منزلة الأبوين رفيعة وعزيزة في القرآن الكريم، حتى أن الله بعزته وجلاله قد أوصى بهما بشكل مباشر وواضح لا يحتاج إلى تفسير أهل الفقه وعلوم التفسير، إنها وصية الله للأبناء.
يمكننا ملاحظة أن القرآن الكريم كان أول كتاب يتحدث عن جوهر العلاقة بين الآباء والأبناء، والتعرف من خلاله على ملامح الطفولة، ومزايا الأبوة.
بعد ذلك جاءت الأحاديث النبوية، وجاءت السنة الشريفة، في التعامل مع الأطفال، ثم جاءت مواقف الصحابة، ثم اجتهادات وكتابات أئمة الفقه.
لذلك فإن تربية الطفل لا تكون مكتملة إذا خلت من قراءة الطفل في القرآن، وفي أحاديث النبي "صلى الله عليه وسلم"، ثم في التراث الفقهي الإسلامي.
لقد أوصى الإسلام بأهمية وضرورة تعليم وتربية وتثقيف الطفل، وكان ذلك الركيزة الأساسية التي
دفعت مجتمعاتنا نحو الانفتاح على عالم أدب الطفولة.
دفعت مجتمعاتنا نحو الانفتاح على عالم أدب الطفولة.
هبة خالصة من الله
الطفل هو بشارة من الله للإنسان، إذا تمعّن الإنسان جيداً في معنى الولادة، ولذلك نرى الله يبشر الإنسان قائلاً: [يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً ] مريم/ 7.
وكذلك تقدم الملائكة البشارة بالولادة لأبي الأنبياء إبراهيم "عليه السلام" بولده إسحق: [وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْراَهِيمَ إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاماً قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ] الحجر/ 51، 52، 53.
والأبناء يزيّنون الحياة أمام الإنسان، فيرى زينة الحياة من خلالهم.
يقول الله تعالى: [المال والبنون زينة الحياة الدنيا] الكهف/ 46، ويقول: [زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ] آل عمران/ 14.
والابن هو قرة العين، وهو الكائن البشري الأقرب إلى أبويه، وقد بيّن القرآن مشاعر الأمومة في الكثير من الآيات، ومن ذلك ما جاء في سورة [القصص] من قوله تعالى: [وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ[7] فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ[8] وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ[9] وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ[10] وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ[11] وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ[12] فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ[13] وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ[14].
البشارة بطبيعتها تكون لوقوع حدث سعيد نفيس، هذا الحدث الذي يُفرح الإنسان المُبَشَّر، ويحدث نقلة نوعية في مسار حياته.
البشارة في جميع مستوياتها هي سماعك عن وقوع حدث سار يبلغك به شخص ما لأول مرة، ولذلك فإن الناس يزفون إلى بعضهم البعض البشارة بالولادة، والمبشِّر الأول يحظى بهدية ثمينة من الأب، أو من الأم، أو من المقرّبين، كالعم والخال وما شابه.
ونظراً لمنزلة البشارة اشتق منها الناس أسماء مثل: بشارة، بشار، بشير، بشرى، بشيرة، بِشر، بشور.
إن الذي يسارع كي يبشرك بنبأ سعيد يخصك، هو شخص محب لك، ولذلك يهمه أن يكون الأول والأسرع في إيصال هذا النبأ السار والنفيس إليك، وهو يشاركك حبورك، ويشعر بانتشاء وأنت تتلقى من فمه هذا النبأ، وتقدم امتنانك وشكرك العميق له، ولا تتردد من مكافأته نظير البشارة التي قدمها إليك.
مهما بلغ الإنسان من مال وجاه ومجد، فإنه يشعر بنقص إن لم يكن له ولد تقر به عينه، وتتزين به حياته، وفي ذروة مشاق التربية فإننا نشعر بمتعة النظر إلى أطفالنا، بمتعة النظر وهم يضحكون، ويتمازحون، ولذلك نرى الناس يبذلون ما بوسعهم في سبيل إنجاب ولد.
الولد الصالح هو الظفر الكبير في الحياة، وهو حامل رسالة أبوَيه، ومحطة الأبوة، أو الأمومة، هي المحطة الانتقالية التحولية الكبرى في حياة الإنسان، ولذلك يفضّل الإنسان أن يخسر أي شيء على أن يخسر ولده، وحتى النبي "صلى الله عليه وسلم" يحزن لخسارة ولده، وهو يقول: "وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون".
إن ولادة طفل هو فتح باب جديد من أبواب الحياة أمام أبويه، الطفل هو كائن جديد يفتح عينيه لأول وهلة على الحياة في كنف أبويه، وهما عندما ينظران إليه، فإنهما يشتمان منه رائحة الماضي، ماضيهما عندما كانا طفلين، ورائحة المستقبل، مستقبله وهو يصبح مثلهما، يتزوّج وينجب لهما حفدة كما أنجبا لأبويهما حفدة.
الطفل هو هبة من الله، والهبة تُعطى للإنسان بدون مقابل، وهي تختلف عن الرزق، فالله يرزق بالمال وغير ذلك، وعندما يأتي ذكر الولد، فإن الهبة تُذكر، وذلك حتى يميز الإنسان بين الإنسان كقيمة، وبين ما يملك من أرزاق يسوقها الله إليه.
يقول الله: [لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ] الشورى/ 49.
ويقول: [وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً] الفرقان/ 74.
وعندما يشكر الإنسان ربه على الأبناء، يذكر الهبة، كما في حمد إبراهيم "عليه السلام" لربه قائلاً: [الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء] إبراهيم/ 39.
وقد ورد الأبناء في الكثير من آيات القرآن، ومن ذلك قول الله "عز وجل": [وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ] البقرة/ 49، [الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ] البقرة/ 146،[فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ] آل عمران/ 61، [الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ] الأنعام/ 20، [لَّا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاء إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاء أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً] الأحزاب/ 55.
إن الطفل هو إنسان جديد يهبه الله للإنسان، سواء سأل الإنسان ربه هذه الهبة، أو لم يسأل، ذلك أن الله يهب لمن يسأله، ويهب لمن لا يسأله، ومن أسمائه الحسنى "الوهاب".
الهبة هنا تتمتع بخصوصية أعلى درجة من الرزق، إنها تتميز بالديمومة أكثر من الرزق، والولادة هي التي تحافظ على النسل البشري، والولد هو خلف أبيه، وهو الذي ينجب له الحفدة، ويجعله جداً.
نعمة الأبوة
عندما يحظى الإنسان بنعمة الأبوة، أو الأمومة، فإنه يحظى بأثمن ما يمكن أن يحرّك مشاعره في الحياة، وليس ثمة أعز أو أنفس من الإنسان، يحظى الإنسان هنا بإنسان ليكون خليفته، هذا الإنسان الذي ليس بوسع الإنسان أن يأتي به مهما بلغ من مال وجاه ونفوذ، ولكن الله إذا شاء، فإنه يهب للإنسان الأبناء.
إننا نتعرف على معالم الطفولة سواء من خلال ما نقرأ، أو من خلال تعايشنا اليومي مع أطفالنا، وكل قراءة تعزز لدينا معرفة عالم الطفولة، كما أن كل طفل يعلمنا ما لم يعلّمه لنا الذي قبله.
إن صفة الهبة في هذا المقام تضفي هالة من السمو إلى كينونة الطفل، وتجعل الأبوين يشعران بأن الله [عز وجل] أعزّهما وأكرمهما وخصهما بهذه الهبة الثمينة، التي حُرم منها كثير من الناس.
لذلك نرى الأم تحجب مولودها عن عيون المباركين، وتحرص ألاّ تقع عليه عين غريبة، وألاّ تُخرجه من البيت خلال أربعين يوماً الأولى من ولادته.
تضع مصحفاً صغير الحجم بجانب وسادته الصغيرة، تعلّق بثوبه حجاباً وخرزة زرقاء عليها رسم عين، كي ترد النظرة الحاسدة، بحسب ما تعتقد الأم، إلى جانب حرقها الحرمل ونشر الدخان في البيت، وبعض الأعشاب والبخور، وفقع مادة الرصاص في الماء، وتلبث تقرأ له المعوذات وبعض الآيات التي تدفع عنه العين الحاسدة، وهي في حالة قلق عليه، حتى يشتدّ عوده، وينتصب واقفاً على قدميه.
لذلك فإن الله بعزّته وجلال قدره يبشر الإنسان بالطفل، والطفل هو بشارة من الله إلى الإنسان، وعندما يشاء الله [جلّ جلاله] أن يرزق الأبوين طفلاً، فإنه بعزّته وجلاله يبشرهما بقدوم هذا الطفل، لأن ذلك حدث سعيد بكل المقاييس، وحتى عندما تذهب المرأة لإجراء تحليل التفاعل الحملي، فإن الطبيب المخبري يكتب كلمة "إيجابي"، إذا كانت المرأة حاملاً، ويكتب كلمة "سلبي"، إن لم يكن بها حمل، يكتب هذا وفق القاعدة العامة، وربما أدت كلمة "إيجابي" إلى إلحاق أذى بالمرأة في بعض الحالات، وسبّب الحمل لها كارثة، بسبب مرض يحظر عليها الحمل، إلا أن الحمل بكل المقاييس هو عمل خير.
يقول هارون بن علي بن يحيى المنجم:
أرى ابني تشابه من علي
من يحيى وذلك به خليق
وإن يشبهها خُلُقاً وخَلقاً
فقد تسرى إلى الشبه العروق
ويقول الحسن بن زيد العلوي:
قالوا عقيم ولم يولد له ولدٌ
والمرء يخلفه من بعده الولد
فقلت من علقت بالحرب همته
عاف النساء ولم يكثر له عدد
الولد هو فلذة الكبد التي تمشي على الأرض، يحرص الإنسان كل الحرص على أن يقدم أولاداً نافعين للمجتمع، فنرى ألوان العناية والاهتمام بهم، خاصة في سنوات الطفولة، حيث تُروى لهم القصص والحكايات الهادفة، وفي سنوات التمكن من القراءة يحضر الآباء لهم القصص والسير، بحسب المراحل التي يدخلونها، لأن الطفل وإن كان يحمل السمات الوراثية بنسبة قد تبلغ ستين بالمئة، إلا أنه يكتسب ملامح شخصيته من خلال الواقع الذي يعيش فيه، هذا الواقع الذي يؤثر في تكوين شخصيته.
السلا عليكم ، جزى كاتبنا خير الجزاء على ما كتب و نساله تعالى أن يرزق كل محروم ، لي تعليق بسيط على هذه الفقرة... تعلّق بثوبه حجاباً وخرزة زرقاء عليها رسم عين، كي ترد النظرة الحاسدة، بحسب ما تعتقد الأم، إلى جانب حرقها الحرمل ونشر الدخان في البيت، وبعض الأعشاب والبخور، وفقع مادة الرصاص في الماء...
ردحذفحتى و إن كان أستاذنا قد أوردها من قبيل ذكر ما يصنع الناس في الغالب ، لكن كان عليه حفظه الله ان يؤشر على ذلك تاشيرة يوضح من خلالها أن تلك الأفعال لا تسمن و لا تغني من جوع ، بل هو الشرك بعينه ، حتى لا يعتقد من تقع يداه و عيناه على ما كتب الاستاذ ، أن في ذلك متسع و انه من الأمور الجائزة ، نسأل الله السلامة و الحفظ و العافية آمين
جزاكم الله خيرا وبارك فيكم
حذفالسلام عليكم و رحمه الله
ردحذفمن خلال قراءة المقال و التمعن فيه نلحظ وجود تناقض في اخره حيث أوجز الكاتب على ان الولد هو هبه من الله و ليس رزقا في حين نجده في اخر المقال يقول :[ وعندما يشاء الله [جلّ جلاله] أن يرزق الأبوين طفلاً، فإنه بعزّته وجلاله يبشرهما بقدوم هذا الطفل،]!!!!؟؟؟؟؟
ثم نلاحظ كذلك عدم اسهاب الكاتب في تحديد معنى الرزق و الهبة لغه و اصطلاحا و كذا تبيان الفرق بينهما .
شكرا لكم
ز.ه/من الجزائر