07‏/10‏/2018

قراءة في كتاب (النسق القرآني ومشروع الإنسان نحو قراءة راشدة في أصول الأصول للدكتور جاسم السلطان) - القسم الثاني –


عرض وتقديم: ريناس بنافي*
 يعتبر القرآن ساحة ضخمة لتفاعل الوحي مع أحداث المجتمع الأول، حيث يتحرك النص الإيماني والقيمي والتشريعي والأخلاقي بين شتى المواضيع، بحسب الحاجة. لكن أين تقع تلك الصورة الكلية التي تختزن كل المشهد، والتي تلخص تلك الحقيقة التي جاء من أجلها الدين؟
إنها (سورة الفاتحة) التي توجز الرسالة وتلخصها، حيث إنها تقول للبشـرية: آمنو بإله خالق، معتن، مالك لكل شيء، رحمن ورحيم لكل الخلق، ويحملكم مسؤولية أعمالكم، من خلال ترك الحرية لكم لاختيار الطريق. فالبشر مسؤولون عن أعمالهم، وإنكم ستحاسبون على كل شيء، وعلى الإنسان الاستعانة بالله في الثبات على الصراط المستقيم، وأن الانحراف ناتج عن فساد الضمير، أو عدم التدقيق في المنهج.
تلك هي كبريات المسائل الدينية، في شكل عناوين. إنها تبيّن لنا سؤال الوجود، وتبيّن لنا حرية الإنسان، ومسؤوليته، كما ترشدنا إلى الطريق، وإلى العمل المطلوب، عبر نماذج عملية، وتضع له قواعد السلامة: ضمير حي مستجيب للحق، ومنهج قويم للوصول إليه.
غياب تصور المشروع: فليس هناك شيء أكبر من ضياع روح الدين، وتحويله إلى طقوس، وشكليات، لا تقود الفعل الإيماني إلى غاية. فالفاتحة تبني الوعي، وتدعو لأمهات قضايا الدين، والتي تعالج الواقع الإنساني.
ليست البسملة، التي نكررها مع كل سورة، ومع كل عمل، أمراً تراكمياً يفيد الذكر المجرد، بل هي مشروع في الحياة.. فالرحمة عاطفة عميقة تقود إلى التسامح، وهي عطاء موصول للخلق.. فالتسامح والعطاء مفهومان كبيران، متصلان بمشروع الدين في الوجود.
حين ننظر إلى مشروع الدين في الحياة، نرى أن إقامة العدل، ووقف الفساد في الأرض، وعدم سفك الدماء، وإعمار الأرض، هي الخطوط الرئيسية له. ومشـروع الرحمة، بالنسبة للبشرية، مشروع عملاق، والمسافة بيننا وبينه تكمن في الفهم. وحينها سننتقل من حالة الحروب والدمار، إلى حالة البعد الإنساني، والتي ما زالت البشرية تشتاق اليها.
البسملة هي اعتراف واختيار بوجود إله خالق، معتن بالكون. وهذا يعني أن العناية، وكل الرحمة السابغة، هي روح البسملة، وقلبها، وهي شاملة وواصلة لجميع الخلق. وهذه الرحمة تقتضي مد بساط الرحمة للبشرية جمعاء. إن القرآن يؤكد، وبشكل مستمر، أن العناية بالكون ليست نتيجة الرضى، بل نتيجة القبول. فالله لا يرضى الكفر، لكنه يقبل بوجوده كاختيار بشري. فكل شيء داخل رحمة الخالق. والحضارات المثلى يجب أن تكون رحيمة بالأرض والسماء والحيوان والحجر والشجر والماء والهواء.
والمسؤولية تقتضي المحاسبة، فهو مالك يوم الدين، وأن ما يحاسب عليه الإنسان هو ما فعله في دنياه.
فالمشروع القرآني في الكون ينتظم في (سورة الفاتحة)، لأنها انطلقت من نقطة الإيمان إلى تقرير الرحمة الشاملة لكل المخلوقات، ثم أسّست لفعل الإنسان في الأرض؛ متمثلاً في العبادة، والاستعانة، وهو الصراط المستقيم.
هنا نطرح سؤال: ما الذي يشكل خطراً على فهم الدين، ويقود إلى فقدان فاعليته؟
هذا ما ستحدثنا به (سورة البقرة) في مقدمتها، إنها تقوم بتعريف المتقين الذين ينتفعون بالقرآن، ويحملون فهماً ذا أبعاد ثلاثة: (الإيمان، الصلاة، والإنفاق في الأرض). فهذه الحلقات الثلاث مقتضـى التقوى، وعلامة على سلامة الفهم، والدليل على طريق الإصلاح.
فالإيمان بالله، والحساب، والجنة والنار، جزء من التصور، تليها الصلاة التي هي جزء الروح، وصلتها بالخالق. وبحسب القرآن فهو جزء وظيفي يجعل الخالق حاضراً في وعي المخلوق، فيمنع - بهذا الحضور - عن الفحشاء والمنكر.
 أما البعد الأخير، فهو: ومما رزقناهم ينفقون.
فالله رزق الإنسان العقل والصحة والعلم والوقت، وعليه الإنفاق في كل ذلك، تأدية للرسالة، بنشر الرحمة عبر وقف الفساد وسفك الدماء، والمشاركة في العمران.
إن أول مشاكلنا تكمن في انفكاك الروابط بين المعاني الثلاث الملازمة للتقوى، والدالة عليه. فنتيجة الفلاح مرتبطة بالتقوى، ومؤشرات التقوى تتمثل في الإيمان المؤسّس للفعل، والعبادة المذكّرة للعبد، والمانعة له من الفحشاء والمنكر، والباعثة على التقوى والإنفاق المطلق للعمران في الأرض. فلا مجال لإيمان مجرد، لا يحرك الإنسان في اتجاه مطالب السماء، مع اتجاه عمران الأرض.
لقد فعلت حركة الوعظ في البيئة فعلتها، حتى غيّرت من كيمياء الإسلام، حيث بدا وكأن العمل في الدنيا منافٍ للعمل في الآخرة، وتولد منها أفكار تقلّل من شأن الدنيا، والاهتمام بها، ظنّاً أنها مشغلة عن الآخرة.
إن الدفاع عن منظومة الأفكار، وعن الإيمان، يحتاج إلى امتلاك مقومات القوة في الدنيا. وبهذا، فنحن بحاجة إلى علوم الدنيا لإنتاج الطعام والدواء والتعليم، وكل مستلزمات الحياة. ولكي نفهم العمل الصالح لا بد من العودة إلى القرآن، من خلال نماذج تمثّله، وصنعت العمران في الحياة، المحققة للرفاه والرفعة في الدنيا، والفلاح في الآخرة.
فهناك مشكلة أصابت عقل المسلم، حيث تمّت برمجته على أساس أن الأعمال الصالحة محدودة، واعتبار الأعمال الأخرى من جنس مشاغل الدنيا، وملهياتها، مما أضر بالوعي الجمعي. فوصلنا إلى مرحلة نأكل ممّا يزرعه غيرنا، ونلبس مما ينسجه غيرنا، ونتطيّب مما يصنعه غيرنا، بل نحارب بسلاح غيرنا. ومثل هذه المجتمعات لا يمكن لها النهوض والتقدم، إلا إذا عادت إلى المفهوم الحقيقي للعمل الصالح الذي أقامه القرآن.
وهنا من حقنا أن نسأل: لماذا تتقدم أمم، وتتأخر أمم أخرى‏؟
في مسيرة الحياة توجد الأمم القوية والمنيعة، وتوجد أمم ضعيفة هشة. الفارق في الدنيا هو قوتهم، أو ضعفهم. فالأمم التي تضبط نظمها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ستأكل مما تزرع، وتتعالج بما تنتج، وتحارب بأسلحتها، والآلات، التي هي من صنعتها.
إذن أين المشكلة؟ هل في الإيمان، أم في اختلال العمل الصالح؟
 إن العمل الصالح الذي هو فعل الإنسان في الأرض، أصيب بشلل وتقزّم، وتحوّل عبر الوعاظ إلى أمثلة محدودة، بدءاً من أداء العبادات الصـرفة، مروراً عبر الإحسان الفردي، ناسين المدرسة، والجامعة، ومراكز البحث العلمي، والمصنع، والمزرعة، ونشـر القيم الكبرى (كالكرامة والعدل والمساواة والحرية والرحمة). أما من ناحية أخرى، فإن الإنسان كلما قلّل من فعل الدنيا - حسب تعبير الوعاظ - كان أقرب إلى الله.
وهكذا فقد المجتمع فاعليته. وخروجه من هذا المأزق التاريخي مرهون باستعادته فكرة العمل الصالح، وربطه بالإيمان.
ومن هنا، لا بد من سؤال: ما علاقة فهم الدين، وحالة التدين، بمنظومة التخلف؟
وللإجابة على هذا السؤال، لا بد من الغوص في جذور المسألة، بدلاً من البقاء في السطح، وفي التحليل السطحي للمسألة:
1 - النظرة إلى الإنسان، وطبيعته، وهي نقطة الانطلاق نحو النجاح. فالمجتمعات التي تنظر إلى الكرامة الإنسانية على أنها حق فردي، وتتعامل معه على هذا الأساس، في كل مناحي الحياة، لا بد أن تنجح. أما المجتمعات التي تعاني من القهر والإذلال، وتردّي الخدمات، والفقر، والبطالة، فهي مجتمعات في عمقها سوء النظر إلى الإنسان، وينعكس هذا على البيت، والمدرسة، والجامعة، وكل نواحي الحياة. فهي مجتمعات فاشلة.
2 - النظرة إلى العلم، والوعي، الذي يقوم باختيار الأفكار، عبر فحصها في محكمة الدليل والبرهان. وهذه الروح المعرفية تكون ناتجاً عن ممارسة التفكير المنطقي، والتفكير الناقد في المجتمع، والاهتمام بالسؤال، والبحث، وتشجيعه، وإنتاجه.
3 - النظر إلى الطبيعة، وهي الكون المحيط بنا، والعلم بأن لهذه الأشياء جميعاً قوانين لا يمكن تسخيرها إلا بمعرفة تلك القوانين.
4 - النظر إلى العمل. فالحياة سباق نحو الأفضل، والإنسان يصنع ذاته، ومجتمعه.
5 - النظر إلى الوقت. فكيف هي نظرتنا إلى الوقت، وما هو أسلوب تعاملنا معه؟ فمن مستلزمات الحضارة (التراب والإنسان والوقت) - كما بيّن مالك بن نبي - وهي مدخلات للعملية الحضارية. والإنسان بذكائه ومهاراته يحوّل الموارد إلى ثروة، مستفيداً من الوقت، لأنه في سباق مع الأمم على الزمن، إذ إن الأمم المتقدمة تنظر إلى الوقت باعتباره ثروة، وقضية حياة أو موت. فهل ذلك جزء من ثقافتنا؟!
6 - النظرة إلى الآخرة. فالتصورات الدينية السائدة تشكل أساساً كبيراً في بناء المجتمعات؛ فهل تصوراتنا الدينية توجه الناس إلى اعتبار الآخرة وسيلة للإحسان في الدنيا، أو توجههم إلى اعتبار الدنيا والآخرة مشروعين متضادين؟ بشكل يوجّه الناس إلى أن سبيل الوصول إلى النجاة في الآخرة هو إهمال الدنيا، والزهد فيها، فيضعف حضور الإنسان في فعل الحياة، لأنه يعتبر العمل للدنيا قصوراً وتقصيراً في حق الآخرة.
7 - النظر إلى المجتمع. وهنا نطرح سؤال المساواة، وهل المشـروع الوطني جامع لكل أفراد المجتمع؟ وهل العدل والود سائد بيننا، أم أن النظرة هرمية الشكل؟ وهل ننظر إلى الآخر المختلف على أنه مشروع تعارف، أم مشروع احتراب؟ أم أن بيننا توجس هو السبب من وراء العداوات المختلفة؟. إذن ماذا يحدث للمجتمع عندما يفقد هذه القيم؟ بالتأكيد يفقد وجوده، وطبيعته، ويفقد المنهج في البحث والنظر، وبالتالي يفقد معنى الحياة، ويفقد دوره في الحياة، ويتحول الدين إلى وسيلة لتنفير الناس عنه.
نحن بحاجة أن ننتج عقليات تؤمن بأن الإنسان مستحق للحرية والكرامة، لكونه إنساناً سخّر الله له كل شيء لفعل الخير. وهذا الإنسان الذي كرّمه الله يتوجب عليه تحقيق الإيمان الصادق، والعبادة الخالصة، والفعل والعمل في الدنيا لإعمارها.

النسق الكلي للعيش المشترك
هل الدين عائق بين البشر؟
بنظرة سريعة إلى بلادنا، نجد الاحتقان السياسي بين الطوائف، والأقليات، والآخر المختلف. وهنا تواجهنا جملة أسئلة:
هل نسلّم على الآخر المختلف؟ هل يجوز أن نتودّد لهم، ونهديهم الهدايا؟ هل نعايدهم؟ هل نشتري منهم، ونأكل معهم، أو نبيع لهم؟ هل نسمح لهم ببناء دور العبادة؟ هذه الأسئلة، وغيرها، تعتبر إشكالية عند البعض. ولا يجوز، هنا، استدعاء نصوص مجزأة من القرآن والسنة والتاريخ، بل بفهم النسق الحاكم لكل تلك الاستدعاءات.

 ولو نظرنا إلى القيم بشكل نسقي، لأمكننا تقسيمها إلى أربع أنواع :
1- قيم العمق 2- قيم التساكن والعيش المشترك 3- قيم الدعوة والتواصل 4- قيم الحرب.
وكل هذه القيم متداخلة بعضها ببعض، ومتأثرة ببعض، وبينها علاقة جدلية دياليكتيكية، واختلال قيمة يعني اختلال باقي القيم: فإن اختل التساكن والتواصل، نشبت الحرب، وأصبح الناس يبحثون عن الاستقرار من جديد، وعن العيش المشترك، والتواصل الحضاري.
الدول التي تريد مواجهة ظاهرة التطرف، ووقف انضمام الشباب لهم، لا تنتبه إلى الأفكار التي تحمل الشباب إلى هذه الأهداف. فنحن دائماً نذكرهم بأن السبب في تخلفنا وتراجعنا عن ركب الحضارة هو الغرب، ونقول لهم إن سبب تقدم الغرب هو نهبهم ثرواتنا خلال حقبة الاستعمار، ونذكرهم بقصص بشعة من تلك الحقبة، ونؤكد لهم بأن لا سبيل إلى التقدم إلا بجهادهم ومحاربتهم. وبهذا ملأنا الشباب حماساً، ولم نمنحهم مخرجاً من التخلف والأزمة. وبهذا السبيل نجنّدهم بعد ملء رؤسهم بتلك المقدمات. لماذا لم نخبرهم عن تجارب الأمم التي خرجت من الاستعمار إلى الاستقلال، ومنه إلى التنمية، لتنافس مستعمريها؟ إننا لا ندلهم إلى الطرق الممكنة، بل نضعهم أمام نفق مظلم ومغلق، ثم نأتي ونسأل: لماذا يتطرفون؟!
إن المعلومات والمعارف لبنات تفكير، والمناهج هي طرق الاستفادة من تلك اللبنات، فإن أخطأنا في اختيار اللبنات (المعلومات)، أو في طرق التحقيق فيها، أو تفسيرها، أو وصفها، فإن البناء سينهار. إن بناءنا تهدّم، ويوشك أن ينهار، وما زلنا نسير في نفس الطريق المسدود، فلا نحن دققنا في اللبنات، ولا نحن بذلنا جهداً تقدمياً في المناهج.. فأين المخرج؟
إن الفرق بين ما نفهمه من الإسلام، وما نمارسه في حياتنا، لهو فرق كبير، وشاسع. ومن دون ردم هذه الفجوة، ستضيع معالم الإسلام، وتختفي فكرة الرحمة.
والسؤال هنا: ما هو شكل البناء الذي يرسمه القرآن للمجتمع البشـري؟ ولماذا أطلقنا عليه: النسق؟
فالنسق هو (الكل)؛ تتفاعل أجزاؤه، ويدعم بعضها بعضاً، ليقوم بوظيفة معينة. وعند اختلال أي جزء منه، سيؤثر في بقية الأجزاء. إذ إنه (كل) متكامل، له مدخلات، وعمليات، ومخرجات، وله نظام تحكّم يسمح له بالتعديل والضبط.
فالنسق الاجتماعي في القرآن له مدخلات، هي احتياجات البشـر؛ كالعدل، والحرية، والكرامة، وعملياته؛ التي هي عبارة عن تفاعلات الأفكار الكبرى، وتراتبيتها في المجتمع، ومخرجاته؛ التي يتولد عنها عمران الحياة، واتساعها. أما نظام التحكم فيه، فهو رضى المجتمع عن درجة تحقق احتياجاتهم من العدل والحرية والكرامة.
إن النظرة إلى النسق القيمي، يعني فهم مشروع الدين في حياة الإنسان، وعلاقة الأجزاء ببعضها، ونسبة كل منها إلى غيرها، إضافة إلى حجم كل منها داخل النسق، الذي هو الضابط لأشكال النظر الشرعي، وللتصور العام للدين.

نظام العيش المشترك يتكون من أربعة أسئلة:
وهنا نسأل: ما هي التصورات الحاكمة للنسق، في العمق، عن الإنسان والحياة؟
وما هي مبادئ العيش المشترك بين البشر، والتي تعكس قيم العمق في النسق؟
وما هي قواعد التواصل والدعوة  بين البشر المختلفين داخل النسق؟
وما هي ضوابط الحرب إن قامت، وكيف تعود المجتمعات إلى السلام؟

1 - التصورات الحاكمة في العمق:
تأتي أولاً القضايا الكبرى، التي تستند عليها لحظة الخلق، فالإنسان مكرّم، منحه الله العلم، وأعطى له حرية الاختيار، وترتب عليها مسؤولية الإنسان عن أفعاله، واتخاذه القرارات. وحرمانه من أيّ من هذه الخصائص الوجودية، هو اعتداء على كرامة الإنسان، وإرادته.

2 - قيم التساكن والعيش المشترك:
إن حالة الحرب في القرآن هي استثناء، وإن حالة السلم هي الأساس بين البشـر. والبشـر يعيشون بالتراضي والتعاقد، وعليهم احترام العقود والعهود مع الجميع، على اختلاف مللهم ونحلهم. فقواعد العيش المشترك ينظمها التعاقد والعرف، وأن الأصل في العيش المشترك، ينبني على البر والقسط. إن البعض يطرح إسلاماً خالياً من الروح، حيث يريد بناء علاقة مع الآخرين لا تسكنها مشاعر الود والبر، ولا تكون مبنيّة على العدل القانوني، الأمر الذي يؤدي إلى صراعات بين البشر.

3- قيم التواصل، والدعوة:
بما أننا نعيش مع المختلف، فلا بد من أن تدور بيننا حوارات ونقاشات، ويرغب كل طرف في أن يقنع الآخر بما عنده من قناعة، وعندها لا يجوز إكراه الناس على أمر لا يريدونه، ولا يجوز تقييدهم بما نعتقده نحن، لأنه يكون سبباً في اختلال النسق.

4- ضوابط الحرب، وقيمها :
ماذا لو انزلق مجتمع إلى الحرب؟ وما هو موقف الإسلام من هذه المساحة؟ وما علاقتها بالمساحات الثلاث السابقة الذكر؟ وكيف عبّر عنها القرآن؟

نموذج الدوائر الثلاث:
يمكن تقسيم تقريرات القرآن إلى ثلاث دوائر مهمة:
1- نصوص وردت في تقريرات الاعتقاد.
2- نصوص وردت في تقريرات الحقائق العامة.
3- نصوص وردت في تقريرات الحقوق.

دائرة الاعتقاد:
إن الحساب على الكفر أخروي، وبيان من هو كافر أخروي أيضاً. والبشر ما دام يعيشون ضمن مجتمع واحد، رغم اختلاف المعتقد، إلا أنه يسعهم العيش بمبدأ القبول، ولا حل إلا عبر تسيير الحياة بمبدأ القبول.

دائرة التقريرات العامة:
من الواضح أن حق الإنسان كإنسان محفوظ ومكفول، ولا يمكن الاعتداء عليه بأيّ حجة كانت. يجب التفريق بين مساحة السلم ومساحة الحرب، وإن الخلل يأتي عند استدعاء آيات الحرب في مسائل السلم .

وخلاصة القول: لا يمكن إنتاج مجتمعات سوية، دون تصور عميق لنظام قيمي ضابط.
وإننا كبشر مسؤولون أمام الله عن إعمار الأرض، عبر وقف سفك الدماء، ووقف الفساد في الأرض، والقيام بأحسن الأعمال.
والمجتمع القوي هو وليد البر، والقسط، والتعاقد، والوفاء بالعهود، وتهيئة أجواء الحرية والعدل.
العمل الصالح الشامل لكل أوجه الحياة، شرط من شروط المجتمع السوي القوي.

* باحث في الفكر السياسي والاستراتيجي – لندن.

هناك تعليق واحد: