بقلم: سهى
من خلال زياراتي التي تكررت لمدينة اربيل منذ عام 2008 وإلى الآن كنت اذهب إليها فقط لكي أنجز الأعمال التي ذهبت لأجلها، وفي كل يوم أقضيه هناك ما أن أنهي أعمالي ما البث أن أعود مسرعة إلى بيت صديقتي التي تستقبلني دائما برحابة صدر، لكني اليوم بعد زيارتي لها قررت أن لا أعود باكرة إلى منزل صديقتي فأطلقت العنان لساقاي المتعبتان وعزمت على أن أسير في الشوارع وأهيم بها واكتشف ما تخبئه شوارع هذه المدينة والتي تعودت أن أراها من وراء زجاج سيارات الأجرة .وماهي إلا بضع أمتار سرتها مخلفة المركز الصحي خلف ظهري فإذا بي أمام حديقة عبارة عن متنزه للأطفال، أعجبني منظرها وراقت لي وجوه الأطفال الباسمة وحركاتهم البهلوانية التي يطلقونها بعفوية
جلت بنظري في المكان واخترت مكانا للجلوس، عبارة عن أريكة خشبية بعيدة عن الأطفال ومحاطة بالظل من كل مكان؛ وتنتصب فوق رأس شجرة تحمل ما نسميه بنبات (العفص) .وبعد لحظات قليلة مرت من الاستراحة على الأريكة أحسست بفرح غامر لا ادري لماذا! باتت شفتاي تنفرجان بابتسامات عريضة بالرغم مما يعتريني من تعب وجوع في تلك اللحظة، إلا أن ذلك كله اختفى بمجرد رؤيتي لمنظر الأطفال وعوائلهم، فقد كان هذا المنتزه يقبع على طرف شارع رئيسي تقابله المحلات والدكاكين التجارية، ويحيط به من جهاته الثلاثة الدور السكنية رأيت مجموعة منهم يتزلجون على أحذية ذات دواليب صغيرة في أسفلها، فينطلقون مسرعين، وبالرغم من أن الشمس كانت في كبد السماء بعد يوم ماطر إلا أن نسمات البرد العليلة كانت تلفح وتهفهف وجوههم التي لاتعرف الهم. تذكرت أني جائعة على إثر صوت صدر عن معدتي الخاوية إلا أنني لم أكل من رؤية منظر لعب الأطفال ببراءتهم الملائكية، فهو يشدني؛ وكلما تعالت أصواتهم أشيح بوجهي بعيدا عن الورقة التي كنت أحاول مطالعتها وانظر إليهم فأضحك ضحكة تتزامن مع ضحكاتهم ينطلق صداها في الهواء الطلق الذي يداعب وجوههم الملائكية، المنتزه كان يغص بهم مع أن امتحانات منتصف العام كانت قد بدأت منذ أيام في الإقليم .قلت في نفس وأنا أتذكر مدينتي المدمرة التي تحن إلى هكذا منشئات ترفيهية؛ إن كانت هذه هي الفيدرالية التي وفرت لأطفال الشعب العراقي الكردي هذه المتنزهات والحدائق العامة فأنا ممنونة للفيدرالية، وشكرا لك يا حكومة الإقليم، وان كان تقسيم العراق (والذي يعتبره البعض انه غير مقسم لحد الآن!!) سيجد الحل لأطفال بلدي ويدعهم يرفلون بالسلام وينعمون بالأمن في أكناف أهليهم ويجعل الطفل العراقي مهما كان جنسه ولونه ودينه وطائفته يأكل ما يريد، ويلعب ويدرس، فأنا مع التقسيم، واطلب بتعجيل تنفيذ ذلك بشرط أن يكون تقسيما هادفا لتحقيق مصلحة الفرد العراقي .وهذا الكلام أن كان يجرح ويثير الحساسية لدى البعض ممن يتشدقون بالوطنية وبشدة! فأنا لا أجد حرجا في قوله، لان الشخص الرافض لهذا الإجراء يرفضه لأنه يفكر بالثروات النفطية والمعدنية في المحافظات العراقية التي تفتقر للنفط، كيف ستوفر الموارد للتنمية فيها؟ وفي الحقيقة العراق مليء بالخيرات والثروات! وهذه المحافظات تمتلك ثروات زراعية وربما صناعية كذلك، لو لاقت الدعم من المؤسسات الحكومية وخبراء الاستثمار فستكون بمثابة مصادر للثروة تغنيها عن النفط، فأغلب المحافظات العراقية لها مواقع جغرافية وحدودية مميزة تضاف إلى حصيلة المميزات الأخرى للمدن العراقية .ما الذي يمنع أن تقام مثل هذه المتنزهات في باقي المحافظات بشكل يجعلها توازي وتضاهي تلك الموجودة في إقليم كردستان العراق؟ بالتأكيد أن السرقات التي يقوم بها المسؤولين، أو من هم تحت أمرتهم، بداء ممن يخطط للمشاريع وانتهاء بمن ينفذها ووصولا إلى المقاول المنفذ الذي ينفذ مشروعا ما بمواد إنشائية رخيصة تصلح لتنفيذ ربع المشروع هذا ناهيك عن استخدام مواد بناء منتهية الصلاحية! أضف إلى ذلك تجهيز المشاريع بألعاب قديمة بالية باتت مؤذية للطفل أكثر مما هي مسلية! في حين أن الألعاب التي رأيتها في متنزهات مدينة اربيل كانت عبارة عن آلات تصلح لممارسة الألعاب الرياضية للبالغين، وقد رأيت كثير من الشباب والمراهقين يمارسون الرياضة فعلا" بها.هذا يعني أن من قام بتنفيذ وتصميم هذه المنتزهات قد ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، ووفر المتعة لأشخاص بمختلف المراحل العمرية، أي انه هناك دراية كافية بنوعية المكان المصمم وكيفية الاستفادة منه إلى أقصى حد.أنا أقول لمن يعتقد أن كلامي هذا فيه تودد لحكومة الإقليم وامتداحا لها بسبب مصلحة شخصية!! ليعلم انه مخطئ ومخطئ جدا، فأنا لاامتدح حكومة مقصرة بحق افراد شعبها ,فكلمة الحق يجب أن تقال، فكيف ننظر لحكومة توفر الملاعب الرياضية والنوادي للشباب والحدائق العامة للأطفال والشيوخ في كل حي سكني، وتخصص لها أشخاص يعتنون بها وبجمالها والمحافظة على نظافتها أليست حكومة جادة لتنشئة جيل قوي صحيح الجسم والعقل؟ وأقول بمليء فمي إن كان هذا ما سيجنيه التقسيم للعراق كل حسب طائفته وعقيدته فأنا معه وأقول ذلك لان هناك الكثير ممن يقول أن الشمال منقسم عن بقية مناطق العراق، ليس المهم أن يكون كذلك!؟ لكن المهم ما هو الفرق بين مناطق تتفاخر بالوحدة والوطنية والقومية ..الخ من الشعارات ومناطق كردستان العراق؟ ما هو الفرق في الأمن؟ والخدمات؟ والاستقرار؟ والتنمية؟ هل ستستمر مناطقنا بالعيش على الشعارات؟ فيما تتدهور الاوضاع الامنية ووتراجع الخدمات، اليست تجربة إقليم كردستان العراق تستحق الدراسة والمراجعة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق