علي
رسول حسن الربيعي
جامعة ابيردين/ بريطانيا
يعاني العراق اليوم
من انقسام طوائفي على صعيد الاجتماع السياسي، أدى إلى انتهاك التقاليد التاريخية لقيم
العيش الجماعي المشترك، والمقاييس السياسية للدولة الموحدة. لذا يتطلب الحال هذا حواراً
تجتمع حوله مكونات المجتمع العراقي،جوهره العمل على تجاوز تلك الإنقسامات.
ولكي يتمتع الحوار بالفاعلية والإنجاز، يتطلب تهيئة شروطه المادية،
والفكرية، ابتداءاً من وسائله وإجراءاته، إلى تحديد مضمونه وقضاياه. وأن يأتي هذا من
موقع تشخيص الأسباب الحقيقية للصراع، والنقاط الجوهرية للاختلاف.
إن من متطلبات هذا الحوار أن يأتي في سياق مشروع وطني شامل، يسوّغ
السلم الأهلي وفق صيغ وقواعد سياسية متواضع عليها، وخاضعة لضوابط قانونية يعترف بها
الجميع، وأن يكون هناك اعتراف متبادل بين
القوى التي يتألف منها الوجود الاجتماعي.
القوى التي يتألف منها الوجود الاجتماعي.
فالمطلوب إدارة الحوار وفق مشروع مستقبلي لدولة ذات معطى، يحدّده منطقها
الذي يطمح إلى فضاء وطني إيجابي جديد، وإلى (توافق أساس) بين القناعات المتعددة.. توافق
لا يمكن للمجتمع أن يتجاهله، إنْ أراد أن يستمر موحداً. ودولة لا تحاول أن تفرض هذا
المعنى، أو ذك النمط، من الحياة.
حوار التوافق الأساس:
تقع على الدولة
المتعددة المكوّنات، حيث تجتمع تحت سقفها مفاهيم مختلفة، وإرادات متنافسة، مهمة تجنّب
انفجار الهويّات، وتوفير شروط مؤسسية، لتعزيز الروابط الاجتماعية والثقافية. وكل ذلك
يحتاج ابتداءً إلى (توافق أساسي)، تسهم في بنائه مفاهيم جديدة، لا من خلال توافقات
متصلبة أو كليًة، بل طبقاً لتفاهمات متماسكة.
ولكن إلى أيّ حدّ سيتحقق هذا التفاهم ويستمـر؟ إنّه
يتوقف على الوضع التاريخي، والعوامل الفاعلة، والمتغيرات، التي يحدّدها الحوار التوافقي
الوطني، ومنطق المشاركة السياسية. فالمشاركة تعني ضرورة النظر
بعين الاعتبار
إلى مواقف ومصالح المكوّنات الاجتماعية كافة من القضايا الأساسية، والعمل على التوفيق
بينها، وقيام دور للقوى المعتدلة داخل هذه المكوّنات، فذلك مما ييسّـر من عملية التوافق.
إن مشاركة المكوّنات الاجتماعية كافة في السلطة الفعلية،
تفترض تعيّنها بشخصيات ذات صفة تمثيلية في أوساطها، وتحظى بتأييد الطوائف الأخرى، وتتميز
بالاعتدال والوعي السياسي القائم على رؤية سياسية.
فتحقيق التعايش
السلمي في المجتمعات المتعددة، يتوقف - إلى حد كبير - على الأشخاص الذين يتولون إدارة
شؤونه. كما يفترض منطق المشاركة تعاون المكوّن الاجتماعي، ووقوفه بجانب القرارات التي
تأتي كثمرة لهذا التعاون. إذن لا بد من هذه الشـراكة، من أجل الحفاظ على مقومات التوازن
الاجتماعي.
إن (التوافق الأساس) هو الأسلوب الذي يقود إلى إقامة
السلم الأهلي والاستقرار في المجتمعات المتعددة. إنه يتعلق بالعيش المشترك، والإرادة
المشتركة لحل الصـراعات بطرق سلمية، والقبول بالمؤسسات التي تضمنها.
إن ممثلي المكوّنات الاجتماعية والآيديولوجيات المختلفة، مدعوون
للتدرب على التفكير والعمل ضمن روابط شاملة، وإنفاذ مشروع للعدالة، وتحقيقها، بصفتها
الشكلية والإجرائية، وأن يتمّ التوّصل إلى أحكام لا تقوم على دوافع ذاتية، أو فئوية،
كالطائفة، أو العرق، أو العلاقة الشخصية، أو المصلحة المادية، أو المزاج الشخصي، بوصف
ذلك من أسباب التحيّز في الأحكام، وعوائق تحول دون تحقيق العدالة المجردة. وكذلك النهوض
بحوار يبحث في سبل الاتفاق الوطني الشامل، ابتداءً من تقديم الضمانات من قبل كل طرف،
للمساعدة في بناء الثقة المتبادلة بين كل الأطراف، وتهيئة الجو النفسـي للوفاق الوطني،
ومواجهة الصعوبات بشكل عقلاني وشفاف، والعمل على كل ما يشعر المواطنين بما هو مشترك
في تقاليدهم.
استراتيجية الحوار:
إن من مقومات الحوار
الناجح، هو التفكير في
الأهداف التي تحمل
معنى في سياق الوفاق، طبقاً للوضع
الراهن؛ وفي القيم
التي تضمن الوفاق، والقناعات التي يمكن الإقرار بها. وبناءً عليه، تقع على الحوار الوطني
مهام يستدعي إنجازها، ومستحقات سياسية قائمة، مطلوب النهوض بها، منها: تقديم حلول عملية
مستندة إلى رؤية سياسية متماسكة.
فإذا كانت السياسة،
في أحد أوجهها، ابتكار الصيغ والأفكار، وإجرائها بالفعل، لإدارة الشأن العام، فإن على
أطراف الحوار مهمة صياغة استراتيجية متكاملة، تحل عقدة المشاركة، من خلال رؤى متضمنة
لمجمل مواقف مكونات المجتمع، المتمثلة في أطرها السياسية، وقياداتها الدينية والاجتماعية،
وكذلك اقتراح وسائل فض النزاع، وإدارة الاختلاف، وصولاً إلى تحقيق الإجماع العام حول
القضايا الخلافية المطروحة، في أولوياتها، وفق منطق وبنية الدولة المنشودة. إذ من الأسس
الموجّهـة للحوار، أن يدور الاهتمام بشكل الحكم، بصرف النظر عمن يحكم. وأن يرافق هذا
استعداد نفسي وفعلي، ومن موقع المسؤولية التاريخية، لإنجاح الحوار ابتداءً، بتهيئة
شروط الحوار، والقبول بحلول وسطى، بعيداً عن حسابات الربح والخسارة القصيرة المدى،
والجمع بين النزعات المتباينة. فعندما يطغى
التصلب والتعصب، فإنه لا يؤدي إلا إلى التنافس والتصادم. في حين من الضـروري،
في أجواء الحوار، أن يكون التباري في القيام بممارسات أخلاقية ـ سياسية وإنجاز التسويات،
كي يتسنى لكل ممثلي المكوّن الاجتماعي، تبنّي قيم على مستوى البلاد، تتعلق بالسعي الحثيث
لإحلال السلم الاجتماعي والسياسي، أيْ السعي لإحلال مشـروع العدالة بين المواطنين،
واحترام الانتماء الذاتي، مذهبياً كان أم اجتماعياً أم سياسياً، والاعتراف بالتعددية
المذهبية والفكرية والثقافية في المجتمع.
فعلى الرغم من
كل التوترات والانقسامات الطائفية، ورغم عدم الاستقرار الأمني، والانتكاسات الحاصلة،
فإن احتمالات التعاون الشاملة من أجل مصلحة الجميع، لا تزال قائمة، ولها مسوغاتها.
ومن هنا تأتي أهمية الحوار الوطني في هذه اللحظة.
إن من مهام القوى
المشاركة في الحوار إنجاز مشـروع وطني يشخّص مجمل العوامل المسببة للمشكلات الحادة
القائمة، واقتراح الخيارات، والبدائل، وإجراءات الحل، بدءاً من عملية نقد شاملة للأوضاع
القائمة، وتجاوز العوائق التي تواجه تحقيق وحدة النسيج الاجتماعي، وبناء الدولة. مشروعٌ
يطرح السؤال الأكثر إلحاحاً: ما هي الشـروط الجوهرية التي تمكّن العراقيين من الاستمرار
كشعب واحد، ويعطوا مظهراً وحدوياً لحياتهم الاجتماعية؟ وما هي الشـروط اللازمة التي
يمكنها أن تنقذ البلاد، حتى تدخل تاريخاً آخر، ومختلفاً؟ ما هي المبادىء الأساسية التي
ينبغي أن تسير بموجبها القوى السياسية والدينية والثقافية الفاعلة؟
المطلوب مشروع
وطني يتجاوز (الاتفاقات) الحاصلة، التي توحّد الاتجاهات المسبّبة للمحاصصة، وتحصرها
بين طالبي النفوذ والسلطة فقط، من أجل قيام (توافق أساسي) على حدّ أدنى من القيم والقواعد
والمواقف الجماعية، والاعتراف المتبادل بين القوى التي يتألف منها الوجود الاجتماعي،
المعزّز بالإرادة السياسية الشـرعية، والخاضع لضوابط قانونية يعترف بها الجميع. فلا
مجال لحياة سياسية سلمية، من دون هذا الحد الأدنى الذي ينبغي أن نكشفه دوماً من خلال
الحوار التواصلي الفعّال، ومن دون توافق أخلاقي ـ سياسي مسبق.
صحيح على الدولة أن تلتزم الحياد، إلا أنه لا يمكنها
أن تتخلى عن القيام بتحقيق حدّ أدنى من (التوافق الأساسي)، خصوصاً فيما يتعلق في بعض
القيم الأخلاقية، والقواعد السياسية، والمواقف الجوهرية، التي تأتي من خلال إصلاح مؤسساتها،
ودمقرطة حياتها السياسية، وتنمية مجتمع مدني مستقل، والاعتراف بحقوق المساواة والعدالة،
والتوزيع العادل للثروة الوطنية.
إن (التوافق الأساسي) لا يعني قطعاً توزيع سلطة الدولة على الطوائف
من أجل تدعيم كياناتها على حساب كيان الدولة، بل هو مشاركة اختلاف المكوّن الاجتماعي
في السلطة، بقصد إنشاء دولة لها القدرة والإجراء على استيعاب المكونات كافة، بحيث تتلاشى
قوى الطوائف السياسية، وتبقى مؤسساتها الدينية والاجتماعية.
إن هذا من مقدمات
إيجاد طريقة للعمل السياسي تتجاوز ظاهرة ممارسة السياسة بغير أدواتها ووسائلها المعروفة؛
فمثل هذه الظاهرة هو ما يديم العنف واستمرار الصـراع، ولا يدع للتنافس السياسي السلمي
أي مكان. فلا بد من الإقلاع النهائي عن سياسة الإستئصال، بوصفها حلاً أسوء من المشكلة
ذاتها، إذ إنها تفرز استبداداً سياسياً، مما يؤدي إلى دفع ثمن إنساني باهض. فالمطلوب
من الحوار التفكير في كيفية إحلال قاعدة المساواة المعيارية الطابع، مكان العلاقة غير
المتوازية في ناموس القوة.
إن الحكم نظام
وليس بعقد سياسي. فالعقد إذا تمّ بمعزل عن المجتمع، أيْ بين مجموعات المحاصصة توافقياً،
لا يكون ملزماً إلا بما يتواطىء عليه فرقاءه، الذين قد يغيّرون الشـروط التي أجمعوا
عليها، أو يلغوا الاتفاق الذي عقدوه متى شاؤوا. لذا لا يكون العقد ملزماً بالتنفيذ،
ما لم تقم الدولة بضمان تلك الاتفاقات الشخصية بموجب قانون صريح، حيث تصبح العلاقة
عامة آنذاك، أيْ بعيداً عن وضع المحاصصة، وخاضعة لقاعدة سابقة على عملية التعاقد.
الحاجة إلى مشروع
وطني يحدد الأهداف التي تحمل معنى، والقيم التي تضمن الوفاق، ويحقق القناعات التي يمكن
الإقرار بها.. مشروع يحمله كل ممثلي المكوّن المجتمعي، ويحمل بدوره استراتيجية واضحة
وشاملة، تنطلق من مسبّبات النزاع القائم، نحو تحقيق السلم الدائم. فلا سلام إن لم يتفق على وجود حل للصراعات
السياسية ـ الاجتماعية، دون اللجوء إلى العنف. كذلك لا نظام تشريعي من دون إرادة مشتركة
تحترم الأنظمة والقوانين. ولا وجود للمؤسسات من دون عقد اجتماعي حقيقي. ومن الأهمية
الالتفات إلى مسألة تهيئة الوسائل الفعالة لإشاعة ثقافة سياسية جديدة ومعاصرة، تحمل
قيم التعددية والتسامح في تهيئة شروطها، على مستوى الإرادة والثقافة الجمعية، والأنظمة
القانونية للدولة.
إن الحاجة ملحة
لحوار وفاق وطني، معزّز بالشـرعية الناتجة عن الإجماع العام، بوصفها أحد أهم عوامل
الاستقرار. وتثبت الماجريات الفعلية للمشاركة السياسية المفتوحة، بعيداً عن استغلال
المشاعر القبلية والعرقية من قبل مجموعة معينة، أو المشاعر الطائفية من قبل مجموعة
أخرى، وتكون المشاركة مفتوحة للجميع من خلال حقّ الحصول على الفرص المتكافئة للمساهمة
في إدارة الشأن العام.
إن أحد أهم المشاكل التي تقف عائقاً أمام تحقيق التوافق الوطني،
هو اعتبار الطائفة في العراق جماعة موحدة ذات مصالح واحدة، من قبل السياسيين الذين
يجهدون في ترسيخ ذلك بين أفراد الطائفة، باستخدام مختلف وسائل التعبئة الطائفية، وأشكال
الممارسات (السياسية) الطائفية، بالإضافة إلى تقاسم مواقع السلطة في الدولة وفقاً لمحاصصات
طائفية. والنتيجة انصـراف ولاء المواطن بالدرجة الأولى إلى طائفته لا إلى الوطن، فيحصل
الصـراع الطائفي. ثم إن أيّ تدخل من قبل الهيئات الدينية في الشأن السياسي، معناه تأجيج
مواقف الأطراف الأخرى.
وكذلك ما يؤجج
العنف الطائفي هو المشاريع السياسية الطائفية، وعمل النخب السياسية على تطييف السياسة،
وعلى نقل تاريخ الاختلاف المذهبي الديني إلى مجريات اجتماعية وسياسية حاضرة، مما يأزم
الاجتماعي والسياسي.
مهمة الحوار الناجز:
تقع على الأطراف
المشاركة في الحوار مهام عديدة، ابتداءً من تحديد المواقف، وما يترتب عليها من تعيين
مصالح كل طرف، وتحديد الخيارات المطروحة بالفعل، وضمن أية معايير مطروحة سلفاً، كأساس
للتوصل إلى اتفاق دائم. إن أحد أهم مهام الحوار المطروحة هو أن يكون هدفه الوصول إلى
تعزيز الهوية الوطنية، من خلال بناء مجتمع يتقدم فيه الولاء للوطن على الولاء للجماعة،
والانتماء الوطني على الانتماء الطائفي والعشائري.
إن أحد أسباب فشل قيام دولة المواطنة، وفشل الانتقال من الفرد الطائفي
إلى الفرد المواطن، هو تغليب المحاصصة الطائفية على منطق الدولة. لذا من المستحقات
المطروحة اعتماد سلسلة من الخطوات، تتمثل في تحرير الدولة من هيمنة المحاصصة الطائفية،
التي يتقاسم ممثلوها السلطة والمغانم، إلى دولة مؤسسات. وكذلك الانتقال من الصـراع
الطائفي إلى توازن سياسي يتخطى الطوائف. وأن تقترن الممارسة السياسية بذهنية جديدة،
تضع المؤسسات فوق الأشخاص الذين يمارسون السلطة.
وكذلك تقع على أطراف الحوار مهمة تشخيص المشكلات والعوائق التي
تحول دون التحول الديمقراطي السلمي، أو ما يصطلح عليه في الفكر السياسي المعاصرProblems of Democratic Transition
and Consolidation،
بوصف البلاد تمر الآن بمرحلة يمكن تصنيفها بنظام ما بعد الحكم التسلطي، حيث يمكن أن
تعزز إجراءات الديمقراطية، أو قد يحصل كسر للعملية برمتها.
إن وجود أهداف متناقضة ومتصارعة، لا يلغي إمكانيات التعامل مع المشاكل
الأساسية والحارقة، إذا كانت الأطراف ملتزمة ومهيئة نفسياً للدخول في حوار، اعتماداً
على صفات سياسية، ومواقع اجتماعية. إن هذا الحوار يستدعي تجاوز ما هو قائم، والتعامل
مع المشكلة مباشرةً، بدون محاولة حلها بامتيازات جوهرية. كذلك ضرورة توفر القابلية
عند كل طرف، على رؤية الوضع كما يراه الطرف الآخر. وأن يكون المتحاورون مستعدين ليحتفظوا
بالحكم، بينما يختبر كل طرف آراء الطرف الآخر ،حيث قد يعتقد كل طرف أن آراءه صحيحة،
بالقوة نفسها التي يمتلكها الطرف الآخر. لذلك المطلوب من المحاور تفهّم وجهة نظر الآخرين،
مما قد يؤدي إلى تعديل بعض آرائه، وهذا ما قد يسمح بتقليص مساحة الصراع، ويساعد - في
الوقت نفسه - على تطوير تسويات وبلورة المصالح، بشكل أفضل. فمن فضائل الحوار فسح المجال
ليناقش كل طرف مدركات الطرف الآخر.
إن أحد الطرق الناجحة
للتعامل مع المدركات الاختلافية، هي في توضيحها وتداولها مع الأطراف الأخرى بالتفصيل،
فتوصيل قضايا يرغب المحاور في قولها، وترغب الأطراف الأخرى سماعها، بشكل علني ومقنع،
قد يكون أفضل الاستثمارات التي يستطيع أن يقدمها المحاور.
منطق إدارة الحوار
الفعال:
ليس الحوار جدلاً،
أو سجالاً، ولا هو محاكمة، بقدر ما هو اعتراف، من قبل المتحاورين، بأنهم يرون الموقف
بشكل مختلف، وعليهم الاستمرار في الحوار، بوصفهم أمام مشكلة مشتركة. فعلى المتحاورين
تجاوز مسألة شرح واستنكار محفزات ونوايا الطرف الآخر، والتركيز على وصف المشكلة، وتأثيرها
على الطرف المتحدث، لا على ما فعله الآخر، ولماذا.. فالمهم بالنسبة للمحاور الوصول
إلى غرض معين وواضح.
إن الطرق الفعالة
لإدارة الحوار تأتي من خلال إنجاز مستحقاته، التي تتمثل في: أولاً:أن يركز المتحاورون
على البحث عن المصالح، لا عن المواقف. وثانياً: أن ينظر المتحاورين إلى أنفسهم كشركاء
في بحث واقعي، من أجل التوصل إلى اتفاق عادل ومفيد لكل الأطراف. وثالثاً: من المهم
نقل طريقة الحوار من المواجهات المباشرة إلى التعاون، جنباً إلى جنب، وطرح المشاكل
بشكل واضح. بمعنى أن يكون حاضراً عند الأطراف، أن عدم التوصل إلى تحقيق المصالح المشتركة،
سيكون من الصعب على أي طرف تحقيق مصالحه الخاصة. فلا بد من النظر إلى الحوار كعملية
مشتركة بين الأطراف كافة. فكلما تمكنت الأطراف من وضع أساس للثقة المتبادلة، كان ذلك
أولى خطوات الحوار الناجح. إنّ بناء عملية الحوار بشكل يمثّل فعالية مشتركة، ضرورةٌ،
تتلاقى فيها الأطراف علـى اختلاف مفاهيمهم ومصالحهم.
إنمحل النزاع من الثغرات الخطيرة في الحوار، وهو يجعل العلاقة المتوترة
تتفاقم، إلى أن تبلغ درجة الحقد والكراهية للطرف الآخر، بحيث يعتقد كل طرف أن الخلاف
بينه وبين الطرف الآخر خلاف وجودي، لا يمكن حسمه إلا بالإفناء والإلغاء.
وتأسيساً على هذا،
تكون الخطوة الأولى التي يتعيّن الإقدام عليها، في أيّ حوار فعلي، أو مفترض، هي تحرير
محل النزاع، وتعيين وجه الخلاف بين الطرفين (أو الأطراف) المعنيين، وذلك حتى تسدّ الطريق
أمام كل من يريد تحريف النقاش عن مساره. وذلك حتى تنكبّ المناقشات والمحاورات على قضايا
حيوية، تهمّ حاضر الناس، وتمسّ همومهم الفعلية.
إن المهام الأساسية
للحوار، هي الكشف عن المصالح والمتطلبات الأساسية التي تكمن خلف المواقف المعلنة من
قبل أطراف الحوار، والنظر في إمكانية تلبيتها، لأن ذلك يضاعف من فرصة التوصل إلى اتفاق
تلتزم به الأطراف كافة. فالغرض من الحوار هو لتحقيق المصالح، وأن الفرصة لحدوث ذلك
سوف تزداد عند الكشف والإعلان عنها، فلربما لا يعرف أحد الأطراف بماهيّة مصالح الأطراف
الأخرى على وجه التحديد. وبدلاً من العودة إلى تظلمات قديمة، لا بد من التركيز على
اهتمامات مستقبلية، ومناقشة المصالح بطريقة بناءة، وبدون التشبث بمواقف متصلبة. وتقع
على كل طرف مهمة أن يجعل الطرف الآخر مدركاً لأهمية وشرعية مصالحه عند الأطراف الأخرى.
فجزء من التأثير على الجانب الآخر، هو أن يؤسس كل طرف شرعية لمصالحه. ثم تقع على المتحاورين
مهمة البحث في كيفية الانتقال من تحديد المصالح إلى تطوير خيارات للتوافق، مع المحافظة
على مرونة هذه الخيارات.
إن الحلول الأكثر
حكمة هي الحلول التي تحقّق الوفاق، وتعود على أطراف الحوار بفائدة كبيرة، مع أقلّ كلفة.
يأتي ذلك بدفع المصالح إلى السطح بشكل واضح، مما يحفّز على التفكير في ابتكار حلول
ذات فائدة متبادلة. ثم إن المهارة في ابتكار خيارات متعددة، هي واحدة من أكثر الأمور
المفيدة التي على المحاور امتلاكها بكفاءة. كذلك من الأهمية تشخيص الحاجة الحقيقية
لمجموعة الخيارات المطروحة. إذ قد تعتقد بعض أطراف الحوار بحوزتها الحل المناسب للنزاع،
وإن وجهة نظرهم هي التي يجب أن تسود، ولكن عند الدخول في مجريات عملية الحوار ستعرف
أن عروض الآخرين تمتلك المعقولية، والمشـروعية أيضاً. والتفكير المبدع هو الذي يجترح
الاقتراحات، ويتجاوز الخلافات. إذ في أكثر الحوارات هناك عقبات رئيسية قد تقف عائقاً
أمام ابتكار خيارات متعددة، ومعظمها يتعلق بالأحكام المسبقة، والانغلاق المسبق. إنها
عوائق لأنها توجه الحوار، ومنذ البداية، للبحث عن حل مثالي واحد، مما سيضيع فرصة إيجاد
الحل الأكثر واقعية ومقبولية. لذا على أطراف الحوار أن تجعل عملية التحاور والتفاوض
وكأنها اختيار بين مجموعة كبيرة من الحلول الممكنة. فقلّة وجود الخيارات المطروحة،
تدلّ على أن كل طرف يرى الموقف بشكل جوهري واحد وثابت، أيْ على أنه موضوع: إما .. أو؛
فإما أحصل على كل ما أتنازع من أجله، أو تحصل عليه أنت.
من الطبيعي أن
يوجّه كل طرف اهتمامه للوصول إلى اتفاق يحفظ مصالحه، لكن هذا الوضع يتطلب تطويراً لحلول
لا تأتي بدورها إلا من خلال حوار يحفظ مصالح الأطراف الأخرى أيضاً. قد تكون المصالح
المشتركة في كل حوار تفاوضي مستترة بداية، لذا تقع على كل طرف مهمة التفكير بها، والكشف
عنها. فتشخيص هذه المصالح يساعد على إيجاد حلول تحظى بالقبول والاتفاق، وما يمكن أن
تنتهي إليه.
تتعلق بعض مجريات
الحوار بين الأطراف المتخالفة عموماً، بما يطلق عليه علماء (التمثلات). فالتمثلات تلعب
دوراً كبيراً في إنجاح أو إفشال الحوار.. والمقصود بالتمثلات ـ في سياق الحوار ـ تلك
الصور الذهنية التي يحملها كل طرف عن الطرف الآخر، وعن الأفكار التي يؤمن بها، والمبادئ
التي يعتنقها. وتبلغ هذه التمثلات درجة من التعقيد والحساسية، بحيث يتعذر - في كثير
من الأحيان - الإمساك بخيوطها، وفهم خلفياتها، وتحديد منطقها.. فهي عادة ما تكون مغرقة
في طابعها الذاتي الشخصـي، إذ تتحكم فيها التجارب الخاصة للفرد، أو المجموعة، والمؤثرات
التربوية والتوجيهية المتنوعة. فتكون الحصيلة - في آخر المطاف - أن الفرد (أو المجموعة)
يعيش في عوالم رمزية، تؤطّر وعيه، وتوجّه سلوكه. وفي كثير من الأحيان تكون هذه التمثلات
مجرد استيهامات لا أساس لها من الصحة، تجعل الفرد (أو الجماعة) في حالة تفاعل غير سوي
مع محيطه.
إن الحوار هو السبيل
الأفضل لصياغة حلول مبتكرة، تلبّي مصالح الأطراف كافة. وإنه يمَكِّن من إدارة سلمية
للاختلاف، وتطوير علاقات مثمرة. إنه الوسيلة الأنجع للوصول إلى تحقيق المصالح المشتركة،
وتطويرها مستقبلاً، وتأكيد المبادىء الأساسية في الحرية والعدالة، وعدم المساس بالشخص
المواطن. إنه يكشف عن ضرورة التضامن تجاه التحديات التي تواجه المجتمع، بكافة مكوناته،
ووضع حد للأوضاع التي تحتقر حقوق الإنسان والتعددية. وكذلك إيجاد طريق للمستقبل، يقود
إلى المصالحة بين المذهبية والثقافية والتقاليد، ووضع حد للانقسامات التي يغذيها التمييز
الطائفي، والدعوات المعادية للآخر، في المجتمع العراقي.
إن الأطراف كافة مدعوة للتعاون في تحقيق السلم الأهلي، وإقامة دولة
جديدة، ومحايدة، في مفهومها العام. دولة تتقبل الطوائف، والأعراق، والآيديولوجيات،
المختلفة.
كلام تنظيري ليست له علاقة بواقع العراق ويبدو ان كاتبه لا يعرف عن واقع العراق شيئا ومع جمال هذا التنظير فلا توجد لتحقيقة اي معطيات ولا قوة اجتماعية او سياسية ولا ظروف موضوعية .
ردحذف