بقلم: عمر إسماعيل رحيم
نقله إلى العربية: سرهد أحمد علي
النبوة
والرسالة من منظور پيره ميرد:
الحقيقة الكبرى التي يتحتم على الإنسان إدراكها
في هذه الحياة، هي معرفة الله؛ خالقه من العدم، ومُوجِده بهذه الهيئة القويمة، كما
أغرقه في فيض رحماته، لذا فالهدف الأسمى هو عبودية الانقياد له سبحانه.
وأيضاً؛ هناك أمر غاية في الأهمية، ألا وهو كيفية معرفة الله بالشكل الصحيح، وما هي وسائل عبادته، وواجبات المؤمن تجاه خالقه؟
ربما يعثر الإنسان على أشخاص يعينونه على تخطي
مصاعب الحياة، وتأمين مصالحه، وكذلك توفير احتياجاته؛ من كسوة وغذاء ودواء ومأوى،
وأشياء أخرى، لكن يصعب العثور على أشخاص يُعَرِّفونه بالله الواحد، لأن مدارك
الإنسان العقلية محدودة في الوصول لوحدها إلى معرفة الله، فعقل الانسان يعجز في
أحايين كثير عن معرفة مقاصد غيره من البشـر، فكيف له إدراك مقاصد الرب، ولو سلمنا جدلاً الوصول لمعرفة الله، لكن أنى له معرفة متطلبات
العبادة لتحقيق مقتضيات العبودية.
واستكمالاً لما تقدم، يأبى الله الرحيم العدل،
ترك عباده في حالة تيه وارتباك وعدم توجيه، لذا بعث الأنبياء والمرسلين للتعريف
بالله الواحد، والإبلاغ عن الهدف من خلق الإنسان، وإفراده بالعبادة.
وهنا تنحصـر مهمة الأنبياء الذين يختارهم الله؛
في إيصال الرسالة السماوية المتضمنة تعريف البشـرية بالخالق، وإيضاح سبل الانقياد
له، والتمسك بتعاليمه. ولا تنقطع هذه المهمة مطلقاً، فالعلماء ورثة الأنبياء، فهم
السائرون على المنهج ذاته؛ في التبليغ والدعوة إلى الله تعالى.
والنبوة تشـريف سام، وتكليف شاق، وفضل عظيم؛
يهبه الله لمن اصطفاهم من عباده، لقوله تعالى : [أولئك الذين أنعم الله عليهم من
النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا
واجتبينا](مريم: 58).
لذلك، فالنبوة والرسالة، من الناحية الموضوعية،
اصطفاء واختيار ووظيفة، بشكل عام. أما من الوجهة العلمية؛ فيأتي السؤال: ما النبوة،
وما تعريفها ؟. فالنبوة، مصطلح يشير إلى مقام إلهي لمجموعة محدودة من البشـر، تم
اختيارهم وإرسال أكثرهم إلى سائر الناس بهدف إرشادهم، وهم مؤيدون بالمعجزات،
ومدعمون بالإدلة الربانية.
·
اعتقاد
پيره
ميرد الراسخ بالنبوة:
اعتقاد (پيره ميرد)
الراسخ بالنبوة؛ تجلى في مباني النصوص الأدبية التي جرّب أنواعاً منها (قصائد،
أشعار، حكم، أمثال)، وقد جاء متماشياً مع ما ذهب إليه علماء وفلاسفة ومفكرين، على
اختلاف مشاربهم وأديانهم، من التوكيد على النبوة كضـرورة عقلية، وحاجة بشرية.
فـ(پيره
ميرد) كان يعتقد أن الإنسان محاط بملكتين (ملكة خير) و(ملكة
شر)، كما ويمتلك إرادة الاختيار بين الاثنين، فهو مخلوق مكلف. وعليه، فهو بحاجة إلى
نبي مرسل من الله، ليدعوه ويربيه، حتى ينمي فيه طبيعة الخير، فيغلبها على الشـر،
وبالتالي يقيم الحجة عليه، لكي يقطع الله معاذيره في الآخرة، و لا يتذرع بعدم
المعرفة، بقوله: لم أكن أعلم ؟! و كيف لي أن أعلم إن أحسنت أو أسأت ؟! ولو كنت
أعلم، لفعلت الخير، والتزمت بالأوامر الإلهية؟
وبما أن الإنسان جزء من هذا الوجود، الذي يخضع
– كل من موقعه ومستواه – بالعبودية لله، فهو
المشمول أيضاً بهذه العبودية الحقة؛ فتراه ينقاد للأوامر الإلهية وَفْقاً لهذا
الجزء التكويني؛ شاء أم أبى، لكن الإنسان دون غيره من سائر المخلوقات مكلف بأمرين إلهيين:
الأول/ الأمر التكويني: أمر الله الذي لا
يستطيع الإنسان أن يخرقه، ولا أن يخالفه البتة، فهو كسائر المخلوقات الأخرى خاضع
له، وغير مخير فيه؛ كالولادة والنمو والتنفس ودقات القلب، والأكل والشرب والنوم،
والهرم والموت...
الثاني/ الأمر التشـريعي: فهو أمر الله
التكليفي، الذي يكون الإنسان فيه مخيراً بين الاتباع والمخالفة، أي له حرية
الاختيار وفقاً لما يمليه عليه عقله، وتعمل إرادته؛ مثل: ماذا وكيف يأكل، وبأي
طريقة ينمو، وما القصد من هذا النمو ؟، هل ينقاد للدين والتعاليم الإلهية ؟ أم
سيكون بخلاف ذلك...
وهناك تبرز حاجة الإنسان الملحة لمرشد يبيّن له
أوامر الله ونواهيه، وتحفيزه على الامتثال لها، نظراً لقدرته على ذلك، من هذه
الوجهة. ولهذا المطلب الملح؛ بعث الله الأنبياء منذ ابتداء الحياة الإنسانية على
هذه الأرض، لغرض إنزال الرسالة الإلهية للبشرية قاطبة. وفي هذا السياق يقول (پيره ميرد):
مذ طبع الله بني البشر على هذه الطبيعة
وضع الصغير والكبير، منذ الأزل
وابتعث الرسل، منذ آدم، مرشدين للهداية
وعلى الرّغم من إرسال الأنبياء كمرشدين، ولكن لأنه
ليس مقرّراً أن يسلك البشـر جميعاً سبل الهداية ومعرفة الله، فما زالت الأعمال
السيئة باقية، وأخلاق البشر مائلة للشر، ولربما مرد ذلك عائد للسجية التي جبل
عليها الإنسان، كأن ينسـى أو يتناسى بمرور الوقت، إذ لا تستقر الأشياء في فؤاده،
بالإضافة إلى ترصد الشيطان له لإغوائه، وحرفه عن جادة الصواب.
ولو كان البشـر على قلب رجل واحد في الهداية،
لما كان هناك حاجة لكل أولئك الرسل، ولكان ابتعاث نبي واحد كافياً.
يقول شاعرنا:
ومع هذا فأخلاق البشر
مائلة للشر منذ الأزل
والدليل على عدوانية الإنسان وميله للشـر، هو
ابتعاث الله هذا العدد الهائل من الأنبياء والمرسلين لهداية البشـرية، كما أن
جموعاً من الأنبياء والأولياء والملوك قد قضوا على أيدي الضالين من بني البشـر،
فليس أشد من البشـر تطاولاً وعدواناً على بعضهم البعض، في حال رفع عنهم سطوة
القانون، وسياط العسس.
وينوه (پيره ميرد)
إلى ذلك في الأبيات الآتية:
قتلوا عديداً من أنبيائهم
وقضوا على بعض ملوكهم
فحين ينجلي الخوف عنهم
يسارع أحدهم لمحو الآخر
وفي أبيات أُخر، يشير شاعرنا إلى الكتب
السماوية الـ 4 المنزلة على أربعة من الرسل، في متونها تعاليم لبني البشـر،
ومصدرها الوحيد هو الله الواحد الأحد، وقد نُزلت في أماكن وأوقات مختلفة، لشعوب
وأمم متعددة، ورغم أنها فحواها جميعاً الدعوة للتوحيد الخالص، لكن لكل منها منهاج
مختلف عن الآخر، إذ تصدّت لمشاكل وأزمات اجتماعية متباينة، في العصور التي نزلت
فيها.
وهنا يقول (پيره ميرد):
أربعة كتب إلهية، فيها أربعة تعاليم
هي كالسماد حين إلاصغاء إليها
التوراة تقول: كن قنوعاً، تشبع
الزبور يقول: ألزم الصمت، تكن أسداً
الإنجيل يقول: كن على الساحل، تنجو بقلبك من التحسر على حطام الدنيا
يقول القرآن: الاستعانة بالله،
تضعك على الطريق القويم
·
خصائص
نبوة محمد (صلى الله عليه وسلم):
·
أشار پيره ميرد،
في مواطن عدة، إلى خصائص نبوة محمد (صلى الله عليه وسلم) ، بوصفه مختلفاً عن
الأنبياء السابقين؛ من حيث شمولية رسالته، وتعدد أوجه الدعوة، واعتباره خاتم
المرسلين، وكذلك اختلاف العقاب الإلهي لمرتكبي المعاصي من أمته عن الأمم السابقة،
إذ يقول شاعرنا في الأبيات أدناه:
غضب
الله على مدينة في السابق
كان
الخسف بأهلها العاصين
أو
حين أراد الله أن يعاقب قوماً
أمطر
عليهم حجارة من السماء
في
البيت الأول إشارة إلى الآية القرآنية التي يبين فيها الله تعالى معاقبة قارون،
بأن خسف الله به الأرض، كما ورد في (سورة القصص)، الآية 81: [فَخَسَفْنَا بِهِ
وَبِدَارهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ
اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ].
والبيت
الثاني، فيه إشارة إلى عقاب الله لقوم لوط، لأنهم ابتدعوا فواحش ومنكرات كبيرة لم
يأت بها أحد من قبلهم، فكان جزاؤهم أن حُملت مدائنهم وقلبت عليهم، وأمطرهم بحجارة
من السماء، كما ورد في (سورة هود)، الآية 82-83: [فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا
جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ
مَّنضُودٍ. مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ].
ثم أردف (پيره ميرد)؛
قائلاً:
لمّا
بعث الله نبينا محمد
لخاطره؛ رفعَ تلكم العقوبات
لكن اقتضت حكمة الله ورحمته؛
لما أرسل محمداً (صلى الله عليه وسلم) ألّا يهلك قومه من المذنبين بعذاب
الاستئصال، كما أهلك الأمم قبلهم، بل أرجأ العذاب إلى يوم القيامة، كتكريم له (صلى
الله عليه وسلم)، لأن بعثته جاءت رحمة للعالمين، بكل ما فيها من إنس وجان، بل
لذوات الأرواح جميعها، قال تعالى في (سورة الأنبياء)، الآية 107: [وَمَا
أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ].
وفي أبيات أخرى يقول شاعرنا:
الآن
وقد حدنا عن طريق الدين
فإنّ
الله ونبيَّه؛ غاضِبون مِنَّا كثيراً
وها
هم يخوفوننا؛ شيئاً فشيئاً
فبدلاً من الحِجارة، يعصف بنا التراب
فإن
استمرّينا على هذه الحال، فسيكون الآتي حجارة
وهذه الأبيات تصوير أدبي
لمرحلة عاصرها شاعرنا؛ شهدت سنوات جدب وجفاف، وعواصف ترابية كثيرة، تدفع المؤمن إلى
الاستشعار بأن كل ما يجري حوله من تقلبات هي علامات غضب الله.
وفي السياق نفسه، أنشد شاعرنا
أيضاً؛ يقول:
قبل
الرسول النبي الخاتم
كان
القهر والجزاء يحلّ سريعاً
فأغرق
قوم نوح بالماء
وهدم
الجبال على قوم آخرين
والعاصفة
التي تهب هنا
كانت
تتخطف الناس كخطف الثور
انفجرت
مرارة البعض جراء صوتها
هطلت
على قوم حجارة وحديدا
وحين
ظهر نبينا للوجود
انتهت
كل هذه المآسي
تُظهر هذه الوصلة الشعرية؛
القناعة الدينية لأديبنا بأنه إلى جانب الفناء والخذلان العاجل الذي لحق بالأمم
السابقة بفعل ارتكاب المعاصي والآثام، فإنهم يصبحون على مر التاريخ سلفاً ومثلاً
للآخرين في سوء العاقبة.
لكن أمة محمد (صلى الله عليه
وسلم) مستثناة من هذا العقاب العاجل في الدنيا، كإمهال للاستتابة وفرصة للعودة إلى
جادة الحق المبين، كما ويأتي تكريماً من الله للرسول وتعظيماً لشأنه (صلى الله
عليه وسلم)، بإرجاء العذاب على أمته إلى
ما بعد يوم البعث والحساب.
أنشد شاعرنا أيضاً:
الآن
قد زال الخوف عن الناس
لتأخير
العقاب إلى ما بعد الحساب
لكن بدلاً من التوجه بالشكر
لله على التكريم بنعمة تأخير العقاب، ترى البعض وقد تلبّسه الغرور، وأمعن في إيذاء
الناس يمنة ويسرة... هذا ما يريد (پيره ميرد)
قوله؛ حين أنشد:
هناك
من يظن أن الحياة هي ما يعيشه اليوم
فمن حاد عن التمتع بها، ذهبت حياته سدى
لا
يتوانى عن التعدّي يمنة ويسرة
يقتل،
ويخرب بيوت الناس
وقد نظم (پيره ميرد) قصيدة رائعة أسماها (للمولد النبوي) انعكس في
جزء كبير منها؛ عمق إيمانه بالنبوة عموماً، وبرسالة محمد (صلى الله عليه وسلم) على
وجه الخصوص.
وتضمّ بين جنباتها الدلائل الآتية:
1- هداية الناس هي الهدف من بعث الله للرسل والأنبياء.
2- تعزيز الرسالات بإرسال العديد الأنبياء
والرسل.
3- الإيمان بأن محمداً (صلى الله عليه وسلم) خاتم النبيين، ورسالته هي خاتمة الرسالات.
4- الاعتقاد المطلق باصطفاء الله لـ
محمد (صلى الله عليه وسلم).
5- الإيمان بالمعجزات التي أيد بها الله
رسوله محمد.
6- النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) هو
المبعوث رحمة للعالمين، فرسالته موجهة للإنسانية قاطبة.
7- الإشارة إلى أن محمد (صلى الله عليه وسلم)
من نسل إبراهيم - عليه السلام -، وأن إبراهيم هو الجد الأكبر للكورد، فهو مبعث فخر
للكورد.
8- التوسّل بالنبي محمد (صلى الله عليه وسلم)
- لأنه لا يرد له طلب عند الله -، حتى يمحق الله النفاق من القلوب.
ويقول
شاعرنا في هذين البيتين:
أيها
الرسول، يا حبيب الله
أنت
الخاتم، لا نبي بعدك
وهذا
مؤشر على إيمان (پيره
ميرد) بنبوة محمد (صلى الله عليه وسلم)، وإلى جانب ذلك هو
حبيب الله، وليس محبة اعتيادية؛ إنما قمة المحبة وكمالها. جاء في الحديث الشريف
قول الرسول (صلى الله عليه وسلم): (إن الله اتخذني خَليلاً، كما اتخذ
إِبْرَاهِيْمَ خليلاً)، فالخليل في معاجم اللغة هو كمال المحبة المستغرقة للمحب،
محبة اقتضى الله بها على نفسه، والملائكة بالصلاة عليه [إِنَّ اللَّهَ
وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا](سورة الأحزاب، الآية: 56).
الكثير
من الرسل بُعثوا تباعا
ختم
النُبوّة لم ينله أحد سواه
يؤكّد أديبنا الحقيقة الدينية؛ بأن الله تعالى
حين خلق الإنسان وأسكنه الأرض، بعث الكثير من الرسل والأنبياء لهدايته، لكن لم
يختم الرسالات السماوية بأي نبي، سوى بمحمد (صلى الله عليه وسلم). والنبي الخاتم
لسلسلة الأنبياء، ليس مسألة رياضية؛ إنما هو الكمال، أي كمال الرسالة التي يحملها،
ومن مخرجاتها نُضج الأمة عقلياً واجتماعياً، فقد انبثق من هذه الأمة علماء ورثوا
النبي أمانة حمل الرسالة، ويعملون على إيصالها لمن لم تبلغه الدعوة الإسلامية من
أفراد وشعوب. وفي القرآن الكريم آية صريحة تؤكد أنّ محمداً (صلى الله عليه وسلم)
آخر أنبياء الله، به اختتمت سلسلة النبوة، [مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ
مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ
اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا] (سورة الأحزاب، الآية: 40).
ففي هذه الأمة خصال جعلها
مهيأة لتلقي الرسالة، والاستعداد لتقديم التضحيات الجسام لأجل الدين، كما فيها من
الإمكانات ما يكسبها خاصية تنشئة رجالات وقادة يحملون الدعوة للناس، والفضل في هذا
كله يعود إلى مكانة الرسول السامية عند ربه.
وحين أنشد شاعرنا الأبيات الآتية:
قبل
اصطفاء آدم
كنتَ المصطفى الخفي
(لولاك)
لما خلقت الأفلاك
بـ(ألم
نشرح) طهر صدرك
كان
يشير إلى مقولة شهيرة لدى أتباع الطرق الصوفية، على اعتبارها حديثاً قدسياً، وهي
ليست حديثاً بالأساس، إنما هي حديث موضوع. وبرأيي يمكن إرجاع سبب استشهاد (پيره ميرد)
بهذه الأبيات إلى الأمور الآتية:
1-
من
الواضح عدم إلمام (پيره
ميرد) بعلوم الحديث.
2-
محبة (پيره ميرد)
الدفاقة للرسول، والتحمس في وصفه (صلى الله عليه وسلم).
3-
إحدى
مصادر المعرفة لدى (پيره
ميرد) كان الأدب العرفاني، الممتزج مع العرفان الصوفي، فكان
يستلهم منها دوماً، ويسترسل مُنشداً:
(والضحى)
قسم بنور مُحياك
وسواد
(والليل) ينجلي بمُحياك
انشقّ
القمر فلقتين بإشارة إصبعك
واهتزّ
عرش (په
رويز) برسالتك
(سُبحان
الذي أسرى) مسراك
(قاب
قوسين) مقامك الأدنى
الأبيات الآنفة من قصائده العرفانية
الكلاسيكية، يتحدّث (پيره
ميرد) عن خصائل رسالة محمد ودلائل نبوته ومعجزاته (صلى الله
عليه وسلم) ، مستدلاً بالآيات القرآنية
[اقْتَرَبَتِ
السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ] (القمر: 1)، معجزة انشقاق القمر بإيماءة من إصبعه
الشريف، وكذلك معجزة الإسراء والمعراج [سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ
لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي
بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ
الْبَصِيرُ] (الإسراء: 1)، وهي معجزة كبيرة دعم الله بها النبي في دعوته، ونصره
أمام قومه. كذلك صلوات الله، والملائكة، عليه: [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ
يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ
وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا] (الأحزاب - 56) وهذه الآية فيها شرف للنبي، وبيان منزلته
عند الله، وأنها منزلة عظيمة.
ويتابع مُنشداً هذه الأبيات في وصف النبي (صلى الله عليه وسلم):
صلّى
عليك الله عند لقائِك
على
النّور الهادي حين مبعثك
لولاك،
بنار نمرود
لانقطع
نسل إبراهيم من الوجود
إبراهيم
الذي أنتَ حفيده
في كوردستان
ظهر وانتشر
جدّك
الأكبر فخر للكورد
ها هنا
موطنه ومكانه
ويشيرُ شاعرنا في الأبيات
أعلاه إلى أنّ نسبَ الرّسول محمّد (صلى الله عليه وسلم)، يرجع إلى شجرة النبوة
الإبراهيمية، أي إنّه من نسل أبي الأنبياء إبراهيم - عليه السلام، الذي ولد في
كوردستان - كما تشير بعض المصادر - وعليه، فـإن إبراهيم جدّ محمد (صلى الله عليه
وسلم)، مفخرة الكورد.
وأدناه أيضاً أبيات في هذا السياق؛ يناشد فيها (پيره ميرد)
الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) (بشفاعة
جده إبراهيم) التضرّع لله أن ينقذ هذه الأمة من الأوضاع المتأزمة، لأن علاج
الأدواء بيده وحده، طالما هو رحمة للعالمين، لذلك هو مطلع - بأمر من الله- على
أحوالهم، وعنده الحل.
أناشدك
الله، لأجل إبراهيم
عالج
أدواءنا، أيها الحكيم
ببركة
يوم قدومك للدُّنيا
عالِجْنا،
فالآمال معقودة عليك وحدك
طالما
أنت (رحمة للعالمين)
معلوم
اطّلاعك على مصائبنا
هذه الأبيات تعبيرٌ عن مدى
تعلق (پيره
ميرد) القلبي والمعنوي بالرسول (صلى الله عليه وسلم)، فهي
توحي وكأنه جالس في حضرته يشكو إليه الهموم، ويرفع إليه تقريراً عن مآلات الأوضاع،
ويقدم بين يديه شكوى الأمة الكوردية.
وفي سردية شعرية أخرى تتجلّى فيها التكثيف
الجملي والإيجازي المختصر؛ ينبري أديبنا مسترسلاً بالكلام، كأنما لا زال جالساً في
حضرته (صلى الله عليه وسلم) ؛ يقول: "تعلم؛ نحن الكورد متدينون، ونسند ظهرونا
بالإسلام، وقد خدمنا هذا الدين كثيراً، وفعلنا ذلك لأننا نحسب أنفسنا مؤمنين، لكن
أخواننا يظلموننا، لقد وقع علينا الغبن ولا سند لنا، وأنت الرفيع الشأن لدى الله،
ادعوه لكي يزيح من قلوبنا النفاق، ويرفع من بيننا الشقاق، حينها سترى كيف سيكون
حال الأمة، سنتوحد على طريق الدين، ونخدم أكثر":
تعلمُ أنّ الكورد
متدينون
برسالتك هم مُتمسِّكون
نحسب أنفسنا من أهل الإيمان
ولكنا نسلك الطرق الملتوية،
لذا فنحن ذليلون
أنت رفيع الشأن عند الله
أدعو الله أن يرفع النفاق من
بيننا
حينها سترى كيف هي أمتنا
في طريق خدمة الدين متحدة
وفي أبيات ثنائية النعت؛ أنشد
يقول:
يا مانح التاج للأنبياء، يا
نور أبصار الأصفياء
في يوم الجزاء، أنت الشفيع
للعاصين
حكمك (الحبل المتين)، دينك
طريق اليقين
أنت رحمةٌ (للعالمين)، أنت
إمامُ المرسلين
وفي قصيدة (عيد المولد)؛ ينشد
قائلاً:
اليوم مولد نبينا
هذا النبي قائدنا
يقول الله لولاك
ما خلقت مدار الأفلاك
بعثتك على هذه الأرض
ليشهدوا أنّك رحمةٌ للعالمين
معلوم هكذا تكون رحمة الله
فهذا الدِّين منبع الخيرات.
------
¨ مجلة الحوار ǀ العدد 186 ǀ السنة الحادية والعشرون ǀ شتاء 2023
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق