُؤَلِف ضمن موارد كتابه (الحوليات...) على ما يربو على (192) مصدر ومرجع ورسالة جامعية وبحث أكاديمي ومخطوطات ووثائق وسالنامات وسجلات حكومية ومجلات وصحف وفهارس مخطوطات ومقابلات شخصية، وأورد المهم منها، والأكثر استخداماً وغنىً في النصوص من عناوين المصادر والمراجع في بداية كتابه، والتي تجاوزت أكثر من عشرين كتاب، أما بقية المصادر والمراجع فقد ذكرها مع طبعاتها ومعلوماتها النشرية ملحقة بنهاية كل نص تحدث عن الموصل.
ولعل من أهم المصادر النادرة التي اعتمدها المؤلف في إعداد كتابه هي كتاب "مخطوط سرياني" لمؤلف مجهول نشره البطريرك افرام رحماني و"المستدرك على أعلام الموصل"، وهو مخطوط بقلم المؤلف، وكتاب "تاريخ أرهياو المجهول" وكتاب "الأحداث الكنسية"، والكتابين لأرهياو المجهول، وكتاب "عبرة أولي الأبصار في ملوك الأمصار" لابن الأثير الحلبي (ت 699هـ/1299م)(1) ، فضلاً عن كتاب "حوليات دمشقية 834-839هـ/1430-1435م" لمؤرخ شامي مجهول(2)و"سجل التسجيل العقاري" لسنة (946هـ/1539م)، و"اللمعات البرقية في النكت التاريخية" لابن طولون الصالحي (ت 953هـ/1564م) و"دفتر الطابو العثماني الخاص بالموصل"، والذي يعود تاريخه إلى سنتي (951-956هـ/1544-1549م)، وكتاب "الدر المكنون" مخطوطة نسخة باريس لمحمد أمين العمري، و"وثيقة عثمانية عن النظام القضائي في العهد العثماني الأخير"، فضلاً عن كتاب "خلاصة ثمينة من تاريخ الكنيسة الكلدانية" لسليمان الصائغ و"مجلة النجم الموصلية" لسنة 1936، زيادة على كتاب "عناية الرحمن في هداية السريان" للمطران إفرام نقاشة و"مجموع خطي" من جمع وإنشاء وخط محمود عبد الجليل الخضري الموصلي، ومخطوط "الكمال المسيحي" وهو مقالات في العفة، غير معلوم المؤلف (3) و"الثبات المقاتل للموصل بوجه الغزو المغولي" وهو بحث مخطوط المُؤَلِف، وآخر المؤلفات النادرة التي استعان بها المُؤَلِف في كتابه (الحوليات...) "تعليق على مخطوط أغلبه شعر" لعبدالله العمري، ثم "مقابلة مع الطبيب عادل البكري" مؤرخة في 1/10/2009
الهوامش
(1) حقق على يد المستشرق كرنكو وهو منشور في مجلة لغة العرب مج7،ص763-764 .وهو على الأرجح عرض للكتاب وليس الكتاب نفسه .
(2) تحقيق:حسن حبشي(القاهرة،1968).
(3) محفوظ في خزانة المحامي نجيب الصائغ الموصلي في بغداد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق