محمد رؤوف محمد
مرّ العمل الإسلامي بمراحل
عديدة منذ سقوط الخلافة، وظهرت حركات وأحزاب متعددة في الساحة العربية والإسلامية،
وأنتجت دعاةً وقادةً في الدعوة والفكر والسياسة، ولم تنتج رجالاً للدولة بما يكفي،
حيث لم تكن هناك فرصة للمشاركة أو الشراكة، وخاصةً بعد أن ظهرت الدولة الحديثة،
وورائها الأجندات الخارجية، وبقي الاستعمار بشكل غير مباشر..
وبالنتيجة تولدتْ نتيجة
خطيرة، ألا وهي الفجوة بين المجتمع والمشـروع الإسلامي.. وظل المشروع الإسلامي
غريباً في أذهان الناس، من حيث السياسة والشأن العام.. ولم يبق للمشـروع الإسلامي،
والإسلاميين، إلاّ الدفاع عن النفس تارةً، والدفاع عن الإسلام كمنهج للحياة،
نظرياً، تارةً أخرى.. واستمرت هذه الحالة لعقود..
أما الآن، وبعد الربيع العربي، وفشله، ووصول
الإرهاب - بعده - إلى أقصى حدّه، من التنظيم إلى إعلان دولة
وخلافة، ودخل المشـروع
الإسلامي في أزمة خانقة، فلولا حكمة بعض القادة، وصبر بعضهم الآخر، والتنازل عن
الاستحقاقات من قبل بعض الأحزاب والحركات (تونس مثلاً)، لكانت النتيجة أخطر،
والأزمة أقوى..
واليوم، فالمشروع أمام تحديات كبيرة، داخلية
وخارجية.. فماذا نفعل حتى يكون المشـروع مشـروعاً للوطن وللجميع والمجتمع؟.. وحتى
يكون شريكاً مستقبلياً حقيقياً ؟ كيف نبدأ ونبني من جديد، بعقلية البناء: إنساناً،
ومجتمعات، ودولةً؟ كيف نستطيع أن نكون للجميع، بمعنى الانفتاح، وخاصةً في مجال
السياسة؟ كيف نتعامل مع الشباب، ومع المعرفة والعلوم، والاختصاصات؟ وكيف نتعامل مع
المرأة والشباب؟ وكيف نستعد للإجابة على الأسئلة الكبرى، من حريةٍ واقتصادٍ
وتنميةٍ وإصلاحٍ وشفافيةٍ وسيادةٍ وتكاملٍ، وعلاقات خارجية، وتفاعلٍ مع المجتمع
الدولي، ونعمل – في الوقت نفسه - ضمن منهجيةٍ واقعية، وبمرجعيةٍ أو خلفيةٍ إسلامية؟
أسئلةٌ كبرىٰ، وواقع غير
مستقرّ، لا سياسياً ولا اقتصادياً، ولا حتّى اجتماعياً.. والأخطر من ذلك كله، أن
الثقة باتت شبه معدومةٍ بين الشعوب والحكام والسلطات والأحزاب والساسة، لأسباب
متعددة، منها: طول الانتظار للوصول إلى حلول جذرية، أو شبه جذرية، للصـراعات، أو
النزاعات، أو الأزمات السياسية، داخل الدول، وفيما بينها، خلال ثمانية عقود، في
هذه المنطقة.. فكافة المشاريع، ومنها المشـروع الإسلامي، مسؤولة أمام هذا الواقع
المرير، حيث المجتمعات لا حول لها ولا قوة ولا حيلة، فالنخبة السياسية والفكرية
والثقافية هم المسؤولون إذاً .
فما الحل، وكيف نبدأ، وما
هي الخطوة الأولى؟
الحل يبدأ معرفياً،
والتفكير الصحيح هو المفتاح، والمراجعة في الفكر السياسي هي الخطوة الأولى.. ولا
غرابة في هذا الكلام، ولا بدعة في هذا الطرح، فنحن أبناء أمةٍ بدأت بمشروع التغيير
في وقت وزمنٍ كانت البشـرية تحتاج إلىٰ الحرية، والكرامة، ولقمة العيش، ودواء
الأمراض والوبائات التي تعصف بمئات الآلاف سنوياً في كل مكان من أنواع الطاعون
وغيرها. وأكثر من ذٰلك، فقد كان هناك طاعون عسكريٌّ سياسيٌّ متسلط على رقاب البشـرية،
المتجسد في امبراطوريتين كبيرتين، وهما: الإمبراطورية الساسانية الفارسية،
والإمبراطورية الرومانية.. فهما ليستا أقل من
الطاعون والوبائات في قتل وإبادة المجتمعات لقرون عدة.. فجواباً لسؤال البشـرية
آنذاك: ما هو الحل والمخرج ؟ نزل القرآن وقال: (اقْرَأْ). فهذا هو جواب رب
العالمين، للمظلومين و الجياع، والمرضىٰ والجهلة..
إذاً، فالمعرفة هي الحل،
كيف لا وقد كانت المعرفة نقطة قوةٍ وتميّز بين الإنسان والملائكة، التي يستشهد بها
الله سبحانه وتعالى في جواب سؤال الملائكة لتفضيل آدم عليهم بحمل الأمانة
والاستخلاف على الارض ..
فقد نطق بالحقيقة إذاً، من قال: "من يملك
المعلومة، يملك القوة". وصحيح: من يملك القوة على أساس المعرفة، فقد يملك
الريادة، والقيادة، والسيادة، والعكس صحيح.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق