سرهد أحمد
علي
يقترن
بناء النظام السياسي بنشوء الدولة فقط، فالدولة المستقلة (بسيطة) أو (موحّدة)،
(مركزية) أو (اتحادية) يتوقف نشوؤها على (نظامٍ سياسي) إلى جانب (الشعب) و(الإقليم)،
وبهذه العناصر الثلاثة تتشكّل الشخصية القانونية للدولة في (النسق الدولي العام).
ولا تنطبق
هذه النظرية السياسية على (إقليم كوردستان - العراق)، لأنه كيان قائم ضمن إطار
(الدولة العراقية) دستورياً وقانونياً، لكن هناك حيّزاً من الاستثناء يتمتّع به
وهو وجود (مُنتظم سياسي)، أي وجود سلطات إدارية وأبنية سياسية، سلطة رئاسة الإقليم،
ورئاسة الوزراء، وسلطة البرلمان الرقابية والتشريعية، والسلطة القضائية، وتمارس
جميعها مهمّة الإدارة والتوجيه، الآني والاستراتيجي، على
المستويين الداخلي
والخارجي، وتأخذ هذه الممارسة للسلطة أحياناً مديات بعيدة، وخاصّة في توجهات
السياسة الخارجية، فهي بهذه الخصوصية تمارس دور (دولة غير معلنة)، وهذا الدور
اكتسبته نتيجة تغيرات طرأت على بنية الدولة العراقية منذ عام 2003، واستثمرها
القادة الكورد، رغم تحديات كبرى قائمة حتى الساعة.
لإقليم
كوردستان إذاً (منتظم سياسي) - سلطات وأبنية سياسية - لكن ما نوع السلطة؟ الجواب
(سلطة أوليغاريشية) - أسرة حاكمة - ليست (توتاليتارية) ولا (ديمقراطية) مطلقة، فهي
شبيهة ببعض الأنظمة الملكية القائمة في المنطقة. فالفلسفة التي تقوم عليها السلطة
الأوليغاريشية الكوردستانية هي امتداد لذات الفكرة والفلسفة السياسية التي تقوم
عليها الأوليغاريشيات العربية، مع بعض الفارق.
وتنشأ
السلطة الأوليغاريشية عادةً في المناطق التي تشهدُ صراعات مستمرة وثورات متتالية،
وأحياناً تخرج منطقة ما من ثورة مسلحة امتدت لعقود تكون نتيجتها الانتصار، دافعة
نخبة للسيطرة على مقاليد الحكم، سرعان ما تتحوّر إلى أسرة أو عائلة تواصل التحكم
بالأوضاع السياسية والإدارية والاقتصادية متذرّعة بالشرعية الثورية.
والسمة
الغالبة لجميع الأوليغاريشيات هي وجود كيانين متوازيين، سلطة ودولة، فالسلطة لا محالة
تستلب الدولة، وحين تسقط السلطة بثورة داخلية أو عمل عسكري خارجي يسقط معها بنيان
الدولة وينهار.
فالحديث
عن نظام سياسي كوردستاني قائم، على غرار الأنظمة السياسية الغربية، محض ادّعاء، لأن
جميع الشواهد والممارسات تثبت صحة نظرتنا المتقدّم ذكرها.
وحالياً
يعيش إقليم كوردستان صراعاً سياسياً يأخذ أحياناً طابعاً عنيفاً باتجاه التغيير
والتحوّل من السلطة الأوليغاريشية إلى نظام سياسي يكون دعامة نهضة أساسية لإعلان
الدول المؤسساتية الكوردية في هذا الجزء من كوردستان والملحق قسراً بالعراق
العربي.
هذا
التحوّل المرتقب لا يكون إلا عبر الوسائل القانونية والمدنية المتاحة مع التعويل
على عامل الزمن - تآكل شوكة السلطة - ازدياد تأثيرات ثقافة التمدن الحضاري على
العقلية والوعي الكوردي.
ولا يجب أن
نغفل أن أي تغيير وتحول في السلطة يبدأ من (التنمية) و(التحديث) السياسي، فهما
النواة الأساسية لتلك العمليتين، فالتغيرات التي جرت على النظم الغربية، والتي
استغرقت عدة قرون - تحوّل الملكيات المطلقة إلى دستورية، وإسقاط الأنظمة الاقطاعية،
وإنهاء السلطة الثيوقراطية - استمدّت قوتها من قاعدة التنمية والتنشئة التي عمل
على ترسيخ مفاهيمها لفيفٌ من الفلاسفة السياسيين، على رأسهم الفرنسي (جان جاك
روسو) والإنجليزي (جون لوك). في مرحلة ما كانت تعرف بعصر التنوير (النهضة الأوروبية
الحديثة).
وتضيق
فرص هذا التحوّل في المرحلة والظرف الراهن لأسباب عدّة، بعضها مرتبط بالسلطة
ذاتها، منها متانة القاعدة التنظيمية إلى جانب القوة المسلحة الداعمة والتحكّم
بالثروة، ومنها ما هو مرتبط بالمحيط الخارجي، فيما يتعلّق بالمخاطر المحدقة بإقليم
كوردستان عموماً.
ويخطىء
من يظنّ أن التغيير بعيداً عن تلكم الوسائل يُسرّع من عملية التحوّل إلى نظام
سياسي، ربما العكس، يمكن أن يؤدي إلى الفوضى العارمة، وضياع المكاسب المتحققة، مع
بعض الاستثناءات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق