يزداد المشهد السياسي العراقي تعقيداً أكثر مما هو عليه، إثر المعارك الطاحنة الدائرة في محافظة الأنبار، التي شهدت خلال عام كامل تظاهرات واعتصامات، إلى جانب محافظات عراقية أخرى، احتجاجاً على سياسات حكومة رئيس الوزراء (نوري المالكي).
وتأتي معارك (الأنبار) بين مسلحي العشائر والقوات الحكومية بعد قيام الأخيرة باقتحام ساحتي اعتصام (الرمادي) و(الفلوجة)، وإزالة خيام المعتصمين السلميين، واعتقال عدد منهم بتهمة إيواء عناصر متشددة تناهض العملية السياسية.
ويبدو أن الطرف المناهض لسياسات الحكومة يعتقد بحسب الدكتور (محمد طه حمدون) أن: "غاية رئيس الوزراء نوري المالكي من هذه الأفعال من قبيل اقتحام المدن، وتأزيم الوضع عبر استهداف الرموز والقيام بانتهاكات، يراد منه إشعال فتيل أزمة لكي يؤجل بها
الانتخابات لضمان بقائه في السلطة، حسب تعبيره.
وقال (محمد طه حمدون)، وهو الناطق باسم الحراك الشعبي في العراق، خلال تصريح لـ (الحوار): "هناك خلط للأوراق من قبل الحكومة، وحقيقة ما يحدث هو أن أبناء العشائر يرفضون قيام القوات الأمنية وعناصر "سوات" إهانة شيوخ العشائر والرموز الاجتماعية والدينية، كما فعلوا مع الشيخ أحمد العلواني، وهم يرفضون دخول تلك القوات إلى مدن محافظة الأنبار، ويريدون أن يحكم هذه المناطق حكومة محلية تمثلهم".
وأكد (حمدون) أن المسلحين من أبناء العشائر قاموا أيضاً بمواجهة المجاميع المتشددة وإخراجها من مناطق في الأنبار، مشيراً إلى أن العراق يعيش أزمة حقيقية بفعل سياسات رئيس الوزراء نوري المالكي، داعياً في الوقت نفسه الجميع إلى تحمل مسؤولياتهم وإيقاف ما أسماه بـ"المؤامرة".
وبشأن المبادرات التي طرحت لحل الأزمة أوضح الدكتور (محمد طه حمدون) أن: "المبادرات التي طرحها عدد من القادة السياسيين ومنهم رئيس المجلس الأعلى الإسلامي عمار الحكيم، وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، ورئيس إقليم كوردستان مسعود البارزاني، لم تلق أذاناً صاغية من رئيس الوزراء العراقي".
من ناحيته قال المراقب السياسي العراقي (مؤيد جبير) في تصريح لـ(الحوار) إن: "الأزمة الناشبة في الأنبار لها انعكاسات سياسية على أهل المحافظة أنفسهم، وبالخصوص الرافضين لسياسات الحكومة، فهم يريدون إعادة النظر في مواقفهم تجاه العملية السياسية".
وتابع (جبير) بالقول: "ربما تؤثر هذه الأحداث على القرار الجماهيري في المشاركة في الانتخابات من عدمها في المرحلة المقبلة"، مبيناً أن :"الرأي العام الأنباري مُحبط من مواقف السياسيين الضعيفة".
وحذر (جبير) من انعكاس أحداث (الأنبار) على الأوضاع الأمنية للبلاد قائلاً: "من المحتمل أن تنتقل الأحداث إلى محافظات أخرى، خصوصاً إلى حزام بغداد، ومحافظتي نينوى وصلاح الدين في مرحلة قادمة"، مشيراً إلى أن الأوضاع الاقتصادية تتأثر سلباً هي الأخرى وبشكل حاد نتيجة هذه الأحداث.
وأوضح (جبير) أن الأوضاع الاجتماعية تبدلت وتغيرت هي الأخرى على مستوى القيم، وتجذرت الطائفية، وزاد التخندق المذهبي، حسب تصوره.
وعزا المراقب السياسي العراقي (مؤيد جبير) مواقف حكومات الدول الغربية، وفي مقدمتها الإدارة الأمريكية، الداعم للعمليات العسكرية الحكومية في الأنبار، إلى الإعلام الغربي، لأنه يعتمد في نقل الأحداث كثيراً على الرواية الحكومية الرسمية، ويحاول تصوير هذا النزاع على أنه بين الجماعات المتشددة والحكومة، وهذا اختزال كبير للمشهد في محافظة الأنبار.
من جهته قال المراقب السياسي الكوردي (شيروان شميراني) في تصريح لـ(الحوار): إن هناك انعكاسات لأزمة الأنبار على إقليم كوردستان بشكل مباشر وغير مباشر، مبيناً أن: "نزوح العوائل الأنبارية إلى مدن الإقليم، وتحديداً إلى العاصمة أربيل، سيؤثر على الوضع الأمني" لاعتقاده أن: "من بين النازحين الصالح والطالح، وهذا ما يجب أن تنتبه إليه الجهات الأمنية الكوردستانية"، "فضلاً عن انعكاسات أخرى على الخدمات والاقتصاد، وحتى على الحالة الاجتماعية".
(شميراني) أكد أيضاً أن لأحداث الأنبار انعكاسات سياسية، لأن هذه القضية حسب رؤيته تدخل ضمن ما أطلق عليه "المساومات السياسية" تسبب إحراجاً للكورد، فمن جهة يطلب المكون السني من إقليم كوردستان دعمه سياسياً في أزمة الأنبار، ومن جهة أخرى تطلب الحكومة الاتحادية من حكومة الاقليم الوقوف إلى جانبها فيما تسميه محاربة "الارهاب".
وحذر المراقب السياسي الكوردي (شيروان شميراني) القيادة السياسية في الإقليم من التورط عسكرياً في حرب الأنبار لأن ذلك سيكون له تداعيات على كوردستان هي في غنى عنها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق