د. أمين محمد سعيد الأدريسي
أستاذ كلية الإدارة والاقتصاد/ جامعة صلاح
الدين
صلاح الدين أحمد محمد
طالب دكتوراه
لقد
كان من أهم المقاييس للتنمية الاقتصادية زيادة معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي
(GDP). وهذا النمو في الدخل هو الذي يؤدي إلى
القضاء على الفقر، ومظاهر التخلف الأخرى. وعملية التنمية الاقتصادية، ضمن هذه
المقاييس التقليدية، كانت تعد إجمالاً - خلال مدة الخمسينيات والستينيات- ظاهرة
اقتصادية، تقاس بالزيادة السريعة في نمو الدخل القومي، والدخل الفردي السنوي.
ونتيجة لمعدلات النمو المشار إليها، فإن فوائد التنمية الاقتصادية: إما أن تصل إلى
عامة السكان، بشكل فرص عمل، أو أنها كخلق الحالات الضرورية للاستمرار بالنمو،
وتوزيع المنافع الاقتصادية، والاجتماعية
، للتنمية، على أوسع عدد من أفراد المجتمع.
أي أن التنمية الاقتصادية كان ينظر إليها، في عقدي الخمسينيات والستينيات، على
أنها قابلية الاقتصاد على تحقيق النمو في الدخل القومي. إلاّ أن النتائج
الاقتصادية التي أفضت إليها تجربة الخمسينيات، في هذه البلدان، كانت تشير إلى أن
هذه الدول قد استطاعت تحقيق معدلات جيدة من نمو الدخل القومي، إلاّ أنها لم ترفع
مستوى المعيشة لشعوب تلك المناطق من العالم، فقد بقيت تلك الشعوب في حالة تطور
بطيء. وهذا مؤشر يوضح أن هناك خطأ في أن يتصور المرء أن التنمية الاقتصادية يمكن
أن تحصل عن طريق زيادة الدخل القومي في بلدان العالم الثالث، بدون النظر إلى عوامل
أخرى ذات أهمية بمكان(1).
وعلى
الرغم من أن (جيرالد ماير) و(روبرت بولدوين)، أستاذي الاقتصاد في جامعتي (وسليان)،
و(هارفرد)، قد عاصرا تلك المدة الزمنية، إلاّ أن مؤلفهما: (التنمية الاقتصادية)،
قد احتوى على نظرات متقدمة في هذا الاتجاه، يمكن الإشارة إلى أهمها(2):
1- إن التنمية الاقتصادية هي عملية يرتفع بموجبها الدخل القومي
الحقيقي خلال مدة من الزمن. وهو بهذا الحد أن الدخل القومي لا يعبر عنه هنا بوحدة
نقدية، بل بكتلة من السلع والخدمات التي يمثلها.
2- إذا كان معدل التنمية أكثر من معدل نمو السكان الصافي، ارتفع
الدخل الحقيقي الفردي (أي متوسط الدخل الحقيقي).
3- تعني كلمة (عملية) هنا: تحرك بعض القوى التي تفعّل في السياق
الطويل، وتجسّد التبدل الحاصل في متغيرات معينة.
4- ويمكن تصنيف أكثر هذه المتغيرات أهمية، على أنها تغيرات تتم في
نطاق عرض العناصر الإنتاجية الأساسية، وفي نطاق تركيب أو تمويل الطلب على
المنتوجات.
أما
المتغيرات المحددة من الفئة الأولى، فتشمل: اكتساب موارد إضافية جديدة، تراكم رأس
المال، تزايد السكان، إدخال أساليب إنتاج جديدة محسّنة، تحسين المهارات، تعديلات
أخرى مؤسسية وتنظيمية.
وتقترن
التغيّرات الحاصلة في تركيب الطلب على المنتجات، بالتغيّرات الحاصلة في حجم
السكان، وتركيبهم، من حيث فئات الأعمار، مستوى الدخل، ونمطه، وتوزيعه، الأذواق،
الترتيبات المؤسسية، والتنظيمية الأخرى.
5- التنمية، عملية يرتفع بموجبها الدخل القومي الحقيقي، خلال مدة
طويلة من الزمن. يشترط في التنمية أن يستمر ارتفاع الناتج القومي الصافي.
فالارتفاع قصير الأجل، كالذي يحصل خلال الدورة الاقتصادية، هو أمر ثانوي الأهمية.
أما الأمر الأهم، فهو الاتجاه التصاعدي، البعيد المدى، في تطور الناتج القومي
الصافي.
6- إن تحقيق التنمية الاقتصادية، ضمن مفهوم رفع متوسط دخل الفرد
الحقيقي، هو شرط ضروري، ولكن ليس كاف، لتحقيق الرفاه الاقتصادي. إذ إنّ الرفاه
الاقتصادي يتطلب اتخاذ موقف قيمي، بصدد توزيع الدخل، وتركيب الناتج، والأذواق،
والأطراف الحقيقية، وعدد من المتغيرات الأخرى(3).
وهكذا
يلاحظ أن نمط توزيع الدخل القومي، قد أكد عليه - هنا- كشرط لازم لتحقيق الرفاه
الاقتصادي.
إن
إعطاء نمط توزيع الدخل أهمية في تحقيق الرفاه الاقتصادي، هو إضافة مهمة في الفكر
التنموي، للخروج من القوالب الاقتصادية الجامدة، وتقديم نمط إنساني لعملية
التنمية، يتجاوز الأطر المادية. كما لا نبخس محاولة البعض إضافة بعض المؤشرات
الاجتماعية، للتخلص من محدودية النظر إلى التنمية الاقتصادية، مثل: درجة الأمية،
ومحوها، درجة التعلم والمهارات والتدريب، الظروف والخدمات الصحية، وتوفير المأوى،
وغيرها(4). كما أنه قد فتح الباب أمام إضافات قادمة جديدة، أخذت تنظر للبعد
الاقتصادي ضمن بوتقة الإنجاز الحضاري الكامل. وبالتالي، أصبح لا مفر من النظر في
الاعتبارات غير الاقتصادية في سبيل إعطاء تفسير كامل للتنمية. فالاقتصاد ليس جهازا
أو نظاماً آلياً، والقوى الاقتصادية لا تعمل كقوة الطبيعة، بل يجب أن تفهم ضمن
إطار اجتماعي وثقافي(5).
لقد
استطاع العالم الاقتصادي (ميردال) أن يسمو بنفسه عن القيود الاقتصادية الضيقة، إذ
عرّف التنمية الاقتصادية، تعريفاً شاملاً للجوانب الاقتصادية وغير الاقتصادية،
بالقول: إن التنمية الاقتصادية تعبّر عن: "التحركات الاقتصادية للنظام
الاجتماعي ككل"(6).
أما
العالم الاقتصادي (بلاك)، فقد عرّف التنمية الاقتصادية بأنها: "الحصول على
عدد من أهداف التقدم"، التي فصّلها بالآتي(7):
• تحقيق ارتفاع في مستوى الإنتاجية.
• إنجاز العدالة الاقتصادية والاجتماعية.
• إدخال التكنولوجيا الحديثة.
• تطوير البعد الفكري نحو الحياة.
• التوافق العقلاني بين السياسات والوسائل، والذي من شأنه إزالة
الظروف السائدة في النظام الاجتماعي، والتي ساهمت في خلق حالة التخلف المزمن.
ويبدو
أنّ هذه النظرة الشاملة للتنمية الاقتصادية، قد تأثرت بالرؤى الاشتراكية، التي
تتبنى القول بأن التنمية الاقتصادية هي عملية نقل الاقتصاد القومي من حالة التخلف
إلى حالة التقدم، أو بمعنى أدق: هي الانتقال من الوضع الاجتماعي المتخلف إلى الوضع
الاجتماعي المتقدم. وهذا الانتقال يقتضي تغييراً جذرياً وجوهرياً في أساليب
الإنتاج، المستخدمة "قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج، التي تتلاءم مع مرحلة تطور
قوى الإنتاج"، وفي البنيان الثقافي المتلائم مع هذه الأساليب الإنتاجية(8).
ورغم تأكيد (ماركس) على الدور الرئيس للأساس المادي، في تحريك البناء الفوقي، إلاّ
أن (شومبيتر) قد أحدث قفزة نوعية، بتأكيده على دور العوامل الاقتصادية والاجتماعية
في النمو الاقتصادي(9).
لقد
تميزت مدة السبعينات بإعادة تعريف التنمية الاقتصادية، في صورة:
- تقليل، أو ازادة الفرص، وعدم المساواة.
- تقليل البطالة.
- رفع شعار (التوزيع من النمو).
ولعل
(دودلي سيزر) قد عبر عن هذا، بغاية في الدقة، بقوله: إن التنمية الاقتصادية تدور
حول محاور، تعبّر عنها بالأسئلة الآتية:
ما
الذي حدث للفقر؟
ما
الذي حدث للبطالة؟
ما
الذي حدث لعدم المساواة؟
وكيف
يمكن حل هذه المشكلات؟
فإذا
أخفقت دولة ما في حل مشكلة، أو اثنتان، من هذه المشاكل، وبخاصة إذا أخفقت في حل
ثلاث مشاكل معاً، فإنه سوف لن تصل إلى تحقيق التنمية(10).
تعدّ
مدّة الثمانينيات والتسعينيات، من القرن الماضي، توجهاً يحمل بصمات أكثر إنسانية
للتنمية، تجسّد عبر معاناة الفقر والحرمان والجوع، وانخفاض مؤشرات التنمية
البشرية. ولقد جسّد هذه (أدجر اوينز)، في كتابه الصادر عام 1987، بقوله: "لقد
عامل الاقتصاديون قضية التنمية، كما لو كانت لا تعدو كونها أكثر من تدريبات
وممارسات وتطبيقات في علم الاقتصاد التطبيقي، منفصلة عن الأفكار السياسية، ويستبعد
دور الأفراد في المجتمع. إن وقتاً طويلاً قد مرّ، حتى تمكّنا فيه من محاولة جمع
نظرية اقتصادية في الاقتصاد السياسي، يمكن من خلالها شرح كيف تستطيع المجتمعات أن
تكون أكثر إنتاجاً، وأيضاً: أعلى جودة. وذلك من خلال تنمية البشر، بدلاً من تنمية
الأشياء، أو تحقيق التنمية البشرية"(11).
إن
ما تمّ التوصل إليه من قبل (آدجر اوينز)، لا يعدو ما أشار إليه المفكر الجزائري
(مالك بن نبـي)، حينما حدّد أحد أسباب تخلّف العالم الإسلامي بمقولته الشهيرة
"الاهتمام بعالم الأشياء، لا بعالم الأفكار"(12). إذ يقول:
"ونستطيع أن نفهم هذا الميل في ضوء السيكولوجية الصبيانية، فالطفل لا يرى في
العالم أفكاراً، ولكنه يرى أشياء. فكَوْمَةٌ من الحلوى، أثمن لديه بكثير من
كَوْمةٍ من الجوهر"(13).
لقد
أفرج الأفق التنموي الحديث، الذي تجسّد مداه في القرن الواحد والعشرين، تأكيداً
على قيم جوهرية ثلاث، في التنمية، تسمو بالجوانب الاجتماعية والإنسانية، بتأكيدها
على محاور ثلاث(14):
(أ) القدرة على العيش: بمعنى القدرة على سد الحاجات الأولية. فجميع
البشر لديهم احتياجات أساسية معينة، والتي بدونها تصبح الحياة مستحيلة. تتضمن هذه
الحاجات الأساسية المدعمة للحياة: الغذاء، المسكن، الصحة، والحماية. وفي حالة غياب
أحد هذه الأشياء، أو وجود عجز في العرض، فإن هناك حالة تسمّى بـ(التخلّف الحضاري
المطلق). لذا، فإن وظيفة أيّ نشاط اقتصادي، أن يمدّ الناس - على قدر المستطاع-
بالوسائل التي يستطيعون بها التغلب على عدم المساعدة، والمأساة الناجمة عن نقص
الطعام، والغذاء، والمسكن، والصحة، والحماية. إلى هذا الحد نستطيع أن نقول إن
التنمية الاقتصادية شرط ضروري لتحسين جودة الحياة. إن تحقيق متوسط دخل الفرد
المرتفع، وإزالة الفقر المطلق، وفرص عمالة أكبر، وتقليل عدم المساواة في الدخول،
كل ذلك يشكل الشرط الضروري، ولكنه ليس الكافي، من أجل تحقيق التنمية.
(ب) تقدير الذات، واحترامها: ويعدّ الإباء، وعزّة النفس، المكون
الثاني الشامل لمكونات الحياة الجيدة، ويعني: الإحساس بالأهليّة، واحترام الذات،
والشعور بأنك لست أداة يستخدمها الآخرون من أجل مصالحهم الخاصة.
(ج) الحرية من الاستعباد: أن يكون لك الحق في الاختيار. وهي فكرة
الحرية البشرية. ويجب أن نفهم الحرية في إطار التحرر من الجهل، والنظرة الدونية من
قبل الشعوب الأخرى، ومن البؤس، والمعتقدات الخاطئة. لذلك تستلزم الحرية نطاقاً
موسعاً من الاختيارات للمجتمعات. ولقد ركّز العالم الاقتصادي (آرثر لويس)، على العلاقة
بين النمو الاقتصادي، والحرية من الاستعباد، عندما استنتج أن ميزة الاقتصاد ليست
في السعادة الحادثة بسبب زيادة الثروة، ولكنها الزيادة في نطاق الاختيار البشري.
إذ تمكّن الثروةُ الناسَ في أن يحصلوا على فرصة الحصول على أوقات للراحة أكبر،
وخدمات حياة أفضل، حيث التأمل والتفكير الروحي. وفي السياق نفسه، تتضمّن الحرية من
الاستعباد، مكّونات مختلفة من الحرية السياسية، تشتمل على الأمن الشخصي، وسيادة
القانون، وحرية التعبير، والمشاركة السياسية، والمساواة في الفرص.
وبحسب رأي العالم
الاقتصادي (أمارتيا صن Amaratya
Sen) "فإن عمليات توسيع حريات البشر، هي
الغاية الأساسية للتنمية، والوسيلة الرئيسة لتحقيق التنمية المرغوبة"(15).
وتعدّ
عملية توسيع حريات البشر، من أكثر المفاهيم المعاصرة للتنمية، التي تعارف عليها
المفكرون الاقتصاديون. وعلى الرغم من تعدد مكونات الحرية، لكنه جرى التركيز على
خمسة أساسية، وهي(16):
(أ) الحريات الأساسية:
وتشمل
الحقوق المدنية، والفرص المتاحة للناس ليقرروا من سيحكمهم، وعلى أية مبادئ،
وليراقبوا، وينتقدوا، ويمارسوا السلطات، ويعبّروا عن آرائهم من خلال صحافة حرة،
وليقرروا الانضمام إلى مختلف الأحزاب السياسية.
وتمّثل
هذه الحريات: الاستحقاقات المتوفرة في النظم الديمقراطية، بمعناها الواسع، بما في
ذلك فرص السجال السياسي، والمعارضة، والنقد، وحرية المشاركة السياسية.
(ب) التسهيلات الاقتصادية:
وتهتم
بالفرص المتاحة للأفراد، لاستغلال الموارد الاقتصادية لأغراض الاستهلاك والإنتاج
والتبادل، وهي تعتمد على ما يمتلكه الفرد من موارد، أو ما تتاح له، وعلى ظروف
التبادل، مثل الأسعار النسبية، وآلية الأسواق، بما يساهم في زيادة ثروات الأمم.
وينطوي ذلك على حضور دور الدولة في توفير التسهيلات الاقتصادية لهذا الغرض.
(ج) الفرص الاجتماعية:
وهي
تتعلق بالترتيبات الاجتماعية، في المجالات التي تؤثر في الحريات الحقيقية المتاحة
للأفراد ليعيشوا حياة طيبة، مثل: الترتيبات المتعلقة بالتعليم والصحة، وتفعيل
مشاركة الناس بهذا الاتجاه، مثل: برامج مكافحة الأمية.
(د) ضمانات الشفافية:
يركّز
هذا الجانب على تعزيز الثقة في التعامل بين الناس، في إطار المجتمع، وهي حرية
التعامل بين الأفراد، والمكّونات، على أساس ضمان الإفصاح والسلاسة، وهي تحدّ من
الممارسات الفاسدة، وعدم المسؤوليات المالية.
(هـ) الأمان الوقائي (الحمائي):
ويعني
بتوفير شبكات الحماية والرعاية الاجتماعية، للحيلولة دون وقوع الشرائح الضعيفة في
المجتمع، في شراك الفقر المدقع، وفي بعض الأحيان: الجوع والموت. وهي ترتيبات
مؤسسية ثابتة ومستمرة، مثل: (الإعانات، وبرامج الضمان الاجتماعي، والمنح الداخلية،
برامج العون الطارئة).
وعلى
أساس هذه المحاور، طوّر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، مقياساً مركباً لتلك
المؤشرات، دعي بـ(دليل التنمية البشرية)، أو (مؤشر التنمية البشرية)، لقياس
الإنجاز التنموي، الذي يتحقق في كل دولة. ولقد جرت عملية بلورة هذا المفهوم في
تقارير التنمية البشرية، التي تلت تقرير عام 1990. ففي عام 1992 جرى تأكيد ضرورة
تمييز مفهوم التنمية البشرية عن غيره من المفاهيم، كما تمّ تأكيد الطابع الأممي،
إذ ذكر التقرير "إن التنمية البشرية فكرة أوسع وأشمل، فهي تغطي جميع اختيارات
الإنسان، في كل المجتمعات، وفي جميع مراحل التنمية. فهي تهتم بالنمو الاقتصادي،
قدر اهتمامها بالتوزيع. كما تهتم بالحاجات الرئيسة، بقدر ما تهتم بالشريحة الكاملة
للتطلعات الإنسانية. وتهتم بمأزق الناس في الشمال، بقدر ما تهتم بحرمانهم في
الجنوب. وهي تنسج التنمية حول الناس، وليس العكس"(17).
وقد
وسّع تقرير التنمية البشرية لعام 1993، مفهوم المشاركة الجماهيرية، سواء
الاقتصادية، أو الاجتماعية، أو السياسية، فعرّف التنمية البشرية بكونها
"تنمية الناس، من أجل الناس، بواسطة الناس. وتنمية الناس معناها: الاستثمار
في قدرات البشر، سواء في التعليم والصحة والمهارات، حتى يمكنهم العمل على نحو منتح
ومبدع. والتنمية من أجل الناس، معناها: كفالة توزيع ثمار النمو الاقتصادي، الذي
يحققونه، توزيعاً عادلاً، واسع النطاق. والتنمية بواسطة الناس، أي: إعطاء كل فرد
فرصة المشاركة فيها"(18).
أما
تقرير التنمية البشرية لعام 1995، فقد توجّه إلى بيان وضع المرأة بالنسبة إلى
الرجل، موضّحاً أن النساء في العالم يشكلن نصف المجتمع الإنساني، من حيث الكم،
لكنهن ما زلن لا يحصلن إلا على نصيب أقل
مما يحصل عليها الرجل من الدخل وفرص العمل والخدمات وغيرها. وإن ذلك لم يقتصر على
البلدان النامية، بل شمل الدول المتقدمة(19).
أما
تقرير التنمية البشرية لعام 1998، فقد بحث الاستهلاك، والدور الذي يمكن أن يؤديه
في التنمية البشرية. فعلى الرغم من الارتفاع الكبير في الاستهلاك، الذي بلغ (24)
تريليون دولار في ذلك العام، فإن هناك أكثر من مليار شخص، لا تتوفر لهم فرصة
الاستهلاك التي تلبـي حاجاتهم الأساسية(20).
أما
تقرير التنمية البشرية لعام 2000، فقد هدف إلى تأمين ما أطلق عليه بالحريات السبع:
التحرر من التمييز حسب الجنس أو العنصر أو الأصل العرقي القومي أو الدين، والتحرر
من الخوف من التهديدات المتعلقة بالأمن الشخصي والتعذيب والاعتقال التعسفي، وغيرها
من أعمال العنف، وحرية الفكر والكلام والاشتراك في صنع القرار، والتحرر من الفاقة،
وحرية تنمية إمكانات البشر وتحقيقها، والتحرر من الظلم، ومن انتهاكات سيادة
القانون، وحرية مزاولة عمل كريم دون استغلال(21).
ولقد
تلازم مع هذا الاهتمام بالتنمية البشرية، اهتمام لا يقل عنه شأناً بما أطلق عليه:
التنمية المستدامة. ولقد اعتمدت اللجنة الدولية حول البيئة والتنمية، عام 1987، في
تقريرها السنوي، التعريف الآتي للتنمية المستدامة: "إنها تلك التنمية التي
تلبـي احتياجات الأجيال الحالية، من دون إعاقة مقدرة الأجيال المستقبلية، في
مقابلة احتياجاتها"(22).
ويعدّل
الإقتصادي الباكستاني (محبوب الحق) هذا التعريف، ليؤكد أن الاستدامة تعني
"استدامة الحياة الإنسانية، وإن البيئة الطبيعية ما هي إلا وسيلة لمثل هذه
الاستدامة، وليس غاية"(23). وعلى أساس هذا التعريف البديل لمفهوم الاستدامة،
يلاحظ (محبوب الحق) أن التنمية المستدامة لا بد لها من التركيز على (طبيعة النمو
الاقتصادي، ونوعيته)، بما في ذلك العناية بالبيئة، وبالاستغلال الأمثل للموارد
الطبيعية، وانعكاس كل ذلك- بطريقة ملموسة- على تمكين الناس ليعيشوا الحياة التي
يرغبون فيها.
وقد
أوضح برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أن التنمية البشرية، والتنمية المستدامة، هما
قضيتان متلازمتان. فالتنمية البشرية تعني إفساح المجال أمام الإنسان ليعيش حياة
مديدة، يتمتع فيها بالصحة، ويحصل على التعليم، ويحقق ذاته. أما التنمية المستدامة،
فتعني الحرص على إفساح المجال ذاته أمام أجيال الغد. فالتنمية البشرية لا تكون
تنمية بشرية ما لم تكن مستدامة. ويعني تلازم المفهومين إمكانية الاستمرار باستخدام
التنمية البشرية لقياس الإنجاز التنموي المستدام(24).
الهوامش:
(1) النجفي، د. سالم توفيق والقريشي، د. محمد صالح تركي، مقدمة في
اقتصاد التنمية، دار الكتب، جامعة الموصل، الموصل، 1988، ص ص 28-29.
(2) ماير، جيرالد، وبولدوين، روبرت، التنمية الاقتصادية (نظرياتها،
تاريخها، سياستها)، ترجمة د. يوسف عبدالله صائع، مكتبة لبنان، بيروت، 1964، ص19.
(3) المصدر نفسه، ص28.
(4) تودارو، ميشيل ن، التنمية الاقتصادية، ترجمة د.محمود حسن حسني،
د. محمود حامد عبدالرزاق، دار المريخ، المملكة العربية السعودية، 2006، ص51.
(5) النجار، د.يحيى، التنمية بين المفاهيم المغلوطة والصحيحة،
منشورات وزارة الإعلام، جمهورية العراق، 1977، ص27.
(6)Myrdal, G, Asian Drama, NewYork, 1968, P.869
.
(7) Black,
G.E, The Dynamics of Modernizationm NewYork, 1966, PP 55-60.
(8) محي الدين، د. عمرو، التخلف والتنمية، دار النهضة العربية،
بيروت، 1983، ص258.
(9) قطفان، محمد فاضل عزيز، التنمية الاقتصادية، مطبعة الحوادث،
بغداد، 1984، ص258.
(10) تودارو، ميشيل ب، مصدر سابق، ص52.
(11) المصدر السابق نفسه، ص52.
(12) الإدريسي، د. أمين محمد سعيد، الفكر الاقتصادي للمفكر
الجزائري مالك بن نبي، مجلة الإيمان، عدد44، 2011، ص151.
(13) بن نبي، مالك، فكرة كومنولث إسلامي، (مقدمة الكتاب للأستاذ
محمد عبدالله السمان)، ترجمة الطيب الشريف، سلسلة الثقافة الإسلامية رقم (16)،
المكتب الفني للنشر، القاهرة، 1960، ص3.
(14) تودارو، ميشيل ب، مصدر سابق، ص ص 55-57.
(15) جواد، د. صائب إبراهيم، النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة
بين النظرية والتطبيق، مجلة ئابوورى سياسى، عدد39، 2014، ص117.
(16) المصدر السابق نفسه، ص117.
(17) برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تقرير التنمية البشرية لعام
1992، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1992، ص2.
(18) برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تقرير التنمية البشرية لعام
1992، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1993، ص3.
(19) جمعية الاقتصاديين العراقيين، تقرير التنمية البشرية في
العراق عام 1995، بغداد، ص3.
(20) برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تقرير التنمية البشرية لعام
1998، البحرين، 1998، ص1.
(21) العاني، د. أسامة عبد المجيد، المنظور الإسلامي للتنمية
البشرية، سلسلة عدد (70) مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، بدون
تاريخ، ص17.
(22) جواد، د. صائب إبراهيم، مصدر سابق، ص118.
(23) المصدر السابق نفسه، ص118.
(24) المصدر نفسه، ص119.
مقالة ممتازة شكرا للسادة الأساتذة
ردحذفمقال جيد ومعلومات مفيدة يشكر عليها كاتبها
ردحذفحلو ومفيد جداا
ردحذفمقال قوي كبسولة تاريخية في سياق اقتصادي سياسي
ردحذف