صدر عن
المكتب الجامعي الحديث في الإسكندرية بمصر
كتاب (أطلس العالم للشريف الإدريسي 493-560هـ/1100-1166م قمة ما بلغته الحضارة
العربية الإسلامي من تطور في علم الخرائط)، وذلك في طبعته الأولى في أغسطس (آب)
2014، لِمُؤَلِفِه الدكتور (رائد
راكان قاسم الجواري)، ويقع الكتاب في 116 صفحة من القطع الكبير، بغلاف فني ملون
وأنيق، وتحمل صفحة الغلاف خارطة العالم للشريف الإدريسي، وهو عبارة عن خرائط جمعها
وقدّم لها مؤلف الكتاب.
ابتدأ
الكتاب بتقديم للمؤلف يقع في 12 صفحة، عِرَّف فيها بمفهوم الخريطة، ثم تناول ظهور
الحضارات القديمة التي ظهرت فيها خرائط العالم، إذ - كما هو معروف - إن أقدم خارطة
للعالم وجدت في نهاية الألف الثالث قبل الميلاد، وبداية الألف الثاني قبل الميلاد،
في نصّ يعود إلى حضارة وادي الرافدين، ويمثّل النص "في هذه الخارطة مواضع
المدن والبلدان بدوائر... ووضعت في وسط الدوائر، أو بقربها، أسماء تلك المدن. أما
المثلثات المستقرة على المنطقة الخارجية من الخارطة، فتشير إلى الأقاليم الأجنبية.
وهذه الخارطة هي الخارطة البابلية، والتي اقتصرت على وصف يابسة واحدة تحيط بها
المياه. ولعل من أهم المواضع ذِكراً، في هذه الخارطة، هي بلاد بابل، وبلاد آشور،
ونهر الفرات، وبعض الأهوار في جنوب العراق...".
ثم تحدّث
المُؤَلِفِ، في تقديمه، عن تطوّر رسم خرائط العالم عند الإغريق (اليونان)، إذ تطوّرت
المعرفة الجغرافية لديهم، فاستطاعوا رسم خرائط تضمّنت قارات العالم القديم،
كأوروبا وآسيا وأفريقيا. وهو ما يتضّح لنا من خلال خارطة العالم لـ(هيكاتايوس)،
خلال القرن السادس قبل الميلاد (حوالي 517ق.م)، وذكر فيها أنهار دجلة والفرات،
والنيل، وليبيا، وقرطاجنة، وغيرها.
ومع
بداية القرن الثاني قبل الميلاد ظهرت لدينا خارطة الجغرافي (إيراتوستين)، باستخدام
خطوط الطول والعرض، ثم ومع التطورات التي شهدتها العلوم اليونانية، والجغرافية
تحديداً، باستخدام الشكل الكروي في رسم الخرائط، وقد تضمنت خارطة الجغرافي الشهير (بطليموس)
(ت:162م)، في أجزائها، رسم قارات أوروبا وآسيا وأفريقيا.
وفي
العصور التي ازدهرت فيها الحضارة العربية الإسلامية، منذ مطلع القرن الثالث
الهجري/القرن التاسع الميلادي، إلى القرن العاشر الهجري/ القرن السادس عشر
الميلادي، وخلال تلك الحقب ظهر العديد من الجغرافيين المسلمين، الذين أسهموا في
وضع أُسس علم الخرائط العربية الإسلامية. ويعدّ (الشريف الإدريسي) من أشهرهم، وتعدّ
خارطته، والتي أهداها للملك (رجار)، ملك النورمان على صقلية وجزء من إيطاليا، من
أشهر الخرائط التي وصلتنا كاملة، والتي رسم فيها العالم المعروف آنئذٍ، والتي
تختلف عن خرائط (أطلس الإسلام)، مما رسمه الجغرافيون العرب المسلمون، إذ التزمت
خارطته بتحديد مواضع خطوط الطول، ودوائر العرض، كما تلتزم بالشكل الحقيقي للمنطقة،
فضلاً عن ما امتازت به من الدقة والوضوح، وتحقيق المقاييس والأبعاد بين الأقاليم
والمدن.
وخارطة (الإدريسي)
هي في الأصل عبارة عن خارطة شاملة للعالم، عمل (الإدريسي) على تجزئتها إلى (70)
جزءاً، تمثّل (70) خارطة، ووضعها في كتاب واحد، أطلق عليه اسم: (نزهة المشتاق في
اختراق الآفاق). وعمل على تحقيق تلك الخرائط، بصورة دقيقة، وعناية فائقة، المستشرق
الألماني (كونراد ميلر) (ت:1931م)، والذي مكّن من الحصول على النسخ الأصلية من
خرائط الإدريسي كاملة. فجمع تلك الخرائط، لتشكّل لديه خارطة واحدة، والتي قام كل
من الأستاذ (محمد بهجت الأثري) والدكتور (جواد علي) بإعادتها إلى أصلها العربي،
محققة ومحررة. وقد عمل (المجمع العلمي العراقي) على نشرها سنة 1951م بمطبعة مديرية
المساحة العامة ببغداد، وأعادت نقابة المهندسين طبعها سنة 1390هـ/1970م بمطبعة
الجمهورية.
وذكر المُؤَلِّفِ،
في آخر تقديمه، أنه تمكن من الحصول على خارطة الإدريسي (تحقيق ميلر)، وكذلك بعض
النسخ المخطوطة من الخارطة، من (مكتبة بودليان) بـ(أكسفورد). وجاء هذا الكتاب - على
حدّ قول المُؤَلِفِ - ليترك "بين يدي القارئ هذه الخرائط السبعون، التي تمثّل
أحد أبرز كنوز المعرفة الجغرافية للحضارة العربية الإسلامية".
وتلى
تقديم الكتاب، مقدمة كتاب (نزهة المشتاق) للإدريسي، في (6) صفحات. تبعتها خارطة
ملونة للإدريسي، والتي ذكر فيها (الإدريسي) من ألّفَ له هذا الكتاب، وهو ملك صقلية
آنف الذكر، ذاكراً مناقبه واهتماماته بعلم الجغرافيا، وطلبه لمؤلفات الأقدمين من
الجغرافيين، كاليعقوبي والمسعودي والجيهاني وابن خرداذبه والاصطخري والعُذري
وغيرهم، فضلاً عن كتاب بطليموس. والتي لم يجد فيها ما يشفي غليله مشروحاً
ومستوعباً مفصلاً، فأمر الفَعَلَة أن يصنعوا له كرة من فضة، وأن ينقشوا فيها صور
الأقاليم، ببلادها وأقطارها ومدنها وريفها وخُلجانها وبحارها وأنهارها وعامرها
وغامرها، وأن يؤلف كتاب مطابقاً لما في أشكالها، غير أن يزيد عليها بوصف أحوال
البلاد والأرضين، وكل مظاهر الطبيعة، من جبال وأنهار وغيرها، وذكر المسافات بينها،
ومزروعاتها، وغلاتها، وتجاراتها، وصناعاتها، التي تُجلب من وإلى الأقاليم السبعة،
مع ذكر أحوال أهلها، وهيئاتهم، وخلقهم، ومذاهبهم، وزيّهم، ولغتهم، فجاء كتاب:
(نزهة المشتاق في اختراق الآفاق).
ثم
ذكر (الإدريسي)، في مقدمة كتابه، العامر والغامر من الأرض، مع ذكر اليابس، والماء،
والأقاليم السبعة، وحدودها، ومسمياتها، من البحار والخلجان والجزائر والمراسي
والبلاد، وذكر الأقاليم، ومدنها، ومسالكها، وطرقاتها، وما بينها.
واشتملت
قائمة محتويات الكتاب على ذكر الأقاليم السبعة، ويتضمن كل إقليم عشرة أجزاء، مقدّرة
من الطول والعرض، ويتبع كل جزء من هذه الأجزاء ما له من المدن والأكوار (جمع كورة)
والعمارات.
وقام
المُؤَلِفِ عن عرض لكل جزء من أجزاء كل إقليم، بوضع صورة هذا الإقليم من خارطة
الإدريسي، ليكون هناك ربط بين نصّ كتاب (نزهة المشتاق...)، وإسقاطه على جزء من
خارطة الإدريسي، مذيّلاً بالنصّ.
وانتهى
الكتاب بقائمة تضمنت مصادر الكتاب، وهوامشه، ذات ترقيم موحد، واشتملت على (21)
هامشاً. ولعل من بين أبرز المصادر والمراجع، التي استعان بها المُؤَلِف، بعد كتاب
(نزهة المشتاق)، كتاب (العراق في الخوارط القديمة)، للدكتور (أحمد سوسة)، والذي
يعدّ اليوم من الكتب النادرة، فضلاً عن كتاب (تاريخ الجغرافيا والجغرافيين في
الأندلس) للدكتور (حسين مؤنس) .
*
الكاتب من مواليد مدينة (الموصل)، له عدد من الكتب المنشورة، فزيادة على الكتاب
المتقدم في هذا العرض، له:
* الإعجاز
الجغرافي في القرآن، بين الحضارات القديمة والعلم الحديث.
* الأصالة
والإبداع الجغرافي في الحضارات القديمة والحضارة اليونانية.
* الإعجاز
الجغرافي الفلكي في القرآن الكريم.
* الأصالة
والإبداع الخرائطي في الحضارة العربية الإسلامية -الشريف الإدريسي-.
زيادة
على عدد من البحوث المنشورة في مجلات علمية أكاديمية عراقية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق