صلاح سعيد
أمين
نسمع من هنا
وهناك، وخصوصاً عندما تشتدّ الصراعات و المنازعات السياسية بين الكتل السياسية المختلفة،
المحسوبة على الطوائف المكونة للعراق، أصواتاً
تدعو إلى عراق خال من النغمة القومية، والمحاصصة الطائفية، عراقٍ عابرٍ للهويات الإثنية،
ومحتضن لكل أبنائه، بتلاوينهم المختلفة، ضمن هويتهم الجامعة (العراق)، على اعتبار أن
هوية العراق تجمعهم دون تمييز، وتمنحهم إطاراً سليماً للتعايش والتساكن على مائدة واحدة!..
لكن السؤال المثير للجدل، وبالنسبة لدولة كالعراق على وجه الخصوص هنا، هو: هل يمكن
بالفعل إخراج العراق من المحاصصة الطائفية؟ وهل يقبل العراق نشوء نظرية خالية من المحاصصة
الطائفية؟
وبعد التغيير
النيساني في 2003، وسقوط الصنم ببغداد، وعلى أساس التغيّرات التي تلت بعد ذلك، تشكّلت
الدولة العراقية من جديد على أساس طائفي مكوناتي واضح، أكثر بكثير من ولادتها الأولى،
ويقنّن (الدستور العراقي) - هذه المرّة - الهويّة الطائفية للدولة العراقية، ويجسّدها،
بما في ذلك حسم المناصب العليا في الدولة للمكونات المختلفة، فتأخذ كلُّ طائفة حصّتها
من كعكة العراق الجديد.. ولم نسمع من أحد، أو من طائفة معينة، صراخاً، أو احتجاجاً:
لا للهوية الطائفية للدولة، لا للمحاصصة في تسنّم مناصب الدولة.. ولم نسمع من أحد رفضه
تسنّم منصبه، بحجة عدم قبوله لهذا التقسيم الطائفي للمناصب الحكومية.
ولا ننسى،
وبعد ظهور (داعش) خصوصاً، كيف قامت طائفة معينة، وعلى أساس فتوى مرجعيتها العليا، بتشكيل
حشد عسكري خاص بهم، والمتابعين للشأن العسكري يشيرون إلى أن هذا الحشد ابتلع الجيش
العراقي، وبعض قادتهم يقولون صراحة: إن حشدهم أقوى من الجيش العراقي..
أخيراً،
إن العراق لا يمكن أن يخرج من طائفيته، لأن الطائفية جزء من كينونة هذه الدولة. والطائفية
بذاتها لا تعدّ مشكلة، بل المشكلة تأتي عندما لا تستطيع تلك الطوائف أن تقبل بعضها
بعضاً. فالمعضلة تأتي عندما يريد أحدهم كسر ضلوع الآخر المختلف، لاختلافه معه في التفكير
والطائفة.. وإلا فإنّ الاختلاف، والتمايز في التفكير، هو مصدر قوّة، ومنبع ثراء، وعامل
تقدّم، وليس العكس..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق