أحمد الزاويتي
اعتبر الكثيرون أن الحزب الحاكم في تركيا، قد خسر الانتخابات البرلمانية،
التي جرت في السابع من حزيران، في الوقت الذي كان الأول من بين الأحزاب المشاركة، وبنسبة
فاقت بقليل الـ 40%، وبفارق 15% عن أقرب منافسيه. حتى الحزب اعتبر نفسه خاسرا. هذا
ما يجعل من حزب (العدالة والتنمية) تجربة فريدة في التاريخ التركي، ففي الوقت الذي
تمكن من الفوز، وتشكيل الحكومة التركية، لثلاث فترات متتالية، وصعود نسبة التصويت له
في كل مرة مقارنة بالأخرى، وهو ما لم يحدث في التاريخ التركي، وأن يبقى فائزا وبفارق
كبير
عن أقرب منافسيه، رغم ذلك يعتبر خاسرا!!
إذاً هل فعلا خسر (حزب العدالة والتنمية)؟.. بمقياس النتيجة، وحصوله على
40%، وبفارق كبير عن منافسيه، لا يمكن اعتباره خاسرا. إلا أنه واعتمادا على الأهداف
الكبيرة التي وضعها الحزب لنفسه، من وراء هذه الانتخابات، وهي:
* تغيير الدستور التركي لوحده في البرلمان، أو عرضه للاستفتاء.
* تشكيل الحكومة لوحده، أسوة بالانتخابات السابقة.
* منع (حزب الشعوب الديمقراطي) الكوردي من كسره لحاجز 10% من الأصوات،
وبذلك تعود 80% من أصوات هذا الحزب إلى (العدالة والتنمية)، حسب القانون التركي.
إذاً لم يتحقق أي هدف من الأهداف التي وضعها الحزب لنفسه في انتخابات
السابع من حزيران، فلا تغيير للدستور، ولا تشكيل للحكومة لوحده، ولا منع للحزب الكوردي
من الدخول للبرلمان. وبهذا تم تشكيل أقوى معارضة في البرلمان التركي لـ(العدالة والتنمية)،
مؤلفة من ألد أعدائه، وهي: حزب الشعب، حزب الحركة القومية، وحزب الشعوب الديمقراطي.
هذه المعارضة، فيما إذا توحدت، يمكنها تكوين جبهة أكبر من جبهة (العدالة والتنمية).
عوامل الخسارة
الثقة الزائدة بالنفس: بعد تشكيل الحكومة لوحده لثلاث مرات متتالية، وازدياد
أصواته مرة بعد أخرى، وبعد فوز (أردوغان) بالرئاسة، رغم التحديات الكبيرة، بعد الإعلان
عن عمليات فساد، وظهور ما سمي بالدولة العميقة، إثر التسريبات التي قامت بها جماعة
(كولن)، والتوقع بأن ذلك يضر بأردوغان وحزبه. إلا أن النتيجة جاءت عكسية، عندما فاز
(أردوغان) بأكثر من نصف أصوات الشعب، وفوزه الكاسح على منافسيه، وفوز الحزب أيضا بالانتخابات
البلدية. كل ذلك دفع الحزب إلى الثقة الزائدة بنفسه، والتوقع في ما هو أكثر من المتوقع.
استعداء حلفائه السابقين: الاستهانة بأطراف كان يمكن أن تصبح عوامل قوة
للحزب في الانتخابات، مثلا: جماعة (كولن)، رغم أن هذه الجماعة ليست لها قوة كبيرة تنافس
أي حزب من أحزاب تركيا، ناهيك عن حزب العدالة والتنمية. لكن العداء المعلن والمتكرر
من قبل (أردوغان) لهذه الجماعة، أفقده من 2 إلى 3% من الأصوات. في الوقت الذي كان يجب
على أردوغان وحزب العدالة والتنمية أن يتوقف عن محاربة الجماعة علنا، بعدما تمكن من
وقف شرها.
إضافة إلى (حزب السعادة)، وهو ما تبقى من حزب (نجم الدين أربكان)، هذا
الحزب الذي لو كان (أردوغان) حكيما في كسبه إلى جانبه، لتمكن من جلب ما نسبته 2% من
الأصوات لصالحه.
إهمال لحلفاء سابقين: حتى من كان متحالفا مع (حزب العدالة والتنمية)،
في السنوات العشر السابقة، حيث الفترة الذهبية للحزب، بعضهم ولأسباب متفرقة ابتعد عن
الحزب، دون أن يراعيه الحزب، فذهب بعضهم لغريمه (حزب الشعب الجمهوري)، وآخرون ذهبوا
إلى (حزب الحركة القومية)، ومنهم من ذهب إلى الحزب الكوردي الجديد: (حزب الشعوب الديمقراطي).
وقف الحزب بموقف التحدي لكل أولئك، من منطلق أنهم لن يؤثروا على شعبية الحزب. نعم لم
يؤثروا في شعبية الحزب، لكنهم أثروا -إلى حد ما- في تقليل نسبة التصويت لصالحه.
حتى (عبدالله غول)، وهو أحد أهم مؤسسي (حزب العدالة والتنمية)، وهو الذي
هندس لعلاقات خارجية جديدة لتركيا، وتمكن من القفز بتركيا قفزات هائلة، وكان -على عكس
(أردوغان)-، يجيد نزع فتيل المشاكل والألغام في طريق تركيا. أما (أردوغان)، فمارس سياسة
النفخ في كير نار المشاكل، ووقع بين الشخصين ما يشبه البرود والقطيعة، خاصة بعدما لم
يمنحه (أردوغان) الفرصة للعودة للحزب، بعد انتهاء فترة رئاسته. كان يمكن لـ(عبدالله
كول) أن يكون المنقذ للحزب في أصعب فتراته.
العامل الكوردي: لكن أهم ما أثر على الحزب هو دخول حزب كوردي، ولأول مرة،
في الانتخابات التركية، وهو (حزب الشعوب الديمقراطي)، وهذا الذي جعله منافسا لحزب
(العدالة والتنمية)، في المناطق الكوردية، التي تفرد بها حزب العدالة من قبل، وكان
يحصل فيها على ملايين الأصوات دون منافسيه اللدودين: الشعب الجمهوري، والحركة القومية.
أما في هذه الانتخابات، فقد أصبح للكورد في تركيا ممثلهم، فذهبت أصواتهم إليه، دون
حزب العدالة والتنمية، وبقي (العدالة والتنمية) يراهن فقط على عدم إمكانية (حزب الشعوب
الديمقراطي) تجاوز حاجز الـ 10%، وبالتالي عدم دخوله البرلمان، وذهاب أصواته، حسب القانون
التركي، إلى (حزب العدالة والتنمية). الأمر الذي لم يحصل بتاتا، بل على العكس حصل الشعوب
الديمقراطي على 13%، ومنع ذهاب الأصوات الكوردية إلى العدالة والتنمية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق