د. حكيم مختار
دعوة مهمة جداً، مخلصة
جداً، لكافة المخطّطين والعاملين فى المؤسسات والمنظمات الإسلامية: الخيرية
والدعوية.. أن ينتبهوا إلى الحقيقة المّرة، ويدركوا أن قد: آن الأوان أن ندعو
المسلمين إلى الإسلام، أوّلاً..لا أن ندعو الآخر - غير المسلم - أوّلاً، بل البدء بالمسلمين أولى!.. - ذلك لأن
المسلمين في الواقع العملي عموماً - إلا من عصم ربي، وقليل ما هم- :
- أصبحت عقيدتهم مغايرة لما أمر به الله ورسوله..
بعيدة عن ما جاءت به تفاصيل شريعة الإسلام.
- وأصبح تعامل أغلب المسلمين بعضهم مع بعض
أولاً، ومع غير المسلمين ثانياً، مخالفاً لما أمر به الله ورسوله.
إذ لم
نعد نمثلّ أخلاق الإسلام العظيم، ما
يجعلنا مؤهلين الآن لدعوة الآخر - غير المسلم - إلى الإسلام.. ففاقد الشيء لا
يعطيه.
والشرائع والأديان تنير
الدرب، وتهدي إلى طريق الخير.
والإنسان يختار سبيله، وتتحدد سعادته، أو شقاؤه،
على ضوء اختياره.
والسلف الصالح - بعد الأنبياء والمرسلين – دعوا
إلى ما كان هؤلاء الأنبياء والمرسلون يدعون إليه.
هؤلاء كلهم كانوا
متميّزين.. ميّزتهم الأساسية أنهم كانت لهم قيم وسلوكيات راقية، وكانوا قمة في: الخلق
الحسن.
اقتدى بهم، واهتدى بهديهم، أفراد، ثم جماعات،
فشعوب وأمم، دخلوا هذا الدين الحنيف، ولم تمض سوى سنوات يسيره حتى نشأت بهؤلاء أمة
واحدة، هي خير أمة أخرجت للناس، وأقاموا دولة الإسلام، وهي أعدل دولة في تاريخ
البشرية..
و دام الأمر قروناً..
إذاً، بسمّو أخلاق الدعاة،
سمت أخلاق المسلمين.. وبذا رحّب الآخرون بالإسلام..
وبتدنّي أخلاق الدعاة، تدنّت أخلاق المسلمين..
وبذا نفر الآخرون من الإسلام ..
ورغم انحرافات هنا وهناك..
بقي الإسلام، وأخلاق الإسلام، هو السمة الحاكمة في سلوك وأخلاق المسلمين.
- المسلمون الأوائل فهموا
أن الأخلاق صُلب الدين، وفهموا العلاقة بين الدين والأخلاق، كما في المعادلة
التالية:
دين + أخلاق =
دنيا و آخرة
أخلاق – دين =
دنيا بلا آخرة
دين ــ أخلاق
= لا دنيا ولا آخرة
سند المعادلة: قوله تعالى:
[وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ
فَأُولَئكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا](1) (
دنيا وآخرة).
وقوله تعالى: [وَلَوْ
أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ
السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ...](2). (دنيا...)
وقول رسوله (صلى الله عليه
وسلم): (من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، لم يزدد إلا بعداً من الله)(3).
(لا دنيا ولا آخرة).
-وفي الحديث الشريف، الذي
جمع فأوعى(4): سئل رسول الله (صلى
الله عليه وسلم) عن أيّة حسنة أعظم عند الله، أجاب (صلى الله عليه وسلم): حسن
الخلق . وسئل (صلى الله عليه وسلم) عن الإيمان: كيف يكمل، أجاب: حسّن خلقك، يكمل
إيمانك.
- وفي محطه مهمة أخرى،
يقول الرسول الكريم: إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه، فزوّجوه(5). (وفيه
تأكيد صريح من الدين كلِّه على: الأخلاق) .
إذاً، فهم الدعاة الأوائل
حقيقة الإسلام أنه دين جلّه أخلاق، وأهم ما فيه هو حسن الخلق.. فتخلّقوا بأخلاقه،
وأفلحوا في مهمتهم الدعوية خير فلاح، وغدوا رحمة مهداة إلى البشرية.
أماّ اليوم، فإن بيوت الله
في كل العالم عامرة بالمصلين! (والحمد لله).. لكن يا ترى كم هي النسبة من هؤلاء
المصلين أخلاقهم مقاربة - ولا نقول مطابقة- للأخلاق التي جاء بها الإسلام العظيم..
لا شك أن النسبة متدنية.. ولذا فإنهم بتدنّي خلقهم، ينفرون الآخرين من الإسلام.
ونخشى أن يكون زماننا بهذا الوصف، هو الزمان
الذي قصده الخليفة الراشد أمير المؤمنين (علي بن ابي طالب) (رضي الله عنه) حيث
قال: يأتي على الناس زمان لا يبقى فيهم من القراّن إلاّ رسمه، ومن الإسلام إلاّ
اسمه: مساجدهم يومئذ عامرة من البناء، خراب من الهدى، سكانها وعمّارها شّر أهل
الأرض(5).
عموماً، يعيش العالم
الإسلامياليوم واقعاً مُرّاً، شديد المرارة. أبرز سمات هذا الواقع المّر هو:
الجهل، والتخلف، الاختلاف، فالتمزق..
مرّد كلّ ذلك هو البعد عن منهج الله، وخاصة في
الجانب الأخلاقي.
غاية بعثة النبـي هو ما
صرح به (محمد) (صلى الله عليه وسلم) بذاته المباركة: (إنما بعثت لأتمم مكارم
الأخلاق)(6).
ولكن المسلمين في واد، والأخلاق التي جاء بها
الإسلام العظيم في واد آخر..
كنتيجة: فسد فهم العقيدة،
وساءت الأخلاق، وصعب التعامل مع المسلمين.
على صعيد الأمة الإسلامية،
فإن هذه النتيجة المرّة أدت إلى:
- شيوع الظلم، وقوانين
الغاب، في أغلب البلدان الإسلامية.
- حرمان المسلمين من نصر
الله، فغدوا مهزومين أمام قوى الاستكبار العالمي.
- فساد أغلب القيادات
والنظم الإدارية والسياسية.
- غياب نظم العدالة
الاجتماعية، وانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان.
- غياب الأمن والأمان.
- غياب الاستقرارالسياسي،
ثم الاقتصادي.
- وحتى الجماعات
الإسلامية، من أحزاب وجمعيات، فإن أغلبها لم تتمكن من تحقيق المستويات المقبولة من
طموحاتها الإصلاحية..
ــ هبوط مستويات التعليم،
والتعليم العالي، إلى أدنى المستويات.
- شيوع الجهل، وانغلاق
العقل، والخلل في التفكير السليم.
- هجرة أغلب العقول والطاقات الإسلامية، من
حملة الشهادات العليا، ورجال الأعمال المتمكنين، إلى خارج بلاد المسلمين.
وما كل هذه السلبيات إلا نتيجة طبيعية لسلوك الأفراد في مجتمعنا المسلم، الذين
غالبيتهم العظمى:
- لم يعودوا يفقهون جوهر الدين، بل مراسيمه ومظاهره.
- ضعف وخلط في فقه الولاء والبراء لديهم.
-ضعف الالتزام عندهم، وعدم التفقه بأدب الاختلاف.
- تفشي سوء الخلق في الغالبية العظمى.. من غيبة،
ونميمة، وفضول، وتدخل في شوؤن الآخرين .
- وكذا تفشي البغض، والحسد، حتى بين الغالبية
العظمى من الملتزمين بالعبادات.
- والجشع، والتحايل في التعامل، باسم الحيل
الشرعية، وتأويلات:الضرورات تبيح المحظورات.
- عدم الالتزام بالمواعيد، وعدم إدراك قيمة
الوقت.
- تغليب المصلحة الشخصية على المصالح التي تخدم
الإسلام، حيثما ظهر تعارض.
- وعموماً: عدم الإخلاص في العمل.
- والطامة الكبرى تكمن في
إننا، وغالبيتنا الذين هم الأسوء خلقاً، نحسب أننا الأحسن خلقاً!.. والجنّة لا شكّ
مضمونة!!
- بهذه السلبيات في
السلوك، والأخلاق، والتعامل، ثم في غياب العقل والتفكير السليمين.. وفي أجواء
انعدام الأمان، والإنعاش الاقتصادي، وشيوع الفساد الإداري والسياسي.. والآخر (غير
المسلم) يطّلع ويرى هذا الواقع المخزي، فكيف له
- لهذا الآخر غير
المسلم- أن يقبل دعوة المسلم له إلى
الإسلام، وهو يرى هذا المثال غير الصادق أمامه؟!
كيف لهذا الآخر (غير المسلم) أن يتنازل عن حقوقه، وإنسانيته، وهو يتمتع بصيغ أفضل من
الحقوق والعلاقات الإنسانية، وهو يعيش في كنف نظم في بلاد غير إسلامية؟! كيف لهذا
الآخر غير المسلم أن يقبل دعوة من لا يمثلون الإسلام، عقيدة وسلوكاً وأخلاقاً،
بينما يرى من بني جنسه، من غير المسلمين: العدالة، والصدق، وحسن الخلق.
- إذاً، من ندعو إلى هذا
الواقع المّر؟.. هل ندعو غير المسلمين إلى الإسلام، فيرون هذا الواقع المتدهور
للمسلمين، فينفروا من الإسلام؟!.. أليس هذا ظلماً بحق الإسلام، وبحقّ الإنسانية،
التي هي في أمسّ الحاجة الآن إلى الإسلام،
وإلى سماحته، وسمو أخلاقياته؟!.. أليس الأولى أن نبدأ ببناء ديارنا، قبل أن نبدأ
حتى بالتفكير في بناء ديار الآخرين؟!.. وإذا لم نبن دولة الإسلام في نفوسنا، فهل
يحقّ لنا أن ندعو إلى بنائها في نفوس الآخرين؟..
- هذه دعوة مخلصة إلى
مخططي الدعوة، وإلى الدعاة الميدانيين خاصة، وإلى كل العاملين في المؤسسات
والمنظمات الإسلامية، لأن يعيدوا حساباتهم،
ويراعوا مبادىء فقه الأولويات، فيبدأوا بالأهم قبل المهم.
فقد آن الآوان أن نبدأ
بدعوة أنفسنا إلى الإسلام العظيم، قبل أن ندعو الآخرين إليه.. فإن صلح أمرنا، فلا
شك أن يؤدي ذلك إلى إصلاح الآخرين..
وإذاً: آن الآوان أن تعيد
مؤسسات الدعوة الإسلامية النظر في خططها، وتغيّر أهدافها، وتركّز جل طاقاتها،
وإمكانياتها، وتبدأ أول ما تبدأ بالدعوة بين دعاة المسلمين أنفسهم، ومن ثم رسم
السياسات البناءة، التي من شأنها أن تدعو المسلمين إلى التمسك الجاّد بقيم وأخلاق
الإسلام العظيم. فإن رسخ بناؤنا بعدئذ، وفقط بعدئذ، يحقّ، بل يتوجب، حينئذ، دعوة
الآخرين إلى الإسلام.
تسلسل في أولويات الدعوة،
ليثمر عن تمكين ونصر..
وإلا ّ فليس إلاّ هزيمة وذلّ وعسر..
ولا مجال لانتظار
المعجزات.. فإن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم.
وذكّر، فإن الذكرى تنفع
المؤمنين..
وإذ لا يأس من رحمة الله..
فالأمل بالله كبير..r
الهوامش:
(1) سورة النحل،
الآية: 97.
(2) سورة
الأعراف، الآية: 96.
(3) الحديث
أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط: 1/ 141 .
(4) الحديث رواه
أحمد بن حنبل مرفوعاً.
(5) أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، نهج البلاغة: 640 .
(6) حديث حسن، أخرجه الترمذي عن أبي هريرة: 6/ 266.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق