سعد الزيباري
إن التسامح الدينيّ ونبذ الغلو في الفكر والممارسة يمثِّل نقطة فاصلة في تاريخ الإسلام ككل، بصرف النظر عن بعض الاستثناءات التي لا تنفي القاعدة التسامحيّة الثابتة التي انطلق منها المسلمُون الأوائِل في بداية احتكاكهم مع غيرهم من أصحابِ الديانات الأخرى الذين عاشُوا معهم تحت قبّةٍ واحدة، بمنأى عن كلِّ صور الضغط والوصايةِ والإكراه التي اجترحها لاحقاً أربابُ التعصّب الدينيّ، فالمسلمُون انطلاقاً من وحي عقيدتهم - على امتداد عصورهم الزاهرة - قدَّموا تجربة فريدة من نوعها في ممارسة مبدأ التسامح مع غيرهم من مُعتنقي الديانات الأُخرى، ونبذوا كل صور العنف والتطرُّف الفكريّ التي شوّهت لاحقاً جمال التجربة الإسلاميّة في بعض المراحل التاريخيّة، التي مثّلت استثناءً عن القاعدة الكليّة.
وهذا لا يقدح من عظمة تلك المبادئ القرآنيّة التي قام الإسلام بتسويقها وتجذيرها في قلب العالم القديم، ولكن القطيعة التاريخيّة التي حصلت مع المنابع الصافية جعلتِ بعضَ المسلمين يقدِّمون تجارب ملتبسة بالأهواء والأمزجة والأعراف التي ما أنزل الله بها من سلطان، فأخذوا يؤوّلون النصوص بصورةٍ تجزيئية تمثّل آراءهم أكثر مما تمثّل روح الدين وجوهره العظيم الذي يعطي للوجود الإنسانيّ معنى، وللحياة هدفاً ومغزى. وكان من نتيجة ذلك نشوء ظاهرة التطرُّف الدينيّ في العالم العربيّ والإسلاميّ، جنباً إلى جنبِ التطرُّف العلمانيّ، ووجدنا من لدن بعض المسلمين غلواً في الفكر والسلوك والممارسة، وزهداً عن الدنيا التي أُمِرْنا بأن لا ننسى نصيبَنا منها، وتشبُّثاً بالدِّين الذي أُمِرْنا بأن نوغِلَ فيهِ برفق، حتّى لا نكون كالْمُنْبَتِّ لا أرضاً قطع، ولا ظهراً أبقى، وأن نوازِن بين الدين والدنيا، والشريعة والحياة، لا أن نسعى إلى تكريسِ المفاصلة بينهما، وتعزيز المصادمة دونهما، كما يفعلُ الآن بعضُ المحسوبين على الإسلام، مِمّن يعيدون التجِربة العَلمانيّة، ولكن بصبغةٍ دينيّة جامِدة تبرهِنُ أن العَلمانيّةَ ليستْ حكراً على ذوي التوجهات اللائكية مِمّن يُنكرون الغيبيات، وكُلّ ما فارق الطبيعة، ويؤمنون بالمحسُوساتِ وكلَّ ما وقعَ تحت المشاهدة، بَلْ تطالُ الكثيرَ من المتدينين، فهناك اليوم علمانيّون جدُد، لا من أهل التجديف والإلحاد بل رُبّما من أربابِ التديّن وأدعياء الشريعة، يقومُون - بوعي أو دون وعي - بفصلِ الدين عن الدولة فَصْلاً أبديّاً لا مُصالحةَ بينهما، وفصمِ الشريعة عن الحياة فِصاماً نكداً لا لِقاء يجمعُهما، فهم يدعون إلى نبذِ السياسة للسياسيين، وتسليم الحكم والقضاء للعَلمانيين، وتركِ كُلّ ما له علاقة جوهريّة بحياة الإنسان العمليّة، ويحشرون أنفسهم في زوايا المساجِد والجوامع، منكبّين على علوم الحديث دون تشغيلها على واقع النّاس اليوم، وكأنهم يعيشون في العصُور الوسطى، لا علاقةَ لهم بالمشهد المعاصر لا من قريب أو بعيد، ويتحدثون للناس عن أُمورِ دينهم من فوقَ أبراجهم العاجية دون النزول إليهم، ومشاركتهم في أمورِ معاشهم ومعادهم، كما يدَّعُون حلَّ مشكلاتِ العصر ولكن برؤيةٍ قديمة تمتّ إلى فُقهاء العصر القديم، الذين لو عاشُوا عصرَنا لغيّروا الكثير من آرائهم ما لم تعارِضْ نصاً صريحاً من الكتابِ والسنّة وإجماع الأُمّة، مع مُراعاة الثوابت مِنَ الأحكام التي تُعرف من الدين بالضرورة، والمتغيّرات التي تتغيّر بتغيُّر "الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائِد"، وهم مع ذلك يُنشدون الإصلاحَ والتغيير، ولكن بوسائِل ربما لا تتناسبُ مع عصرنا، وآلياتٍ قد لا تتوافق مع زماننا. فنبـيُّ الإسلام بُعث لإصلاح شؤون الحياة الماديّة والمعنوية، وتغيير الواقِع السياسيّ الفاسِد، وذلك بتكوين أُمةٍ واعية، وتدشين حضارةٍ رساليّة هادية، قد "امتدتْ طولاً حتى شملت آماد الزمن، وامتدتْ عرضاً حتى انتظمت آفاق الأمم، وامتدتْ عمقاً حتى استوعبت شؤون الدنيا والآخرة". فالإسلامُ لا يقبلُ البتة أنصافَ الحلول ولا أرباعها، ولا يقبل تجزيئَه ولا تقسيمَه كما يفعل [الّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ]( )، فهو منهجٌ كليٌّ وشرعٌ مقاصديّ ينظرُ إلى الحياة نظرةً شامِلة، لا يقبلُ أن يكون الدينُ لله والدنيا لقيصر، [تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى]( )، مِصداقاً لقولهِ تعالى: [أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ]( ).
وعليهِ فإن ما يثيرُ العجبَ أن نجد من لَدُن بعضِ المسلمين تطبيقاً عمليّاً لرُوح العَلمانيّة المسيّسة، وذلك بدعوتهم - دون وعي منهم - إلى فصل الدينِ عن السياسة، وفصمِ الشريعة عن الحياة، وقد أومأ إلى ذلك الدكتور محمّد المراكشي بقوله: "وقد كُنّا ردحاً من الزمن نعجبُ لتلبّس أدعياء السلفيّة بعقيدة الإرجاء، حتى تبيّن لنا أن اعتناقهم للإرجاء ليس عن اختيار مدرُوس، وإنما هو عن اضطرارٍ معلُوم، فما كان لهؤلاءِ أن يجمعُوا أبداً بين (الحزبية) التي يغرقون فيها، و(العَلمانية المقنّعة) التي يؤمنون بها ويدعُون إليها"( )، من خلال تكريس واقع الفصل بين الأرض والسماء، والفصام النّكِد بين الدين والدنيا. وإذا أردتَّ أن تتعرّف على ظاهرة "(العلمانية المقنّعة)، فانظرْ إلى (حالِ القوم) في بُعدِهم عن السياسة، وتنفيرهِم منها، واشمئزازِهم مِنَ الوعي بها، وكِتمانهم للحقّ المتعلّق بها، وسكُوتهم عن الباطِل المرتبطِ بها، احتذاءً بحذوِ أحبارِ أهلِ الكتاب، وإخلاداً إلى السكُون والدّعة و(الأمن)، حتى وصلَ بهم الأمر في النهاية إلى اعتناقِ ما وضعه أساطين الفلسفة العَلمانية، فصرّح أحدُهم بالقول: "وأحسبُ أن مقولةَ: "دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله" كلمةٌ حكيمة تصلُح لزماننا"( ). وانطلاقاً من هذهِ الفكرة التي يصدرون عنها، فهم يتغاضون عن منهجِ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، جرياً على مبدأ الركُون لسياسة الأمرِ الواقع، فهم في واقعِ أمرهم يدعون إلى الفصام بين الدين والسياسة، ويطبّقون عمليّاً مقولة: ما لله لله وما لقيصر لقيصر، ولا يجوزُ عندهم الخروج عن طاعةِ ولي الأمر، وإن كان مُتجبِّراً متغلِّباً، بناءً على مبدأ الإقرار بحكمِ المتغلِّب، وعليه فإن الأساس الذي يشكّل المنظومة المعرفية التي يقومُ عليها منهجهُم عمُوماً، هو الطاعة ودرء الفتنة، ورفض الخروج على الحاكم، وهو ما تعبّر عنه "العقيدة الطحاوية" التي تمثلُ النصَّ الأبرزَ في الاعتقادِ السلفيّ، وفيها: لا نرى الخروج على أئمتنا وإن جارُوا، ولا ندعو عليهم، ولا ننزع يداً من طاعتهم، ونرى طاعتَهم من طاعةِ الله عزّ وجل( ).
وما يُلحظ في هذا التأصيل الشرعيّ، هو "توظيف الدين في السياسة مِنْ أجلِ التغطية على سلطتها القهريّة. لقد كان التماهي مع الدينِ الإسلاميّ هو سبيل السلطةِ القهريّة الوحيد، لبناءِ قداسةِ الدولة، بَلْ تصنيمِها ومُطابقةِ شرعِ الله وقانون الدولة أو مذهب المجتهِد. لقد كان استخدامُ الدّين لإضفاءِ الشرعيَّة على سُلْطةٍ فقدتْ كُلَّ مقوّمات الشرعيّة تماماً وفي كُلِّ نشاطاتِها. لقد تـمَّ الاستيلاءُ على الشريعةِ الإسلاميَّة تماماً، ولم تترك الدولة للمجتمع إلاّ ما يتعلّق بطابعهِ الروحيّ المحض وبعده الإنسانيّ. لقد تقهقر تاريخُ السياسة الإسلاميَّة من أنموذج العدل الإلهيّ المجسّد في النبوة إلى أنموذج الملك العضوض، فأنموذج سلطنة الاستيلاءِ( )، تلك النماذج التي رُبّما قدّمتْ تجربةً سياسيّة قريبة من تجارب الحكم الشائعة آنذاك.
وفي العصرِ الحديث كان الشيخ محمّد بن عبدالوهاب يؤمنُ بشرعيّة الحاكم المتغلّب، وكان يدعُو النّاسَ إلى طاعةِ الإمام والتسليم له، ويحرمُ الثورة عليه، بغضِّ النظر عن طبيعةِ سياستهِ وسلوكه، إذ يقول: "أرى وجوب السّمعِ والطّاعة لأئمةِ المسلمين، برّهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصيةِ الله"( ). و"إن من تمام الاجتماع: السّمع والطاعة لمن تأمّر علينا ولو كان عبداً حبشيّاً"( ). ويقول: "مَنْ ولي الخلافة واجتمعَ عليهِ النّاسُ ورضوا به، وغلبهم بسيفه حتّى صار خليفةً، وجبتْ طاعتهُ وحرم الخروج عليه"( ). وما يثيرُ التساؤل هنا: كيف سوّغوا شرعيّة الحاكِم المتغلّب بالسّيف، وكيف جعلوا الخروجَ عليهِ في دائرةِ التحريم الذي يترتّب عليهِ أحكام شرعيّة مُحَدَّدة في الفقهِ الإسلاميّ؟
وكانت فكرةُ الطاعة المطلقة للإمام قدِ ارتبطتْ من قبل في الفكر السياسيّ السلفيّ، بنظريّة شرعيّة إمامة المتغلّب، بغضِّ النظر عن تحقيقِ العدالةِ الاجتماعيّة، والمساواة أو الالتزام بالقانون، وتهميش دور الأُمّة في عمليّة الإصلاح الاجتماعيّ أو المعارضة السياسيّة، وترك المجال السياسيّ للأُمراء والحكّام يتصارَعُون فيه فيما بينهم حتّى يغلب أحدهم على الآخر( ). ومع هذا الإخفاق التاريخيّ في مواجهةِ الدولة القهريّة، لم يبق للجماعةِ من ملجأ إلاّ الانكفاء على دينٍ تحوّل إلى مُجرّد طقُوس شكليَّة، وأُفرِغ مِنْ كُلِّ قوّةٍ روحيّة ومُبادرة سياسيَّة عقليَّة. لقد كان رفضُ الإسلام لِكُلِّ أشكالِ الوثنيَّة والشرك، وتشبيهِ السُلطة بالخالِق، هو مصدرُ الأصالة والتجديد في الإسلام، بالمقارنة مع الأديانِ التوحيديَّة التي سبقته( )، ولكنّ الأُمّة الإسلاميّة بعد أن تنكّبتْ عن هَدْي النبوّة وأصالَتها، طالها الضعفُ والوهنُ، ونالها العجزُ والخَور، فظهرتْ بدعٌ ومُحدثات ما أنزل الله بها من سُلطان، فدعتِ الحاجةُ التاريخيّة إلى ظهُورِ دعواتٍ إصلاحيّة تصحيحيّة لعقائدِ النّاسِ، وكانت من بينها الحركةُ الوهابيّة على الرّغمِ من المآخذ الموضوعيّة التي تـمّ رصدها حول أدبياتها الفكريّة والمنهجية.
هذا، وإذا نظرنا إلى مضمُون "الدعوة الوهابية" لوجدناه مضموناً دينياً خالصاً، وهو محاربة "البدع" التي تنحرف بعقيدة التوحيد الإسلامية فتنسب إلى غير الله ما لا يجوز أن ينسب له من أمور تحمل سِمات الشرك بالله، وذلك مثل الحلف بغير الله والتوسل بالنبـي (صلى الله عليه وسلّم) بغير ما هو مقرّر شرعاً من الطاعة والدعاء، وزيارة القبور والأضرحة للتبرُّك والتوسُّل بمن دفن فيها، والاعتقاد في التعاويذ والتعازيم( )، وغيرها من الاعتقاداتِ العرفيّة التي ما أنزل الله بها من سُلطان، والتي أخذت بمرُور الزّمن صبغة شرعيّة في المجتمعات العربيّة والإسلاميّة، ومن هنا كانتِ السلفيّةُ دعوةً دينيّة طهرانيّة قامت لغرض أساس هو إعادة "أسلمة" المجتمع النجديّ بعد أن تفشّتْ فيه مظاهر الشرك (من قبيل التوسّل بغير الله من أعمال الدعاء والاستغاثة والتمسُّح بالأضرحة)، ولكن حدث تحوّل جذريّ في السلفيّة الوهابيّة، عندما تدخّل الدين (المقدّس والمتعالي) في مشروع الدولة (الدنيوي والوضعيّ)، وأصبح حاضنة وقاعدة ومنطلقاً للعمل السياسيّ (السلطوي)، تُخاض تحت رايته الحروب( ). فالحركةُ الوهابيّة هي التّرجمة السّياسيّة للعقيدة السّلفيّة على أرض الحجاز، وقد ثمّن الكثير من علماء المسلمين نزوعها الإصلاحيّ، ولكنّهم عابوا عليها التشدّد في عدد من الأحكام والعنف في التّطبيق( ).
رؤية تاريخية إلى الفكر السلفيّ الإحيائي:
إن رؤية إلى الفكر السلفي توضِّح لنا أن "العقيدةَ أساساً قدِ اكتسبتْ بُعداً مركزياً في المبررات التأسيسية لنشأة السلفيّة، فهي تقدّم نفسها دعوة للدفاع عن نقاوةِ العقيدة وصفائِها، بدءاً بعقيدة التوحيد، وكلّ ما له علاقة بالغيب، وبالرسول (عليه الصلاةُ والسّلام) اتباعاً واقتداءً، وصُولاً إلى كيفية التعبّد بعيداً عن البدع، وكل مظاهر الشرك. وهي بهذا لعبت دوراً تحرريّاً مهمّاً من خلال مواجهتها الشرسة لكل مظاهر التخلّف والجهل التي سادت في مراحل متطاولة، كعبادة القبور والتبرُّك بالموتى، والاعتقاد في السحر والخوارق والخرافات، وهي مظاهر لا يزالُ الكثير منها سائِداً حتّى اليوم، يسطح الذهن، ويقدّم أنماطاً لا عقلانية من السلوك والنظر للعقائد والظواهر الطبيعية والاجتماعية"( )، تلك الأنماط الغريبة التي ساعدتْ على تنفيرِ النّاسِ عنِ الدينِ لا تبشيرهم، وترهيبهم لا ترغيبهم.
وإنصافاً للحقّ والتاريخ لا بُدّ أن نذكرَ فضلَ دعاةِ السلفيّة الصحيحة لا أدعيائها في نشرِ السنن، وتصفية الحديث، ومحاربة البدع والعادات والتقاليد المخالفة للشريعة كالسحر والتنجيم والتعاويذ وتقديس الموتى، وتطهير العقيدة من الشوائب التي علقت بها على مدار التاريخ، والدعوة إلى منهجِ السلف الصالح، ونبذ التقليد، مصداقاً لقوله تعالى: [وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى]( )، وانطلاقاً من مقولةِ الإمام ابن القيم (رحمه الله): "فلو أن كلَّ مَنْ أخطأَ أو غلطَ تُرِك جُملة، وأُهدرت محاسنُه، لفسدتِ العلومُ والصناعات والحكم، وتعطّلت معالِمُها"( )، ومن هنا تظهرُ لنا ضرورة الاعتراف بأخطائِنا، والإقرار بمحاسنِ غيرِنا، والحكمةُ ضالّة المؤمن آنّى وجدها فهو أحقّ النّاسِ بها، وعليهِ لا يجوزُ لنا أن نتغاضى عن دورِ السلفيّة التاريخيّة الأصيل في إحياءِ الأُمّة الإسلاميّة، تلك السلفيّة التي عبّرت عن "اتجاهٍ دينيّ إحيائي، يعتصمُ بالنصِّ الوارد عن السلف، ويركز اهتمامه على قضايا الاعتقاد، ومسائل العبادات المتعلِّقة بها، وقد ظهرت على يد الإمام أحمد بن حنبل (241هـ) في القرن الثالث الهجري. وتعدُّ محنة القول بخلق القرآن في عام (218هـ) لحظة تاريخيّة حاسمة في بلورة النزعة السلفية، في مواجهة النزعة العقلية التي تقومُ على مبدأ التأويل بدل التسليم والالتزام بظاهر التنزيل"( ). وانطلاقاً من هذا الفهم فالسلفيّةُ ليست فلسفة ولا مذهباً دينياً، وإنما جماعة تفهم القرآن من خلال السنّة وأقوال الصحابة، ولا تأخذ بالنظرة العقلية لقراءة النص القرآني، وتشكّل التيار السلفيّ تاريخياً من مدرسة الحديث، وكان أحمد بن حنبل من أوائل الرواد لهذا التيار لشدّة تمسكه بالكتاب والسّنة من دون الرجوع والأخذ بالرأي والإجماع( )، وبهذا المعنى لا تظهرُ السلفية مذهباً شبيهاً بالمذاهب الإسلامية القديمة، بقدر ما تبدو كفرقة حنبلية جديدة، على الرغم من أنها تدعو إلى تجاوز كل المذاهب الإسلامية التي سبقتها والعودة إلى الاجتهاد اعتماداً على الكتاب والسنة فقط( ). وترى أن الفهم الصحيح للإسلام يعني حصر منهج التلقي بعيداً الفرق والمذاهب المخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة، فالاستدلال الصحيح لا بُدَّ أن ينبني على منهج صحيح لا لبس فيه ولا غموض، ولا تشبيه فيه ولا تأويل يخالف ولا تعطيل( ).
هذا، وقد شهد القرن السابع الهجريّ مع نهاية الخلافة العباسيّة، وعقب سقوط بغداد على يد التتار عام (656هـ) ظهور نزعة سلفية ثانية أكثر نضجاً ووضوحاً على يد ابن تيمية ومدرسته (ت728هـ) الذي حمّل "أهل البدع" (من الجهمية والقدرية والباطنية والصوفية والفلاسفة) مسؤولية السقوط والتدهور. فشنَّ حملةً عنيفةً على سائر التيارات السابقة، داعياً إلى إحياء عقيدة السلف ومنهجهم، وتمكّن من تأسيس مدرسة استقطبت حشداً من علماء عصره وفقهائه( )، وقدّم للتراث الإسلامي مؤلفاتٍ قيّمة وتصانيف مُعتبرة، وقد قال عنه الحافظ ابن رجب الحنبلي "وأما تصانيفه فهي أشهر من أن تذكر، وأعرف من أن تنكر، سارت سير الشمس في الأقطار، وامتلأت بها البلاد والأمصار، قد جاوزت حدّ الكثرة فلا يمكن أحد حصرها، ولا يتسع هذا المكان لعدّ المعروف منها". وذكر ابن عبد الهادي أن "أجوبة الشيخ يشقّ ضبطها وإحصاؤها، ويعسر حصرها واستقصاؤها"، وكلُّ هذا في وقتٍ "قلَّ فيهِ الإنتاج العلمي، وركدت الأذهان، وأقفل باب الاجتهاد، وسيطرت نزعة التقليد والجمود، وأصبح قُصارى جهدِ كثيرٍ من العُلماء هو جمعُ الأقوالِ وفهمها من غير بحثٍ ولا مناقشة، فأُلِّفتِ الكتب المطوّلة والمختصرة، ولكن لا أثر فيها للابتكار والتجديد".
ومن هنا فإن السلفيّة في الاصطلاح الإسلامي القديم والحديث تعدُّ شكلاً من أشكال التصحيح، وينسب لفظ السّلفية للسّلف الصّالح الذي حمل لواء الإسلام الأوّل، ونقله للأجيال اللاحقة، غير أنّ لفظ السّلفيّة اكتسب دلالة اصطلاحيّة مذهبيّة مع ابن تيمية (661/728هـ) وتلميذه ابن القيم (ت751هـ)، فقد عاب ابن تيمية على المسلمين في عصره جُملةً من السلوكيات التي عدّها انحرافاً عن منهج السّلف الصّالح، ويتعلّق بعضها بالعقيدة كالتوسُّل بالأموات والتمسّح على القبور، والبعض الآخر بالتّشريع، كتقديس المذاهب الفقهيّة والرّكون إلى التّقليد، لذلك دعا إلى العودة إلى ما أطلق عليه العقيدة السّلفيّة الصّافية( ). وانطلاقاً من هذهِ الرؤية اعتبرت السلفيّة "حركةً إصلاحية تسعى للخروج من حالة الركود العلمي والانهيار السياسي والسيطرة الاستعماريّة، من خلال الدعوة إلى إحياء التراث الإسلاميّ، والعمل على استعادة صورة الإسلام النقية، وتطهيره من الممارسات التي عُلِّقت به تاريخيّاً، من البدع والعوائد والشرك، وترسيخ القيم الأخلاقية الإسلاميّة الأصيلة"( ).
ويظهرُ من خلال تتبع النشأة التاريخيّة أن الاتجاه الذي أطلق عليه لاحقاً "الاتجاه السلفيّ" ليس سوى الاتجاه الذي عُرف واشتهر باسم "أهل الحديث" أو "أصحاب الحديث" خلال القرنين الثاني والثالث الهجريين، عندما بدأ يتشكّل في سياق الاختلاف مع اتجاه "أهل العقل" أو "أهل الرأي" حول المؤسسة المرجعية صاحبة الشرعية في تأويل النص القرآني والحديثي بعد وفاة النبـي الكريم ( صلى الله عليه وسلم).
فـ"أصحاب الحديث" رأوا أن "السلف الصالح" من أصحاب النبـي هم الأَوْلى بتأويل النصّ وإضاءته، وعلى "الخلف" (اللاحقين من المسلمين) الرجوع إليهم كأصل ومصدر في الفهم والسلوك والاقتداء. ورأوا أن تيار الرأي والعقل الضارِب في الروح الإغريقية يمكن أن يأتي على الأُسس والأُصول المنهجيّة التي يقومُ عليها الإسلام نفسه، وأن جلَّ ما جاء به "أهلُ الكلام" وأهلُ الرأي والمناطقة والفلاسفة ليس إلاّ محدثات أُمور وبدع لا بُدّ من الوقوف بوجهها والتصدّي لها في سبيل الحفاظ على الإسلام الأصيل في مواجهة الدخيل( ). ومن هنا تتجلّى لنا بوضوح أوجُه التمايز الفكريّ والمنهجيّ بين المعتزلةِ الذين اتّخذوا مناهِجَ عقليّة في قراءةِ النصُوص وتأويلها، أمّا أهلُ الحديث فقدِ اتّخذوا الكتابَ والسُنّة مصدراً لقراءةِ النصُوصِ وتأويلها، ورأوا أن المناهِجَ العقليّة تشوّهُ صفاء الإسلام ونقاءَه، وتهدّد وحدة الأُمّة في الصميم.
ويبيِّن لنا المسار التاريخي أن هناك حلقات ثلاث (الحنبلية - ابن تيمية - الوهابية) هي التي شكّلت الحضن التأسيسي والتاريخي للتيار السلفيّ، وفي كل حلقة كان هذا التيار يتّجه نحو المزيد من التأصيل والتشدّد، وفي كل حلقة أيضاً كانت تنطلق الموجة السلفية مجدداً بزخم أقوى، ولم يكن صدفة أن يتزامن ذلك دائماً مع تحديات حضارية كبرى، والسلفية المعاصرة اليوم كحلقة راهنة تطلق موجة دفاع عن العقيدة لا تختلف في دوافعها عن سلفيات الأمس، وإن اختلفت في الوسائل والأساليب وبعض الاجتهادات( ).
وعليه فإننا في هذا المجال نشهدُ تدرجاً في الحدة بين الحلقات الثلاثة التي تبلورت خلالها العقيدة السلفية، فهي حلقات انتقلت من التساهل النسبـي مع ابن حنبل إلى الانتقاد النظري الجذري من جانب ابن تيمية، وصولاً إلى استخدام العنف، وهدم الأضرحة، ومكافحة التصوُّف والتوسُّل، ومنع كل الممارسات التي تسيء إلى صفاء العقيدة مع الوهابيين( ).
وللسلفية عموماً آلياتُ استدلالٍ خاصّة بها، تختلف عن التفكير الأُصولي، فهي ترفضُ القياس والاستحسان والإجماع، الذي أخذت به مذاهب الحنفية والشافعية والمالكية بالخصوص. ويكاد يهيمن "السند" على كلِّ شيء باعتباره فوق كافة الآليات الاستدلالية الفقهية التي يعتمدها الأصوليون، لذلك ترفض السلفية مناهج إصلاحيّة صار لها شرعيتها ويتحفّظُون عليها كالمنهج أو المدخل المقاصديّ، وهذا ما يُدخل المنهج المعرفي السلفي في قلب مدرسة "الاتِّباع" وإن كان لا يدفعه باتجاه "التقليد"، لأنه لا يعتمدُ على تقليد إمام ولا على مذهب بل هو ضد المذهبية، حيث يلجأ مباشرةً إلى النصوص من الكتاب والسنة، لكنه لا يُعمل فيها آلية "الاجتهاد" وفق أُسس محدّدة شأن المذاهب الأخرى. إذن يقع "الاتباع" هنا في مرتبة بين الاجتهاد والتقليد، حيث يلجأ مباشرة إلى النصوص ويقيس عليها ولا تقاس على ما لديه من نتاجات فقهية ومذهبية أخرى( ).
هذه المبادئ العامة، تمثل المرجعية الكبرى لكافة التيارات السلفية المعاصرة، إلاّ أن بعض الاختلاف بدأ ينشب حول بعض المسائل التي تمثل محركات نظرية وحركية عند بعض الجماعات السلفية المعاصرة، كالسلفية الجهادية، وهي تمحورت على المبدأ المتعلِّق بموضوع تكفير الحاكم والخروج على طاعته ومنابذته بالسيف( ). بل أن الأمر بلغ حدَّ الوقوف عن ظواهر النصوص رفضاً للتأويل والقياس وكل صيغ إعمال الفكر أو مناهج تحليل اللغة( ).
وإضافةً إلى ذلك فإن النصَّ في المنهج السلفي أيضاً اتخذ منحى التشدُّد والضبط، ذلك أن العودة إلى النص الشرعي يمكن أن تعدّ في حد ذاتها نقلة نوعية في منهجية التفكير، لأنها تحرر العقل الإسلامي من ثقل النصوص الفقهية، وتؤدي إلى الإقرار بعدم إلزاميتها، بل تزيل عنها وهم القداسة الذي تلبسته، دون أن يعني ذلك إسقاط أهميتها المعرفية. وهو ما عبّر عنه الإمام مالك في مقولته الشهيرة "كلكم راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر"( ). وتتضمّن مسألةُ العودة إلى النص بُعْداً تجديدياً لأنها تتيح اكتشاف مخزونات النص القرآني والسنة النبوية، كما تتضمنُ ثقةً بالعقل الإسلامي الاجتهادي، دون وساطة السابقين، بما يؤدي عملياً إلى جدل النص والواقع المعاش من خلال استنباط معاني جديدة له( ).
ولقد تتبَّع الجابري تجليّات السلفية من خلال سياقاتها التاريخية في مقال له بعنوان "من الوهابية إلى السلفية الإصلاحية إلى الجهادية"، فتوقّف عند السلفية الوهابية التي تتبنّى الفهم السلفي للعقيدة لمواجهة البدع التي تنحرف بها، ثم ينتقل إلى ما يسميه بالسلفية الإصلاحية التي مثلها الأفغاني ومحمد عبده، فيرى أنها تواصلت مع سلفية محمد بن عبد الوهاب، فيما يخصُّ تصحيح العقيدة، ثم قفزت بها فيما يتعلّق بمشروع التقدم والنهضة، ويميز داخلها على مستوى الإستراتيجية بين سلفية الأفغاني التي تعتمد الثورات الجماهيرية وسلفية عبده التي تعتمد الوسائل السلميّة، ونبذ سياسة العنف، واجتناب معادة الحُكّام المسلمين، والانصراف بدلاً من ذلك إلى تكوين أجيال تحمل الدعوة، وتنشر التربية الإسلاميّة، حتى لو اضطرها ذلك لمهادنة الاحتلال ومداهنته، فلا مانع، ما دام ذلك يدرأُ العدوان والمفاسد. وبالجملة فسلفيّة محمد عبده كانت سلفية إصلاحية نهضوية ولم تكن "ثورية" ولا "جهادية". وفي هذا الإطار ينسب الجابري إلى محمد عبده نوعاً من اعتمادِ نمط من الفصل بين الدين والسياسة، قوامهُ تأجيل العمل السياسيّ إلى أن يتم تكوين ما يكفي من "الرِّجال" تكويناً صحيحاً في الدين وغيره من علوم الوقت. وينتهي الجابري إلى أن سلفيّة الأفغاني وعبده النهضوية كانت نقلة نوعية قياساً مع سلفية محمد بن عبد الوهاب. أما السلفيّة التي تسمي نفسها اليوم بـالسلفية الجهادية فهي نقلة نوعية مغايرة: ترتبط بالوهابية على صعيد السلف، ولكنها تختلف عنها في الوسائِل( ).
نواقض الإسلام أو قواعد التكفير العشرة عند السلفيين:
والسلفيّةُ بحكم تركيزها على الجانب المعتقدي التوحيدي، فإن العالم ينقسِم بشكل ثنائي استقطابي متضاد: عالم كافر مشرك، وعالم مسلم صحيح الإيمان يمثله أهل التوحيد. وقد قادت هذه الرؤية إلى توسيع دائرة ما يعرف بمفهوم "الولاء والبراء" أو "الموالاة والمعاداة" وبالتالي التوسُّع بتكفير الآخر على ضوءِ ما عرف في أدبيات الوهابيين بنواقض الإسلام أو قواعد التكفير العشرة الآتية:
1- الشرك في عبادة الله، ومن ذلك دعاء الأموات والاستغاثة بهم والذبح لهم. 2- من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهُم ويسألهم الشفاعة ويتوكّل عليهم فقد كفر إجماعاً. 3- من لم يكفر المشركين أو شكّ في كفرهم أو صحّح مذهبهم. 4- من اعتقد أن هَدْي غير النبـي (صلى الله عليه وسلم) أكمل من هَدْيه، أو إن حُكْمَ غيره أحسن من حُكْمه. 5- من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول (صلى الله عليه وسلم). 6- من استهزأ بشيءٍ من دينِ الرسول (عليه الصلاة والسلام). 7- السحر ومنه الصرف والعطف، من فعله ومن قبله ورضي به. 8- مظاهرة أو مناصرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين. 9- من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج على شريعة محمّد (صلى الله عليه وسلم). 10- الإعراض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به( ).
هذا، ولا يمكن تحقيق مبدأ: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، وتجسيد الإيمان الحقيقي بالله إلاّ من خلال ما يسمّونه عقيدة (الولاء والبراء) وهما شرطان من شروط الإيمان. ومعنى الولاء هو حبُّ الله ورسوله والصحابة والمؤمنين الموحدين ونصرتهم، والبراء: هو بغض من خالفهم من الكافرين والمشركين والمنافقين والمبتدعين والفساق، ومعاداتهم وجهادهم بالقلب واللسان( ).
وبدل أن تنتج السلفية - بوصفها عملية تطهير للعقائد وتبسيطها - حالةً من التحرُّر والانطلاق، أنتجت عقلية إقصائية نمت بشكل مطّرد، وأدخلت الفرز العقائدي إلى جانب الفرز الحاصل سياسياً واجتماعياً، الأمر الذي أدى إلى تعميق التجزئة، فظهرت فرق وطوائف تدعو للمفاصلة والتميز بكل الوسائل لأن النتيجة الطبيعية للفرز العقائدي، أن ينقسم الناس إلى فسطاطين، الكفر والإيمان، ولا منزلة وسطى بينهما( ). وبناءً على هذا التمايز ترجموا تصوّراتهم على مستوى الواقع من خلال سلوكيات تتفاوت بين المفاصلة ومباينة المجتمع وتكفيره في الحدّ الأدنى، والسّلوك العنفي المسلّح في الحدِّ الأقصى( ).
وقد أخذ النزوع الفكريّ - الذي يقومُ على مبدأ التحالف مع الحكومات الرسميّة، ومنحها صكوك الشرعية - طابعاً عاماً لدى السلفيّة المحافظة، مع تركيزها على محاربةِ "البدع" والانحرافات السلوكيّة، ويعدّ ناصر الدين الألباني (1914-1999م) "الأب المؤسِّس" للسلفيّة المحافظة، وتتبع المحطات الأساسية في حياته يسمح بالتعرُّف على الظروف الموضوعيّة التي أفضت به إلى تأسيس سلفيّة تقليديّة متصالحة مع الدولة والأنظمة السياسيّة، ومسكونة بالصدام مع المجتمع والإسلاميين، وتتوافر على صلابة أيديولوجيّة( ). وبسبب الطبيعة الأيديولوجية المتصلبة تتعرّض السلفية للانقسام المتواصل، إذ نشهدُ على الدوام خروج أعضاء من إطاراتها، ودخول آخرين في سلسلة انشقاقاتٍ لا تنتهي( ). وقد فرضتِ النزعة الأيديولوجية المتصلِّبة، والتركيبة الاجتماعية الاقتصادية المهمّشة للسلفية المحافظة تحديات شائكة ومعقدة على ذاتها، فالتيار مهدّد على الدوام بعمليات تصدع وانشقاق وفرز واستقطاب( )، بناءً على اختلافِ المراجِع الفكريّة التي يصدرُون عنها، فضلاً عن الاختلاف الحاصِل في تأويلِ النصُوص المرجعيّة التي ينطلِقُون عنها.
وفيما يتعلّق ببنية "السلفية المحافظة" فهي ليست جماعة إسلامية بالمعنى الكلاسي، بل هي أقرب إلى اتجاه ديني- اجتماعي يضمُّ شيوخاً وتلاميذ (أتباعاً)، ينتظِمُون من خلال دروس وحلقات دينيّة ومنهج فكري معين، ونشاطات مشتركة، مع رفض الالتزام بصورة رسمية أو علنية بإطار حزبيّ أو تنظيميّ محدّد، إذ يعتبرون ذلك مخالفاً لمنهجهم، كما أن طبيعة أفكار "السلفية المحافظة" تقتضي الاشتباك مباشرةً مع الثقافة الدينية - الاجتماعية السائدة، باعتبار أنّ "مهمة" السلفيين تصحيح عقائد الناس وعباداتهم وتنقيتها مِمّا عُلِّق بها من "بدع" (أمور مُستحدثة "غير صحيحة" ومفاهيم وسلوكيات ليست من الدين الصحيح)( ).
وقد بدأ الألبانيّ يطوِّر مقولة منهجيَّة أصبحتْ شعاراً لدعوته، وهي "التصفية والتربية"، وهي ترجمةٌ عمليّة للسلفيّة المحافظة التي بشَّر بها في كتبهِ ودروسه( ). ويتمتع هذا المبدأ بحضور كثيف في مجمل الخطاب السلفي المحافظ، وهو يتوافر على مضامين سياسية ضمنية كطريق وحيد للنهوض بواقع العالم الإسلامي، واستئناف الحياة الإسلامية، وإقامة الخلافة والدولة( ). فهذهِ كلها عناوين كبيرة لمشاريع ضخمة لن تؤتي أكلها من غير إعداد الفرد المسلم، وذلك لأن "الفرد المسلم هو الأساس في عملية بناء المجتمع المسلم الفاضل إذ إن المجتمع في مجموعته إنما يتكوّن من أفراد، فإذا صلُح الفرد صَلُحت الجماعة. وما ضعُفت أُمتنا في العصُور المتأخرة من حياة المسلمين إلاّ بالتفريط في عمليّة إعداد هذا الفرد، والخلل الذي تطرق إلى بنائه حتى صار خاوياً بلا روح، ومهملاً بلا ضوابط، وإنساناً بلا غاية يسعى لها، ولا أهداف سامية يعمل على بلوغها ولا رسالة يواصل المسيرة لتحقيقها"( ). والألباني في طرحه لمنهج "التصفية والتربية" رُبّما كان قريباً من منهج الإخوان المسلمين الذين عنوا عناية كبيرة بإعداد الفرد المسلم، وتربيته تربيةً إسلاميّة صحيحة، لأنه النواة الرئيسة للأسرة المسلمة، وللمجتمع المسلم، وللدولة الإسلاميّة، ورُبما استفاد من أدبيّات الإخوان المسلمين في هذا المجال. المهم أن منهجُ "التصفية والتربية" هو حجرُ الأساس في البنية الأيديولوجية للسلفيّة المحافظة، وتعود جذور هذا المنهج إلى مبدأ سلفيّ تاريخيّ أساسيّ وجذري ملخّصة "الاتباع لا الابتداع"، فالاتباع هو جوهرُ نظرية التصفية، ولا يمكن أن تتم، بحسب الألباني، إلاّ بالكشف عن البدع وملاحقتها وتطهير المجتمع من أضرارها( ). وكأن البدع هي العقبةُ الكأداء في طريقِ النهضةِ الإسلاميّة الشاملة. علماً أن "صاحب البدعة يعمد إلى الأدلة فلا يورد منها إلا ما يظن أنه موافق له، وإلى نصوص أهل العلم فلا يذكر منها إلا ما انتفاه لبدعته، وإلى مخالفيه فلا يذكر عنهم إلا ما يشينهم، فإن حكى عنهم حكى باسمهم وقوّلهم ولم ينقل عنهم"( ). وقد نبَّه على هذا المسلك - الذي ينأى عن العلم وطلب الحق - شيخ الإمام الشافعي الإمام وكيع بن الجراح (رحمة الله عليهما)، فقال: "أهل العلم يكتبون ما لهم وما عليهم، وأهل الأهواء لا يكتبون إلا ما لهم"( ).
والسلفيّة المحافظة في نسختها الألبانية، تقومُ عموماً على مبدأ الرجوع إلى الإسلام، كما بدأ نقياً قبل أن تلّوثه "الأهواء والبدع القديمة والمعاصرة" والعمل على بناء قاعدة صلبة تستند إلى الفردية وليس الجماعية (في صورتها التنظيمية والحزبية التي حرّمها الألباني ورفضها)( ). وقد علّل محمد موسى نصر آفات التحزب: بالولاء والبراء للحزب والتعصُّب له، وأنها بدعة وسبب في التسليطِ على المسلمين، وأنها مظنّة الفرقة والاختلاف، والانغلاق والجمُود، وأنها مخالفة لمنهج السلف الصالح، وتفتقر إلى الطريق القويم في عملها الدعوي والجماعي"( ). وعلى الرَّغم من هذا التنديد بالحزبية والتحزّب، فلا نعدم منهم ولاءً حزبيّاً وعصبية مبالغ فيها لشيوخهم، "وهم في ذلك، إنما يصدرون عن (الحزبية) التي تربّوا عليها بين أحضان (القوم)، ألا ترى كيف يُلقّن (الوارد) في بدايةِ (سيرهِ) معهم أن للحقِّ صُوى وعلامات هي أن يكون صادراً عن (أقطابهم)، وكيف يظلُّ الراسِخ في (طريقهم) يدعو إلى (إسلال القياد) لـ(شيوخهم)، وقد ذهب (الحلبـيُّ) إلى القول: "إن مشايخنا الأجلاء همُ نجوم الهُدى، ورجومُ العِدى، من تمسَّك بغرزهم فهو النّاجي، ومن ناوأهم وعاداهم فهو المظلم الداجي"( ). فهم بهذهِ الصورة يدورون في فلك شيوخهم، ويجعلون قِيادهم رَهْنَ أيديهم، وقد أسفر عن هذهِ النزعة فكرٌ وثوقي انغلاقيّ تعصبـيّ، وتحضرني في هذا السياق مقولة للفيلسوف أفلاطون، تندِّد بالانغلاق والتعصُّب، وعدم التفكير، وهي "نحنُ مجانين إذا لم نستطع أن نفكّر، ومتعصّبون إذا لم نرد أن نفكّر، وعبيد إذا لم نجرؤ أن نفكّر".
هذا، وقد انشغل السلفيُّون بالتصدّي للجماعات الإسلامية المختلفة، وكان نصيبُ الإخوان وافِراً في الردّ والنقض والتبديع والتضليل( )، لأنهم بزعمهم متصوّفة في العقائد، حزبيُّون في العمل، لا يتقيّدون بفقه الدليل ومنهج الاتباع، ومنهجهم في التكتُّل مخالف للسنة، والبيعة التي يُلزمون بها أعضاءهم وأنصارهم تقعُ على دائرة البدعة والهوى( ). ومنذ حضورها المبكّر في المجتمعات العربيّة أعلنت الدعوة السلفية المحافظة عن خصومتها الصريحة مع جماعة الإخوان وأفكارهم، وذلك بما كان يقدِّمه الألباني من خطابٍ فكريّ معارض للعمل السياسي حتى بصيغته الإسلامية، نظراً لرفضه الحزبية الإسلامية، وهجومه العلني والصريح على العقائد الدينية للجماعات الأخرى، باعتبارها لا تلتزم بعقائد السلف الصالح ومناهجهم، نظرياً وعملياً( ).
وقد حدث بين الفينة والأخرى صدام بين السلفية وعدوها التقليديّ التاريخيّ الصوفيّة، ودخل السلفيون في معارك على "ساحات النفوذ" مع المدرسة الصوفية. والصراع الذي خاضه السلفيون، وما يزال، مع الصوفية لم يكن الوحيد، إذ كانت معركتهم الرئيسة الأخرى هي مع جماعة "الإخوان المسلمين"، التي كانت تتمتع بحضور واسع في المساجد ومراكز الاشتباك والاتصال الشعبـي، وكان لخطابهم الديني - السياسي حضورٌ واضح، من خلال خطبائهم ودعاتهم وأساتذة الجامعات والتكنوقراط المنخرطون في الجماعة( ).
أمّا السياسة فهي في نظرهم قرين النفاق، لأنها تمييع للعقيدة، وتخدير للحسّ الإسلامي، وقتل للشعور الإيمانيّ، وحلّ لرابطة الولاء والبراء، وخديعة لعامّةِ المسلمين( ). وعلى الرغم من دعوى الألباني بعدم التدخل في السياسة، وبمحاولة ضرب ستار حديدي فكري بين دعوته والشواغل السياسية التي يرفضها، إلاّ أنّ أتباعه، عملياً، انخرطوا بصورة غير مباشرة في المعادلات السياسية، من خلال الحروب الفكرية والسياسية التي خاضوها نيابة عن الحكومات في مواجهة التيارات الإسلامية الأخرى. والحال، أنّ السلفيين أغلقوا الباب على السياسة، لكنهم دخلوا إليها عبر النوافذ!( ).
حكم الديقراطيّة والتعدديّة في الفكر السلفي:
الديمقراطية، بحسب هذا الخطاب، نظامٌ كفريٌّ مستورد، ومتناقض مع الشريعة، فالألبانيّ يشدّد على أن "الديمقراطية: وهي عند واضعيها ومعتنقيها: حكم الشعب نفسه بنفسه، وأن الشعب، مصدر السلطات جميعاً. وهي بهذا الاعتبار مناقضة للشريعة الإسلامية والعقيدة، لأن الديمقراطية نظام طاغوت، وقد أُمرنا أن نكفر بالطاغوت. فالديمقراطية والإسلام نقيضان لا يجتمعانِ أبداً! إِمَّا الإيمان بالله والحكم بما أنزله، وإِمَّا الإيمان بالطاغوت والحكم به، وكلُّ ما خالف شرع الله فهو من الطاغوت، ولا عبرة بمن يحاول أن يجعلها من الشورى الإسلامية، لأن الشورى فيما لا نصَّ فيه، ولأهل الحل والعقد من أهل الدين والورع، والديمقراطية بخلاف ذلك"( ). وقمين ذكرهُ هنا أن الديمقراطيّة على الرغم من مزاياها الكثيرة فهي ليست خلاصةُ الفكر البشريّ في مسألةِ الحريّة السياسيّة، وليستْ حلاً سحريّاً لقضايا الصراع في المجتمعات( ). ولكنها مع ذلك تمثِّلُ تجرِبةٌ ناجعة للتعامُل مع المستبدين والمتعطّشين للسلطة. وفي هذا يؤكّد الشيخ يوسف القرضاوي بقوله: "وميزةُ الديمقراطيّة أنها اهتدتْ - خلال كفاحِها الطويل مع الظلمة والمستبدين من الأباطرة والملوك والأُمراء - إلى صيغ ووسائل تعتبر إلى اليوم من أمثلِ الضمانات لحمايةِ الشعُوب من تسلّط المتجبرين( ). إذن ففي غيابِ النظامِ الإسلاميّ ذي الأبعادِ الشّاملة المتكامِلة والذي قد يستوعِب الديمقراطيّة، وما يترتّب عليها من تداول سلميّ، وتعدديّة سياسيّة وفكريّة، تظلّ الديمقراطيّة مَطْلباً وارِداً وهدفاً يسعى إليهِ الجميع( ). وفي هذا السياق يقول الشيخ راشد الغنوشي: "فالنظامُ الديمقراطيّ على ما هو في الغربِ يبقى - في غيابِ النظامِ الإسلاميّ - أفضل الأنظمة التي تمخّض عنها تطوّر الفكر البشريّ، كما أنه يبقى إطاراً صالِحاً لضمانِ حريّة الشعُوب في تقريرِ مصيرها، واختيارِ نوع النظام الذي تريدُ أن تعيشَ في ظلّه"( ). ولكن الديمقراطيّة مع مميزاتها العديدة تـمّ استغلالها من قبل أبشع الأنظمة الديكتاتوريّة، وإلى ذلك ذهب د.علي الدين هلال، بقوله: "فإنه ليسَ مِنَ المبالغ فيه القول بأنه ربما لم تستغلّ كلمة في تاريخ الفكر السياسيّ بقَدْرِ ما اسْتُغِلّت كلمةُ الديمقراطيّة، ولعلّه لم يُهدر معنى كلمة أو يُشَوّه بقَدْرِ ما حدث لها، فقد تمسّحتْ بها كلّ النظُم، بما فيها أعتاها استبداداً وأكثرها إهداراً لحقُوقِ الإنسان"( ). هذا، وقد صرّح الشيخ راشد الغنوشيّ بفكرةِ الاستنبات والاحتواءِ للديمقراطيّة، بقوله: "لو توفّق الفكرُ الإسلاميّ في عمليّةِ احتواءِ الديمقراطيّة، فاستنبتها في أرضهِ الخصبة كعادته مع كُلّ نبتةٍ خيّرة بعد تشذيبها وتحريرها من أوشابِ العَلمنة والأثرة القوميّة لكان مدّه لا يقاوم وجاذبيته في تعاظُم"( ). ومع كلّ ذلك فإن الفكر السلفيّ يرفضُ الديمقراطيّة ويعارضها، ويُروّج لمصطلح (الشورى) كبديلٍ شرعيّ إسلاميّ لها، وربما العلّة في ذلك هي الخلطُ والالتباس الحاصِل بين مفهومي الديمقراطيّة والعلمانيّة.
أمّا التعددية الحزبية فهي "فرعٌ عن الديمقراطية، وهي قسمان: تعددية سياسية، وتعددية فكرية عقائدية. أما التعددية العقائدية، فمعناها أن الناس في ظل النظام الديمقراطي لهم الحريّة في أن يعتقدوا ما يشاءون، ويمكنهم الخروج من الإسلام إلى أي ملة ونحلة أخرى حتى لو كانت يهودية أو نصرانية أو شيوعية أو اشتراكية أو علمانية، وتلك هي الردة بعينها. أمّا التعددية السياسية: فهي فتح المجال لكافة الأحزاب بغض النظر عن أفكارها وعقائدها، لتحكم المسلمين عن طريق الانتخابات، وهذا فيه مساواةٌ بين المسلم وغيره، وهذا خلاف للأدلة القطعية التي تحرم أن يتولّى المسلمين غيرهم، ولأن التعددية تؤدي إلى التفرُّق والاختلاف الموجب لعذاب الله( ). وفي هذا نسفٌ للديمقراطيّة وكل ما يشملها من سماتٍ مميزة كالانتخابات، وحكم الأغلبيّة، والتداول السلميّ للسُلطة، والتعدديّة، والحريّة، وغيرها.
وبهذا، كرّستِ السلفية المحافظة وظيفتها الدعوية بإعادة إحياء خطاب أهل الحديث وحراسته وإنتاجه، فهي تسعى إلى تطبيقه على الواقع المعاصر، فالعودة إلى صورة الإسلام المتخيل النقي تتحكّم بمفاصل الخطاب، وتعمل على تشكيله وتكوينه، فهناك إسلام واحد غير متعدِّد، وفهم واحد لا يختلف، ولا سبيل إلى التعدُّد والاختلاف. تلك الرؤية الأُحادية أنتجت فكراً تقليديّاً يتَّسم بالجمُود والانغلاق، أو خطاباً عنيفاً لفظيّاً وكفاحيّاً منهجيّاً يناضل من أجل الحفاظ على نقاء الهوية الإسلامية المتخيّلة دون الاعتبار للمسألة التاريخية والتطورات المجتمعيّة واختلاف الأزمنة، ومن دون النظر لبنية اللغة وطبيعتها الاختلافية الحوارية، فبحسب القراءة السلفية المحافظة ثمّة نص بدلالة واحدة، وواقع لا يتغيّر، وعقل لا يتعدّد، ولا مُوجب للخلاف والاختلاف( ).
أمَّا الانتخابات السياسية: فهي بالطريقة الديمقراطية حرام ولا تجوز، والمجالس النيابية التي لا تحتكم إلى كتاب الله وسنة رسوله إنما تتحاكم إلى الأكثرية، فهي مجالس طاغوتية، لا يجوز الاعتراف بها، فضلاً عن أن يسعى المسلم إلى إنشائها، ويتعاون في إيجادها وهي تحارب شرع الله، ولأنها طريقة غربية من صنع اليهود والنصارى، ولا يجوز شرعاً التشبُّه بهم( ). وفي هذا التأصيل الشرعيّ في تحريمِ المجالِس النيابيّة حرمانٌ للصوت الإسلاميّ في فرضِ رأيه على البرلمان، وبالتالي فتح المجال واسعاً أمام الآخرين في فرض القوانين التي قد تصادم الشريعة في أصولها المعتبرة.
الهوامش:
- سورة الحجر، الآية: 91.
- سورة النجم، الآية: 22.
- سورة الأعراف، الآية: 54.
- عقيدة أدعياء السلفية في ميزان أهل السنة والجماعة، محمد بُوالنيت المراكشي، ص11.
- هي السلفية نسبة وعقيدة ومنهجاً، محمد إبراهيم شقرة، ص172. عقيدة أدعياء السلفية في ميزان أهل السنة والجماعة، ص13.
- ينظر: شرح العقيدة الطحاوية، تحقيق الشيخ الألباني، منشورات المكتب الإسلامي، 1984م، ص32. ومن منظري السلفيّة برز ابن أبي العز الحنفي (792هـ) صاحب شرح "العقيدة الطحاوية"، وهو الشرح الذي أصبح عمدة السلفية التاريخية والإطار المرجعي لمقولاتها النظرية العقدية. ينظر: الحل الإسلامي في الأردن، ص225.
- صحوة التوحيد.. دراسة في أزمة الخطاب السياسي الإسلامي، د.محمَّد العبد الكريم، ط(1)، الشبكة العربيَّة للأبحاث والنشر، بيروت - لبنان، 2012م، ص8.
- الدرر السنية في الأجوبة النجدية، عبدالرحمن بن محمّد بن قاسم، 1/ 30و33.
- الدرر السنية في الأجوبة النجدية، عبدالرحمن بن محمّد بن قاسم، 1/ 173.
- الدرر السنية في الأجوبة النجدية، عبدالرحمن بن محمّد بن قاسم، 1/ 30و33.
- جذور الاستبداد في الفكر السياسي الوهابي.. قراءة تحليليّة، أحمد الكاتب، ص41.
- صحوة التوحيد.. دراسة في أزمة الخطاب السياسي الإسلامي ص9.
- من الوهابية إلى السلفية الإصلاحية... إلى "الجهادية" محمد عابد الجابري.
- الوهابيّة والسلفيّة الجهاديّة: قراءة في التباسات العلاقة، سمير الحمادي، ط(1)، دار النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 2014م.
- السّلفيّة في مناخ تونسيّ، 1/3.
- السلفيّة: النشأة والخطاب والتيارات.
- سورة المائدة، الآية: 8.
- مدارج السالكين: 2/39.
- الحل الإسلامي في الأردن الإسلاميون والدولة ورهانات الديمقراطية والأمن، د.محمّد أبو رمان، حسن أبو هنية، مؤسسة فريدريش إيبرت، عمان - الأردن، ٢٠١٢م، ص225. فالنزعة السلفيّة هذهِ لها جذور تاريخية واضحة، وذلك في سياق المجادلات الكلامية، التي وقعت بين المالكية والحنابلة وبين المعتزلة، والتي دارت حول بعض المسائل العقائدية، كمسألة خلق القرآن، والقول بنفي الصفات عن الذات الإلهية، أو مسألة القضاء والقدر المتعلِّقة بأفعال الإنسان. الحل الإسلامي في الأردن، ص224.
- السلفية والتطرف.. اضطرابٌ في منهجية التفكير، (1/2)، فائق الربيعي.
- السلفية: النشأة والخطاب والتيارات.
- المنهج السلفي ودوره في إحياء معالم الإسلام، الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي.
- الحل الإسلامي في الأردن، ص225.
- السلفيّة في مناخ تونسيّ، 1/3.
- العمل الديني وتجديد العقل، د.طه عبد الرحمن، ط(2)، المركز الثقافي العربي، بيروت - لبنان، 1997م، ص90.
- الحل الإسلامي في الأردن، ص224.
- السلفية: النشأة والخطاب والتيارات، د.عبد الغني عماد.
- المرجع نفسه.
- المرجع نفسه.
- السلفية في مصر، تحولات ما بعد الثورة، هاني نسيرة، كراسات استراتيجية، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، العدد (220)، السنة الحادية والعشرون، 2011، ص12.
- إشكاليات الفكر الإسلامي المعاصر، صلاح الدين الجورشي، مركز دراسات العالم الإسلامي، 1991، ص214. في السلفية: النشأة والخطاب والتيارات، د.عبد الغني عماد.
- السلفية: النشأة والخطاب والتيارات.
- المرجع نفسه.
- من الوهابية إلى السلفية الإصلاحية.
- ذكرها جميعها الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب، واعتمدنا في عرضها على الشيخ عبد العزيز بن باز في كتابه: العقيدة الصحيحة ونواقض الاسلام، مؤسسة الرسالة، بيروت - لبنان، 1413هـ، ص27و28و29. في السلفية: النشأة والخطاب والتيارات.
- السلفية: النشأة والخطاب والتيارات.
- المرجع نفسه.
- السلفية في مناخ تونسي، 3/3.
- الحل الإسلامي في الأردن، ص231.
- المرجع نفسه، ص238.
- المرجع نفسه، ص241.
- المرجع نفسه، ص219.
- المرجع نفسه، ص233.
- التصفية والتربية وحاجة المسلمين إليها، محمد ناصر الدين الألباني، ط(1)، المكتبة الإسلامية، 1421هـ، ص30، والحل الإسلامي في الأردن، ص245.
- من أهداف الإسلام، د.عبدالله محمد العجلان.
- مساجلة علمية بين الإمامين الجليلين العز بن عبد السلام، وابن الصلاح، محمد ناصر الدين الألباني، ط(2)، المكتب الإسلامي، بيروت، 1405هـ، ص12-13، والحل الإسلامي في الأردن، ص246.
- عقيدة أدعياء السلفية في ميزان أهل السنة والجماعة، ص82.
- السنن، الدارقطني، رقم (32)، 1/26.
- الحل الإسلامي في الأردن، ص243.
- من معالم المنهج النبوي في الدعوة إلى الله، محمد بن موسى آل نصر، ط(1)، دار الإمام أحمد، القاهرة، 2004م، ص35-39.
- التحذير من فتنة التكفير، الحلبـي، ط(1)، دار الراية، 1417هـ، ص39. في عقيدة أدعياء السلفية في ميزان أهل السنة والجماعة، ص10.
- الحل الإسلامي في الأردن، ص238.
- المرجع نفسه، ص267.
- المرجع نفسه، ص219.
- المرجع نفسه، ص219.
- السلفية بين الأمس واليوم، فايزة أحمد يوسف، ص10.
- الحل الإسلامي في الأردن، ص250.
- مسائل عصرية في السياسة الشرعية، محمد بن ناصر الألباني ومقبل بن هادي الوادعي وآخرون، مجلة "الأصالة"، العدد الثاني، 15 جمادى الآخرة، 1413هـ، ص17. والحل الإسلامي في الأردن، ص253.
- الحركة الإسلامية والديمقراطيّة.. وقفات وملاحظات، محمد جميل منصور، ص32.
- فتاوى معاصرة، د.يوسف القرضاوي، ط(3)، دار الوفاء، مصر، ص643.
- الحركة الإسلاميّة والديمقراطيّة، ص32.
- محاور إسلاميّة، راشد الغنوشي، ط(1)، بيت المعرفة، الخرطوم، السودان، 1989م، ص61.
- أزمة الديمقراطيّة في الوطن العربيّ، ندوة مركز دراسات الوحدة العربيّة، ط(1)، بيروت - لبنان، 1978م، ص36.
- مجلة (المجتمع) الكويتية، في مقابلة مع عبداللطيف عربيات، ص35، في الحركة الإسلاميّة والديمقراطيّة، ص42.
- مسائل عصرية في السياسة الشرعية، ص18-19. والحل الإسلامي في الأردن، ص254.
- الحل الإسلامي في الأردن، ص261.
- مسائل عصرية في السياسة الشرعية، ص22. والحل الإسلامي في الأردن، ص254.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق