سالم الحاج
تمتد جذور الصحوة الإسلامية في كوردستان العراق في عمق التاريخ، فمنذ أن اعتنق الكورد الدين الإسلامي، والإسلام يشكل لديهم الدين والحضارة والتاريخ.. وقد ساهموا في بناء صرح الحضارة الإسلامية مساهمات جادة، وبرز فيهم رجال كثيرون في ميادين العلم والسياسة..
تمتد جذور الصحوة الإسلامية في كوردستان العراق في عمق التاريخ، فمنذ أن اعتنق الكورد الدين الإسلامي، والإسلام يشكل لديهم الدين والحضارة والتاريخ.. وقد ساهموا في بناء صرح الحضارة الإسلامية مساهمات جادة، وبرز فيهم رجال كثيرون في ميادين العلم والسياسة..
ولا تزال روح التدين لدى الشعب الكوردي عميقة وقوية، وما برحت جذورها متقدة، يحس بها من عايش أبناءه عن كثب.. ولقد كانت المساجد والتكايا مرابط العلم والثقافة في هذه الأرض الطيبة، منذ أن دخل الإسلام إليها، وحتى بداية هذا القرن، عندما بدأت المدارس والجامعات الحديثة
تنتشر في العراق وكوردستان.. ولذلك يجد المتابع أن أغلب، أو جميع، الشعراء والأدباء والكتاب الكورد المعروفين – سواء القدماء منهم أو المحدثين- هم خريجو هذه المدارس المسجدية في الأساس، وقد بقي بعض هؤلاء معتزا بلباسه العلمائي وسلكه الديني، فلم يأنف من أصوله وثقافته الإسلامية..
تنتشر في العراق وكوردستان.. ولذلك يجد المتابع أن أغلب، أو جميع، الشعراء والأدباء والكتاب الكورد المعروفين – سواء القدماء منهم أو المحدثين- هم خريجو هذه المدارس المسجدية في الأساس، وقد بقي بعض هؤلاء معتزا بلباسه العلمائي وسلكه الديني، فلم يأنف من أصوله وثقافته الإسلامية..
وبالطبع فإن هذا التأثير الديني- الإسلامي الكاسح في تشكيل ثقافة الغالبية العظمى من النخب الكوردستانية المثقفة، وحتى أواخر عهد الدولة العثمانية، لا يعني سيادة المذهبية الإسلامية، أو تبلور الوعي الإسلامي عند هذه النخب، ذلك أن الثقافة الإسلامية في كوردستان، وفي العالم الإسلامي كله، كانت تعاني من الرتابة والجمود والتقليدية.. وبالرغم من ظهور مفكرين ومصلحين كبار في أنحاء مختلفة من العالم الإسلامي، إلا أن تأثيرهم ظل محدودا، ولم يستطع أن يوقف الانحدار الذي كانت تشهده الحضارة والمدنية الإسلامية، وهكذا وجدنا أن (الدولة العثمانية) - المتبقي من الحكم الإسلامي للمسلمين – سقطت بدايات هذا القرن، وهو ما كان إيذانا بسيادة عهد (الاستعمار الغربي)، وانتشار وتعدد المذاهب والأفكار القومية والليبرالية، ومن بعدها الاشتراكية في ديار المسلمين..
فالأمر إذن لا يخلو من تشابه، يكاد يكون تاما، بين الحالة الكوردستانية، وحالة النخب الثقافية في باقي المجتمعات العربية والإسلامية المجاورة، فقد كانت الثقافة والمؤثرات الغربية الوافدة، ذات تأثير كبير على تبلور كثير من الأفكار والاتجاهات التي لم تكن متصالحة بالضرورة مع الدين..وهكذا وجدنا أن الأمر بدأ يتجه شيئا فشيئا – كما في باقي البلاد الإسلامية كلها – نحو نشوء طبقتين ثقافيتين : طبقة ذات ثقافة إسلامية (تقليدية في الغالب)، وطبقة ذات ثقافة غربية (ليبرالية –علمانية، في الغالب)..
وقد كان (الفكر الإسلامي) السائد في كوردستان، وحتى أواسط القرن العشرين - كما جرت الإشارة إليه سابقا - عبارة عن فكر تقليدي، يجري تلقيه، في الغالب، على أيدي علماء الدين، سواء في المدارس المسجدية، أم في البيوت والتكايا، وذلك فضلا عن حصص (الدين) في المدارس الرسمية الحكومية!.. ولم يعرف هذا الفكر تطورا أو تجديدا، على الرغم من التطورات الهائلة التي كانت تجري قريبا منه، فقد سقطت (الخلافة العثمانية)، ونودي بالجمهورية التركية العلمانية عام 1924م، وقامت إثر ذلك ما عرف باسم (حركة الخلافة)، التي شملت العالم الإسلامي كله حتى حدود الهند والصين شرقا، ثم أنشأت جماعة (الإخوان المسلمين) في مصر عام 1928م كأول رد فعل عملي مدروس على سقوط الخلافة الإسلامية، وما لزم ذلك من تطورات فكرية وسياسية كبيرة.
وكان المسلمون في كوردستان بعيدين عن كل هذه التطورات..ومع ما يقال من سيادة (نَفَس إسلامي) على صحيفة (كوردستان)، أول صحيفة كردية في العصر الحديث، والتي كانت تصدر من (القاهرة) في مصر، أواخر القرن التاسع عشر، فإن تأثيرها كان معدوما في هذا الميدان، بل إن الفكر القومي، ثم بعد ذلك (الفكر الاشتراكي الماركسي)، هو الذي لعب دور المؤثر والمحرك للجماهير وللحالة الثقافية في كوردستان..
كانت إذن منتصف وأواخر الأربعينيات من هذا القرن، هي الفترة التي شهدت أول انتقال لأفكار جديدة تجديدية، أيقظت الوعي الإسلامي، وحرّكت المسلمين، ونبهتهم إلى ضرورة التغيير والعمل.. وكان ذلك هو أول وصول لفكر (الإخوان المسلمين) إلى كوردستان، وهي الفترة نفسها التي شهدت وصول تأثيرات هذا الفكر إلى العراق، حيث كان الشيخ (محمد محمود الصواف) قد عاد إلى العراق حديثا، بعد أن استكمل دراسته في (الأزهر الشريف) بمصر..
وقد انتشر الفكر الإخواني، الذي كان تأثيره هائلا وتغييريا – نظرا للجمود الذي كان يسود الساحة الكوردستانية – وذلك في كافة المجالات، سواء منها في مجال العلوم الشرعية والفقهية، أم في مجال السلوك والالتزام العملي، أم في ميدان مناهج التدريس، فضلا عن إحياء هموم الدعوة والتبليغ والعمل الجماعي.. وشيئا فشيئا أخذ هذا التوجه الإخواني يثمر رجالا وفكرا ودعوة والتزاما ، تركز أكثر ما تركز في قلب المدن الرئيسية الكبيرة، وخاصة (كركوك) و(أربيل)، وتميزت مدينة (حلبجة) وضواحيها كذلك بوجود إسلامي قوي وناضج فيها..
ونستطيع بموجب بعض المعطيات التاريخية الأولية، أن نقسم المراحل الزمنية التطورية التي شهدها التيار الإسلامي إلى خمسة مراحل، وكالتالي.. وبالطبع فنحن في هذا التقسيم نكون قد راعينا مراحل تطور الفكر الحركي الإسلامي، متجاوزين الجذور الفكرية والسوسيوثقافية للتيارات الإسلامية في كوردستان، لأن ذلك موضوع منفصل ويحتاج إلى دراسة خاصة:
المرحلة الأولى (1949-1971م):
وتبدأ بتحركات وزيارات الشيخ الصواف والشيخ أمجد الزهاوي إلى كوردستان، وحتى إعلان (حل التنظيم) من قبل قيادة الإخوان المسلمين في العراق..وهي فترة طويلة وممتدة، ولكنها لم تشهد أي تطورات تذكر على الصعيد الكوردستاني، بيد أنها بلا شك كانت فترة التأسيس التربوي، والدعوي، لما يأتي بعدها.
المرحلة الثانية (1971 – 1988م):
وتشمل الفترة ما بعد إعلان حل التنظيم، وبداية العمل المناطقي غير المنظم، إلى قصف مدينة (حلبجة) بالأسلحة الكيمياوية و(عمليات الأنفال) سيئة الصيت.. وقد تشكلت في هذه الفترة مجموعة من التنظيمات الإسلامية، خارج إقليم كوردستان، منها: (الجيش الإسلامي الكردي)، بزعامة (عباس شبك/ أبو أسامة) في الفترة من 1980- 1984م، و(رابطة علماء كوردستان)، بزعامة الشيخ (محمد البرزنجي) (1983-1987م)، ثم (الحركة الإسلامية في كوردستان العراق)، بزعامة الشيخ (عثمان عبد العزيز) – رحمه الله - ، والتي تأسست في عام 1987م، وكلها تأسست في (إيران)..
ولا بد من الإشارة هنا إلى تأسيس (الرابطة الإسلامية الكوردية) عام 1988م، وذلك عقب المأساة المرعبة التي هزت الضمير الكوردي والإنساني، والمتمثلة في القصف الكيمياوي لمدينة (حلبجة).. فقد بادر عدد من القيادات الإسلامية الكوردية في الخارج لتشكيل هذه المنظمة، التي يرأسها الدكتور (علي محي الدين القرداغي) - الأستاذ بجامعة قطر، والأمين العام الحالي للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين – لمساعدة أبناء الشعب الكوردي، والتعريف بقضيتهم في العالم.. ولقد استطاعت (الرابطة الإسلامية الكوردية) أن تلعب دورا مشرفا في هذا الميدان، وتضاعفت أهمية دورها في داخل إقليم كوردستان العراق، بعد انتفاضة 1991م، وتشكيل الحكومة الإقليمية، ولا تزال تقوم بواجبها الرائد في خدمة أبناء شعبها..
ولا ننسى أن نشير إلى أن البدايات الأولى لما أصبح يعرف اليوم باسم (الاتحاد الإسلامي الكوردستاني)، قد بدأت بالتشكل في هذه المرحلة، منذ عام 1981م.. وإن كان ذلك لا ينفي أن البدايات الفكرية والتنظيمية لهذا الحزب تعود إلى ما قبل ذلك التاريخ بكثير..
المرحلة الثالثة (1988- 1991م):
وتمتد من عام 1988م الذي شهد قصف مدينة (حلبجة)، وانعكاسات هذا الحدث التراجيدي الكبير على التيار الإسلامي في كوردستان، وحتى الانتفاضة الجماهيرية الكبرى لشعبنا ضد النظام الحاكم في بغداد ربيع عام 1991م، وحدوث الفراغ الإداري وملئه بإدارة (الجبهة الكوردستانية)، التي كانت ائتلافا من مجموعة أحزاب كردية.
المرحلة الرابعة (1991- 1994م):
ونستطيع توصيف هذه المرحلة بـ (الانتقالية)، حيث شهدت تطورات ما بعد (الانتفاضة)، وإجراء أول انتخابات شعبية حرة لأول (برلمان) كوردي، وتأسيس الإدارة الكوردية في الإقليم، وحتى إعلان (قانون الأحزاب الساسية)، الذي ولد في ظله (الاتحاد الإسلامي الكوردستاني)، الذي يمثل ما نستطيع أن نصفه بالامتداد الفكري الطبيعي لتيار (الإخوان المسلمين).
المرحلة الخامسة (منذ عام 1994- ولحد اليوم):
وهي المرحلة التي بدأت بإعلان (الاتحاد الإسلامي الكوردستاني) كأول حزب إسلامي إصلاحي سياسي غير مسلح، حيث لا نزال نعيش تطورات هذه المرحلة.
وبالطبع فإن كل مرحلة من هذه المراحل يستحق حديثا منفصلا، ولكننا سنكتفي بالإشارة إلى بعض المعطيات، وبصورة مختصرة، حسبما تقتضيه المساحة المخصصة لمقال.
ونستطيع في هذه العجالة أن نشير إلى أن الفترة من (1949- 1958م) كانت فترة دعوة عامة، وجولات وزيارات، يقوم بها الشيخ (الصواف)، والشيخ (أمجد الزهاوي)، وغيرهما، إلى مناطق كوردستان المختلفة، وأن هذا الطابع العام لم يشهد تطورا إلا في الأعوام التي تلت قيام النظام الجمهوري في العراق، حيث شهدت المنطقة نوعا من العمل الإخواني المنظم، وقد توقف هذا العمل المنظم عام (1971م) بعد قرار (حل التنظيم)، لتبدأ بعده فترة الدعوة الفردية والعامة، مرة أخرى، وليتحول العمل الإسلامي من العمل السري الحذر، إلى العمل العلني العام، وهو ما أعطى له زخما أكبر بشهادة المعاصرين لتلك الفترة.
ولا يخفى ما كان لحدث (الجهاد الأفغاني)، وقيام (الثورة الإسلامية في إيران)، من تأثير مباشر على العالم الإسلامي عموما، بما في ذلك كوردستان العراق، حيث هز هذان الحدثان مشاعر الأمة، وألهب حماس الشباب المسلم، وأيقظ فيهم مشاعر العزة والشموخ وحب الجهاد..
وكانت أحداث (الحرب العراقية – الإيرانية)، وبعدها أحداث الحملات الاستئصالية الظالمة ضد أبناء شعبنا، والتي تمت تحت شعار قرآني وعرفت باسم (حملات الأنفال)، وبعدها القصف الوحشي لمدينة (حلبجة) بالقنابل الكيمياوية، قد ساهمت جميعا في تغيير وبلورة أساليب العمل ومناهج التفكير عند أبناء التيار الإسلامي.. وهو ما وجد تعبيره – فيما بعد – داخل اتجاهين: برز أحدهما مسلحا يحمل راية الثورة والجهاد، وهو ما أصبح معروفا بـ(الحركة الإسلامية في كوردستان العراق)، والتي أسسها الشيخ (عثمان عبد العزيز)، أحد كبار علماء الدين المعروفين في منطقة (حلبجة)، والذي كان ضمن الناشطين في العمل الإخواني في المنطقة قبل تدميرها من قبل النظام العراقي.. فيما كان الاتجاه الثاني يتشكل ببطء، وبسرية، ولكن بفعالية عالية، تحت إشراف قيادة شابة هاجرت أوائل الثمانينات إلى (إيران)، وبدأت هناك بتنظيم ولم شمل المهاجرين الكورد الذين فروا إلى هذه الدولة، جراء الحرب التي كانت مستعرة بينها وبين (العراق)، دون أن تنقطع العلاقات بينها وبين الشباب الإسلامي الناشط داخل (كوردستان العراق).. وقد تبلور هذا الاتجاه فيما بعد تحت اسم (الاتحاد الإسلامي الكوردستاني)، والذي أعلن عن تأسيسه عام 1994 بقيادة الأستاذ (صلاح الدين محمد بهاء الدين)..
وإذن، فقد كان لانتصار (الثورة الإسلامية في إيران)، وما تلاها من الحرب المدمرة، أثر كبير في كسر الجمود والقيود التي كانت (الصحوة الإسلامية) ترزح تحتها، فقد أتاحت هذه التطورات، بما أفرزته من تراخي قبضة الأجهزة الأمنية الحاكمة، وانشغالها بالمستجدات الحادثة، وكذلك ظاهرة هروب الشباب الكوردي من (الخدمة الإلزامية)، والتجاؤهم إلى (إيران)، التي وضعتهم في (معسكرات)، ساعدت طبيعة الحياة فيها، في خلق فرص وظروف طبيعية، هيأت لانصراف الشباب الإسلامي إلى تعميق الوعي والالتزام لديهم.. أتاحت هذه التطورات، بما أفرزته من عوامل موضوعية في إحداث تطورات وتغيرات نوعية، ليس على صعيد العمل الإسلامي فحسب، بل على صعيد المنطقة بأسرها، وبكافة تياراتها واتجاهاتها.
وقد واصل كلا هذين الاتجاهين، اللذين أشرنا إليهما، نضاله، كل على نهجه وبأسلوبه، ولكن يد الاقتتال الداخلي والحرب الكوردية- الكوردية، وصلت – مع الأسف – إلى تيار الحركة الإسلامية المسلحة، الذي تورط في عدة معارك مع (الاتحاد الوطني الكوردستاني)، ولا زالت (الحركة) تدفع ضريبة ذلك النزاع الذي سوي فيما بعد في مصالحة سياسية. وقد خرج من رحمها حزب إسلامي آخر، هو (الجماعة الإسلامي الكوردستانية)، التي يتزعمها الشيخ (علي بابير).
وظل التيار الإسلامي الوسطي مستمرا على نهجه الدعوي والإغاثي في كوردستان العراق، بعد الانتفاضة الجماهيرية عام 1991م، ولغاية عام 1994م، تحت مظلة وواجهة (الرابطة الإسلامية الكوردية)، بالإضافة إلى عدة مؤسسات ثقافية وفنية وشبابية أخرى، حيث أتاح صدور قانون الأحزاب عام 1993م له الفرصة ليظهر إلى ساحة العمل السياسي العلني لأول مرة في تاريخ كوردستان العراق.. وهكذا أعلن عن تأسيس (الاتحاد الإسلامي الكوردستاني) في 6/2/1994م، وكان ذلك بداية المرحلة الجديدة التي لا نزال نعيش تطوراتها، حيث شهد العمل الإسلامي فيها قفزة كبيرة، وانتعاشا واضحا، تمثل في التوسع الكبير الذي شهدته قواعد وصفوف (الاتحاد الإسلامي الكوردستاني)، وسريان روح الالتزام بين أبناء شعب كوردستان.. وكذلك في بروز دور (الاتحاد الإسلامي الكوردستاني) على الصعيد السياسي، كرقم أساسي وأصيل على الساحة الكوردستانية، وهو ما تمثل في علاقاته الإيجابية مع الأحزاب الكوردستانية الأخرى، وفي الدور الذي لعبه في العملية الحيادية السلمية أثناء الاقتتال الداخلي بين الحزبين (الديمقراطي الكوردستاني، والاتحاد الوطني)، وفي المشاركة الفاعلة في جميع الانتخابات الجماهيرية العامة، التي جرت في الإقليم، وحضوره الواضح في المجالس التشريعية، سواء في كوردستان، أم على المستوى العراقي، فضلا عن اشتراكه في التشكيلات الوزارية لحكومة الإقليم، لعدة دورات ..
ولعل التجربة التي يمثلها (الاتحاد الإسلامي الكوردستاني) بالذات، كحزب إسلامي إصلاحي مدني، والدور الإيجابي الذي يلعبه على الساحة الكوردستانية، سياسيا واجتماعيا وثقافياو..ألخ، يؤشر لنا المديات الواسعة التي يمكن أن يخدم بها وجود المشروع الإسلامي، النسيج المجتمعي والسياسي الكوردستاني.. وخاصة إذا لاحظنا أنه لا استقرار ولا ديمقراطية حقيقية من دون الإنصات إلى نبض الجماهير التي يمثل التيار الإسلامي في كوردستان جزءا أصيلا وكبيرا منها..
وفي ختام هذا العرض التاريخي السريع، فإن التيارات الإسلامية الكوردستانية، بحضورها السياسي والجماهيري، وبما قدمته وأنجزته، قد ساهمت في صنع الحاضر الكوردي، وهي مدعوة إلى المساهمة في بناء المستقبل.. وإننا لنأمل أن تترسخ التجربة الديمقراطية التعددية في كوردستان العراق، بما يهيئ للشعب الكوردستاني فرصة استكمال وخلق الآليات والأطر المناسبة للحيلولة دون عودة الدكتاتورية بأي قناع كان، وبما يسهل – أيضا – من عمل الحركات والأحزاب الإسلامية الحضاري، في تأمين التلاحم الاجتماعي، والرقي بالرؤية الحضارية الإسلامية لأبناء المجتمع، بما يضعه على عتبات الطريق إلى التنمية والتطور وبناء المجتمع المتقدم، وصنع الأجواء الأخوية الإيجابية مع الشعوب والدول الإسلامية المجاورة.. ذلك أن الشعب الكوردي شعب مسلم يعيش بين شعوب مسلمة، وللخطاب والمشروع الإسلامي اليد الطولى والمجال الأوسع والأقرب إلى الواقع لتحقيق التفاهم المتقابل، وترتيب أوراق المصالح المشتركة، وحسن الاستفادة من التاريخ والإنجاز المشترك في الحضارة والحياة السياسية والاجتماعية، وفي بناء غد مشرق لشعوبنا المسلمة..
ونستطيع في هذه العجالة أن نشير إلى أن الفترة من (1949- 1958م) كانت فترة دعوة عامة، وجولات وزيارات، يقوم بها الشيخ (الصواف)، والشيخ (أمجد الزهاوي)، وغيرهما، إلى مناطق كوردستان المختلفة، وأن هذا الطابع العام لم يشهد تطورا إلا في الأعوام التي تلت قيام النظام الجمهوري في العراق، حيث شهدت المنطقة نوعا من العمل الإخواني المنظم، وقد توقف هذا العمل المنظم عام (1971م) بعد قرار (حل التنظيم)، لتبدأ بعده فترة الدعوة الفردية والعامة، مرة أخرى، وليتحول العمل الإسلامي من العمل السري الحذر، إلى العمل العلني العام، وهو ما أعطى له زخما أكبر بشهادة المعاصرين لتلك الفترة.
ولا يخفى ما كان لحدث (الجهاد الأفغاني)، وقيام (الثورة الإسلامية في إيران)، من تأثير مباشر على العالم الإسلامي عموما، بما في ذلك كوردستان العراق، حيث هز هذان الحدثان مشاعر الأمة، وألهب حماس الشباب المسلم، وأيقظ فيهم مشاعر العزة والشموخ وحب الجهاد..
وكانت أحداث (الحرب العراقية – الإيرانية)، وبعدها أحداث الحملات الاستئصالية الظالمة ضد أبناء شعبنا، والتي تمت تحت شعار قرآني وعرفت باسم (حملات الأنفال)، وبعدها القصف الوحشي لمدينة (حلبجة) بالقنابل الكيمياوية، قد ساهمت جميعا في تغيير وبلورة أساليب العمل ومناهج التفكير عند أبناء التيار الإسلامي.. وهو ما وجد تعبيره – فيما بعد – داخل اتجاهين: برز أحدهما مسلحا يحمل راية الثورة والجهاد، وهو ما أصبح معروفا بـ(الحركة الإسلامية في كوردستان العراق)، والتي أسسها الشيخ (عثمان عبد العزيز)، أحد كبار علماء الدين المعروفين في منطقة (حلبجة)، والذي كان ضمن الناشطين في العمل الإخواني في المنطقة قبل تدميرها من قبل النظام العراقي.. فيما كان الاتجاه الثاني يتشكل ببطء، وبسرية، ولكن بفعالية عالية، تحت إشراف قيادة شابة هاجرت أوائل الثمانينات إلى (إيران)، وبدأت هناك بتنظيم ولم شمل المهاجرين الكورد الذين فروا إلى هذه الدولة، جراء الحرب التي كانت مستعرة بينها وبين (العراق)، دون أن تنقطع العلاقات بينها وبين الشباب الإسلامي الناشط داخل (كوردستان العراق).. وقد تبلور هذا الاتجاه فيما بعد تحت اسم (الاتحاد الإسلامي الكوردستاني)، والذي أعلن عن تأسيسه عام 1994 بقيادة الأستاذ (صلاح الدين محمد بهاء الدين)..
وإذن، فقد كان لانتصار (الثورة الإسلامية في إيران)، وما تلاها من الحرب المدمرة، أثر كبير في كسر الجمود والقيود التي كانت (الصحوة الإسلامية) ترزح تحتها، فقد أتاحت هذه التطورات، بما أفرزته من تراخي قبضة الأجهزة الأمنية الحاكمة، وانشغالها بالمستجدات الحادثة، وكذلك ظاهرة هروب الشباب الكوردي من (الخدمة الإلزامية)، والتجاؤهم إلى (إيران)، التي وضعتهم في (معسكرات)، ساعدت طبيعة الحياة فيها، في خلق فرص وظروف طبيعية، هيأت لانصراف الشباب الإسلامي إلى تعميق الوعي والالتزام لديهم.. أتاحت هذه التطورات، بما أفرزته من عوامل موضوعية في إحداث تطورات وتغيرات نوعية، ليس على صعيد العمل الإسلامي فحسب، بل على صعيد المنطقة بأسرها، وبكافة تياراتها واتجاهاتها.
وقد واصل كلا هذين الاتجاهين، اللذين أشرنا إليهما، نضاله، كل على نهجه وبأسلوبه، ولكن يد الاقتتال الداخلي والحرب الكوردية- الكوردية، وصلت – مع الأسف – إلى تيار الحركة الإسلامية المسلحة، الذي تورط في عدة معارك مع (الاتحاد الوطني الكوردستاني)، ولا زالت (الحركة) تدفع ضريبة ذلك النزاع الذي سوي فيما بعد في مصالحة سياسية. وقد خرج من رحمها حزب إسلامي آخر، هو (الجماعة الإسلامي الكوردستانية)، التي يتزعمها الشيخ (علي بابير).
وظل التيار الإسلامي الوسطي مستمرا على نهجه الدعوي والإغاثي في كوردستان العراق، بعد الانتفاضة الجماهيرية عام 1991م، ولغاية عام 1994م، تحت مظلة وواجهة (الرابطة الإسلامية الكوردية)، بالإضافة إلى عدة مؤسسات ثقافية وفنية وشبابية أخرى، حيث أتاح صدور قانون الأحزاب عام 1993م له الفرصة ليظهر إلى ساحة العمل السياسي العلني لأول مرة في تاريخ كوردستان العراق.. وهكذا أعلن عن تأسيس (الاتحاد الإسلامي الكوردستاني) في 6/2/1994م، وكان ذلك بداية المرحلة الجديدة التي لا نزال نعيش تطوراتها، حيث شهد العمل الإسلامي فيها قفزة كبيرة، وانتعاشا واضحا، تمثل في التوسع الكبير الذي شهدته قواعد وصفوف (الاتحاد الإسلامي الكوردستاني)، وسريان روح الالتزام بين أبناء شعب كوردستان.. وكذلك في بروز دور (الاتحاد الإسلامي الكوردستاني) على الصعيد السياسي، كرقم أساسي وأصيل على الساحة الكوردستانية، وهو ما تمثل في علاقاته الإيجابية مع الأحزاب الكوردستانية الأخرى، وفي الدور الذي لعبه في العملية الحيادية السلمية أثناء الاقتتال الداخلي بين الحزبين (الديمقراطي الكوردستاني، والاتحاد الوطني)، وفي المشاركة الفاعلة في جميع الانتخابات الجماهيرية العامة، التي جرت في الإقليم، وحضوره الواضح في المجالس التشريعية، سواء في كوردستان، أم على المستوى العراقي، فضلا عن اشتراكه في التشكيلات الوزارية لحكومة الإقليم، لعدة دورات ..
ولعل التجربة التي يمثلها (الاتحاد الإسلامي الكوردستاني) بالذات، كحزب إسلامي إصلاحي مدني، والدور الإيجابي الذي يلعبه على الساحة الكوردستانية، سياسيا واجتماعيا وثقافياو..ألخ، يؤشر لنا المديات الواسعة التي يمكن أن يخدم بها وجود المشروع الإسلامي، النسيج المجتمعي والسياسي الكوردستاني.. وخاصة إذا لاحظنا أنه لا استقرار ولا ديمقراطية حقيقية من دون الإنصات إلى نبض الجماهير التي يمثل التيار الإسلامي في كوردستان جزءا أصيلا وكبيرا منها..
وفي ختام هذا العرض التاريخي السريع، فإن التيارات الإسلامية الكوردستانية، بحضورها السياسي والجماهيري، وبما قدمته وأنجزته، قد ساهمت في صنع الحاضر الكوردي، وهي مدعوة إلى المساهمة في بناء المستقبل.. وإننا لنأمل أن تترسخ التجربة الديمقراطية التعددية في كوردستان العراق، بما يهيئ للشعب الكوردستاني فرصة استكمال وخلق الآليات والأطر المناسبة للحيلولة دون عودة الدكتاتورية بأي قناع كان، وبما يسهل – أيضا – من عمل الحركات والأحزاب الإسلامية الحضاري، في تأمين التلاحم الاجتماعي، والرقي بالرؤية الحضارية الإسلامية لأبناء المجتمع، بما يضعه على عتبات الطريق إلى التنمية والتطور وبناء المجتمع المتقدم، وصنع الأجواء الأخوية الإيجابية مع الشعوب والدول الإسلامية المجاورة.. ذلك أن الشعب الكوردي شعب مسلم يعيش بين شعوب مسلمة، وللخطاب والمشروع الإسلامي اليد الطولى والمجال الأوسع والأقرب إلى الواقع لتحقيق التفاهم المتقابل، وترتيب أوراق المصالح المشتركة، وحسن الاستفادة من التاريخ والإنجاز المشترك في الحضارة والحياة السياسية والاجتماعية، وفي بناء غد مشرق لشعوبنا المسلمة..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق