07‏/10‏/2018

ما فوق المذهبية


عمار وجيه
في لقاء جمعني مع شخص من نفس مذهبي، جرى الحديث عن الآلام المشتركة، والدماء البريئة التي سالت.
وليس غريباً أن تكون الانفعالات سيدة الموقف. لكن الاختلاف في النظر بيني وبين الرجل الغريب أني كنت لا أقطع سبيل التفاؤل في أن الضال يوماً قد يهتدي، ما دامت كلمة التوحيد قد نطقها لسانه يوماً ما.
أما الرجل، فقد كان كغيره من الموجوعين؛ لا تعايش بيننا وبين القوم! هكذا قال. وهي الكلمة التي نسمعها من أغلب المظلومين.
الحوار دفعني أن أكتب بعض الكلمات، ولربما تنفع.
أول وثيقة في تاريخ البشـرية هي الحوار بين الفيلسوف (هابيل)، والأحمق الغلِق (قابيل). قابيل لم يكن مشركاً، ولم يعتنق مذهباً فقهياً، بل غلبته جملة شهوات، منبعها هوى النفس. ذلك الهوى دفعه للشهوة، والطمع،
والغضب، حتى الإغلاق، والتكبر والظلم والإصرار على اقتراف الجريمة، حتى فعلها.
وفي الأخير بيّن النص القرآني أنه كان جاهلاً بليداً، تعلّم من حيوان أعجم (غراب) كيف يدفن أخاه.
قابيل لم يكن شيعياً، ولا درزياً، ولا قاديانياً، ولا مانوياً، ولا زرادشتياً، ولا يهودياً، ولا نصـرانياً، وإنما أسس لأول اعتداء على حقوق الآخرين، بإلغاء حقهم في الحياة.
فكان أضل من الحيوانات، التي في الأقل لم تخالف فطرتها، ولا وظيفتها.
معنى ذلك أننا، بين حين وآخر، يجب أن نعود إلى الجذور. ﴿ونفس وما سواها. فألهمها فجورها وتقواها. قد أفلح من زكاها. وقد خاب من دساها﴾
الهوى هو الذي أسس للخلاف.
وأرجو أن نتدبر الآية الآتية جملةً جملة:
- كان الناس أمة واحدة (أي في الهدى؛ متبعين هدى أبيهم آدم) فاختلفوا..
- فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين
- وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه
- وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات [بغياً بينهم]
- فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
إنه البغي، ومعناه التعدي. فكما تعدى أول مجرم في التاريخ (قابيل) على حقوق أخيه، تتكرر المشاهد كل حين.
أما التنظيرات البدعية، والشركية، والوجودية، فتبع لذلك البغي.
خطوتنا القادمة يجب أن نركز فيها على بناء الأنفس السوية بالعدل، والإحسان، مع الوعي، فذلك يخفف كثيراً من حاجة الأنفس (المعقدة) من اللجوء إلى الفكر الهدام، لينتقموا به من الناس، ثم من أنفسهم.
ملاحظة بسيطة جداً:
عودة إلى الجد الرابع، أو الخامس، لكل منا.. ستجدون أن المشرب كان مختلفاً،
ربما يكون الجد على دين، أو مذهب، وتكون أنت على غيره..
ماذا يعني ذلك؟
إنها استجابات الأنفس لضغوط البيئة، وتأثيراتها،
فمنهم من يحفظ عقله ودينه وسلوكه، فيبقى (هابيلياً)، ومنهم من (يتخبل، ويتقوبل).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق