فاتح محمد سليمان (فاتح سەنگاوي)
المقدمة
يتناول
هذا البحث المعنى اللغوي والاصطلاحي للمصطلح، وذلك بالعودة إلى المعاجم والمصادر
المختصّة، وأهميّته، من حيث مضمونه المعرفي والثقافي، لأن تلك المضامين تتجاوز أن يكون
المصطلح ألفاظاً لغوية بحتة، وهذا يتطلّب الدقّة والمسؤولية في الاستعمال والتعامل
معه، وبخاصة في ترجمته. لأن الترجمة: "تعدّ عملاً إنسانياً يعبّر عن التجارب
التواصلية والاتّصالية للمجتمعات، فهي من هذه الناحية ليست عملاً اصطلاحياً أو
لسانياً فحسب، بل هي اتّصال اجتماعي يقوم على فحص نظامين لسانيين اجتماعيين
مختلفين، وثقافتين متباعدتين، أحياناً، في الرؤى والتصوّرات"، مع دراسة بعض
الإشكاليات في ترجمة المصطلح، كي يكون المتصدّي للترجمة في هذا المجال على دراية
بها، لتفادي الخطأ، وتجاوز العقبات.
أمّا من حيث الأهميّة،
فإن للبحث أهميته الكبيرة، للأسباب الآتية:
1.
العمل
في حقلي الترجمة والمصطلح، والربط بينهما، له أهميّته الخاصّة مقارنةً بالبحوث
اللغوية الأخرى؛ لقلّة البحوث في تناول هذا الموضوع معاً.
2. علم
المصطلح، أو المصطلحية، علم جديد. وولادة المصطلحات الجديدة يومياً بسبب التطوّرات
الكثيرة في عالمنا المعاصر، زاد من أهميّة تناول هذا الموضوع.
3. البحث في
ترجمة المصطلحات والإشكاليات الموجودة، يزيد من أهميّة هذا البحث، لأنه عملية
مستمرّة لمواكبة التطوّرات الحاصلة في هذا المجال، والتي نواجهها يومياً، ونحتاج
إليها باستمرار.
والبحث يرنو إلى
تحقيق أهداف، منها:
1. التعرّف
على معنى المصطلح، ورصد بعض ما كتبه الباحثون في أهميّته، وخطورة ترجمته.
2. تسجيل
بعض الإشكاليات في ترجمة المصطلحات، ومراعاة ذلك في هذه العملية.
3. تسجيل
بعض المقترحات والتوصيات للقائمين على مثل هذا العمل المهم، وبخاصة في ترجمة
المصطلحات إلى اللغة الكوردية.
أرجو أن أكون موفّقاً
في دراسة الموضوع وتناوله، وأن يستفاد منه في مجال ترجمة المصطلحات، هذا المجال
الذي تزداد أهميّته يوماً بعد يوماً، نظراً للتطوّرات الحاصلة في عالمنا المعاصر،
الذي يولّد يومياً أعداداً هائلة من المصطلحات في التخصّصات المختلفة.
المبحث الأوّل:
تعريف المصطلح لغة واصطلاحاً
1. لغة: أصل
مادة (صلح)، والمعنى اللغوي لها في المعاجم، يدور حول التصالح، والاتّفاق. فتصالح
القوم، أي: قام بالصلح والسلام
بينهم، وأزيل النفار بينهم. والصَّلاح نقيض الفساد، والإِصلاح نقيضه الإِفساد.
و(اصطلح) القوم: زال ما بينهم من خلاف، وعلى الأمر: تعارفوا عليه واتفقوا. وفي
التنزيل: [وَإِنْ
طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}[الحجرات:9]،
و{وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي][الأحقاف:١٥]. وهذا ما أكّده صاحب (العين) قديماً، و(الوسيط)
حديثاً.
ومن الباحثين من يرى أن كلمتي (المصطلح)
و(الاصطلاح) لم تردا في أيّ من معاجم اللغة الشهيرة، حتى نهاية القرن الثامن
الهجري، بل حتى أواسط القرن العشـرين، باعتبار عدم وجود أثر للكلمة في كل من معاجم
الصحاح، ومقاييس اللغة، وتهذيب اللغة، وأساس البلاغة، والقاموس المحيط، ولسان
العرب. والجذر الثلاثي لـ(صلح) إنما يعني الاتّفاق والاتّساع، لكن (علي القاسمي)
يردّ على الّذين يرون أن لفظة (مصطلح) و(الاصطلاح) لا توجد في المعاجم العربية،
ومصادرها، حتى أواسط القرن العشـرين، وبيّن أن من يدقّق النّظر في المؤلّفات
العربية التراثية، يجد أنها تشتمل على لفظي (مصطلح) و(اصطلاح) بوصفهما مترادفين،
فعلماء الحديث كانوا أول من استخدم لفظ (معجم) ولفظ (مصطلح) في مؤلّفاتهم، في
القرن السابع الهجري. من ذلك منظومة أحمد الإشبيلي، من أهل القرن السابع الهجري، و(الألفية
في مصطلح الحديث) لزين العراقي (زين الدين عبد الرحيم بن الحسين ت806هـ)، وكتاب (نخبة
الفكر في مصطلح أهل الأثر) للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852هـ - 1449م)، وابن فضل
الله العمري(ت749هـ) في كتابه (التعريف بالمصطلح الشـريف). ومن المعجميين الذين
استعملوا اللفظتين بوصفهما مترادفتين: عبد الرزاق الكاشاني(ت:حوالي736هـ-1335م)،
في كتابه (اصطلاحات الصوفية)، والذي استخدم فيه لفظ (المصطلحات)، وفي مقدّمة معجمه:
(لطائف الإعلام في إشارات أهل الإلهام)، يستخدم لفظ (المصطلح). وكذلك استعمل ابن
خلدون (732-808هـ-1332-1403م) لفظ المصطلح في (المقدّمة)، والتهانوي في (كشاف
اصطلاحات الفنون). ويؤكّد يوسف وغليسي هذا الرأي أيضاً بذكر نقاط، منها: أن خلوّ
المعجمات العربية من كلمة (مصطلح) لا يقوم دليلاً على عدم استعمالها، ويدل على
استقراء ناقص، ويأتي بأدلّة على ذلك.
يبدو أن أوّل ما وصل
إلينا من استعمال الفعل المزيد (اصطلح)، هو ما جاء عن الجاحظ(ت: 225هـ)، في حديثه
عن المتكلمين، أنَّهم "اصطلحوا على تسمية ما لم يكن له في لغة العرب
اسم". إلا أن هذه التسمية (اصطلاح، أو مصطلح) لم ترُج بسـرعة، ذلك أن الرازي (أحمد
بن حمدان-ت322هـ) سمّى كتابه في المصطلحات الإسلامية (الزينة في الكلمات الإسلامية)،
والفارابي(ت:350هـ) عندما وضع كتاباً في مصطلحات المنطق سمّاه: (الألفاظ المستعملة
في المنطق). أمّا الكندي (ت: 260هـ)، فقد سمّى مؤلّفه في تعريف مصطلحاته: (رسالة
في حدود الأشياء ورسومها)، لكن استقرار كلمة المصطلح لم تستقر إلا بعد قرون لدى
الجرجاني وعلماء الحديث، ومن ثم لدى المعجميين .
ومن خلال
العرض السابق، يمكن القول إن المعنى اللغوي المعجمي للفظ (صلح)، ومشتقاته، وجذوره،
في المعاجم العربية القديمة، تعني: التصالح، والسلم، والاتّفاق، والمواضعة،
والتعارف، والإصلاح، وكل ما هو نقيض للفساد.
أ- تعريف (المصطلح)
اصطلاحاً:
ومن
القدامى الذين قاموا بتعريف الاصطلاح الجرجاني، وتراه يورد عدّة تعريفات للاصطلاح،
فيقول: "الاصطلاح عبارة عن اتفاق قوم على تسمية الشيء باسم ما، ينقل عن موضعه
الأوّل، وإخراج اللفظ من معنى لغوي إلى آخر، لمناسبة بينهما"، أو:
"الاصطلاح اتفاق طائفة على وضع اللفظ بإزاء المعنى". ومن ذلك أيضاً:
"الاصطلاح إخراج الشـيء عن معنى لغوي إلى معنى آخر، لبيان المراد".
وقيل: إن "الاصطلاح لفظ معيّن بين قوم معينين". هذه مجموعة تعريفات
للجرجاني، تدور حول إخراج اللفظ عن معناه اللغوي الصـرف، بالاتّفاق، إلى معنى آخر،
لبيان المراد، لوجود مناسبة بينهما.
وكذلك أورد
الكفوي عدة تعريفات للمصطلح، لا تخرج عمّا قاله الجرجاني تقريباً، إذ قال: "هو
اتّفاق القوم على وضع الشـيء. وقيل: إخراج الشيء عن المعنى اللغوي إلى معنى آخر،
لبيان المراد". ويشير إلى نقطة مهمة، وهي أن الاصطلاح مقابل الشـرع في عرف
الفقهاء. ويستعمل الاصطلاح لدى الكفوي "غالباً في العلم الذي تحصل معلوماته
بالنظر والاستدلال". وأمّا عند التهانوي، فهو العرف الخاص، وهو "عبارة
عن اتّفاق قوم على تسمية شيء باسم، بعد نقله عن موضعه الأوّل، لمناسبة بينهما،
كالعموم والخصوص، أو لمشاركتهما في أمر، أومشابهتهما في وصف، أو غيرها".
إذاً، فلكي يسمّى لفظ من الألفاظ مصطلحاً، فإنه
يحتاج إلى اتّفاق طائفة على شيء مخصوص، في العلوم والفنون للدلالة على لفظ، أو رمز
معيّن، لأداء مدلول خاص، فبعد ذلك يتحوّل إلى مصطلح، ولفظ علمي، يؤدّي المعنى
بوضوح ودقة. وبحسب الاتفاق والتواطؤ أو التصالح الذي يتم بين كل جماعة، تحدث
مصطلحات. فإذا قام بين جماعة المحدثين، يتفق مع مصطلح في الحديث، وإن قام بين
جماعة الفقهاء على مسائل في الفقه، نتج عنه مصطلح في الفقه، وإن كان بين جماعة من
النحاة، صنعوا مصطلحاً نحوياً، وقل مثل ذلك في سائر العلوم.
ومع أن الاصطلاح لفظ محدّد، يستخدم للدلالة على
ظاهرة معيّنة، مع ذلك قد تتعدد الاصطلاحات للدلالة على ظاهرة واحدة، أو شيء واحد،
فالحشو، والصلة، والإضافة، والزيادة، كلها اصطلاحات تطلق على ما عرف بحروف المعاني
.
وقيمة الاصطلاح تكمن
في إعطائه الألفاظ مدلولات جديدة غير مدلولاتها اللغوية أو الأصلية، فالسيارة في
اللغة: القافلة، والقوم يسيرون، لكن هي في اصطلاح الفلكيين: اسم لأحد الكواكب
السيارة التي تسير حول الشمس، وفي الاصطلاح الحديث هي: عبارة عن الأوتوموبيل. وهذه المعاني تؤدّي بنا إلى أن
نختار التعريف الذي يقول إن المصطلح "لفظ مخصوص لمفهوم معيّن، ينصـرف إليه
الذهن تبعاً لمعناه المتعارف عليه في مجاله".
يبدو لنا،
وبحسب التعريفات السابقة، أن الشروط التي توافرت لوضع المصطلح هي كالآتي:
1- أن تقوم به طائفة
من أهل فن، أو علم، أو صنعة.
2- أن يخرج اللفظ من
معناه اللغوي إلى معنى جديد، دون انقطاعه كلّياً عن المعنى اللغوي.
3- أن تكون هناك ثمة
مناسبة بين المعنى اللغوي والمعنى الجديد، في كثير من الأحيان.
4- أن يكون واضحاً
لإيصال المعنى المراد، ولا يؤدّي إلى الالتباس.
المبحث الثاني: ترجمة المصطلح بين الأهمية والخطورة.
يعتبر
المصطلح مفتاحاً للعلم والثقافة، ودون القدرة على استيعابه وتوليده وفهمه، لا
يـمكن استقرار العلم ولا فهمه. والحاجة ماسّة إليه اليوم، لأن إبداع المصطلح يساير
عملية النمو والازدهار لكل الأمّة.
ومن هذا المنطلق، يذكر محمد علي التهانوي
(ت1158هـ-1175م) أهمية التعريف الاصطلاحي بقوله :"إن أكثر ما يُحتاج إليه، في
تحصيل العلوم المدوّنة، والفنون المروّجة، هو اشتباه الاصطلاح، فإن لكلّ اصطلاح
تعريفاً خاصاً به، إذا لم يعلم بذلك، لا يتيسـر للشارع في الاهتداء إليه سبيلاً،
وإلى انغمامه دليلاً، فطريق علمه إمّا بالرجوع إليهم، أو إلى كتب جمع فيها اللغات
المصطلحة...". وهذا ما يؤكّده (النكري) عندما يصف كتابه بقوله: "إن هذا
دستور العلماء، جامع العلوم العقلية، حاوي الفروع والأصول النقلية، فيه فوائد
غريبة، وجرائد عجيبة، في تحقيق اصطلاحات العلوم المتناولة، وتوضيحات مقدمات منتشرة
مشكلة على المعلّمين، وتلويحات مسائل مبهمة متعسّـرة على المتعلّمين، بعبارات
واضحة، لتيسير الوصول بها إلى المرام، وتعبيرات لائحة، لئلا يتعسّـر على كل طالب
إدراك ما رامَ".
والمصطلحات، على حد قول وغليسي: "رحيق العلوم...
وخلاصات معرفية يفترض فيها أن تمثّل صوراً مصغّرة وافية للمفاهيم التي تعبّر عنها؛
حيث تنوب الكلمة الاصطلاحية الواحدة عن عشرات الكلمات اللغوية الغائبة، التي من
شأنها أن تعرّف المفهوم المعرفي المرجو تقديمه".
لقد غدت المصطلحات
جزءاً مهماً من كل اللغات المعاصـرة، باعتبارها مفاتيح للمعرفة الإنسانية في شتّى
فروعها، ووسيلة التفاهم والتواصل بين الناس في مختلف المجالات العملية والعلمية.
ومن هذا المنطلق، فدراسة المصطلح تحتلّ أهميّة خاصة؛ ومبادئ العلوم تبنى على
مصطلحاتها. ومحاولة تأسيس المفاهيم والمصطلحات، في جميع مجالات العلوم الإنسانية
والاجتماعية، التي تتضمن كثيراً من العلوم الإسلامية والفكر الإسلامي، تعتبر ضرورة
علمية وإسلامية؛ علمية حتى تستخدم تلك المفاهيم استخداماً منضبطاً، يمكن من تأسيس
العلوم الاجتماعية وفق تلك المفاهيم المنضبطة، وضرورة إسلامية حتى لا تنحرف تلك
المفاهيم عن الموروث الديني والحضاري .
وكل هذا يشجع
للاهتمام بهذا المجال الحيوي، وبالأخصّ المجال الفكري والمعرفي منه، لأنه من
الضروري "المحافظة على المصطلحات في الأمّة، والاحتفاظ بمدلولاتها، والعمل
على وضوح هذه المدلولات في ذهن الجيل؛ لأن هذه المصطلحات هي نقاط الارتكاز
الحضاريــة، والمعالم الفكـرية التي تجدّد هويّة الأمّة، بما لها من رصيد نفسـي،
ودلالات فكرية، وتطبيقات تاريخية، مأمونة. إنها أوعية النقل الثقافي".
وخطورة
موضوع المصطلحات في العلوم الإنسانية والاجتماعية، وبضمنها الفكر الإسلامي، يعود
إلى أن المصطلحات المستعارة والمنقولة، غالباً ما تكون "محمّلة بخلفيات
ثقافية، ومرتبطة بأصول ومرجعيات. فحين تنقل إلينا، يحدث الكثير من الخبط
والخلط...". وقد نبّه القرآن الكريم إلى هذه القضية الخطيرة، عندما أرشد
المسلمين إلى ضرورة استخدام مصطلح (انظرنا)، ونهى عن مصطلح (راعنا)، الذي كان
يستعمله اليهود ليحققوا فيه أغراضاً في نفوسهم: [يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا
وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ][البقرة: 104] .
ولهذا يرى سعيد شبّار
أن المصطلحات والمفاهيم - في سياق الفهم والنظر الذي يبذله الإنسان، وفي سياق
الصيرورة التاريخية لهذا الكائن - عرضة لتغيّرات وتقلّبات عديدة، تمليها ظروف
وخصوصيات المرحلة التاريخية. ويرى أن هذا ممّا يجعلها تنأى - قليلاً أو كثيرًا - عمّا
أنزلت أو وضعت له أصلاً، فيكون ذلك منشأً للخلاف والنزاع والفرقة والتعدّد...
ويشير إلى أن التجربة التاريخية للأمّة، في فرقها الكلامية، ومذاهبها الفقهية، تدلّ
على ذلك. وكما دلّ عليه واقع اللغة المعاصـرة؛ استعمالاً لمصطلحاتها، وتداولاً
لمفاهيمها في العلوم الإسلامية، كما في العلوم الإنسانية.
ومن
الأهمية بمكان أن نشير إلى أن مجموع المصطلحات الموظّفة في الميادين العلمية
المختلفة، كلِّ على حدة، صار موضوعاً لعلم جديد قائم بذاته، له مفرداته الخاصة
التي تدلّ عليه، والذي ينيف عددها على تسعين مصطلحاً، وجمع تحت اسم (علم المصطلح)،
ومترادفات أخرى مثل: المصطلحيّة، وعلم المصطلح، وعلم الاصطلاح، وعلم الاصطلاحات،
والمصطلحاتيّة، والمصطلحيّات... إلخ. وتطوّر الأمر إلى أن وصل إلى إنشاء مدارس
خاصة بهذا العلم .
وكل ذلك
يجعلنا نلتفت إلى هذا الأمر الخطير والمهم الذي نتعامل معه، ويواجهنا يومياً، في
العلوم والتخصّصات المختلفة، كي نفتح أبواب العلوم عن طريق ترجمة المصطلحات، لأن
المصطلح كما يقال مفتاح العلوم، فبدون الحصول على تلك المفاتيح، ودون استيعاب تلك
المصطلحات الموجودة والمستجدة، وترجمتها، لا نكون في مستوى العصـر ومستجداته
المختلفة.
المبحث الثالث: إشكاليات في ترجمة المصطلح
مع أن ترجمة
المصطلحات قد يقوم بها الأفراد، لكنه في الأصل عمل المجامع العلمية واللغوية،
والمراكز المختصة، ويحتاج إلى الدعم المادي المستمر من الدخل القومي. لأن الترجمة،
ولا سيّما المقحمة بالمصطلحات، "ضرورة حضارية، ونشاط فكريّ، وعمليّة لغوية،
يحتمها الاحتكاك بين شعوب ذات ألسنة متباينة، سواءً أكان هذا الاحتكاك مقصوداً
لذاته، أو حاصلاً عرضاً، وسواءً أكان مباشراً، كما في الحروب والهجرات والاستعمار،
أو غير مباشر، كذلك الذي يتم عبر وسائل الإعلام والاتّصال".
"تعدّ مشكلة ترجمة
المصطلح من أهم ما يعترض سبيل المترجم، باعتبار أن المصطلح يتضمن شحنات ثقافية تقف
في خلفية النصّ الأصلي، وتحيط به. وعلى المترجم حينئذ أن يترجم ليس فقط العناصر
المختلفة للإطار السميولوجي، بل أيضاً عليه أن يترجم مكان هذا العنصر في المجتمع
كلّه، باعتبار أن التصوّر أو المفهوم واحد، بيد أن المصطلح يختلف من شعب لآخر؛
وبالتالي فإن لعلم الترجمة أهميّته في التعامل مع المصطلح؛ بوصفه المرآة التي تعكس
فهم المصطلح في لغته الأمّ، ثم تنقله إلى المتلقّي في اللغة الهدف".
المصطلحات
والمفردات الواردة والمنقولة، ليست ذات مضمون لغوي فحسب، بل هي في الغالب محمّلة
بقيم ثقافية، وليست مفرغة منها. والقيم الثقافية لها خصوصيتها، فقد لا تكون مناسبة
لبيئة فكرية واجتماعية أخرى؛ فلا تكون قاعدة (لا مشاحة في الألفاظ والمصطلحات) على
عمومها. ومن أمثلة ذلك أيضاً مصطلحات (الشارع) و(الاحتكار) و(الإقطاع) و(اليسار)،
في الفكر الإسلامي، والتصوّر الغربي . لذلك يجب أن نكون منتبهين في ترجمتها، وفي
حالة ترجمة المفاهيم، يجب على المترجم معرفة الدلالات الأصلية والتاريخية للمفهوم
الذي نقله إلى اللغة العربية، أو الكوردية، مثلاً. وضروري أن يكون على وعي بأصول
العربية، أو الكوردية، حتى يختار مقابلاً دقيقاً للمفهوم الأجنبي، مع عدم الغفلة
عن الاعتراف بالخصوصية الحضارية، والسمات اللغوية، والمنطقية، للغة التي تصاغ فيها
المفاهيم .
والمصطلحات في عصرنا
ليست ألفاظاً لغوية، أو أوصافاً لعَلم من الأعلام، وإنمّا هي مصطلحات تكمن وراءها
منظومة حضارية تختلف في مقدماتها ونتائجها عن منظومتنا الحضارية، ونمطنا
الاجتماعي. وبما أن الترجمة إحدى الوسائل لنقل المصطلحات، فلا بد للمترجم الجيد أن
يكون متقناً للغتي المصدر والهدف إتقاناً تامّاً، ومختصّاً في المادة العلمية التي
يترجمها. هذا عدا الشروط الضرورية للترجمة؛ من: "الأمانة في النقل، والدقة في
اختيار اللفظ، ووضع المصطلح الصحيح في موضعه، والإيضاح في التعبير..".
نقل المفاهيم، وترجمتها، يحتاج إلى استحضار
ما يُعرف بـ(شـرط البداية)، أو شروط الإمكان والوضعية الإبستيمولوجية (المعرفية)،
التي تقف وراء الأشياء والنظريات والكلمات، وذلك لنتمكن من الإمساك بالخيوط
الأساسية المكوّنة لمفاهيم هذه (النظرية)، وإدراك المدخل الموجّه نحو المفهوم Concept–oriented approach. إن مثل هذا الفهم هو الذي سيؤدّي إلى إدراك
عملية النقل والترجمة، وكيفية نقل تلك المفاهيم إلى حقلنا ونسقنا الأدبي واللغوي.
إن شروط فهم هذه
المفاهيم هي التي ستحدّد فهمنا لها حينما نقوم بنقلها، وما سيتولد عن ذلك من
تأويلات تبحث عن المماثلة والمقايسة والانسجام لهذه المفاهيم في أوضاعنا
الإبستيمولوجية .
ومن الضروري في
الترجمة أن يراعى عدة إجراءات، منها: (التحويل) الكتابة الصوتية، والتطبيع لكلمة
لغة المصدر أوّلاً مع اللفظ السليم، ومن ثمّ مع علم الصـرف في اللغة الهدف،
والمقابل الثقافي. وهذا الإجراء ترجمة تقريبية، حيث تترجم كلمة لغة المصدر
الثقافية بكلمة ثقافية في اللغة، عدا ما يذكر من مقابلات وظيفية ووصفية.
وفي ضوء تعدّد هذه
الإجراءات، نجد أن ترجمة الاصطلاحات تطرح عدداً من المسائل، منها ما يختص باللغة
المنقول عنها، ومنها ما يتعلّق باللغة المنقول إليها، ومنها ما يرتبط بالمترجمين.
فعلى صعيد اللغة المنقول منها، يختلف أمر الاصطلاحات بين أن يكون هناك تقارب بين
اللغتين: الهدف والمصدر، كأن تنتميان إلى مجموعة لغوية واحدة، أو ينتمي كل منهما
إلى مجموعة مختلفة. كما يختلف الأمر إذا كانت هذه الاصطلاحات أصليّة في اللغة
المصدر، أو مترجمة إليها باللفظ أو بالمعنى. ودرجة ثراء اللغة المصدر بالمصطلحات،
فالأمر يختلف إذا كانت الترجمة بين لغتين ساميّتين مثلاً، تشتركان في البناء
والاشتقاق والتصريف، وهذا ما لا ينطبق على الترجمة إلى اللغة الكوردية، لأن الكوردية
تنتمي إلى فصائل اللغات الهندو أوربية. ولهذا تشترك مع تلك الفصائل في بعض المسائل
في الشأن المذكور.
إضافة إلى ما سبق، هناك مشاكل وإشكاليات في
تعدّد المصطلح عند الترجمة لمصطلح أجنبي واحد، لقيام جهات متعددة بذلك، ووجود الالتباس
وعدم الدقة، ونقص في المصطلحات، وعدم شيوعها، لعدم متابعة المختصين في هذا العلم
المتنامي، واعتمادهم على الكتب المترجمة. وكذلك مشكلة استخدام الألفاظ والصيغ
الأجنبية فيما لا ضرورة لها، إضافة إلى عدم إيجاد مصطلحات لهذا الزخم الهائل من
المصطلحات الوافدة ذات المفاهيم المختلفة، والمدلولات المتعددة، والتوظيفات
المتباينة في حقول الدراسات اللغوية، وغيرها، وتداخلها .
والذي يتصدّى لترجمة
المصطلحات يجب أن تكون لديه خلفية علمية وثقافية، لكي يكون مهيئاً لهذا العمل
الشاق، ويكون عمله عملاً علمياً موثّقاً، من ذلك العلم بتكوين المفهوم المصطلحي في
لسان نشأته، والتمكن من معرفة الملابسات السياقية والمعرفية والعلمية التي نشأ
فيها المصطلح الأصلي، لأن الترجمة قدرات معرفية وبراغماتية (العلاقة بين العلامة
ومستعملها)، قبل أن تكون مجرّد نقل من لسان إلى لسان آخر . ولذلك، فإن "ترجمة
المصطلح بصورة منعزلة عن مجال استعماله، ودائرة اختصاصه، وتتّبع مساره الاتصالي،
جعل من ترجمته ترجمة مضطربة وغير واضحة".
وإضافة لما سبق، فإن
ترجمة المصطلحات إلى اللغة الكوردية، قد تواجه إشكاليات ومشاكل أخرى تعقد الأمر
أكثر فأكثر، منها:
1- عدم وجود لغة
مشتركة متفقة، وإن سادت لهجة من اللهجات لأسباب عديدة، وجعلها لغة الكتابة
والتعليم، ولكن بجانب ذلك توجد لهجات أخرى تتداول كلغة التعليم والإعلام.
2-
عدم
وجود مؤسسة فعالة تعمل على ترجمة المصطلحات بشكل نشط، وما هو موجود ضعيف ليس له
الدور المرجو والفعّال، ولم يصل إلى مستوى الطموح، ويمكن القول إن الجهود الفردية
فاقت دور المؤسسات.
3-
والجهود
الفردية غير منضبطة، وأحياناً يسودها الضعف أو الغموض، وكل يعمل بحسب خلفيته
الثقافية، وواقع تحت تأثير البيئة الثقافية التي عاش فيها، ولهذا لا يؤمّن على
الدقة المطلوبة والمدلول الحقيقي..
4-
لا
يوجد اهتمام مذكور بقضية المصطلحات، والعمل في هذا المجال في البيئة الكوردية في
طور الولادة، ولم يصل - بحسب علمي - إلى طور النشأة أو النضوج. والمؤسسات مقصـّرة،
والجهود الفردية يسودها النقص، كما قلنا. ولا يوجد دعم حكومي لمثل هذه الأمور، إلا
نادراً. والمؤسسات العلمية، والجامعات، لم تقدّم ما يذكر في هذا المجال. هذه
الأسباب، وغيرها من الأسباب، جعلته يتّسم بالضعف وقلّة الأداء.
نتائج البحث
من الممكن إيجاز أهم
النتائج التي توصّلنا إليها في هذا البحث، فيما يأتي:
أ. التعرّف على
معنى المصطلح، لغة ووضعاً، وعرض بعض الآراء في هذا الصدد.
ب. ترجمة المصطلحات
مسؤولية كبيرة، لذا ينبغي على المترجم –مع تمكّنه من اللغتين- أن يكون مطّلعاً على
الهوية الثقافية للغة المصدر التي يأخذ منها المصطلح؛ مع الاطّلاع على ظروف وبيئة
تشكّل المصطلح، لأن المصطلحات محمّلة بخلفيات ثقافية، ومرتبطة بأصول ومرجعيات.
وإذا كانت مؤسسة، فعليها أن تستعين بخبرات عالية.
ت. ضرورة تشكيل
لجان في مستويات عالية، وتكوين مؤسسات علمية، مدعومة حكومياً، لترجمة المصطلحات
وتوحيدها في التخصصات المختلفة.
اقتراحات:
أ. العمل الجدي
لتفعيل لغة مشتركة واحدة في الإقليم، وعدم استعمال اللهجات الأخرى في المكاتبات
الرسمية، والتعليم، والدراسة.
ب. تشكيل مؤسسات،
ومراكز بحوث، خاصة بترجمة مصطلحات العلوم، في التخصّصات المختلفة، وصياغتها
وتوحيدها، والاستعانة بالجامعات أو المتخصصين والخبراء.
ت. إعطاء المنح
لتلك المؤسسات والمراكز البحثية، للقيام بأعمالها على أكمل وجه.
بحث مقدم إلى
المؤتمر الدولي الثاني لجامعة التنمية البشرية
قائمة المصادر:
1- إبراهيم مصطفى وآخرون
(د. ت)، المعجم الوسيط، دار الدعوة، ج1، ت: مجمع اللغة العربية، ص520.
2- ابن منظور، لسان
العرب، بيروت، لبنان، دار صادر، ط3، مج8، 2000م.
3- أبو البقاء أيوب بن
موسى الحسين الكفوي، الكليّات، بيروت، لبنان، مؤسسة الرسالة، ط2،1419هـ/1998م.
4- أحمد شفيق الخطيب،
حول توحيد المصطلحات العلمية، لبنان، دائرة المعاجم، مكتبة لبنان، د. ط، 1993م.
5- الأزهري، تهذيب
اللغة، ت: أحمد عبد الرحمن مخيمر، بيروت، لبنان، دار الكتب العلمية، مج10،
ط3،2004م/1425هـ.
6- خليفة الميساوي،
المصطلح اللساني وتأسيس المفهوم، منشورات الاختلاف، دار الأمان، منشورات ضفاف،
الجزائر، ط1، 1434ه-2013م.
7- الخليل
بن أحمد الفراهيدي، كتاب العين، بيروت، لبنان، دار الكتب العلمية، ج2، ط1، ترتيب
وتصنيف: عبدالحميد الهنداوي،2003هـ/1424م.
8- الراغب الأصفهاني،
حسين بن محمد، معجم مفردات ألفاظ القرآن، ت: إبراهيم شمس الدين، بيروت، لبنان، دار
الكتب العلمية، د: ط، 2004م/1425هـ .
9- رجاء وحيد دويدري،
المصطلح العلمي في اللغة العربية، دار الفكر، دمشق، ط1، 1431ه-2010م.
10- رياض مصطفى عثمان،
المصطلح النحوي عند الزمخشـري، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان،ط1، 2010.
11- الزمخشـري، أساس
البلاغة، بيروت، لبنان، دار صادر، ج1، 1399هـ/1979م.
12- سعيد شبار، المصطلح
خيار لغوي...وسمة حضارية، سلسلة كتاب الأمّة، عدد (78)، قطر، وزارة الأوقاف
والشؤون الإسلامية . http://www.islamweb.net
13- عامر الزّناتي
الجابري، إشكالية ترجمة المصطلح، مجلة البحوث والدراسات القرآنية، العدد التاسع، د.
ت، المملكة العربية السعودية.
14- علي القاسمي، علم
المصطلح، بيروت، لبنان، مكتبة لبنان ناشرون، ط 1،2008م.
15- علي بن محمد بن علي
الجرجاني: التعريفات، دار الكتب العلمية، بيروت –لبنان، ط1، 1403هـ -1983م.
16- عوض أحمد القوزي،
المصطلح النحوي نشأته وتطوّره حتّى أواخر القرن الثالث الهجري، الرياض-السعودية،
عمادة شؤون المكتبات – جامعة الرياض، ط1، 1401 هـ/1981م.
17- القاضي عبد النبي بن
عبد الرسول الأحمد النكري، جامع العلوم في اصطلاحات الفنون، بيروت، لبنان، دار
الكتب العلمية، مج1، ط1،1421هـ/2000م.
18- مجمع اللغة العربية،
المعجم الوجيز، ج1، مصـر، مجمع اللغة العربية، ط1، 1400هـ / 1980م.
19- مجموعة من الباحثين،
الأمّة وأزمة الثقافة والتنمية، مدخل تأسيسـي لمفاهيم المؤتمر، عبد الرحمن النقيب،
القاهرة-مصـر، المعهد العالمي للفكر الإسلامي-دار السلام، مج1، ط1،1428هـ/2007م.
20- مجموعة من المؤلفين،
قاموس المصطلحات اللغوية والأدبية، بيروت، لبنان، دار العلم للملايين، ط1،1987م.
21- محسن عبد الحميد،
المذهبية الإسلامية والتغيير الحضاري، قطر، مطابع الدولة الحديثة ، ط1، 1404هـ.
22- محمد علي التهانوي،
كشاف اصطلاحات الفنون، بيروت، لبنان، دار الكتب العلمية، المجلد الأول،
ط1،1418هـ/1998م.
23- محمد عماره، معركه
المصطلحات بين الغرب والإسلام، نهضه مصر، ط2، 2004م.
24- مصطفى طاهر الحيادرة،
من قضايا المصطلح اللغوي العربي، الكتاب الثالث، عالم الكتب الحديث، أربد، الأردن،
ط1، 1424ه-2003م.
25- ممدوح محمد خسارة،
علم المصطلح، دمشق-سورية، دار الفكر، ط1،2008م.
26- نعمان عبد الرزاق
السامرائي، نحن والحضارة والشهود، سلسلة كتاب الأمّة، عدد (80)، ج1، قطر، وزارة
الأوقاف والشؤون الإسلامية، ط1،1421/2001م.
27- هاني محي الدين عطية،
نحو منهج لتنظيم المصطلح الشـرعي، القاهرة، مصر، المعهد العالمي للفكر الإسلامي،
ط1،1417هـ/1997م.
28- يوسف مقران، المصطلح
اللساني المترجم، دار رسلان، سوريا، دمشق، ط1، 2009م.
29- يوسف وغليسي، إشكالية
المصطلح في الخطاب النقدي العربي الجديد، الجزائر، منشورات الاختلاف، بيروت، الدار العربية للعلوم ناشرون، ط1، 1429هـ/2008م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق