زيرفان البرواري
تعد (داعش) من أخطر المعطيات والأوراق المستخدمة في الشرق الأوسط، في الوقت الراهن، بل وتعد من أسوء المتغيرات في رسم السياسات الدولية لبعض الدول، التي لم تعد تراعي المواثيق والأعراف الأخلاقية والسياسية في إدارة السياسة الدولية. إن الربيع العربي، وما أفرزه صمود الأنظمة الدكتاتورية أمام المد الجماهيري، مهد الطريق أمام العمل الاستخباراتي للكثير من الدول، في تصدير أزماتها إلى الدول المختلة أمنيا، أو إلى الدول التي توصف أنظمتها بـ(الفاشلة). ففي (سوريا)، على سبيل المثال، أدت نجاحات الثورة فيها، إلى تفكير النظام البعثي السوري في إيجاد آليات بديلة، تسيء لمتطلبات الشعب السوري، وتخوف المجتمع الدولي من ظهور الإرهاب الدولي، الذي يهدف إلى ضرب المصالح الغربية، والدول الإقليمية.
إن (القاعدة) وتحركاتها، في الوقت الراهن، لا وجود لها، وهذا يعبر عن تكملة الدور، الذي على أساسه شكلت (القاعدة)، وكملت أدوراها، على أتم وجه! وها قد حان الوقت لشبح آخر في الشرق الأوسط، يساهم في خلق حالة الفوضى العارمة، ويسيء إلى العمق الحضاري للإسلام، وكذلك ضرب القدرة الاقتصادية للدول والجماعات، التي لا تسير في بوتقة دول إقليمية معينة.
إن الاستراتيجية التي قامت على أساسها (داعش)، تكمن في نقطتين:
1. الفوضى العارمة.
لأن الحركات، والممارسات الهمجية، التي يقوم بها الأفراد المنتمون لحركة (داعش)، تهدف إلى ضرب القيم الحضارية، والثقافية، للمناطق التي تسيطر عليها، وزرع الخوف والجهل والقتل في تلك المناطق. ففي (الرقة) تمارس (داعش) ممارسات تفوق الخيال الإنساني، وتعجز عن تفسيرها كل المدارس الفكرية المتعارف عليها، فكريا وعقائديا. إن قواعدها ولوائحها أقرب إلى الجماعات القائمة على أساس القتل المنظم، والجرائم المنظمة، التي ظهرت في ظل الأنظمة الدكتاتورية، والمستفيد الوحيد من الفوضى العارمة هذه، هي الأنظمة الدكتاتورية في الدول العربية، التي تخاف على سلطتها، وتقوم بالمستحيل لأجل الحفاظ على نفسها، وكذلك المخابرات الإقليمية، التي تسعى إلى حماية مصالح دولها، من خلال تصدير الأزمة إلى خارج حدودها، فقد تحررت عواصم (أوروبا الغربية) من الأفكار التكفيرية والظلامية، من خلال التحاق بعض مواطنيها، الذين يحملون أفكارا تكفيرية متطرفة، بتنظيم (داعش)، والذين قدموا بالتالي خدمة أمنية مجانية للدول الغربية. أما الدول العربية، وخاصة النظام السوري، وبعض الدول الخليجية، ومصر، فإنهم يسعون جاهدين في سبيل حماية مصالحهم، ولو تطلب الأمر ممارسة أشد الانتهاكات، والعمليات الإجرامية.
٢.التغيير السياسي العكسي.
أما الاستراتيجية الثانية، التي على أساسها تشكلت (داعش)، هي خلق التغيير السياسي العكسي. وأقصد بهذا المصطلح: تحويل التغيير السياسي، في الدول العربية، من حالة الثورة، والمطالبة بالحقوق، إلى تثبيت قواعد الأنظمة الدكتاتورية، من خلال زرع حالة الخوف لدى الأفراد. فالناس يفضلون الطغاة على المتطرفين، وبذلك يتحول التغيير من حالة التحرر، إلى حالة الطغيان المنظم، بنكهة الخوف والتدمير التي تتبناها (داعش).
والتغيير السياسي العكسي يخدم، إلى جانب الطغاة، مصالح بعض الدول، التي ترى في الحركات المعتدلة خطرا على مستقبلها.
إن التحركات والممارسات الهمجية، التي قامت بها (داعش) في (الموصل)، هي محاولات ضرب حضارة شعب، وإكمال عملية صنع الكراهية لدى أطياف الشعب العراقي. فالتهجير القسري للكورد، والمسيحيين، والعمليات المشكوكة بين (سوريا) و(العراق)، محاولات جدية في ضرب حضارة (بلاد الرافدين). فالتعدد الديني، والمذهبـي، مستهدف في (العراق) منذ ٢٠٠٣، والمستفيد من وراء ذلك ليس الشعب العراقي بالتأكيد.
إن إقليم كوردستان العراق، بفعل الجغرافيا السياسية، وقع في نقطة التماس مع (داعش)، ولما كان من الصعب حفظ الأمن والاستقرار في المناطق التي تسيطر عليها (داعش)، فالهجمات المتكررة على القوات الكوردية، دليل مخيف على وضع الكورد ضمن القوى المستهدفة في مخطط (داعش) في (العراق). والقوات الكوردية تتطلب استراتيجية قوية ومتماسكة لصد خطر (داعش)، كونه مخططا إقليميا كبيرا. وعلى القيادة الكوردية النظر في خيوط اللعبة السياسية، وتقوية الخطاب الكوردي الداخلي، وكذلك رفع مستوى الكفاءة العسكرية لدى البيشمركة، والاعتماد على القوى الإقليمية، التي تقع خارج المخطط الداعشي الإرهابي في المنطقة. والأفضل من كل ذلك، عدم الانجرار في حرب شاملة مع (داعش)، بجهود ذاتية، فلا بد من وجود قوة إقليمية إلى جانب البيشمركة، لأن حفظ الجيوسياسيا الكوردية، لها دلالات تتجاوز حدود (العراق).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق