د. يحيى عمر ريشاوي
جمعني لقاء بأحد المسؤولين البارزين في الإقليم فوجدتها فرصة
سانحة كي أسأله سؤالاً صريحاً، راجياً منه الإجابة بمنتهى الصراحة: (بصفتكم قريبين
من رئيس حكومة الإقليم، ونائبه، وتعايشونهما يومياً، هل شعرتم يوماً بأنهما - من الناحية
الإنسانية والأخلاقية - يحسّان فعلاً بعمق معاناة المواطنين، ومدى التدهور الاقتصادي
والسياسي والاجتماعي الذي نحن فيه؟) قبل أن تسمع الإجابة – ويقيني بأنك تعرفها ولن
تتفاجأ بها - لا بأس أن أصف لك شيئاً من المشهد العام الذي أعيشه وتعيشه أنت بالتأكيد:
- الحكومة مشلولة تماماً، لا خطط، لا خدمات، لا مشاريع، حتى
الاجتماعات الأسبوعية (البروتوكولية) تحولت إلى فصلية أو (مناسبية)! حكومة تسيير الأعمال
والشؤون اليومية، والحضور في المؤتمرات
والمعارض من أجل إلقاء كلمة الترحيب وقص الشريط
فقط !
- برلمان معطل، وأحزاب متصارعة إلى حد اليأس، وكل يغني على
ليلاه.. جولات تفاوضية من دون تفاوض، ومبادرات
حزبية من دون مبادر، ولجان تحقيقية من دون تحقيق! باختصار، الوضع الصحي للجسد السياسي
في الإقليم لا يحسد عليه، ومتجه نحو صالة الإنعاش.
- الطقس الاقتصادي غائم جداً، والضباب يحول بينك وبين رؤية
واضحة لأحوال السوق! الوزارات الخدمية والجامعات والمدارس ومؤسسات الحكومة في أسوء
الأحوال، إلى حد جعل من المتحدث باسم معرض أربيل (الدولي!) يضطر إلى عدّ (العراق!)
من ضمن الدول المشاركة في المعرض، كي ينجح في إيصال عدد الدول المشاركة إلى (7)!
- الحالة السايكولوجية للمواطن لا تبشر بخير، والضغوط النفسية
والاقتصادية والسياسية أفرزت العديد من المشاكل الاجتماعية، أهونها هجرة العقول والطاقات
من جديد إلى الخارج، وكأننا نعيش من جديد مشهد التسعينيات من القرن المنصرم، فحسبك
أن تسمع عن قيادي في حزب بارز، أو مدير عام لمؤسسة حكومية مهمة،
أو عميد لكلية مرموقة، يسأل عن كيفية الوصول إلى كندا أو ألمانيا أو جزر الواق واق
للحصول على إقامة ! حتى ترى المشهد بهذه التشاؤمية المفرطة.
- الطامة الكبرى تكمن في أنك حين تحاول أن تصف شيئاً من هذا
المشهد، لشخص مستفيد من هذه الأوضاع، بل ومشارك فيه، يسرد لك هو أيضاً قائمة عريضة
لنماذج الفساد الإدارى والضيم الاجتماعي والمحاربة الحزبية، ولا يدعك تذكر مثالاً حول
هذه الأوضاع إلا ويأتي هو أيضاً بمثلها بل وأسوء!
بعد هذا الوصف الزهيد للمشهد القائم (القاتم) في الإقليم،
أريد أن أسمعك جواب المسؤول البارز، والذي
أجابني بكل بساطة، ومن دون تردد: لا أريد أن أكذب عليك، لم أحسّ يوماً قط بأنهما
فعلاً يشعران بعمق هذه القائمة من المعاناة البتة!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق