بعد أن جرب الكورد الحكم السني الجائر، أو المحسوب على السنة، لمدة تزيد على ثمانين سنة، جاء دورهم ليجربوا الحكم الشيعي الذي أثبت أنه أسوأ من الحكم السني وأضل سبيلاً.
عشـرون عاماً من الفساد المتأصل والصـراع الطائفي والعنصـري والقتل على الهوية، وفرض الحصار، وقطع الرواتب، وخرق الدستور، وضنك العيش، ونقض التعهدات والاتفاقيات، في ظل تأييد إقليمي ودولي، وإن بشكل مباشر أو غير مباشر.. وبالرغم من مرور أكثر من مائة عام على اتفاقية سايكس بيكو (1916)، التي قسمت بموجبها منطقة الشـرق الأوسط إلى دويلات وممالك وإمارات متناحرة، فإن القوى العظمى - بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية - سارت على الاستراتيجية الاستعمارية نفسها التي تمخضت عن هذه الاتفاقية
المشؤومة، في إبقاء منطقة الشـرق الأوسط مقسّمة إلى دويلات وممالك وإمارات متناحرة، ولم تجر أي تعديل يذكر على خارطتها، والمتضـرر الأكبر وربما الأوحد من هذه المتغيرات الجيوسياسية الخطيرة التي أثمرت عن هذه الاتفاقية المشؤومة، التي مازال النظام الدولي الجديد يسير عليها، ويتقيد بها، هم الكورد، الذين توزعوا على أربع دول شوفينية تضمر عداءً تاريخياً لهم، حيث تعرضوا لأبشع أنواع الجور، وحتى الإبادة الجماعية، على يد أنظمتها القمعية. وبالرغم من دخول الكورد في تحالفات استراتيجية
مهمّة مع تلك القوى العالمية الكبرى، والمشاركة معها في إخراج قوات صدّام حسين من
الكويت عام 1991، وإسقاط نظامه الدكتاتوري، وإعادة تأسيس الدولة (الديمقراطية)!
الجديدة، ومن ثم مواجهة تنظيم (داعش) الإرهابي في سوريا والعراق، والتضحيات
الكبيرة التي تكبّدوها على يد قوات هذا التنظيم الإسلامي المتشدّد.. كل هذه
التضحيات الجسيمة لم تدفع بالتحالف الدولي الغربي إلى دعم عملية الاستفتاء التي أجريت
في الإقليم عام 2017، وإقرار نتائجها في الاستقلال، رغم مشـروعية العملية
الديمقراطية، وتطابقها مع المواصفات الغربية التي تتبجح بها دائماً، وتصدع رؤوسنا
بها ليل نهار! ليس هذا فحسب، بل أعطت الضوء الأخضـر للحكومة المركزية بالهجوم على
القوات الكوردية في مدينة كركوك، والأراضي المتنازع عليها، وطردها منها، ووأد حلم
الشعب الكوردي المشـروع في الاستقلال، وتشكيل دولته القومية!
¨ مجلة الحوار ǀ العدد 186 ǀ السنة الحادية والعشرون ǀ شتاء 2023
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق