10‏/07‏/2016

مقترحات بخصوص (مشروع دراسات السنة النبوية الشريفة)

أ‌.        د. عماد الدين خليل
ليس ثمة شك في أن (مشروع دراسات السنة النبوية الشريفة)، الذي يعرضه (المعهد العالمي للفكر الإسلامي) للبحث والتشاور والتدارس، يمثل ضرورة عقدية وفكرية في اللحظات الراهنة، فضلاً عن جانبها الأكاديمي، ويستهدف جعل المعطى النبوي، أسوة بما حدث مع كتاب الله سبحانه، يتعامل مع متغيرات العصر وتحدياته في سياقاتها وأنماطها كافة، ويخرج بعلوم الحديث من الدائرة الضيّقة التي أسر فيها، إلى الفضاء الواسع، وهو فضاء حضاري في نهاية الأمر.
عشرات السنين ومئاتها ونحن نتحدث عن عصر الرسالة من الداخل وبرؤية تجزيئية تتمركز عند
الغزوات، والشمائل، والمفردات الفقهية. ولقد آن الأوان لاعتماد (رؤية الطائر) - إذا صح التعبير - لاستشراف الملامح الأساسية للعصر، والإنجازات الكبرى لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) وصحابته الكرام (رض).
ولا بّد، من أجل التحقّق برؤية كهذه، من استدعاء المؤرخ والمفسر والمحدّث والفقيه والجغرافي وفيلسوف التاريخ واللغوي والأديب، لتوسيع نطاق الفضاء المعرفي عن العصر.. ها هنا حيث يصير النّص القرآني، والحديث النبوي الصحيح، والممارسة التاريخية لعصر الرسالة، التي يقدمها المؤرخ والفقيه، والملامح البيئية التي يقدمها الجغرافي، والخبرة الذاتية والموضوعية التي يقدمها الشاعر أو الأديب.. فضلاً عن الدلالات المحددة للكلمات والتعابير التي يضبطها اللغوي.. المصادر الأساسية التي يكمل بعضها بعضها الآخر، من أجل تحديد ملامح المشروع الحضاري الذي وعدت به ومهدت له ووضعت شروطه التأسيسية ونفذت بعض حلقاته، سيرة رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
لقد كانت حياة الرسول (صلى الله عليه وسلم) الكادحة، وجهده الموصول حتى آخر
لحظة، شهادة حية على قدرة هذا الرجل – النبـي، على الإنجاز والتغيير، بكل ما تنطوي عليه الكلمتان من بعد حضاري. ولقد جاءت شهادة الباحث الأمريكي المعاصر (مايكل هارت)، في كتابه (المائة الأوائل) حيث وضع الرسول (صلى الله عليه وسلم) في قمة المائة، تأكيداً لهذا المعنى.
وعندما جاءت السنة التاسعة للهجرة، ونزلت آيات، أو إعلان (براءة) في صدر (سورة التوبة)، لتصفية الوجود الوثني في جزيرة العرب، كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قد حقق، وصحابته الكرام (رض)، على مستوى الفعل التاريخي، المنجزات التالية، التي ينطوي كل منها على بُعْد حضاري مؤكد:
أولاً : التوحيد، في مواجهة الشرك والتعدّد.
ثانياً : الوحدة، في مواجهة التجزّؤ.
ثالثاً : الدولة، في مواجهة القبيلة.
رابعاً : التشريع، في مواجهة العرف.
خامساً : المؤسسة، في مواجهة التقاليد.
سادساً : الأمة، في مواجهة العشيرة.
سابعاً : الإصلاح والإعمار، في مواجهة التخريب والإفساد.
ثامناً : المنهج، في مواجهة الفوضى والخرافة والظن والهوى.
تاسعاً : المعرفة، في مواجهة الجهل والأمية.
عاشراً : الإنسان المسلم الجديد، الملتزم بمنظومة القيم الخلقية والسلوكية المتجذرة في العقيدة، في مواجهة (الجاهلّي) المتمرس على الفوضى والتسيّب وتجاوز الضوابط وكراهية النظام.
لقد كان هدف الجهد النبوي في عصر الرسالة هو التأسيس لحضارة إيمانية تستمد منهجها ومفرداتها من هدْي الله سبحانه، وتقوم على لقاء الوحي بالوجود، لمجابهة حضارات الكفر والضلال وإزاحتها، والتحقق بالبديل الحضاري والملائم للإنسان ووظيفته التعبدية والعمرانية.. البديل المتوازن في مواجهة حضارات الميل والانحراف: [وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً] (سورة النساء: الآية 27).
إن الجوانب المطلوب معالجتها في المشروع يمكن أن تصنّف وفق سياقها العلمي أو المعرفي، ويعهد بكل سياق منها إلى باحث متخصص أو مجموعة باحثين، ويفضل أن يلتحق بكل فريق منهم متخصص في علوم الحديث.
والسياقات المقترحة، والتي يمكن أن يضاف إليها من قبل باحثين آخرين، هي:
1-        السنّة والاجتماع.
2-        السنة والإنسان.
3-        السنة والتاريخ.
4-        السنة والحضارة.
5-        السنة والأخلاق.
6-        السنة والأدب.
7-        السنة والعقيدة.
8-        السنة والشريعة.
9-        السنة والعلاقات الدولية.
10-      السنة ومستقبل البشرية.
11-      السنة والعلم الحديث.
(ملاحظة: في السياقين الخاصين بالتاريخ والحضارة، يمكن الإشارة إلى كتابي المشترك مع المهندس (حسن الرزو)، والذي أصدره المعهد العالمي بعنوان: دليل التاريخ والحضارة في الأحاديث النبوية الشريفة).
كما تجب الإشارة إلى أن كل سياق من السياقات المذكورة قد يتطلب أكثر من بحث، من أجل تغطية مفرداته كافة.
بخصوص طريقة إعداد البحوث لا بّد – ابتداءً – من تجاوز خطيئة البدء من نقطة الصفر، والإفادة – بدلاً من ذلك – من حشود البحوث والمصنّفات التي كتبت عن الموضوع، منفردة، أو في سياق المؤتمرات والندوات، بما فيها (مؤتمر السنة النبوية) الذي عقده المعهد العالمي في (عمان) بالمشاركة مع عدد من المؤسسات العلمية والجامعية.
ولا ريب أن مصنفات وبحوثاً كهذه ستملأ مساحة كبيرة من المشروع، وستخفف العبء عن العاملين فيه، فضلاً عن أنها ستوفر وقتاً وجهداً ومالاً..
في اعتقادي إن أفضل الطرق لتنفيذ المشروع بأقل قدر من التكلفة والوقت، هي الاستكتاب الفردي، وفي حالات محددة تشكيل فرق بحثية، بعيداً عن الندوات والمؤتمرات التي قد تكون جعجعتها أكثر من طحينها، كما هو معروف.
فبعد تحديد السياقات الأساسية للبحوث المطلوبة، وبعد وضع ببليوغرافيا بجلّ ما كتب في إطار هذه المساقات، سيتحدّد المطلوب في جملة من البحوث يمكن أن يستكتب بخصوصها عدد من الباحثين، كلٌّ في سياق تخصّصه.
بالنسبة لنتائج المشروع يفضّل ألاّ تأخذ صيغة واحدة، ويمكن أن تخرج بصيغة كتب منهجية، أو بحوث موسمية، أو مقالات في دوريات متخصصة، أو – حتى – بصيغة موسوعية تأخذ بالمنهج المعتمد في دوائر المعارف، وتغطي المفردات النبوية كافة، شرط أن تكون هناك جهة مركزية تلّم هذا كلّه، وتضعه في إطار بحثي واحد، يمكّن الباحثين من الوصول إليه بيسر.
أما الإطار الزمني للتنفيذ فيصعب تحديده مسبقاً، ويفضّل أن يكون مداه متسعاً بعض الشيء لإنضاج المشروع وتنفيذه بشكل أكثر دقة وإحكاماً.
ثمة مسألة في غاية الأهمية والحساسية في الوقت نفسه، تلك هي ضرورة جعل المشروع فرصة لتأكيد حجية السنة النبوية، لا نفيها أو التشكيك بها. وبذلك سيجد المعهد العالمي الأسلوب المناسب الذي يردّ فيه ويسقط كل الشكوك التي انتابت عدداً من الشرائح الإسلامية بخصوص موقف بعض القائمين على المعهد من الموضوع المذكور.
وبالتالي، فلعلّ من الأفضل عدم قبول أيّ بحث يؤكد هذه الشكوك، أو يحوم حواليها.. علماً بأن هنالك بدائل لمعالجة الإشكاليات الخاصة بمعطيات السنة، وفق منهج مرن ذي فضاء واسع، كذلك الذي دعا إليه الشيخ الدكتور (يوسف القرضاوي)، في كتابه القيم (كيف نتعامل مع السنة)، والذي سبق وأن أصدره المعهد العالمي نفسه.

ومن الله وحده التوفيق والسداد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق