لا أحاول العودة إلى التاريخ للحديث عن الارتباط بين الشعب
الكوردي والقدس الشريف، بل حديثي يكون في ضوء الأحداث الأخيرة التي شهدها العالم الإسلامي
بعد قرار الرئيس الامريكي دونالد ترمب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس الغربية..
ورد الفعل في كوردستان...
1. لا شك بأن المعاناة التي ضربت الشعب الكوردي في عمومه جاءت من إخوان لهم في
الدين خلال المئة سنة الماضية، بمعنى أنهم كانوا مسلمين ولم يكونوا من حملة دين آخر..
هذا الحال ترك أثراً سيئاً على شعور الكورد تجاه كل ما ينظر إليه على أنه عربي، وأثّر
حتى على الاهتمام بالمقدّسات، لأن هؤلاء هم أنفسهم الذين يظلمون الكورد دون هوادة منذ
مائة سنة كاملة.. وردّ فعل الدول العربية والمجاورة تجاه الاستفتاء في كوردستان
خلق شعوراً باللامبالاة تجاه قرار ترمب حول القدس..
خلق شعوراً باللامبالاة تجاه قرار ترمب حول القدس..
2. ولهذا جاء رد الفعل في الشارع الكوردي - في إقليم كوردستان تحديداً - ضعيفاً،
بل غير موجود بالأساس، على خلاف جميع الشعوب الإسلامية، العربية وغير العربية.. فالكورد
- في غالبيتهم - تعامل مع هذا الأمر من منطلق
رد الفعل السلبي لما حدث لهم منذ 25 أيلول الماضي، على يد هؤلاء أنفسهم، خاصة بعد الهجمات
الشديدة، والمهينة إلى حدّ كبير للشعب الكوردي كله، واتهامهم بأنهم إسرائيل ثانية،
ولسان حالهم يقول: إذا كنّا إسرائيل ثانية - كما تقولون - فلم إذاً التعاطف مع قضاياكم،
ولم نقف معكم ضد إسرائيل الأولى؟ هذا لسان الحال..
3. لكن الكورد شعب مسلم، وعبر التاريخ تمكّن شخصان فقط من تحرير القدس من الصليبيين:
واحد منهم عربي مسلم اسمه (عمر بن الخطاب)، والثاني كوردي مسلم اسمه (صلاح الدين الأيوبي)..
فسوء الآخرين، وابتعادهم عن القيم الدينية في التعامل مع إخوانهم الكورد، لا يعني ابتعاد
الكورد عن القيم الدينية، والتخلّي عن ما يوحي بحب دينهم ونبيهم.. فالمسجد الاقصى مبارك
بنص القرآن.. والقرآن الكريم في أول آية من (سورة الإسراء) يقول: [سُبْحَانَ
الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ
الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ
الْبَصِيرُ]، وهي آية نتعبّد بها لله تعالى، فليس المسجد فحسب، بل الأرض
التي حولها أيضاً، هي مباركة بنصّ الوحي الإلهي.. إذاً فـ(القدس) ليست كغيرها من الأراضي،
فهي ليست القاهرة حتى لا نبالي بما يحدث لها، ولا بغداد، ولا أنقرة، ولا طهران، هي
المسجد الأقصـى، هي مسـرى الرسول الكريم، هي القبلة الأولى لنا، كان أجدادنا من المسلمين
يصلّون إليها، وبالتالي لا يجوز الزجّ بها في أتون صراع قومي خالٍ من القيم الإنسانية
والدينية..
4. سياسياً، إن الانسجام مع سياسات دول الجوار أولى من الركض بعيداً.. لا شيء في
السياسة يكون بديلاً عن الآخر، الكلّ مهم.. لكن الأحداث أثبتت بأن دول الجوار، بما
أنهم جميعاً يحملون روح العداء للشعب الكوردي، ليس كأنظمة حاكمة فقط، بل كأقوام وشعوب
أيضاً، فهذا يستوجب الانسجام والتوافق معها، حقناً للدماء.. أحداث 16 أكتوبر في (كركوك)
أثبتت بأن الغرب ترك الكورد في أحلك ظروف يمر بها منذ عقود، تركهم للعدو الجار، وللخذلان
الداخلي، لأن مصلحة الغرب مع هذه الدول أكبر وأكثر من مصلحتهم مع شعب لا يملك غير أرض
وثروات وقوة مسلحة ضاربة، لكنها خارج الأطر الدولية المنظمة.. خاصة أن هناك شبهة تصرّح
بها هذه الدول الجارة: بأن الكورد إنْ أصبحت لهم دولة، فستكون مثل إسرائيل. وذكر إسرائيل
يرمز إلى البعد الديني، وليس إلى البعد القومي، علماً أنهم - في قرارة نفوسهم - يعلمون
أنهم كاذبون، لكنهم يقصدون معنى سياسياً قومياً.. فإذا كانت إسرائيل هي كيان ديني،
فإن الكورد يشكّلون كياناً قومياً وسط جزيرة من الأعداء، فهم لن يسمحوا لهذه الدول
أن تستقر.. لكنهم في هذا أيضاً كاذبون، إلا أن الذي جعل كذبهم يلقى صدى وتعاطفاً، هو
أنهم يلتقطون أخطاء، مثل عدم نزول الشارع الكوردي، أو التعاطف الباهت الجماهيري في
الشارع الكوردي تجاه القدس، ويلقون الضوء عليها، ويأخذونها سبباً في تبرير تعدّيهم
على هذا الشعب..
ومن هنا، فإن الإدانات – على الجانب الكوردي – يجب أن لا
تقتصـر على (الاتحاد الإسلامي الكوردستاني)، بل ينبغي أن تأخذ بعداً جماهيرياً، سواء
على مستويات الدين أم السياسة..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق