صلاح سعيد أمين
بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم)، بويع أبو بكر الصديق - رضي الله عنه – وعيّن رسمياً الشخص الأول في تدبير شؤون الدّولة الناشئة، وفي أوّل كلمة ألقاها بهذه المناسبة، رسم الصديق نواة السياسة العادلة تجاه كل نواحي الحياة:
"يا أيُّها النّاس، قد وُلِّيت عليكم ولست بخيركم، فإن رأيتموني على حقٍّ فأعينوني، وإن رأيتموني على باطل فسدِّدوني. أطيعوني ما أطعتُ الله فيكم، فإذا عصيتُه فلا طاعة لي عليكم. ألا إنَّ أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ الحقَّ له، وأضعفكم عندي القويُّ حتى آخذ الحقَّ منه. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم".
أراد الخليفة الرّاشد أن يقول: إن كسـر الصمت، والنهوض من نوم الغفلة باتجاه محاسبة الحكومة وأجهزتها، ومراقبتها؛ يضمن حياة لائقة بكم، ويبعدكم كل البعد عن كل أنواع الظلم وتبعاته.
من هنا نستنتج أن ما يحدث اليوم من اضطرابات وانقلابات وأحداث، ليس أمراً مفاجئاً، بل هو نتيجة طبيعية لصمت بلا مبرر، يدفع الكل ثمنه بلا رحمة.
ووسائل كسـر الصمت، اليوم، متاحة للجميع، فلا حاجة للجوء إلى العنف والتمرّد الدموي، ولا أحد يطلب ذلك - على الأقل علناً -، ولكن المطلوب من كل الشعوب المنكوبة هو إعلاء صوتها، ومحاسبة من لم يكن في مستوى المسؤولية، عبر صناديق الاقتراع!
إنّ المشاركة في الانتخابات في بلداننا؛ هي بذاتها محاولة لكسـر الصمت، لأنها تقطع الطريق على المتلاعبين بالانتخابات؛ أن يطعنوا في الإرادة الحقيقية للناخبين، والأهم أنها تمنع جلوسهم مرة أخرى على كراسي السلطة.
إنّ اللجوء إلى الشارع، والمشاركة في الاحتجاجات والعصيان المدني والإضراب العام، وقول كلمة الحق بوجه الفاسدين، وتوعية الناس عبر منصات التواصل الاجتماعي، يهيئ أرضية تخدم العدالة المنشودة في حياة الشعوب، ويعيق نشوء رؤوس الفساد فيها. إن لم نخرج عن صمتنا، وتعلو أصواتنا ضد رؤوس الفساد والفاسدين، ولم نجهر بالحق في وقته المناسب، في وجه كل فاسد وظالم، فسوف يتجذّر الفساد، ويُحكم الفاسد أركان حكمه، ويصبح الفساد ثقافة، وأمراً واقعاً، وحينذاك يكون من الصّعب تجنّبه بسهولة، في ظلِّ غياب صوتنا وطول صمتنا!
t مجلة الحوار ǀ العدد 185 ǀ السنة الحادية والعشرون ǀ خريف 2023
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق