02‏/01‏/2019

توضيحات حول تقييم الأستاذ الراشد للشيخ ناصر سبحاني والدعوة في إيران



د. محمود الزمناكويي
لا يخفى على متابع منصف لجهود الداعية الإسلامي الكبير (الأستاذ محمد أحمد الراشد)، وما لها من تأثيرات طيّبة، وانعكاسات إيجابية على الساحة الفكرية، والدعوية، والتربوية، في العراق، وفي عموم العالم الإسلامي، حيث كانت آثاره ومؤلفاته ـ على الدوام ـ رصيداً ثرَّاً، ومصدراً غنياً لتغذية الدعوة، وترشيد أبناء الصحوة الإسلامية، وتوعية أجيالها المتصاعدة، وتوجيهها صوب الوجهة الصحيحة، لِما تَـتمتَّـعُ به تلك المؤلفات من فهم عميق لجوهر الإسلام، وفقه رصين بمقاصده، ومنهجية دقيقة لتنزيل مفاهيم النصوص على مقتضيات الواقع.
   لسنا بصدد التعريف بتلك المؤلّفات، ولا بصاحبها، فصيتهما أجلّ من أن تحويها مقالة كهذه، لكن حديثي هنا منصبّ على ما ورد في موسوعته الماتعة الممتعة (أصول الإفتاء والاجتهاد التطبيقي في نظريات فقه الدعوة الإسلامية)، التي تندرج ـ بحقّ ـ ضمن أهم مؤلفاته ـ إنْ لم نقل هي أهمّها على الإطلاق، وخاصّة ما ورد فيها حول
العالم عميق العلم، والشهيد السعيد البطل: ناصر السبحاني.
   فقد أثنى الأستاذ (محمد أحمد الراشد) على السبحاني بعبارات بليغة، تُمثّل شهادةَ حقٍّ من عَلَم معاصر قدير، لعَلَم من أعلام الأمّة، يستحق تلك الشهادة بجدارة.
لكن الملاحظ أن هذه الشهادة تَخلَّلتْها تقييمات للدعوة في إيران عموماً، ولشخصية السبحاني، وفقهه الدعوي، ومواقفه الحركية، خصوصاً، كما تخلّلتها – أيضاً - انتقاداتٌ للسبحاني، يمكن توصيفها ـ على عجل ـ بأنها: إمّا انتقادات لم يحالفها الصواب، أو أنّها مبنيّة على تصوّرات أو معلومات غير دقيقة. وسيأتي تفصيل ذلك فيما بعد.
  ولا يظنّــنَّ أحدٌ أنّ توضيحاتي بمثابة توجيه النقد لأستاذنا الراشد، أو أنّها إساءة للأدب معه، أو مجاوزة للخطوط الحمر، فلا يصلح لشخص أقلّ منه سنّاً، وأدنى منه فهماً وعلماً وخبرة، محاولة التطاول على مثله. ولستُ ممّن ينكرون الفضل لأهل الفضل، ولا ممّن يتعالون على أصحاب السبق والجهد والجهاد، لا سيّما أستاذنا الراشد، الذي نذر حياته كلّها للعلم والدعوة والفكر والتربية، مع الثبات والتضحية والتفاني.
وحتى إذا افترضنا جدلاً أنّ ذلك يُعدُّ نقداً لما قاله، ففضيلته أجلّ قَدْراً، وأوسع صدراً، وأوعى فكراً، من أنْ يدّعي العصمة لنفسه، أو لأفكاره وآرائه، أو أن يترفّع على نقد أو اعتراض، إذ هو مجتهد مأجور ـ على كلّ حال ـ ولا يُحرَم من أجري الاجتهاد، سواء أصاب أو أخطأ.
 وفي المقابل لستُ في مقام الغلوّ في مدح الشيخ ناصـر السبحاني ـ تغمّده الله بواسع رحمته ـ وإضفاء القداسة على شخصه، أو على أفكاره وآرائه، فليس في الدين معصوم إلا المعصوم (صلى الله عليه وسلم).
لكنني بصدد تسجيل ما تجمّع لديّ من توضيحات على تقييم أستاذنا الراشد حول شخصية السبحاني، والدعوة في إيران، في ضوء الحقائق والمعطيات المتعلّقة بالدعوة، وبشخصية السبحاني، وبأفكاره، وآثاره، التي - ربّما - غابت عن عِلم أستاذنا القدير ـ متّعه الله بالصحة والعافية ـ.
 ولذلك أودّ أن أعرض بضاعتي على القرّاء الكرام، وأعطي لهم كلّ الحق في قبول البضاعة إذا كانت رائجة، أو رفضها إذا كانت كاسدة، فأقول:
* في عنوان فرعي من كتابه الجليل (أصول الإفتاء والاجتهاد: ج2ص205، 206)، باسم (المكيّة والمدنيّة معنيان نسبيّان يؤثران في الفتوى)، استهلّ أستاذنا كلامه بالحديث عن الدعوة في إيران، فقال:
"وبعضُ سيرتنا الدعوية في إيران حَكمَتْها هذه النسبية أيضاً، فليس سـرّاً أنّ دعوتنا سنّيّة، ورأينا في بعض كلام آية الله الخميني ما لا يرضينا من القول المنطلق من تشيّعه، وأهل السنّة في إيران أقليّة، وهم في حدود الثلاثين بالمائة من الشعب".
أقول: ويقصد أستاذنا بالنسبيّة نسبيّة المعنى المكيّ والمدنيّ، المستندة إلى القوّة والضعف، وذلك بأنْ تتحرّك السياسات الحركيّة، والخطوات الدعويّة، وفق هذا المنطق الذي يتحكّم فيه الظرف والواقع، لا أعداد السنوات التي مرّت بها الدعوة الإسلامية في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم).
وأمّا ما يتعلق بكلام الخميني فلم يحدّد فضيلته كلاماً معيّناً له، ولم يُشـر إلى أيّ كتاب، ولذلك يذهب بنا الظنّ في كلّ اتجاه، فقد يكون قصده ما ورد في كتابه (الحكومة الإسلامية) من المغالاة في الأئمة، وتفضيلهم على الأنبياء، بحيث يبلغون مقاماً لا يصل إليه ملك مقرب، ولا نبيّ مرسل.
أو ما ورد في هذا الكتاب، وكتاب (كشف الأسـرار) أيضاً، من التجاهل لعهود الخلفاء الثلاثة (أبو بكر، وعمر، وعثمان)، أو التجاوز بحقّ بعض الصحابة، والسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار.
وقد يقصد ما ورد في كتابه (تحرير الوسيلة) من الأحكام القاسية على النواصب، الذين ينصبون العداء لأهل البيت، إذ ربّما يعطي هذا الكلام ذريعة لمتطرّفي الشيعة لتكفير أهل السنّة، بحجّة أنّ المعنيين بذلك هم أهل السنّة؛ مع أنّ عداوة أهل البيت مرحلة زمنيّة منصرمة، خلقتها شهوة الصراع على السلطة، والاستبداد بها. فهي إذنْ أزمة مفتعلة لكسب أغراض سياسية، وليس لها أيّة حجّة واقعية، إذ لا توجد الآن فرقةٌ تدّعي النصب أو العداء لأهل البيت، الذين يكنّ لهم المسلمون جميعاً كلّ الحبّ والاحترام، ويعادون كلّ من يحاول أن يمسّهم بسوء أو نقيصة.
أمّا التقديرات التي ذكرها أستاذنا ـ حفظه الله ـ حول نسبة أهل السنّة في إيران، فمبنيّة على الظنّ والتخمين، وليست مبنيّة على إحصائيات سكانية شاملة تُظهر عدد أهل السنّة بدقّة. وللأسف الشديد قد تكرّر نفس الخطأ في العراق، حيث أُشيعت دعوى بأن أهل السنّة أقليّة، والشيعة أكثريّة، ولم يدرج الكورد ضمن أهل السنّة، مع أنّ غالبيتهم العظمى منهم، وعلى هذا استقرّ الأمر من غير أن تُجرى إحصائية سكانية في العراق تبيّن الحجم الذي تشكلّه كلّ طائفة.

* ثم تابع أستاذنا الكبير قائلاً:
"لكن الشهيد السعيد البطل ناصر سبحاني ـ رحمه الله ـ، الذي كان الوجه العلمي للدعوة في إيران، كان ميّالاً إلى العزائم والصراحة".
وأقول: هذا الكلام ليس إطراءً في الثناء، ولا غلوّاً في المدح، بل شهادةُ حقٍّ من عَلَم من أعلام الأمّة، لعالم جليل يستحقّ تلك الشهادة، وأكثر، ووقعت موقعها اللائق، فليس كلّ مدح يقع موقعه، لأنّه إذا لم يكن المدح مطابقاً لواقع الممدوح، وحاله، ينقلب إلى استهانة به، ويؤثّر سلباً على شخصيته، أكثر من الذمّ المباشر الصريح له. ولذلك قال الإمام ابن حزم بحقّ في كتابه (الأخلاق والسير): (أَبلَغَ في ذمِّكَ، مَن مَدحَكَ بما ليس فيك).
وأروع ما لفت نظري من كلام أستاذنا قوله "...كان ميّالاً إلى العزائم والصراحة".
   وهكذا كان شأن الأنبياء، والقادة العظماء، وأصحاب الهمم العالية، في التاريخ.. كانوا يتمسّكون بالعزائم بدل الرخص، والصراحة بدل المواربة، والوضوح بدل الالتواء، يبلّغون رسالات الله، ويخشونه، ولا يخشون أحداً إلا الله.. وما أقلّ من يتّصف، في عصـرنا، بهذه الأوصاف السَنِيَّة، بل صار المتّصف بها كالكبريت الأحمر.
   ولا غرو أن يصل السبحاني ـ قدّس الله روحه ـ إلى هذا المقام؛ لأنّه كان يعتقد أنّ الأشهاد ـ بتعبير القرآن ـ، أو القيادات المقتدى بها، يجب عليهم التمسّك بالعزائم، ويحرم عليهم التمتّع بالرخص. أمّا غير هؤلاء؛ من القيادات، وعامّة الناس، فيجوز لهم التنوّع في ذلك حسب الظروف.
   وبما أنّه ـ رحمه الله ـ كان إماماً من أئمة الهدى، ومن شهداء الدِّين، في هذا العصـر  ـ نحسبه كذلك، ولا نزكّيه على الله ـ كان لزاماً عليه ـ حسب مذهبه واجتهاده ـ أنْ يُبلِّغ دين الله كما هو، لا كما يهواه الناس، ولو كان ذلك يعرّضه للمشاكل والصعاب، أو يدفع حياتَه ثمناً لذلك.
ولا ريب أنّ الميل إلى العزائم والصـراحة، والابتعاد عن الرُخص، واللّف والدوران في الدعوة والبلاغ المبين، دليل على صلابة الإيمان وقوة اليقين، وبهما تُنال الإمامةُ في الدين.
ثمّ إنّ الأخذ بالرُخص إنّما يصلح على مستوى الأفراد، لا العموم، إذ لو رَكـنَ جميع الدعاة والمصلحين إلى ذلك، وأطبقوا على تتّبع الرُخص والتوّسع فيها، ولم يُوجد في الأمّة من يُواجه الطغاة، ويقيم عليهم الحجّة، لضاعت قِيم الدِّين، واستشـرى الوهن في قلوب المؤمنين، فضلاً عن أنّ استمراء الرخص، والانصهار في قوالبها، نابع عن رقّة في الدِّين، وقلّة في اليقين.

* ثم قال أستاذنا الكبير:
"وكان قد وضع رسالة صغيرة في نقد بعض كتابات الخميني قبل التحاقه، لم يكن يسمح بمثلها الظرف الثوري العاطفي، ويرى أنّ ذلك من تمام واجبه كعالم شرعي".
 وأقول: هذا يستدعي منّا عدّة وقفات:
الأولى: حبّذا لو ذكر أستاذنا القدير عنوان تلك الرسالة الصغيرة، والانتقادات التي تحتويها؛ لأنّ ذكر مثل هذه الأمور من سمات التوثيق العلمي، الذي تعلّمناه من أمثاله.
نضيف إلى ذلك أنّ عبارته توحي بأنّ المعلومات التي ذكرها أستاذنا عن تلك الرسالة إنّما أخذها سماعاً، لا أنّه قرأ تلك الرسالة، أو اطّلع على محتواها، وإلا فما المانع من ذكر عنوانها، أو التثبّت من صحّتها، مع أنّ ذلك سهل ميسور، إذ إنّ فضيلته أكّد ـ كما سيأتي ـ على أنّه قابل السبحاني، وحاوره.
الثانية: أن الكتب والرسائل التي كتبها العلامة السبحاني بيده قليلة جدّاً، وهي معروفة ومطبوعة، وليس فيها رسالة، صغيرة أو كبيرة، تُصـرِّح باسم الخميني، فضلاً عن توجيه الانتقاد أو الإساءة إليه، اللهم إلا ما ورد في كتابه (الولاية والإمامة)، الذي يأتي الحديث عنه.
أمّا آثاره الغنيّة الأخرى، فهي محاضرات ودروس مسجّلة على الأشرطة، ألقيت في مناسبات وأماكن شتّى، وتمّ إفراغ بعضها، وطبعها، في السنوات القليلة الماضية. لكنّ أستاذنا الراشد لا يقصد تلك المحاضرات والدروس الصوتية؛ لأنّ (الرسالة) لا تطلق – غالباً- إلا على المكتوب. 
الثالثة: صحيح أنّ السبحاني انتقد في كتابه (الولاية والإمامة) أفكار الخميني، فيما يتعلّق بولاية الفقيه، وصلاحياته ـ من غير أن يصـرّح باسمه ـ، إلا أنّ كتابه هذا قد ألّفه في أواخر حياته، بعد قيام الثورة الإيرانية بسنوات، وتحديداً في عام (1987)، لا قبل التحاقه بالدعوة، ولا أثناء الظرف الثوري العاطفي، كما صـرّح بذلك أستاذنا.
 وذلك لأن الثورة الإيرانية كانت في عام(1979)، وانضمام السبحاني لصفوف الإخوان كان في عام (1980)، كما ورد في تاريخ حياته (ص105و116)، من إعداد الأستاذ (عبد الله عبد العزيز عبدي).
ولعلّ من المفيد إيراد ما قاله العلّامة السبحاني في انتقاده للخميني، ولنظرية الولاية، حيث قال في: (الولاية والإمامة ص157): "...حتى جاء الذي أسّس النظام المسمّى بجمهورية إيران الإسلامية، فكشف عن أسرار تلك الولاية القناع، وذلك بعد أن ادّعاها لنفسه. وكان هذا المدَّعي قد كتب، قبل انتصار ثورة أهل بلده على النظام الملكي، في بيان تلك الولاية كتاباً، لكنّه لأمرٍ ما لم يكن قد قال فيه إلا بولاية مقيّدة بقيود الشـريعة، فلمّا رأى أمره قد استتبّ له، جاء بشيء عظيم... وقال: إنّه لم يكن ينبغي أنْ يعبأ بالولاية لو كانت مقيّدة... إنَّ الولاية فوق الأحكام كلّها، من أكبرها؛ الذي هو الحجّ ـ بزعمه ـ ، إلى أصغرها. ثمّ قال (أيْ: الخميني): وفوق هذه المسائل التي بيّنّاها مسائل. قال السبحاني: لم يبيِّنها؛ ولكن لا يخفى أنّه ليس فوق الأحكام والقيم، ووراءها، إلا الاعتقاديّات والتصوّرات".
الى آخر ما قاله السبحاني ـ تغمّده الله بواسع رحمته ـ في كلامه عن ولاية الفقيه، وانتقاداته للخميني، التي تعدّ انتقادات لاذعة ـ بلا ريب ـ إلا أنه يرى أنّ ذلك من تمام واجبه كعالم شرعي، كما برّره له أستاذنا الكبير.
 ومع ذلك، فليس (سبحاني) أولّ من انتقد نظرية ولاية الفقيه، حتى يستحقّ الإعدام بسببه، بل انتقدها كثيرون، ورفضها - أيضاً - عدد من أعلام ومفكري المذهب الشيعي نفسه؛ كآية الله الخوئي، والشريعتمداري، والطباطبائي، والمنتظري، وغيرهم، باعتبار أنّها بدعة في المذهب، اخترعها الشيخ أحمد النراقي (المتوفّى سنة 1245هـ)، صاحب كتاب (عوائد الأيام)، قبل مائة وخمسين عاماً، وطبّقها الخميني لأولّ مرّة في إيران.
فلو كان انتقاد الخميني، أو نظرية الولاية، سبباً وجيهاً للإعدام، لكان هؤلاء الأعلام في المذهب الشيعي أولى بالإعدام من (سبحاني)، بلْ لكان أهل السنّة كلّهم مستحقين لتلك العقوبة، لأنّهم يرفضون هذه الفكرة من أساسها.
ثمّ أصرَّ أستاذنا الراشد على ربط إعدام السبحاني بتلك الرسالة، وما تضمّنته من انتقادات، فقال: "وقد حاورته، وطلبت منه التريّث والهدوء والسكوت، فأصغى، إلا أنّه لم يستطع الاستدراك على رسالته التي وضعها قبل التحاقه بالدعوة، وظلّت لاصقة به، وأدّت الى إعدامه فيما بعد ـ رحمه الله ـ".
أولاً: الدارس لحياة الشهيد (سبحاني)، وخصوصاً بعد وصوله إلى حدّ اليأس والإحباط من  جدوى الاجتماعات مع قادة الثورة الإيرانية، والتفاهم معهم، وبعد الاجتماع الثاني للشورى المركزية لأهل السنّة (شمس) في (1982)، وإلقاء القبض على العلاّمة مفتي زاده، وكثير من قادة أهل السنّة، وبعد الاختفاء القسري للعلامة السبحاني قرابة ثمانية أعوام، إلى حين إلقاء القبض عليه في عام (1989)، وإعدامه في عام (1990).. الدارس لكلّ هذه المراحل من حياته، يدرك جيداً أنّه ـ رحمه الله ـ لم يَحِد يوماً عمّا يؤمن به، ويعتقده، ويناضل من أجله، بل كلّما مضى به الوقت زاد من صلابة إيمانه بقضيته، وقوّة عزيمته على دعوته، واستخفافه بالصعاب والمشاق التي تحول دون الوصول إلى هدفه وغايته، فكانت حياته القصيرة طولاً، والمباركة الثريّة عرضاً وعمقاً، مليئة بالثبات والجهاد والتضحية، بكلّ ما أوتي من جهد ووقت ومال، حتى وصل إلى أسمى غاية كان يحلم بها، ويربّي أصحابه وتلاميذه عليها.
ولا زلتُ أذكر، حينما كنتُ أدرس في (بانوره)(بلدة بكردستان إيران)، كان أحد شيوخي، الذي توفّي ـ رحمه الله ـ قبل أعوام، يحكي لي عن آخر زيارة قام بها، هو وعدد من الشيوخ، وعلى رأسهم العلّامة السبحاني، لطهران، من أجل لقاء قائد الثورة، والتحدث معه عن حقوقهم المسلوبة.
  وحدّثني: كيف أنّ (سبحاني) ـ رحمه الله ـ وقف أمامه شامخاً كالطود، معنِّفاً إيّاه بأشدّ العبارات، بلا خوف ولا وجل.
 قال: وبعد انتهاء الجلسة، عبَّر لنا السبحاني عن شعوره بالإحباط واليأس تجاه النظام القائم، وأنّه قرّر الفصام معه، ولن يعود بعد اليوم إلى مثل هذه اللقاءات المضيِّعة للوقت. ثم واجهنا بما نصّه: من يأتِ معي، فأنا خادمه، ومن لم يأتِ، فأنا ـ والله ـ لا أتحمّل وِزر خطوة واحدة، لكي أنزل معه في هذا الدَرَج.
ثانياً: قد أوضحنا - فيما يتعلّق بالرسالة، التي كرّر أستاذنا مؤكّداً أنّه كتبها قبل التحاقه بالدعوة - ونحن نؤكّد - مرّة أخرى - بأنّه لا تعرف رسالة للسبحاني تعود كتابتها إلى ما قبل انضمامه لصفوف الإخوان، وأدّت فيما بعد إلى إعدامه. وعليه، فإنَّ حصـر سبب الإعدام في هذه الرسالة، وما تضمّنته من انتقاداتٍ، مبنيّ على أساس غير دقيق، أو على معلومات غير موثّقة. 
ثالثاً: ربّما يفهم البعض من كلام أستاذنا الراشد أنّه التقى السبحاني عدّة مرّات، لكنّني لما اتصلتُ بأقرب المقرّبين إلى السبحاني، وهو فضيلة الدكتور (عمر عبد العزيز)، الذي عايشه قرابة عشـرة أعوام، وصاحبه في حضـره وسفره، وحِلِّه وترحاله، ومحاضراته واجتماعاته، فـأكّد لي ـ مشكوراً ـ أن أستاذنا الراشد لم يقابله سوى مرّة واحدة، في المؤتمر التأسيسـي للرابطة الإسلامية الكوردية، المنعقد بعد أشهر من فاجعة حلبجة، وتحديداً في (10/6/1988).
كما أكّد لي فضيلته: أنّ العلامة السبحاني لم يؤلّف كتاباً، أو رسالة، قبل التحاقه بصفوف الإخوان عام (1980)، وأنّ كتاب (الولاية والإمامة) إنّما كتبه في عام (1987)، كما تقدّم ذكره. 
* ثمّ تابع أستاذنا القدير قائلاً: "ولما عُوتِب بعضُ رجال الثورة والسلطة أنّهم أعدموا داعية منّا، ذكروا أنهم أعدموه لانتقاداته التي وجّهها للخميني، ولم يعدموه لانتمائه الدعوي، ولستُ استبعد صحة دعواهم". 
وأقول: صحيح أنّ جماعة الإخوان موجودة في إيران، وأن الانتماء إليها ليس جريمة يعاقب عليها القانون، لكن حريّة الجماعة، وغيرها من الجماعات، مقيّدة بقيود فولاذية من الدستور، المبنيّ على رواسب الفكر الواحد، ومقرّرات المذهب الواحد، ومحكومة بقوانين البلاد النافذة، التي تُواجه أيّة معارضة سياسية ـ حتى ولو كانت ضمن البيت الشيعي ـ بأقصـى درجات القوّة والعنف، كما رأينا في قمع مظاهرات عام(2009)، التي قادها المرشحان الشيعيان للرئاسة (مير حسين موسوي، ومهدي كروبي)، إثر التلاعب بنتائج الانتخابات لصالح مرشح النظام (أحمدي نجاد). والمرشحان المذكوران قيد الإقامة الجبرية حتى الآن.
وأيضاً فإنَّ الاغتيالات التي تمّت خارج إطار القانون ـ كما حدث للشيخ الضيائي، والشيخ الربيعي، والأستاذ فاروق فرصاد، وغيرهم ـ تغمّدهم الله بوافر رحمته ـ تُـثبت عدم صحة دعواهم؛ لأن هؤلاء لم يوجّهوا للخميني أيّة انتقادات، بل لم يكن حيّاً أصلاً آنذاك، ومع ذلك اغتالتهم يد الغدر، لنشاطاتهم الدينية، وتأثيرهم في قلوب الناس وعقولهم.

* ثم يواصل أستاذنا الجليل انتقاده للسبحاني، واصفاً إياه بالتعجّل، وعدم التريّث، فقال: "ولو أنّه صبر، كما صبر أصحابه الدعاة الحكماء، لوصل إلى ما وصلوا إليه اليوم، من أنّهم أقوى مَن يوجِّه أهل السنّة في إيران".
وأقول: هذا أيضاً يحتاج إلى بعض التعليقات:
أولاً: مرَّ معنا أن فضيلته حاور السبحاني، ناصحاً إيّاه بالتريّث والتمهّل، ومؤكّداً على أنّه أصغى لكلامه، وقَبلَ نصيحته. وهنا يصفه أستاذنا بالتعجّل وعدم الحكمة، أو عدم التبصـّر بعواقب الأمور.. فكيف يتّسق سياق هذا مع ذلك؟!.
ثانياً: إنّ كل من يدرس كتب السبحاني، أو يستمع إلى دروسه ومحاضراته، أو يحاور مَن عاش معه، أو صاحبه، يدرك أنّه كان يتمتع بذكاء خارق، وفقهٍ عميق بموازين الإسلام، وبَصَرٍ دقيق بمعطيات الواقع الذي يعيشه، وهذه الأمور ـ إضافة إلى إخلاصه وتقواه وتفانيه ـ منحته بُعداً في النظر، ورشداً في العمل، وصواباً في الحكم، ودقّة عالية في تقييم الأشخاص والهيئات وغيرها.
وهنا أضرب مثالاً قلَّ نظيره، فقد قرأتُ مقالة منشورة للسبحاني في مجلة (نداء الغريب)، التي كانت تصدر خفية في إيران، يردّ فيها على فتوى للشهيد عبد الله عزام       - رحمه الله - الذي أوجب فيها على كل مسلم قادر على حمل السلاح الانضمام إلى الجهاد الأفغاني. وبعد مناقشة مستفيضة للفتوى من الناحية العلمية، قال ما ملخصه: وقد اجتمعتُ مع كثير من قيادات الجهاد الأفغاني، وكلّهم ـ إلا من رحم ربي ـ مغرمون بشهوة السلطة، والتصارع عليها؟!.. وقد حدث فعلاً ما كان يتوقّعه ويخشاه، بعد انتصار المقاومة واندحار الاحتلال الروسي.
وعندي أمثلة كثيرة لهذا النوع من بعد النظر، واستشـراف المستقبل، لكن المجال لا يتّسع لذكرها. 
ثالثاً: هل المراد بالحكمة، التلوّن والتماهي والانسجام مع المعطيات والضغوطات، وإنْ كان ذلك على حساب الموازيين والثوابت الشرعية؟ أم المراد بها التنوّع في الآليات والبرامج والخطط في السير نحو الهدف المنشود، حسب الظروف قوّة وضعفاً، مع الاستمساك بالمبادئ والثوابت، مهما كانت الظروف والأحوال؟!.
ثم هل يمكن أنْ يغيب عن عالم عميق العلم كالسبحاني، التفريق بين الحكمة والتهوّر، بين الشجاعة والجبن، بين الثبات على الثوابت والمرونة في المتغيرات، بين التشديد في الأهداف والغايات، والتيسير في الخطط والآليات؟!.
 ثم إنّ أستاذنا الكبير خبير بأنّ المغالاة في دعوى الحكمة، والارتماء في أحضانها، قد تقود بعض الأشخاص، أو الهيئات والجماعات، إلى نوع من الخور والجبن، والانكسار أمام ضغوط الواقع وتحدياته. وهذا يؤدّي حتماً إلى خمود حيويّة الدعوة، وعنفوانها، إنْ لم نقل إلى موتها وفنائها.  
رابعاً: قد نلوم الذي يضحّي بنفسه في سبيل الحفاظ على مبادئه وعقائده، بأنّه كان شخصاً متهوراً، أو فرداً سائباً، أو لم يكن يصغي إلى نصائح الحكماء. لكن من يدري لعلّ روحه الطاهرة ونفسه الزكية تُحيي شعباً ميّتاً، أو توقظ أمّة نائمة، كما حدث قبل سنوات في الشرق الأوسط، بفضل تضحية شاب تونسي بنفسه (محمد البوعزيزي)، فأشعلت روحه ثورات، وأسقطت أنظمة وحكومات.
وما أصدق ما قال الشهيد السعيد سيد قطب: (إن كلماتنا تظل جثثاً هامدة، حتى إذا متنا في سبيلها، انتفضت حيّة، وعاشت بين الأحياء).
 وهكذا ظلّت وستظلّ كلمات الشهيد السبحاني، ودروسه، وآثاره، مشعلاً ينير الطريق أمام الدعاة والمصلحين، ومثالاً يحتذيه كلّ من يريد أن يعيش حرّاً عزيزاً، مرفوع الهامة والقامة أمام الطغاة والمستبدين.

 * ثم بعد ذلك انتقل أستاذنا المحبوب إلى التأثير السياسي الذي وصلت إليه الدعوة، نتيجة للنظرة المصلحية، المبنيّة على الحكمة، وعدم استعجال قطف الثمار قبل بدو صلاحها، فقال:
 "حتى مكَّنهم ذلك من ترجيح التيار الإصلاحي الصاعد، وانتخاب الرئيس خاتمي، رغم اختلاط التيار ببعض المناحي العلمانية؛ لأنّ فقه الموازنات المصلحية قادهم إلى هذه السياسة. وهكذا أصبحت الدعوة في إيران، بعد خمس عشرة سنة فقط من بدايتها، تقيم الرؤساء، وتقعد بهم، إذ أصبحت الرقم الصعب في المعادلة السياسية الإيرانية".
ونسجّل على ذلك عدّة نقاط، أهمها:
أولاً: الذي يتابع السياسة الإيرانية عن كثب، يدرك جيداً أنّ النظام الحالي قد استولى على كلّ مفاصل الدولة، ومرافقها العامة، وسدَّ كل المنافذ التي يمكن للسياسة أن تُطلَّ منها برأسها، وتستنشق منها الهواء الطلق، فالأبواب مغلقة، والنوافذ مسدودة، حتى على الذين تغذَّوا من لبانه، وترعرعوا في أحضانه.
 إذن كيف يتسّنى للحراك السياسي النمّو في مناخ مُكْفَهِرٍّ كهذا؟، وكيف تكون المنافسة السياسية حقيقية، إذا لم يُـرَ في الميدان إلا عَدَّاءٌ واحد، أو فارس واحد؟!.
ثانياً: ليست الانتخابات التي يشارك فيها عموم الشعب الإيراني هي التي تقيم الرؤساء، وتقعد بهم، حتى يقال إنّ الدعوة أصبحت الرقم الصعب في المعادلة السياسية، بل إنّ النظام القائم هو المتحكّم في كلّ شيء، والمسيطر على كلّ حركة. وخير دليل على ذلك منع المرّشح الرئاسي (مير حسين موسوي) من الفوز في انتخابات عام (2009)، مع حصوله على أغلبية الأصوات.
ثالثاً: إذا كانت هذه طبيعة مناخ الحراك السياسي تجاه تيارات تنتمي للمذهب الرسمي، وتؤمن بولاية الفقيه، وتوالي النظام القائم، فتخيّل المدى الذي يمكن أن تصل إليه الدعوة من الضعف والانكماش، وتخيّل كذلك مدى صعوبة الظرف الدعوي، وتباطء حركة أصحاب الدعوة، الذين يعتبرهم النظام من ألدّ مناوئيه، وأخطر منافسيه. وعليه، فلا يمكن أنْ يسمح للدعوة والدعاة إلا بما لا يضر ولا ينفع في عالم السياسة.
 ولذلك، قد يتعجّب المرء ويندهش من هذا التوصيف للواقع الدعوي هناك، وخصوصاً حينما يصدر ذلك من خبير نحرير كأستاذنا الراشد!.

* ثم تابع أستاذنا حديثه عن تنامي الحركة الدعوية، ونضج التنظيم الجماعي، مستمرّاً في انتقاداته للسبحاني، فقال:
"وهي نتيجةٌ توقّعَتْها الرؤيةُ الدعوية التخطيطية مبكّراً، وميَّزت احتمال الوصول إليها. وما كانت تلك الفراسة إلا بسبب استناد الدعاة إلى الفقه الدعوي النسبي، وعبر استنطاق التاريخ، وتحليله، وقد انبغت لعمل جماعي يستهدي التجريب فنضج سريعاً، لكنها غابت عن عالم عميق العلم مثل ناصر سبحاني ـ رحمه الله ـ، لمّا كان فرداً سائباً لا تسعفه موازين الوعي الدعوي، وقاعدة التأثير النسبي للزمان والمكان، ومعاني المكيّة والمدنيّة".  
وأقول: هذا آخر مقطع يتعلّق بالسبحاني، وقد ضمَّنَه أستاذنا القدير مدحاً له (عالم عميق العلم)، مصحوباً بانتقادات شديدة. وذلك يستدعي الوقفات الآتية:
الأولى: تحدّثنا - فيما سبق - عن الهامش الضيق المسموح بتحرّك الدعوة في فلكه بلا تجاوز. بل أقول - أكثر من ذلك - بصراحة: إنّ العصر الذي كان يقود فيه العلاّمة مفتي زاده، والعلامة السبحاني، ونظراؤهما من الدعاة والعلماء: الحراك الدينيّ، والدعويّ، والسياسيّ، وغير ذلك، كان العصر الذهبي للعمل الجماعي، الذي كان يتصاعد يوماً بعد يوماً، بجهود هؤلاء الأبطال، وتضحياتهم المباركة.
 بل ما نراه اليوم، من وجود دعوة وتنظيم جماعي، ليس إلا ثمرة من شجرتهم الباسقة، التي غرسوها وروَّوها بدمائهم، وعَرَقهم. لكن اليوم ـ بسبب غياب هؤلاء الأعلام، وبسبب سياسة جرّ الحبل من قبل النظام ـ دخلت الصحوة في إغفاءة، فلا يسمح لها أن تبرح مكانها لتخلق الأحداث، بل تترقبها وتراقبها، فهي بحاجة إلى من يوقظها من غفوتها، ويقيمها من عثرتها. وهذه حقيقة مُرَّة، مستندة إلى قراءة الواقع الدعوي هناك عن كثب، وليس الخبر كالعيان.
ثانياً: إذا كان السبحاني متّصف بأنه (عالم عميق العلم)، فكيف يليق به أن يجهل أطروحة النسبية في الفقه الدعوي، ومعاني المكيّة والمدنيّة، واستنطاق التاريخ، وتحليله؟، وكيف يتمكّن العالم من العلم العميق، دون الغوص في لجج تلك المعارف؟!.
 ثالثاً: من يدرس حياة السبحاني، وتراثه، يتعجّب من ذكائه الخارق، واطّلاعه الواسع، وموسوعيته في العلوم والمعارف، فهو بارع في العلوم اللغوية؛ من مفردات، واشتقاق، ونحو، وصرف، وبلاغة، بأنواعها، وهو مفسّـر من الطراز الفريد، وهو مبدع في الأصول، والفقه، وعلم الحديث، وهو داعية بصير بمراحل الدعوة، ودروبها، وموازينها، وهو مربي كفوء، قلّ نظيره في تفانيه، وتضحياته، وإخلاصه.
ومن يقرأ كتابه المطبوع عن الدعوة، يندهش للقواعد والموازين الحاكمة على الدعوة، ومراحلها، والتي استنبطها من القرآن الكريم.
فالسمة البارزة في هذا الرجل أنّه لا يكرّر غيره، ولا يقتبس من هنا وهناك، ولا يحشد الأقوال لتسويد الصفحات، بل هو مثل النحلة التي تشمّ رحيق مختلف الأزهار، ثم تسكب شهداً وعسلاً مصفّى، بل أوصلته بحوثه وتحقيقاته العلمية إلى اجتهادات جديدة، وأفكار مبتكرة، لم يسبقه إليها أحد من قبل، فكيف يقال لمثله: "لا تسعفه موازين الوعي الدعوي، وقاعدة التأثير النسبي للزمان والمكان، ومعاني المكيّة والمدنيّة!".
رابعاً: أقرَّ أستاذنا الكريم عدّة مرّات بأنّ (سبحاني) انضمّ إلى موكب الإخوان، وأنّه نصحه، باعتباره ـ أيْ: الأستاذ الراشد ـ أحد أبرز رموز الإخوان في العالم، فأصغى لكلامه. وكلّ هذا يدلّ على أنّ (سبحاني) لم يكن فرداً سائباً، لا يلتزم بضوابط التنظيم، ولا يأبه بمقرّرات العمل الجماعي، بل إنّ الرجل استطاع ـ بما وهبه الله له من ذكاء خارق، وفهم ثاقب، وخلفية علمية ثريّة ـ أن يتدرّج في مراحل التنظيم، حتى وصل إلى قمة الهرم ـ في فترة وجيزة جداً ـ.
إذنْ، كيف يتسنّى لرجل سائب، استلام مقاليد الدعوة والتنظيم في إيران؟، أو كيف يختاره أصحابه وإخوانه، من قيادات العمل الدعوي، لحمل هذه المسؤولية الكبيرة؟!.
خامساً: تعلّمنا من مؤلّفات أستاذنا الراشد أنّ الطاعة لقيادات الدعوة ليست طاعة عمياء، تجرّد العضو من فعاليّته، وإيجابيّته، وتجعله كالميّت بين يدي الغاسل، بل لا بد أنّ يُسمح للعضو الفاعل بالتمتّع بتحرّكاته الإيجابية، وأنشطته النوعيّة المستقلّة، كما فعل الهُدهد في عهد سليمان عليه السلام، حينما غاب عن استعراض الجنود، فهدّده بالذبح إذا لم يكن غيابه مبرّراً، فحصل ما حصل، واستطاع بإيجابيّته اكتشاف نبأ لم يعرفه النبيّ عليه السلام، ومن ثمَّ انتشال مملكةٍ من ظلام الشرك إلى نور الهداية.
وبما أنّ السبحاني كان مجتهداً، عميق العلم، واسع الاطّلاع، فإنّ انخراطه في العمل الجماعي لم يمنعه من التمتّع بحقّه في الاجتهاد، وإبداء وجهات النظر المختلفة، شأنه في ذلك شأن العلماء والمفكرين الذين انضمّوا لصفوف الإخوان، فخالفوا القيادات في بعض الأفكار والأطروحات والآليات، مع تسليم الكلّ بالخطوط الرئيسة، والأطر العامة للعمل الجماعي.
فإذا قلنا إنّ العضو المنخرط في العمل الجماعي، يتحوَّل بهذا النوع من الخلاف المباح، والاجتهاد المشروع، من فرد ملتزم بضوابط العمل الجماعي، إلى فرد سائب، فإنّ الشهيد السعيد سيد قطب أقرب إلى هذا الوصف من الشهيد السعيد سبحاني، وحاشا الشهيدين أن يكونا فردين سائبين، لا يلتزمان بما تعاهدا عليه.

وفي الختام: أسأل الله تعالى أنْ يمدّ في عمر أستاذنا الراشد، ويمتّعه بصحّته وعافيته، ويبارك في علمه وعمله، ويجزيه عن جهده وجهاده بما يجزي به عباده المجاهدين المخلصين.
كما أسأله سبحانه أن يبلّغ شهيدنا السعيد ناصر السبحاني منازل الشهداء، وأن يجمعني وإياه في مستقر رحمته، ودار كرامته، إنّه وليّ ذلك ومولاه.

هناك تعليق واحد:

  1. د. علي حسن الحاج السوداني21 يناير 2019 في 1:54 ص

    سلام عليك بارك الله فيك
    منذ قرات ما كتبه شيخ الجليل كنت افكر ان اعلق بشئ من التعليقات على ما جربت و عشته في ظل واقع مرير الذي يبعد عنه استاذ راشد حفظه الله على الاقل بعدا ماديا, و الان قد وصلت الى مبتغاي بعد قراتي لمقال حضرتك ... لكن مع الاسف قل ما تجد هذه الايام الا فئة قليلة ممن يدعون بالانتماء الى افكار شيخ الشهيد من يفي بطريقه المعهود اما بسبب ممارسات او المخططات الخطيرة المناهضة لافكاره النيره في ظل سياسات حكومة عنصرية شيعية متعصبة بصورة زاحفة كالثعبان الى افكار كثير من الشبان او حتى غيرالشباب و ممن يسمون منوري الافكاري الحديثة لاسباب كثيره منها تمويت اي مشروع نهضوي سني من قبل الحكومة بعد مجتمع الايراني عن مصادر الاصلية بسبب عدم التعليم و دراستهم الرسمية بلغة غير لغة العربية و مشارع سامة اللي رسخ الى افكار قادة الفكرية و السياسية و حتى هياكل ادارة هذه الجماعات بسبب بعدهم عن افكار النيرة لشهيد الجماهد و مماشاتهم مع الحكومة الشيعية التي مخططها ( سلاو بات شور) حتى وصلت حاليا الى تقزيم فكر السنة و قادها و اشغالهم بسفاسف الامور و مشغوليات مادية بشكل او اخر حتى ضاعوا في دهاليز السياسة المعقدة المظلمة اللى وضعتها الحكومة الايرانية على طريقها و....الى اخره...والله المستعان ...د. علي حسن الحاج السوداني

    ردحذف