شيروان الشميراني
المقصود بالمراجعة هو إعادة تقييم الأداء والنظريات
والسياسات، من أجل التبيّن لما حدث، وما تمّ تبنّيه من أفكار خلال الفترة السالفة،
وإعادة قراءتها في ضوء الواقع الجديد، أو تبيين ما كان فيها من أخطاء، إنْ كانت في
عالم الأفكار..
والمراجعة
مبدأ قرآني، وعقلي، فالله تعالى قد أرشد المسلمين إلى مراجعة أنفسهم، وجعل النفس
اللوامة صفة النفوس السائرة على الجادة الصحيحة، التي أصبح توجيه اللوم إلى ذاتها
خلقاً دائماً فيها {فلا أقسم بالنفس اللّوّامة}، وهي صفة العلماء الكبار الذين
يستمرون في تجديد اجتهاداتهم في ضوء التغيّرات الحاصلة، وعلى هدي ما يتوفّر لديهم
من علوم وثقافات لم تكن متوفّرة وقت إبداء الرأي
المحدّد..
ليست
الغاية هنا بسط الحديث حول مفهوم المراجعة من حيث هو مصطلح فكري، بل التركيز على
مراجعة الجماعات التي كانت تحمل السلاح في وجه الحكومات أو الأحزاب العلمانية
المخالفة، خلال القرن الماضي تحديداً...
فقد شهد
القرن الماضي أحداثا مؤلمة في عدد من الدول الإسلامية، مسّت أراضي كثيرة يسكنها
المسلمون وغيرهم، حيث كان يسود المجموعات الإسلامية اجتهادان في العمل السياسي
الحركي..
الاجتهاد
الأول:- يقول بضرورة العمل المدني في إطار القوانين المتاحة..
الاجتهاد
الثاني:- التزم العمل المسلح ضد الأنظمة - متبنّياً فكرة السلفية الجهادية- بل حتى
ضد الأحزاب العلمانية شبه السلطوية، كما كان الحال في كوردستان ..
هذه
الجماعات التي قاتلت، فقتلت وقتلت، كما هو الحال في الحروب والمواجهات المسلحة،
وبعد أن سالت الكثير من الدماء، وسفكت الكثير من الأرواح، وتمّ تخريب العديد من
المنشآت العامة والخاصة، تبيّن لقادتها أنهم على خطأ كبير، فقرّروا المراجعة
للمنطلقات الفكرية التي دفعتهم إلى فعل كلّ ذلك، وفي مقدمتها: الجماعة الإسلامية
المصرية، وجماعة الجهاد، إلى حدّ كبير، وكذلك الجماعة الليبية المقاتلة، وأخيراً
دخل على الخط: الجيش الإسلامي للإنقاذ..
البداية
كانت بالجماعة الإسلامية المصرية، والتي دخلت في حرب مفتوحة مع الحكومة، يعود
تاريخها إلى سبعينيات القرن الماضي، وقد قطعت مراحل كثيرة، ومصاعب واجهتها، فلما
تبيّن لقادتها أن الطريق ليس هذا الطريق، كتبوا مراجعات فكرية جريئة جداً، قالوا إن
ما حدث كان خطأ، ولم يعد سوى بالخراب على الأمّة.. فأصدر قادتها مجموعة من
الكتيبات والكتب، في سلسلة تحت عنوان: ( سلسلة تصحيح المفاهيم)، ناقشوا الأفكار
التي اتّخذوها أساساً لأعمالهم القتالية، وكذلك الموقف من النظام، ومن جماعة الإخوان
المسلمين، ومن الشعب المصري، في ضوء العودة إلى الفهم الجديد للوحي الإلهي، والتراث
الفقهي الإسلامي.. وكان الإصدار الأول يحمل اسم: ( مبادرة وقف العنف)، تناول الغرض
من تصحيح المفاهيم، ومن ثمّ موانع القتال من وجهة نظر شرعية واقعية. والإصدار
الثاني صدر بعنوان: ( تسليط الأضواء على ما وقع في الجهاد من أخطاء)، في 148 صفحة
من الحجم المتوسط، يتحدّث عن تصحيح مفهوم الجهاد، وحرمة قتل المدنيين، وأن الجهاد
وسيلة وليس بغاية، وأن الصلح خير، وحرمة قتل المستأمنين من أصحاب الديانات الأخرى،
أو الدول التي يأتي مواطنوها إلى السياحة والسفر.. والإصدار الثالث كان بعنوان: (
الغلوّ في الدين)، تناول الكتابُ الرفضَ الإسلامي للفهم المغالي للدين في جميع
المجالات، وأكّد القادة الذين كتبوه على أن الفهم الصحيح للدين هو الفهم الوسطي..
والإصدار الرابع كان عن الحسبة: ( النصح والتبيين في تصحيح مفاهيم المحتسبين)، وهذا
الكتاب يقع في 177 صفحة، يتناول عدم اتّباع الظن والتجسس، وأن الستر أولى، ولو
بثوبك، وأن الرجوع إلى الحق فضيلة، ولا تحمل الناس على مذهبك..ثم أصدر قادة
الجماعة كتاب: ( نهر الذكريات)، ردّوا فيه على الأسئلة والشبهات التي أوردها البعض
على مراجعاتهم.. إضافة إلى الكثير من التصريحات واللقاءات. وكذلك فعلت الجماعة
الليبية المقاتلة..
والآن
بقي، أولاً: الجماعات المسلحة في الجزائر، حيث مع تركهم العنف، والنزول من الجبال،
لكنهم لم يقدّموا مراجعاتهم بصورة محكمة.. وكذلك الجماعات المسلحة في كوردستان
مدعوة بالضرورة أيضاً إلى إصدار مراجعات فكرية علمية صريحة، لأنها أمانة علمية،
ومسؤولية أجيال، وتوجيه للمستقبل..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق