شيروان
الشميراني
التراث الإسلامي مليء، أو قائم - في عمومه - بالقراءة الشـرعية
للحياة، وما ينبغي على الإنسان فهمه وفعله. وقليل هم المفسِّرون والعلماء الذين تجاوزوا
القراءة الشرعية إلى قراءات أخرى.. والقراءات الأخرى ليست إلا القراءة الكونية،
التي تساعد الإنسان على فهم قوانين الكون، القائمة على الخلق والنشأة، ما يسمّى بـ
- إرادة الله الكونية - بناءً على قوله تعالى: [ ﭻ ﭼﭽﭾﭿ].. ومن هؤلاء ابن تيمية - رحمه الله -، حيث يتحدّث عن قراءتين: قراءة
في إرادة الله الشـرعية، وقراءة في إرادة الله الكونية.
إرادة الله الشرعية، هي
الوحي، أو ما يسمّيه بعض المفكرين بـ(كتاب الله المقروء)، أي: القرآن الكريم،
والقراءة في إرادة الله الكونية، وهي عند المفكرين المعاصرين، كـ(سيد قطب)، كتاب
الله المنظور (والمقصود به: الكون). لكن العالم الآخر، الذي هو بحاجة أيضاً إلى
الفهم والإدراك، وقراءته قراءة علمية مبصـرة حديثة، هي القراءة في الإنسان (قراءة
في إرادة الله الإنسية)، بمعنى - كتاب
الله المكنون - .
فما أقصده هنا بثلاثية
الفهم والحركة هي:-
1- القراءة في إرادة الله الشرعية.
2- القراءة في إرادة الله الكونية.
3- القراءة في إرادة الله الإنسانية، و هي بـعد غائب - إلى حدّ
كبير - في الثقافة العامة، والخاصة. وهي إضافة نوعية في فهم الإنسان، وهندسة عقله
ونفسه، وكيفية استجابته، فهو كائن عاقل حرّ أخلاقي، فيه ما ليس موجوداً في
المخلوقات الأخرى، وعن طريقة تعامل الإنسان مع القرآن، ومع الكون، تنتج إمّا حضارة
راشدة، تحقيقاً لمنهج الله في الأرض، أو تدميراً وشروراً وتخلّفاً وانحطاطاً. ومن
هنا يأتي الحديث عن السنن الاجتماعية، وليست السنن الكونية فقط، وقد أحدث البعض
خلطاً في السنّتين: الكونية والإنسانية- الاجتماعية، لكن لكل من هذين الكونين
قوانين خاصة، لا تتطابق من حيث النوع، لكنها ثابتة من حيث المنهج.
بمعنى أن القيام بمنهج الاستخلاف، يتطلب الفهم الديني الشرعي،
واستنباط المعاني الدينية الفقهية الأصولية من الوحي، بالشكل الذي أنزله الله
تعالى، وبيّنه الرسول - صلى الله
عليه و سلم -، ويتطلّب - كذلك - الفهم الكوني، قراءة ما في الكون من قوانين تحكمه،
من الذرّة إلى المجرّة، من حيث طريقة العمل، وطريقة استفادة الإنسان منها.. فالخطأ
في فهم الكون وقوانينه، إمّا تنتج تخلفاً عقلياً، ومجتمعياً، وحضارياً، أو تنتج
آلات التدمير للكون نفسه. ومن خلال المعرفة الكونية يصل العلم إلى تجليات قدرة
الله تعالى، ويعلم بأن لا تناقض بين كتابين من كتب الله: المقروء/ القرآن،
والمنظور/ الكون.
والقراءة الإنسيّة، هي البعد الثالث في الحصول على المعرفة،
والتي تتكامل مع القراءتين الأخريين، من حيث الوصول إلى علم بناء الإنسان،
والتدافع الطبيعي المجتمعي [ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖﯗﯘ].
فبالوصول إلى معرفة الإنسان، وفهم الوحي، ومن ثم الحركة في الكون من أجل البناء
والتعمير، وليس الهدم والتدمير، تتكامل القراءات، في ثلاثية، تتكامل في جزئياتها،
تتناغم وتنسجم وتعمل على خط تصاعدي واضح، وليس تعاملاً تصادمياً، كما يفعل الفكر
الغربي.
النقص في القراءات عند
المسلمين سبّب تخلّفاً لا تخطؤه العين الباصرة، والنقص في قراءة الوحي - كتاب الله
المقروء - لدى الغربيين، أنتج فكراً أو علماً صناعياً تائهاً، بلا غايات، فالصناعة
الغربية الحديثة تتحرّك كالأعمى، كما قال (روجيه غارودي). فنحن في عصرنا لا تنقصنا
التكنولوجيا، مع أهميتها، وما قدمته للعصـر، بل نحن نكاد نموت من كثرة الوسائل
التكنولوجية، بل نحن نعاني من غياب الغايات (وهو ما تقدّمه القراءة في إرادة الله
الشرعية..).
هذه ثلاثية الفهم
والحركة: الوحي والكون والإنسان، في دائرة واحدة متكاملة، من أجل بناء حضارة
إنسانية راشدة..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق