د. دحام إبراهيم محمد الهسنياني
تفسير آية الوسطية:
? قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}([1]). هذه الآية توجيه للخطاب إلى المؤمنين بين الخطابين المختصين بالرسول – صلى الله عليه وسلم - لتأييد ما في مضمون الكلام من التشـريف([2]). ويأخذ قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمةً وَسَطًا} مقاماً متميزاً مهماً بين ساحات ومجالات الجعل الإلهي، ففي كون الله - جل جلاله - هو الذي (جعل)، وهو رب العالمين، بيده مقاليد كل شيء، دعماً وتأييداً لمن (جُعل) لينهض بالأمر، وتوليداً للثقة بالمقدرة والنصـر. فهذا الجعل إناطة للتبعة، وتعويل وتخويل،
وإعداد للمهمة، وحفز للهمة.. فإذا دمجناه بما فهمناه من مراد الآية (بالأمة) تبدي لنا حجم هذه (الوسطية) في الحقيقة والتكليف والتشـريف، ووزنها الذي استحقت معه الشهادة على الناس، كل الناس.. إلى أن يرث الله الأرض، ومن عليها.ومعنى
الآية: "جعلناكم أمةً خياراً عدولاً بين الأمم، فالأوساط محمية محوّطة،
والأطراف يتسارع إليها الخلل، فهي أمة خيرة عادلة مزكاة بالعلم والعمل، وتشهد على
الأمم السابقة بأن أنبياءهم قد بلغوهم الرسالة، ونصحوهم بما ينفعهم، ولكي يشهد
الرسول – صلى الله عليه وسلم - عليكم بأنكم صدقتموه، وآمنتم به"([3]).
معاني
الوسطية عند ابن القيم:
1- وسطية الدين:
الوسطية عند الإمام ابن القيم([4])
تفهم من وسطية الدين، حيث يقول: "ودين الله وسط بين الجافي عنه، والغالي فيه،
كالوادي بين جبلين، والهدى بين ضلالتين، والوسط بين طرفين ذميمين، فكما أن الجافي
عن الأمر مضيع له، فالغالي فيه مضيع له؛ هذا بتقصيره عن الحد، وهذا بتجاوزه الحد"([5]).
2- الوسَطِيَّةُ اتِّباعَ الصِّراطِ المُسْتَقيم،
والثَّباتَ عليه: قال ابن القيم: "الصـراط المستقيم
الذي وصانا الله تعالى باتّباعه هو الصـراط الذي كان عليه رسول الله، وأصحابه، وهو
قصد السبيل، وما خرج عنه، فهو من السبل الجائرة، وإن قاله من قاله. لكن الجور قد
يكون جوراً عظيما عن الصـراط، وقد يكون يسيراً، وبين ذلك مراتب لا يحصيها إلا الله.
وهذا كالطريق الحسـي، فإن السالك قد يعدل عنه، ويجور جوراً فاحشاً، وقد يجور دون
ذلك. فالميزان الذي يعرف به الاستقامة على الطريق، والجور عنه، هو ما كان رسول
الله وأصحابه عليه. والجائر عنه: إما مفرط ظالم، أو مجتهد متأول، أو مقلد جاهل،
فمنهم المستحق للعقوبة، ومنهم المغفور له، ومنهم المأجور أجراً واحداً، بحسب نياتهم
ومقاصدهم واجتهادهم في طاعة الله تعالى ورسوله، أو تفريطهم. ونحن نسوق من هدي رسول
الله، وهدي أصحابه، ما يبين أي الفريقين أولى باتّباعه، ثم نجيب عمّا احتجوا به،
بعون الله وتوفيقه. ونقدم قبل ذلك ذكر النهي عن الغلو، وتعدي الحدود، والإسراف،
وأن الاقتصاد، والاعتصام بالسنة، عليهما مدار الدين"([6]).
3- الوسطية تعني تغير الفتوى واختلافها بحسب
تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد.
ومن
وسطية ابن القيم أنه لا يقف أو يتعصب على فتوى أو مذهب، رغم أنه حنبلي المذهب.
فلقد عقد ابن القيم، في أحد مؤلفاته، فصلاً كاملاً، تناول فيه هذا المعنى أو
المفهوم، عندما أشار إليه في مقدمة فصله بقوله: "هذا فصل عظيم النفع جداً،
وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشـريعة، أوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا
سبيل إليه، ما يعلم أن الشـريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به. فإن
الشـريعة مبناها وأساسها على الحكم، ومصالح العباد، في المعاش والمعاد؛ وهي عدل
كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها؛ فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور،
وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من
الشـريعة، وإن أدخلت فيها بالتأويل. فالشـريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين
خلقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه، وعلى صدق رسوله"([7]).
4- الاستقامة:
الوسطية استقامة، ولو لم تكن على نهج الاستقامة لكانت انحرافاً، والانحراف إما
إفراط أو تفريط. قال ابن القيم: "فالاستقامة كلمة جامعة آخذة بمجامع الدين،
وهي القيام بين يدي الله على حقيقة الصدق، والوفاء بالعهد. والاستقامة تتعلق
بالأقوال والأفعال والأحوال والنيات، فالاستقامة فيها: وقوعها لله، وبالله، وعلى
أمر الله"([8]).
ويؤكد
ابن القيم - رحمه الله - هذه المعاني بقوله: "ما أمر الله بأمر إلا وللشيطان
فيه نزغتان، إما إلى تفريط وإضاعة، وإما إلى إفراط وغلو. ودين الله وسط بين الجافي
عنه، والغالي فيه، كالوادي بين جبلين، والهدى بين ضلالتين، والوسط بين طرفين
ذميمين؛ فكما أن الجافي عن الأمر مضيع له، فالغالي فيه مضيع له، هذا بتقصيره عن
الحد، وهذا بتجاوزه الحد"([9])،
"فإن الانحراف إلى أحد طرفي الغلو والجفاء: هو قلة الأدب، والأدب: الوقوف في
الوسط بين الطرفين، فلا يقصـر بحدود الشرع عن تمامها، ولا يتجاوز بها ما جعلت
حدوداً له، فكلاهما عدوان، والله لا يحب المعتدين"([10]).
ويقول في موضع آخر: "فالفقه كل الفقه:
الاقتصاد في الدين، والاعتصام بالسنة"([11]).
5- الوسطية في الأقوال والأعمال:
فسـّر الإمام ابن القيم الجوزية قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمةً
وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ
شَهِيدًا}، بأن وجه الاستدلال بالآية أنه تعالى أخبر أنه جعلهم أمة خياراً
عدولاً. وهذا حقيقة الوسط، فهم خير الأمم، وأعدلها في أقوالهم وأعمالهم، وإرادتهم
ونياتهم، وبهذا استحقوا أن يكونوا شهداء للرسل على أممهم يوم القيامة، والله تعالى
يقبل شهادتهم عليهم، فهم شهداؤه، ولهذا نوه بهم، ورفع ذكرهم، وأثنى عليهم، لأنه تعالى
لما اتخذهم شهداء، أعلم خلقه؛ من الملائكة وغيرهم، بحال هؤلاء الشهداء، وأمر
ملائكته أن تصلي عليهم، وتدعو لهم، وتستغفر لهم. والشاهد المقبول عند الله، هو
الذي يشهد بعلم وصدق، فيخبر بالحق، مستنداً إلى علمه به، كما قال تعالى: {إِلا
مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}([12])،
فقد يخبر الإنسان بالحق اتفاقاً، من غير علمه به، وقد يعلمه ولا يخبر به. فالشاهد
المقبول عند الله هو الذي يخبر به عن علم، فلو كان علمهم أن يفتي أحدهم بفتوى
وتكون خطأ، مخالفة لحكم الله ورسوله، ولا يفتي غيره بالحق الذي هو حكم الله
ورسوله، إمّا مع اشتهار فتوى الأول، أو بدون اشتهارها، كانت هذه الأمة العدل
الخيار، قد أطبقت على خلاف الحق، بل انقسموا قسمين: قسم أفتى بالباطل، وقسم سكت عن
الحق، وهذا من المستحيل، فإن الحق لا يعدوهم، ويخرج عنهم إلى من بعدهم قطعاً، ونحن
نقول لمن خالف أقوالهم: لو كان خيراً ما سبقونا إليه"([13]).
قال
ابن كثير: "والوسط ههنا الخيار والأجود، كما يقال: قريش أوسط العرب نسباً
وداراً، أي خيرها، وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم - وسطاً في قومه، أي أشـرفهم
نسباً، ومنه الصلاة الوسطى، التي هي أفضل الصلوات، وهي العصـر، كما ثبت في الصحاح
وغيرها. وكما جعل الله هذه الأمة وسطاً، خصها بأكمل الشـرائع، وأقوم المناهج،
وأوضح المذاهب، كما قال تعالى: {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي
الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ
الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ
وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}([14]).."([15]).
قال
الفخر الرازي: "الوسط هو العدل، فقوله تعالى: {قَالَ أَوْسَطُهُمْ}([16])
أي أعدلهم). وقال: "والعدل هو المعتدل الذي لا يميل إلى أحد الطرفين من
الخصماء". وقال: "وأعدل بقاع الشـيء وسطه، لأن حكمه على سائر أطرافه على
سواء، وعلى اعتدال. والأطراف يتسارع إليها الخلل والفساد، والأوساط محمية ومحوطة"([17]).
قال ابن القيم: والصواب "أن العدل وضع الأشياء في
مواضعها التي تليق بها، وإنزالها منزلتها، كما أن الظلم وضع الشـيء في غير موضعه.
وقد تسمى الله سبحانه بالحكم العدل"([18]).
فوسطية
الإسلام تسعى إلى تحقيق منهج في الحياة، لإيجاد التوازن في حياة الإنسان الروحية
والمادية، وفق فطرة الله التي فطر الناس عليها؛ منهج يلتقي فيه عالم الشهادة بعالم
الغيب، لأن الإسلام دين عقيدة ترتكز على المادة والروح معاً.
قال ابن القيم - رحمه
الله-: "والدين كلُّه بين هذين الطرفين، بل الإسلام قصد بين الملل، والسنة
قصد بين البدع، ودين الله بين الغالي فيه، والجافي عنه"([19]).
كما يقول - رحمه الله - أيضاً: "وما أمر الله بأمرٍ إلاَّ وللشيطان فيه
نزغتان: إمَّا إلى تفريط وإضاعة، وإمَّا إلى إفراط وغلوٍّ. ودِين الله وَسَطٌ بين
الجافي عنه، والغالي فيه؛ كالوادي بين جبلين، والهُدى بين ضلالتين، والوَسَطِ بين
طرفين ذميمين، فكما أنَّ الجافيَ عن الأمر مُضيِّع له؛ فالغالي فيه مضيِّع له، هذا
بتقصيره عن الحدِّ، وهذا بتجاوزه الحدّ"([20]).
وبعد أن يؤكد أن دين
الله - تعالى - بين الغالي والجافي، وأن خير الناس النمط الأوسط، بعيداً
عن تقصير المفرطين، وغلو المعتدين، يقول: "وقد
جعل الله سبحانه هذه الأمة وسطاً، وهي الخيار العدل لتوسطها بين الطرفين المذمومين.
والعدل هو الوسط بين طرفي الجور والتفريط" ([21]).
وقد
اتضح من النصوص الشـرعية المذكورة، وغيرها من أقوال العلماء المسلمين وفقهائها، أن
الإسلام منهج وسط واعتدال في كل شيء؛ في التصور والاعتقاد، والتعبد والتنسك،
والأخلاق والسلوك، والمعاملة والتشـريع، وينهى عن الغلو والتطرف. فالنصوص
الإسلامية آنفة الذكر تدعو إلى الاعتدال، وتحذر من التشديد والغلو والتنطع
والتفريط، فمن خلال تلك النصوص أصبح من الواضح الجلي أن الإسلام ينفر أشد النفور
من هذا الغلو، ويحذر منه أشد التحذير.
فالاعتدال
والوسطية مزية فريدة للإسلام، حتى يطمع كثير من الناس أن تحقق للبشـرية عملاً مهماً.
يقول (هاملتون جب): أؤمن بأن الإسلام لا تزال له رسالة يؤديها إلى الإنسانية جمعاء،
حيث يقف وسطاً بين الشـرق والغرب، وأنه أثبت - أكثر مما أثبت أي نظام سواه - مقدرة
على التوفيق والتأليف بين الأجناس المختلفة، فإذا لم يكن بدّ من وسيط يسوي ما بين
الشرق والغرب من نزاع وخصام، فهذا الوسيط هو الإسلام([22]).
قال
ابن القيم - رحمه الله-: "وقد اقتُطع أكثر الناس، إلا أقلَّ القليل، في هذين
الواديين: وادي التقصير، ووادي المجاوزة والتعدي، والقليل الثابت على الصـراط الذي
كان عليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه"([23]).
الحاجة إلى الوسطية شـرعاً،
وضـرورتها:
منهج
الموازنات في الحكم على الناس، عند ابن القيم: من
قواعد الشـرع، والحكمة أيضاً، أن من كثرت حسناته وعظمت، وكان له في الإسلام تأثير
ظاهر، فإنه يحتمل له ما لا يحتمل لغيره، ويعفى عنه ما لا يعفى عن غيره، فإن المعصية
خبث، والماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث، بخلاف الماء القليل، فإنه يحمل. ومن هذا
قول النبي – صلى الله عليه وسلم - لعمر: (وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر
فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم)([24]).
وهذا هو المانع له – صلى الله عليه وسلم - من قتل من جس عليه، وعلى المسلمين،
وارتكب مثل ذلك الذنب العظيم، فأخبر أنه شهد بدراً، فدل على أن مقتضـى عقوبته
قائم، لكن منع من ترتب أثره عليه ما له من المشهد العظيم، فتلك السقطة العظيمة
مغتفرة في جنب ما له من الحسنات.
ولما
حض النبي – صلى الله عليه وسلم - على الصدقة، فأخرج عثمان -رضي الله عنه- تلك
الصدقة العظيمة، قال: (ما ضـر عثمان ما عمل بعدها). وقال لطلحة، لما تطأطأ للنبي
حتى صعد على ظهره إلى الصخرة: (أوجب طلحة).. ثم يعلق ابن القيم على هذه الروايات
بقوله: "وهذا أمر معلوم عند الناس، مستقر في نظرهم، أن من له ألوف من الحسنات،
فأنه يسامح بالسيئة، والسيئتين، ونحوها، حتى أنه ليختلج داعي عقوبته على إساءته،
وداعي شكره على إحسانه، فيغلب داعي الشكر لداعي العقوبة... والله سبحانه يوازن يوم
القيامة بين حسنات العبد وسيئاته، فأيهما غلب كان التأثير له، فيفعل بأهل الحسنات
الكثيرة، الذين آثروا محابه ومراضيه، وغلبتهم دواعي طبعهم أحياناً، من العفو
والمسامحة، ما لا يفعله مع غيرهم"([25]).
ويقول ابن القيم أيضاً: "ومن له علم بالشـرع
والواقع، يعلم قطعاً أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صالح وآثار حسنة، وهو
من الإسلام بمكان، قد تكون منه الهفوة والزلة، هو فيها معذور، بل مأجور، لاجتهاده،
فلا يجوز أن يتبع فيها، ولا يجوز أن تهدر مكانته، وإمامته، في قلوب المسلمين"([26]).
وأجمل
أقواله فيمن أخطأ، قوله: "فلو كان كل من أخطأ، أو غلط، ترك جملة، وأهدرت
محاسنه، لفسدت العلوم والصناعات والحكم، وتعطلت معالمها"([27])،
فالقاعدة عنده: "فالأعمال تشفع لصاحبها عند الله...، ولهذا من رجحت حسناته
على سيئاته أفلح، ولم يعذب، ووهبت له سيئاته لأجل حسناته"([28]).
إن
الوسطية حق وخير وعدل، ومطلب شـرعي أصيل، ومظهر حضاري رفيع، ليتحقق التكامل
والانسجام بين الأوضاع، والتعاون بين الجميع، ويصير الإخاء والإقدام على العمل
أساس كل تقدم ورفاه. كما أن حالة الوسطية تؤدي إلى أداء الواجبات، وحقوق الله تعالى،
وحقوق الناس، فلا تقصير في واجب، ولا إهدار لحق، ولا تقصير في الأداء، كما أنه لا
تظالم أو تناحر، ولا صـراع أو تنافس غير شريف، ولا تناقض في السلوك والممارسات
الاجتماعية، ولا تعقيدات أو أمراض نفسية أو اجتماعية، لأن كل إفراط أو شذوذ، يؤدي
إلى الاضطراب، وكل تفريط في أداء واجب، يكون سبباً في إثارة المنازعات والخصومات،
وإغراق المحاكم بالدعاوى، وتعطيل الأوقات، وتجميد الأحوال.
إن
الحياة الهادئة لا تصلح بغير توسط في الأمور، وإن التوفيق بين متطلبات الدين وشؤون
الدنيا، والمصالح العامة والخاصة، أمر مرهون بتوافر القدرة على إنجاز المهام كلها([29]).
الحكمة
ملمح من ملامح الوسطية: في معرض حديث ابن القيم
ببيان معنى الحكمة، ومدلولها، في تفسيره، وبعض مؤلفاته، يتبين لنا وجه الشبه،
والعلاقة الوثيقة التي تربط بين معنى الحكمة التي قصدها ابن القيم، وساق لها
الشواهد والأمثلة، وبين مفهوم الوسطية بشكل عام. ولسنا هنا في صدد تقديم مفهوم
الوسطية والاعتدال عند ابن القيم، أو تقييم آرائه، بقدر ما نريد أن نقدم طريقته،
ومنهجه، وأسلوبه في الخطاب، وقدرته في إصدار الأحكام، والتأصيل الشـرعي، التي تتسم
- كما تلمسناه في جميع كتبة ومقولاته وأحكامه – بالاتزان، والفهم العميق، والوضوح،
والاعتدال، والمرونة، والشمولية، وذلك من خلال عرض أقوالـه المتناثرة في مؤلفاته
حول معنى الحكمة، منتهزين بذلك الفرصة لعرض أكبر قدر ممكن من أقواله وآرائه،
ولنطلع من خلالها عن كثب على منهجه العام في التفكير، وأسلوبه في إصدار الأحكام.
يقول ابن القيم: "وأحسن ما قيل في الحكمة:
قول مجاهد ومالك: إنها معرفة الحق، والعمل به، والإصابة في القول والعمل. وهذا لا
يكون إلا بفهم القرآن، والفقه في شـرائع الإسلام، وحقائق الإيمان. والحكمة حكمتان:
علمية، وعملية. فالعلمية: الاطلاع على بواطن الأشياء، ومعرفة ارتباط الأسباب
بمسبباتها؛ خلقاً وأمراً، قدراً وشـرعاً"([30]).
وبهذا
التعريف يتبين ويتضح أن الحكمة لا تقتصـر على الكلام اللين، أو الترغيب، أو الحلم،
أو الرفق، والعفو، بل هي إتقان الأمور، وإحكامها، بأن تنزل جميع الأمور منازلها،
فيوضع القول الحكيم والتعليم والتربية في مواضعها، وتوضع الموعظة في موضعها،
والمجادلة بالتي أحسن في موضعها، ومجادلة الظالم المعاند في موضعها، وكما قال تعالى:
{ولَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا
الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ}([31])،
ويوضع الزجر والقوة والغلظة والشدة والسيف في مواضعها، وهذا هو عين الحكمة. وقد
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ
وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ}([32])،
كل ذلك بإحكام وإتقان ومراعاة لأحوال المدعوين والأزمان والأماكن، في مختلف العصور
والبلدان، وبإحسان القصد والرغبة فيما عند الكريم المنان([33]).
ثم
يذهب - رحمه الله – ليشير، في موضع آخر، معنى وتعريفاً ثانياً للحكمة، وهو: "أن
تعطي كل شيء حقه، ولا تعديه حده، ولا تعجله عن وقته، ولا تؤخره عنه"([34])،
ويقول أيضاً: "الحكمة، إذاً: فعل ما ينبغي، على الوجه الذي ينبغي، في الوقت
الذي ينبغي"([35]).
ولا
يكتفي ابن القيم عند هذا الحد، بل يتعدى ذلك - رحمه الله - ليضع للحكمة أركان
ودعائم، فيقول: "إن للحكمة أركان ودعائم تقوم عليها، وأركانها التي تقوم
عليها ثلاثة، هي: العلم، والحلم، والأناة. وآفاتها، وأضدادها، ومعاول هدمها: الجهل،
والطيش، والعجلة. ولا حكمة لجاهل ولا طائش ولا عجول"([36]).
منهج
الوسطية في الرخص الشـرعية
وقد شـرع الإسلام الرخص، لرفع الضيق المؤدي
في الغالب إلى الحرج والمشقة، لفقدان المصالح الضـرورية. ورفع الحرج مقصد من مقاصد
الشـريعة، وأصل من أصولها، فإن الشارع لم يكلف الناس بالتكاليف والواجبات لإعناتهم،
أو تحصيل المشقة عليهم. وقد دل على ذلك القرآن والسنة، وانعقد الإجماع على
ذلك. فمن القرآن قوله تعالى: ]مَا يُرِيدُ اللهُ
لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ[([37]). وضـرب القرآن مثالاً
للرخصة في قوله تعالى: ]فَمَنِ اضْطُرَّ فِي
مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ[([38]).
وفي الرخص الشـرعية، قال النبي – صلى الله
عليه وسلم -: (إن الله يحب أن تؤتى رخصه، كما يكره أن تؤتى معصيته)([39]). وفي رواية: (كما يحب أن
تؤتى عزائمه)([40]). وقوله – صلى الله عليه
وسلم -: (ما بال أقوام يرغبون عما رخّص لي فيه)([41]).
والناس مع الرخص الشـرعية طرفان، ووسط:
الطرف الأول: من يتمادى في أخذ الرخصة،
ويسترسل معها حتى يخرج بها عن المقصود
الشرعي.
الطرف الثاني: من يتشدد في الورع، حتى
يترك الرخص الشـرعية، ويشدد على
نفسه.
الوسط: وهو الذي يعظم أمر الله،
ونهيه؛ فلا يعارضهما بترخص جاف، ولا يعرضهما لتشديد غال، ويزهد في رخص الله تعالى.
ويفصل هذا الأمر الإمام ابن القيم، فيقول: "فحقيقة التعظيم للأمر
والنهي أن لا يعارضا بترخُّص
جاف، ولا يعرضا لتشديد غال؛ فإن المقصود هو الصـراط المستقيم الموصل إلى الله تعالى
بسالكه. وما أمَرَ الله بأمر إلا وللشيطان فيه
نزغتان:
إما
تقصير وتفريط، وإما إفراطٌ وغُلُوٌّ، فلا يبالي بما ظفر من العبد من الخطيئتين،
وإن وجد عنده حذرًا وجدًّا،
وتشميرًا ونهضة، وأيس أن يأخذه من هذا الباب؛ أمره بالاجتهاد الزائد، وسوَّل له أن هذا لا يكفيك، وهمتك فوق هذا،
وإذا غسل أحدهم يديه
ووجهه ثلاث مرات، فاغسل أنت سبعًا، وإذا توضأ للصلاة، فاغتسل أنت لها، ونحو ذلك من الإفراط والتعدِّي، فيحمله على الغلوِّ
والمجاوزة وتعدِّي الصـراط المستقيم؛ كما يحمل الأول على التقصير دونه، وأن لا يقربه. وقد فُتِن بهذا أكثرُ الخلق، ولا يُنَجِّي من
ذلك إلا علمٌ راسخٌ، وإيمان وقوة على محاربته، ولزوم الوسط،
والله المستعان"([42]).
وقال أيضًا: "ومن
علامات تعظيم الأمر والنهي: أن لا يسترسل مع الرخصة إلى حد يكون صاحبه جافيًا غير
مستقيم على المنهج الوسط"([43]).
التيسير
وعدم الغلو والتطرف
إن
من مظاهر الوسطية التيسير ورفع الحرج في الدين، واجتناب المغالاة، والتشدد فيه.
الإسلام
سمح سهل مرن، معتدل، متوسط بين الإفراط والتفريط، وليس الإسلام متشدداً ضيقاً
حرجاً، فلا إعنات ولا مشقة ولا إحراج في تعاليم الإسلام وأحكامه كلها، سواء منها
أحكام العقائد أو العبادات والمعاملات، ونظام الأسـرة، وجميع التكاليف الشرعية.
وكذلك مبادئ الاقتصاد في الكسب والادخار والتوزيع والإنفاق، تقوم على التوسط بين
الإسـراف والتبذير، وبين الشح والبخل والتقصير.
يقول
الإمام ابن القيم: "الأحكام نوعان: نوع لا يتغير عن حالة واحدة هو عليها، لا
بحسب الأزمنة، ولا الأمكنة، ولا اجتهاد الأئمة: كوجوب الواجبات، وتحريم المحرمات،
والحدود المقدرة بالشـرع على الجرائم، ونحو ذلك؛ فهذا لا يتطرق إليه تغيير، ولا
اجتهاد يخالف ما وضع عليه. والنوع الثاني: ما يتغير بحسب اقتضاء المصلحة له؛
زماناً ومكاناً وحالاً، كمقادير التعزيرات، وأجناسها، وصفاتها؛ فإن الشارع ينوِّع
فيها بحسب المصلحة"([44]).
يتبين
من ذلك أن التيسير لا يكون في أي مجال في الشـريعة، بل له مجال لا يتخطاه، ومدى لا
يتعداه، ونحن إنما نكون مع الأصول في صلابة الحديد، ونكون مع الفروع في ليونة
الحرير، بما لا يتعارض مع المقررات الشـرعية الكبرى. وفي ضوء هذا المضمون للوسطية
الإسلامية الجامعة، نقرأ أحاديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (إن هذا الدين
متين، فأوغلوا فيه برفق)([45]).
ما أجمل
هذا التوجيه النبوي
لمن أراد أن
يسلك طريق هذا
الدين، فيجني من
ثماره اليانعة،
وينهل من معينه
الذي لا ينضب،
ويجانب السقطات والعثرات،
حتى يأتيه اليقين وهو
على جادة الفهم
السوي، والصـراط القويم؛
لأن هذا الدين
كالبحر العظيم الذي يجدف
فيه ألوف البشـر،
وكلٌ يريد السلامة
والوصول إلى شاطئ
الأمان، لكن هذا لن
يكون إلا إذا
رافق ذلك اتخاذ
أسباب محاطة بالرفق
والأناة، والتفكير العميق الواعي
المتزن.
قال
الإمام ابن القيم، في تعليقه على أحاديث اليسـر: "فنهى النبي – صلى الله عليه
وسلم - عن التشديد في الدين؛ وذلك بالزيادة على المشـروع، وأخبر أن تشديد العبد
على نفسه هو السبب لتشديد الله عليه؛ إمّا بالقَدَر، وإمّا بالشـرع؛ فالتشديد بالشـرع:
كما يشدّد على نفسه بالنذر الثقيل، فيلزمه الوفاء به، وبالقدر: كفعل أهل الوسواس؛
فإنهم شدّدوا على أنفسهم، فشدد عليهم القدر، حتى استحكم ذلك، وصار صفة لازمة لهم"([46]).
الوسطية في الطهارة والصلاة:
قال
الإمام ابن القيم: "والأدب: الوقوف في الوسط بين طرفين؛ فلا يقصـر بحدود الشـرع
عن تمامها، ولا يتجاوز بها ما جعلت حدودًا له؛ فكلاهما عدوان، والله لا يحب
المعتدين. والعدوان: هو سوء الأدب. وقال بعض السلف: دين الله بين الغالي فيه،
والجافي عنه. فإضاعة الأدب بالجفاء؛ كمن لم يكمل أعضاء الوضوء، ولم يوف الصلاة
آدابها التي سَنَّها رسول الله، وفعلها. وهي قريب من مائة أدب: ما بين واجب
ومستحب. وإضاعته بالغلو: كالوسوسة في عقد النية، ورفع الصوت بها، والجهر بالأذكار،
والدعوات، التي شـرعت سـراً، وتطويل ما السنةُ تخفيفه وحذفه، كالتشهد الأول،
والسلام، الذي حَذْفُه سنة، وزيادة التطويل على ما فعله رسول الله، لا على ما يظنه سُـرّاق الصلاة، والنقارون
لها، ويشتهونه؛ فإن النبي – صلى الله عليه وسلم- لم يكن ليأمر بأمر ويخالفه، وقد صانه الله
من ذلك..."([47]).
الوسطية
والاعتدال في أمور العقيدة
لقد
خلص التوحيد في عقيدة المسلمين لله تعالى مما شابه- بفعل تقادم العهد- من الشـرك
بالله، واتخاذ الأوثان والأصنام آلهة، كما خلص من كل دعوات التشبيه والتعطيل، التي
ابتدعها أصحاب المذاهب، التي استمدت من ثقافات غير إسلامية. وخلص من كل الأفكار
الضالة والمنحرفة عن كتاب الله تعالى، وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم-.
لقد
سادت بين أهل السنة والجماعة عقيدة التوحيد الخالص، ولم يتأثروا بما واجهوه من
انحرافات وأباطيل، وقاوم فقهاء أهل السنة، وعلماؤها، التيارات المنحرفة، وهم أهل
الاستقامة، وأصحاب الصـراط المستقيم، والفرقة الوسط.
لقد
كان لهؤلاء العلماء أكبر الأثر في الحفاظ على وسطية الأمة، وفكرها العقدي، المستمد
من القرآن الكريم، ومن السنة النبوية.. لقد كانت الوسطية - بمعناها القرآني-،
هاديًا وسـراجاً للدعاة والفقهاء، وسط تيارات عقدية تريد أن تزحزح الوسطية،
بمعناها القرآني، عن مكانتها في الفكر الإسلامي.
يقول
شيخ الإسلام ابن تيمية: "فالمسلمون وسط في التوحيد بين اليهود والنصارى:
فاليهود تصف الرب بصفات النقص التي يختص بها المخلوق، كما قالوا إنه بخيل، وإنه
فقير، وإنه لمّا خلق السموات والأرض تعب، وهو تعالى الجواد الذي لا يبخل، والغني
الذي لا يحتاج إلى غيره، والقادر الذي لا يمسه لغوب، والقدرة والإرادة والغنى عما
سواه هي صفات الكمال التي تستلزم سائرها.
والنصارى
يصفون المخلوق بصفات الخالق التي يختص بها، ويشبهون المخلوق بالخالق، حيث قالوا:
إن الله هو المسيح بن مريم، وإن الله ثالث ثلاثة، وقالوا: المسيح ابن الله، و{اتَّخَذُوا
أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ
مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلاّ
هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}([48]).
فالمسلمون
وحدوا الله، ووصفوه بصفات الكمال، ونزهوه عن جميع صفات النقص، ونزهوه عن أن يماثله
شيء من المخلوقات في شيء من الصفات، فهو موصوف بصفات الكمال، لا بصفات النقص، وليس
كمثله شيء؛ لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله"([49]).
وما
أجمل ما يفصله ابن القيم - رحمه الله - في باب الوسطية في العقيدة، فيقول: "الآن
التقت حلقتا البطان، وتداعى نزال الفريقان، نعم، وههنا أضعاف أضعاف ما ذكرتم،
وأضعاف أضعافه، وللناس ههنا مسلكان عليهما، يعتمد المتكلمون في هذا الباب لا
نرتضيهما، بل نسلك مسلك العدل والتوسط بين طرفي الإفراط والتفريط، فدين الله بين
الغالي فيه، والجافي عنه، والوادي بين الجبلين، والهدى بين الضلالتين.
وقد
جعل الله هذه الأمة هي الأمة الوسط في جميع أبواب الدين، فإذا انحرف غيرها من
الأمم إلى أحد الطرفين، كانت هي في الوسط، كما كانت وسطاً في باب أسماء الرب تعالى،
وصفاته، بين الجهمية، والمعطلة، والمشبهة الممثلة.
وكان
وسطاً في باب الإيمان بالرسل، بين من عبدهم وأشركهم بالله؛ كالنصارى. وبين من
قتلهم على ساقه. ولولا الأمر لما تميز القدر، ولا تبينت مراتبه وتصاريفه، فالقدر
مظهر للأمر، والأمر تفصيل له، والله سبحانه له الخلق والأمر، فلا يكون إلا خالقاً
آمراً، فأمره تصـريف لقدره، وقدره منفذ لأمره.
ومن
أبصـر هذا حق البصـر، وانفتحت له عين قلبه، تبيّن له سـر ارتباط الأسباب
بمسبباتها، وجريانها فيها، وأن القدح فيها، وإبطالها، إبطال للأمر، وتبين له أن
كمال التوحيد بإثبات الأسباب، لا أن إثباتها نقض للتوحيد"([50]).
وأما
الوسطية، والتوازن بين التوكل على الله تعالى، وفعل الأسباب، ففي
التوكل على الله، وفعل الأسباب، ترى الخلق -كما بيّن ابن القيم- بين من عطَّل
الأسباب، محافظة على التوكل، ومن عطَّل التوكل، محافظة على السبب. لكن الوسط بين
هذا وذاك، مَنْ علم أن حقيقة التوكل لا تتم إلا بالقيام بالسبب، فتوكل على الله في
نفس السبب([51]).
وأخيراً:
لقد كان لمنهج الوسطية والاعتدال عند ابن القيم الجوزية، دور كبير في الإصلاح،
ونهضة الأمة. فكان يركز في مؤلفاته على منهج الوسطية والاعتدال، باعتباره مكوناً
أساسياً في الأطر الإسلامية الفكرية والحياتية، مما يعزز دور الاعتدال في أداء
مهمته على امتداد الساحة الإسلامية.
وقد
عني ابن القيم ببيان حقيقة الوسطية، ونشـر ثقافة الاعتدال بين المسلمين، ونبذ
التعصب والغلو في الأفكار والأعمال.. لتكون خصيصة من خصائص الإسلام، وركيزة من
ركائزه.. ومنهجاً دعا إليه، حتى كان واحداً من أشهر العلماء الذين يمثلون الوسطية
والاعتدال في منهجه.
([4]) ابن قيم الجوزية،
محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد، من أعلام الإصلاح الديني في القرن الثامن الهجري.
ولد في دمشق وتتلمذ على يد شيخ الإسلام ابن تيمية، حيث تأثر به تأثرًا كبيرًا وهو
الذي هذب كتبه ونشر علمه. وسُجن ابن قيم الجوزية وعُذِّب عدة مرات، وأطلق من سجنه
بقلعة دمشق بعد وفاة ابن تيمية. وكان حسن الخلق، محبوباً عند الناس، أغري بحب
الكتب، فجمع منها عدداً عظيماً، وكتب بخطه الحسن شيئاً كثيراً. ومن أبرز كتبه في
مجال السياسة: الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، كما أن له العديد من المؤلفات
الأخرى في الشريعة والتفسير والفقه منها: أعلام الموقّعين عن رب العالمين؛ وزاد
المعاد في هدي خير العباد؛ ومدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين؛
وتلبيس إبليس؛ وإغاثة اللهفان، والوابل الصيّب من الكلم الطيب؛ والتبيان في أقسام
القرآن، وشفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل، والروح في الكلام
على أرواح الأموات والأحياء. وقد أدى ابن القيم دورًا بارزًا في الفكر الإسلامي
الحديث، توفي في دمشق سنة 751هـ. (البداية والنهاية: 14/234، والأعلام: 6/56).
([24])
رواه أبو يعلى وأحمد أتم منه، وقال فيه: غير أني كنت عزيزاً بين ظهرانيهم. ورجال
أحمد رجال الصحيح. الهيتمي، مجمع الزوائد، 9/499.
([39]) رواه الإمام أحمد في مسنده: 2/108، برقم 5600، وابن خزيمة (950)،
وابن حبان (2742). ورواته ثقات. وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده قوي.
([40]) رواه الطبراني في المعجم الأوسط، برقم 8263 وصحيح ابن حبان
وإسنادها قوي أيضًا. وحسنه المنذري في "الترغيب والترهيب". وأخرجه
الطبراني في "الكبير" (11880).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق