10‏/07‏/2016

ندوة فكرية في أربيل تعرض مخاطر الفكر المتطرف على أمن المجتمع واستقراره

أربيل: الحوار
عقد (فرع كوردستان) لـ (منتدى الوسطية العالمي) يوم (الأحد) الموافق 3/4/2016 ندوة فكرية تحت عنوان (الفكر المتطرف ومخاطره على أمن واستقرار المجتمع).
الندوة تأتي ضمن سلسلة النشاطات التوعوية والتثقيفية للمنتدى بفرعه الكوردستاني، وعقدت على قاعة الثقافة في (أربيل) عاصمة (إقليم كوردستان)، وحضرها لفيف من الشخصيات السياسية والأكاديمية والمجتمعية، يتقدمهم علماء دين، بمشاركة جمع من طلبة العلم والمهتمين بالفكر الإسلامي.

واستعرضت في الندوة عدة أوراق للسادة: (د. محسن عبد الحميد)، الأكاديمي والمفكر الإسلامي الكوردي المعروف، حيث كانت ورقته تحت عنوان: (التكفير ومخاطره على المجتمع)، و (د. عثمان حلبجةيى)، الشخصية العلمية المعروفة، وكانت ورقته بعنوان: (التسامح والانفتاح عند العلماء بين الأمس واليوم)، و(سالم الحاج)، الكاتب وعضو الأمانة العامة للمنتدى، وكانت ورقته بعنوان: (الدعوة في ضوء المنهج الوسطي)..
وابتدأت الندوة أعمالها بكلمة لـ(رئيس فرع كوردستان) لـ (منتدى الوسطية العالمي): الأستاذ (صلاح الدين محمد بهاء الدين)، الذي ألقى فيها الضوء على مخاطر الفكر المتطرف، وواجب العلماء، والحركات الإسلامية، ومؤسسات المجتمع والحكومة، في التصدي له.. وجاء في جوانب منها قوله:
"إن الاعتدال نور وسراج وضرورة، وقاسم مشترك، ومطلبنا جميعاً، بعيداً عن الإفراط والتفريط  وبعيداً عن إيقاد نيران العنف والثارات والكراهية"، مضيفاً: "يعلم الجميع أن (أدبيات) و(ثقافات)  الغرب والشرق ، تتناول ( الوسطية) و(الاعتدالية) وتؤكد ضرورتهما كـ(فكر وفلسفة وتراث وسلوك وأخلاق)، وهذا الطرح برز بشكل قوي بعد أن رأى الكل نيران (الفكر المتطرف المريض)، وهي تشتعل في كيان العالم قاطبة"، موضحاً: "وللأسف الجهود التي بذلت للتصدي له لم تكن بالمستوى المطلوب والمأمول"، و"بات (تيار الإرهاب والتطرف) يظهر كل يوم باسم جديد وصور مختلفة، مبرزاً رأسه في جهات وأماكن عدة.
واستعرض الأستاذ (صلاح الدين محمد بهاء الدين) برأيه أسباباً رئيسة وجوهرية لبروز التطرف واستمراريته، لخصها في النقاط التالية:
أولاً-  رغم وجود العشرات من الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة، إضافة لوجود تجارب العالم المتقدم المختزلة في التنظير لـ(الاعتدال والوسطية) و(التعايش المشترك) وتجسيدهما عملياً، لكن للأسف ما نلاحظه في مجتمعاتنا انتشار أوبئة (العقدة والضغينة والانتقام والفردية ومحو الآخر)، في كافة المفاصل العامة، سواء المفاصل (الدينية) أو (السياسية) و(الثقافية) و(أنظمة الحكم)،  وما يجري عندنا بحاجة إلى تأمل ثم مراجعة جدية، لأن (التدين) لا يكون بـ(العقد) و(الضغائن)، والسياسة أيضاَ!! ..
ثانياً- (التطرف) ليس مسألة (فسلجية) تتجسد في صور تفجير النفس والعمليات الانتحارية فحسب، يمكن القضاء عليه بالحلول الأمنية والعسكرية، بل هو قبل كل شيء قضية (فكرية وثقافية وأخلاقية وفلسفية)، يتطلب التصدي له، الكثير من الجهد الدائم والعمل الجبار، والتنسيق المشترك الفعال، لكن ما نلمسه ضئيل جداً.  
3-  تباطؤ المؤسسات والشخصيات والعلماء والمنظمات (الدينية - الإسلامية) إزاء الإعداد المطلوب للتصدي لـ(التطرف)، إننا نلحظ عدم اكتراث، وأحياناً ضبابية في المواقف، وأبعد من ذلك ركون بعضها إلى مجاملة (التطرف) والتبرير له.. كان الأجدى بهذه الجهات اتخاذ مواقف صارمة، متمثلة  بتجريد الشرعية عن (التطرف)، والتوضيح بأن (رد الفعل الخاطئ) كـ(الفعل الخطأ) نفسه، فإذا دفعك استبداد وظلم جهة أو مؤسسة ما إلى اتخاذ رد فعل مواز، فذاك عين الخطأ، فالظلم هو ظلم، سواء كان فعلاً أم رد فعل، فمثلاً، ما بدر من تنظيم (القاعدة) منذ نشأته والمراحل التي قطعها في (أفغانستان)، خصوصاً أحداث 11 من سبتمبر، لم يصدر من معظم التيارات والحركات الاسلامية أيّ فتاوى صريحة تجاه مرتكب تلك الأحداث، بل آثرت الصمت، وربما أيدته نوعاً ما، لأنها وقعت حسب فهمهم في (دول غير إسلامية).
 4- يشكل وجود  الأنظمة الاستبدادية في العالم الإسلامي مصدراً لبروز (التطرف) وتغذيته، فلجوء هذه الأنظمة إلى إسكات المعارضين وقمعهم، يعطي  المبررات والحجج  للمتطرفين.
5- أصبح (التطرف والإرهاب) مادة للكسب السياسي، وأداة بيد بعض الأنظمة في هذه المنطقة الإسلامية، فهي من توجّه دفة (التطرف)، وتقودها في (حرب مصالح)، من خلال أذرعها المخابراتية.
6- لا شك أن هناك مؤسسات ومراكز صنع قرار غربية تناهض (الإسلام)، وتعادي (الأمة الإسلامية)، وهي بذلك تدفع باتجاه بقاء (التطرف) بأشكال متعددة، لتشويه (الإسلام)، وللحؤول دون  انتشاره في المجتمعات الغربية، وذاك مما لا لبس فيه.
واستطرد رئيس (فرع كوردستان) لـ (منتدى الوسطية العالمي) يقول: "إن (الاعتدال) و(التطرف) جدلية قائمة، ودائرة مخاطر (التطرف) أوسع مما نتصور، ورغم ذلك تبقى تجسيداته - مثل (داعش)- مؤقتة، لارتباطه بأجندة سياسية مناطقية".
وتابع قائلاً: "إنه لمن دواعي الفخر أننا في إقليم كوردستان تخطينا مسألة ( التطرف)، وبات لدينا تصور ومفهوم واضح حياله، على الأقل إزاء هذا المتجسد منه المسمى (داعش)، وحالياً بدأ يتبلور مفهوم التأسيس لـ(التعايش المشترك)، من خلال (الاعتدال والوسطية).. علينا أن نعزز هذا المبنى الجديد حتى يصبح ثقافة وتراثاً وأخلاقاً وسلوكاً، لأن (التعايش المشترك)، و(قبول الآخر)، مبادئ لها جذور دينية، وامتدادات مجتمعية كوردية، ينبغي علينا تدعيم التعددية والتنوع العرقي والديني في كوردستان".
 وختم بالقول: "إن دائرة الاختلاف السياسي أضيق دوائر الخلاف، ويمكن احتواؤها بالتفاهمات وتنظيم الأوراق السياسية مع بعض، لكن يجري تجاهل ذلك، وبهذا يتعمق الاختلاف السياسي في كوردستان، وأصبح يحلّ محلّ التباينات المجتمعية الأخرى.. يمكن لكوردستان أن تكون حاملة لرسالة (إسلامية) و(إنسانية) كبيرة، لأنها منطقة إسلامية،  وللإسلام حضور فيها منذ أمد بعيد، ويمكن أن نجعل من هذا (التعايش المشترك) ورقة قوية لتعزيز الكيان الكوردستاني".

من جانبه استعرض المفكر الإسلامي والأكاديمي الدكتور (محسن عبد الحميد) ورقته مخاطباً الحضور بالقول: "(التكفير) موضوع خطير جداً، وله نتائجه الكارثية. ومسألة (التكفير) أخذت حيزاً كبيراً في الفقه والفكر الإسلاميين.
 وعرض الدكتور (محسن عبد الحميد) نماذج من التاريخ لأشخاص بدر منهم الكفر، ورغم ذلك تردد علماء المسلمين في تكفيرهم وإخراجهم من ملة الإسلام، وضرب مثلاً بـ(الحلاج) الذي كان يدخل بعض المساجد ويتلفظ بألفاظ تسيء للدين، وفوق هذا لم يستطع العلماء أن يفتوا بتكفيره إلا بعد خمس سنوات من المحاكمة. وضرب مثلاً آخر بمقولة للإمام (أبو حامد الغزالي): "لو جيء برجل أمام قاضٍ مسلم، وعليه تسعة وتسعون دليلاً بكفره، ودليل واحد فقط يرجح إيمانه، لحكم بالدليل الواحد على صحة إسلامه.
وحذر الدكتور (محسن عبد الحميد) من مخاطر (التكفير)، لأنه ديدن (المتطرفين)، فـ(التكفير) انبعاث للفكر (المتطرف) ومولد لـ(الإرهاب)، وأشار في هذا السياق إلى كتاب ألفه بعنوان (قواعد التكفير عند أهل السنة والجماعة.. ابن تيمية نموذجاً). 
فيما استعرض (د. عثمان حلبجةيى) في ورقته جوانب من تاريخ الانفتاح والتسامح الإسلامي، من خلال مواقف علماء المسلمين، وأقوالهم، وقارن ذلك بالتراجع الواضح في هذا الميدان، في العصر الحديث.. وعزا ذلك إلى التخلف الحضاري، والتراجع الفكري، الذي يعيشه المسلمون في العصر الحاضر..
أما الورقة الأخيرة، فقد استعرض فيها (أ. سالم الحاج) معنى (الدعوة إلى الله)، وصفات القائمين عليها، واختلاف المنهجية التي تقوم عليها، عن منهجية التكفير والقتل التي يقوم عليه الفكر المتطرف في العصر الحديث..
واختتمت الندوة وسط اهتمام لافت من قبل الحضور، الذين أبدوا أيضاً ارتياحهم لاختيار هذه المواضيع الفكرية الهامة من قبل (فرع كوردستان) لـ(منتدى الوسطية العالمي)، لأنها تأتي في سياقها المناسب، للتصدي للتطرف الفكري.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق