محمد صادق أمين
بحسب الخبرة التراكمية للعاملين في الحقل السياسي، وهي خبرة قصيرة، نظرا لكون الإسلام قد عزل عدم قبول النقد، وعدم مراجعة الذات، مأخذ قوي يؤخذ على العاملين في الحقل السياسي الإسلامي، وسبب هذا الإشكال، من وجهة نظري، يعود إلى أمرين اثنين:
أصبح (الإسلام السياسي)، في عموم دول العالم الإسلامي، جزءا أصيلا في الخارطة السياسية، بعد أن أثبت حضوره القوي على كل الصعد، الثقافية، والفكرية، والأدبية، والإنسانية، بشكل عام، إلى جانب الحضور السياسي.عن الحياة السياسية على مدى قرنين، ومنع من التفاعل مع مخرجات الحياة والواقع، بقوة السلاح والقانون والتضليل الثقافي.
وثمة إشكالية ثقافية ترافق هذا الانتشار الجماهيري الواسع، وهي مسألة تقبل النقد الصادر من الآخر، ونقد
الذات، الذي يتأتى من المراجعة المستمرة للنهج الذي تتعامل به الحركات والجماعات السياسية، ونقد الذات نقدا بناء يؤهلها لاستدراك العيوب، ودعم مواطن القوة. فالتجارب السياسية المستندة للمرجعية الإسلامية تجارب بشرية لا تأخذ قدسيتها من قدسية الإسلام كدين، بل هي منطلقات تسترشد بمرجعية الإسلام، وتتخذه نهجا تؤسس عليه حراكا إنسانيا، يعتوره ما يعتور الطبيعة البشرية القائمة على أساس الخطأ والصواب. لذلك، فالإسلام السياسي تجربة إنسانية قابلة للنقد والمراجعة والتصحيح والتغيير،
الذات، الذي يتأتى من المراجعة المستمرة للنهج الذي تتعامل به الحركات والجماعات السياسية، ونقد الذات نقدا بناء يؤهلها لاستدراك العيوب، ودعم مواطن القوة. فالتجارب السياسية المستندة للمرجعية الإسلامية تجارب بشرية لا تأخذ قدسيتها من قدسية الإسلام كدين، بل هي منطلقات تسترشد بمرجعية الإسلام، وتتخذه نهجا تؤسس عليه حراكا إنسانيا، يعتوره ما يعتور الطبيعة البشرية القائمة على أساس الخطأ والصواب. لذلك، فالإسلام السياسي تجربة إنسانية قابلة للنقد والمراجعة والتصحيح والتغيير،
1- توهم البعض، خصوصا في بداية القرن العشرين، أن عصمة الإسلام تنجر على العمل السياسي الإسلامي! لأنها دعوة لتغليب حاكمية الله تعالى على البشر، ومعارضة هذه الحاكمية كفر، وفق هذا التصور، وبالتالي فإن نقد هذا المسار كأنه نقد لهذه الحاكمية. لذلك،كانت بعض الجماعات، في تلك المرحلة، تقول: نحن جماعة المسلمين! ما يعني أن عدم الانخراط فيها خروج على هذه الجماعة!.
2- ثقافة الوصاية البابوية على الإنسان متجذرة في ثقافة الشرق، فهي كالماء والهواء! فسلطة الحاكم بأمره تبدأ من الأسرة، وتنتهي بالسلطان، ظل الله في الأرض! فالأب في الأسرة هو الحاكم بأمره، والمعلم في المدرسة، والمدير في العمل، والمختار في الحي.. وهكذا، حتى أن الإنسان الشرقي غير قادر على تصور نفسه يحيا بلا وصاية أحدهم عليه!.
الجماعات الإسلامية جزء من هذا الواقع، وهي تحمل كل حسناته وعيوبه ومثالبه، لذلك هي جزء من الثقافة العامة التي ابتلي بها المجتمع.
مخرجات هذا الإشكال
ثقافة عدم قبول المراجعة والنقد الذاتي، انعكست على أرض الواقع على شكل آثار قيدت العمل، وساهمت في تأخير تحقيق (الإسلام السياسي) أهدافه بالوصول للحكم، ومن هذه الآثار:
أ- الجمود الحركي، الذي سببه عدم تحرك دورة الحياة داخل كيان الجماعات الإسلامية، فالإنسان بحسب الثقافية الإسلامية يزاد قيمة ووزنا في التنظيم، كلما اكتسب أقدمية دعوية، لذلك، حين تختار الجماعة شخصا في موقع قيادي داخلها، يأخذ (تأبيدة) في هذا الموقع! لا يزيحه إلا الموت، وإن قيل له تنح وافسح المجال لغيرك، ينقلب على عقبيه، ويقلب لجماعته ظهر المجن!!! وثمة العشرات من القصص التي يمكن الاستشهاد بها على هذا الأمر.
ب- شخصنة العمل السياسي، وغياب المؤسسية، وكأن انفراد النبي (صلى الله عليه وسلم)، المدعوم بالوحي، مبرر لوجود (الحاكم بأمره) داخل الجماعة، يدعم ذلك العشرات من النصوص التي جاءت تطالب المجتمع بطاعة الأمير، والتي أنزلت على العمل السياسي الحزبي إنزالا!.
ج- بروز ظاهرة التهميش داخل صفوف الأحزاب والجماعات الإسلامية، خصوصا لشريحة الشباب والنساء، ما يستدعي حصول انشقاقات داخل الصف، على فترات متباعدة، حيث تخرج حركات تصحيحية تؤسس لأحزاب جديدة، سرعان ما تكرر أخطاء الأحزاب التي انشقت عنها!.
حركات التصحيح
(الاتحاد الإسلامي الكوردستاني) نموذجاً
في هذا الخضم، وهذا المعترك الثقافي المر، برزت تيارات تصحيحية تحاول أن تؤسس على إرث الماضي حراكا يقفز على هذه الأخطاء، ويؤسس لعمل يعصرن مفهوم العمل السياسي الإسلامي، الذي يوازي بين السياسة والدعوة. هذه التيارات أسس لها جيل من الشباب المتنور، الذي فهم طبيعة الحراك الإنساني وفق السنن الأرضية، على ضوء قراءة تجارب الآخرين، وأخطاء الأقدمين.
ويمكن أن أعتبر (الاتحاد الإسلامي الكوردستاني) نموذجا لهذا التيار التصحيحي، في إطار العمل السياسي الإسلامي، والذي سيحتفل هذا الشهر بالذكرى العشرين لتأسيسه كحزب سياسي، يشكل مفصلا مهما من مفاصل العمل السياسي في كوردستان الجنوبية (كوردستان العراق)، للأسباب التالية:
أ- مرونة النظام الداخلي للحزب، والذي أقر العمل المؤسسي داخله، بحيث جعل القاعدة العريضة من جماهير الحزب مرجعية، هي الأعلى في كل مرجعيات الحزب، وهي (المؤتمر العام) الذي يملك صلاحيات تغيير كل شيء في الحزب، من الاسم، إلى الشعار، إلى المنهاج والأهداف، انتهاء بالأشخاص والقيادات، من خلال آلية التصويت.
ب- من خلال متابعة المؤتمرات الست، التي عقدها الحزب بانتظام، ودون انقطاع، لاحظت صعود الخط البياني لعمليات المراجعة، والتأسيس للعمل المؤسسي، الذي يبتعد عن الشخصنة. على سبيل المثال: الأمين العام، هو أعلى منصب إداري في الحزب، ومن يدير الحزب هو مؤسسة الأمانة العامة، وليس شخص الأمين العام، بحيث إن تغيير الأمين العام يمر كحدث طبيعي، بمغادرة شخص وتولي شخص تال، كما حصل في المؤتمر السادس، ولا يزال الحزب يعمل بنفس الروح والمنهجية والحيوية.
ج- في المؤتمرات التي سبقت المؤتمر السادس، كانت قيادات الحزب تبادر إلى الانسحاب من سدة القيادة، بشكل قرار فردي، لإفساح المجال أمام الدماء الشابة للتدفق إلى سدة القيادة. هذا النضج الفردي تحول إلى نضج جماعي، انعكس على شكل قرارات في المؤتمر السادس، حددت ولايتين اثنتين فقط للأمين العام، ولمناصب قيادية أخرى، لضمان الحركة في دورة حياة الجماعة.
د- سعى الحزب لتمثيل الفئات الاجتماعية داخل المؤسسة، وفي صناعة القرار وتحديد المصير. على سبيل المثال، حين يختار الحزب أعضاء (المؤتمر العام)، الذي هو أعلى سلطة، لا يقتصر التثميل على الجهاز التنظيمي، بل يشمل المؤسسات التي تعمل على نشر الدعوة، وقد يكون فيها أفراد ليسو على مستوى تنظيمي رفيع، مثل مؤسسة الإعلام، حيث تحدد نسب تمثيل للمؤسسات الإعلامية، ويتم اختيار أعضاء من داخل هذه المؤسسات، بناء على نظام انتخابي يعتمد العلانية والشفافية، ولا يأخذ بالتزكية إطلاقا. نفس الأمر ينسحب على الطلاب، والمرأة، وما سواهما، هذه الإجراءات تساهم في رفع مستوى التمثيل الجماهيري، وتوسيع قاعدة الرأي، وبالتالي تكون مساحة النقد الذاتي أوسع.
هـ - عدم اعتراض الحزب على ممارسة النقد المؤسسي والشخصي، من خلال النقد الداخلي، الذي يتم في اللقاءات الحزبية، والاجتماعات الموسعة، والمؤتمرات التنظيمية، والندوات التثقيفية، ومن خلال النقد المعلن عبر وسائل إعلام الحزب، فالأمر الذي لا يشكل شأنا داخليا صرفا، يمكن نقده في العلن، دون أن يتعرض الناقد للمسائلة أو المتابعة.
أعتقد أن تجربة (الاتحاد الإسلامي الكورستاني) لها خصوصية تجعلها فريدة في ممارسة العمل السياسي الإسلامي، نظرا لحجم الرشادة والوعي والاتقان، والأخذ بأسباب العصر، ومتطلبات المرحلة الإنسانية، التي استلزمت أن يتغير الإنسان فهما ووعيا مع متغيرات العصر: التقنية والتكنولوجية والثقافية، إلى جانب مؤثرات العولمة الثقافية، التي تبعت ثورة الاتصالات والمعلومات.
هذه التجربة تستحق الدراسة والوقوف عندها مليا، من قبل دارسين متخصصين، لتقدم نموذجا عمليا للجماعات الأخرى في العالم، وهي لم تأخذ حيز الظهور والانتشار لسببين أساسيين:
أ- الصغر النسبي للموقع الجغرافي لكوردستان الجنوبية (العراق)، وعدم وجود صفة لهذا الموقع الجغرافي، من حيث الواقع الدولي، إلى جانب وجود إشكالات سياسية إقليمية تمنع الانتشار والظهور.
ب- ضعف الحضور الثقافي والإعلامي الخارجي، وعدم القدرة على تسويق الذات ثقافيا، وربما يعود هذا في أحد جوانبه إلى ضعف الثقة بالنفس، بسبب حداثة التجربة، وحداثة أعمار العاملين فيها نسبيا، يضاف لذلك كله: الفقر المادي للحزب المحدود الموارد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق