07‏/10‏/2018

ضوابط وقواعد لكتابة القرآن الكريم


شيخ فائق نامق
أجر وثواب قراءة القرآن الكريم كبير، فكل المسلمين في أنحاء الدنيا يمسكون بلهف وشوق كتاب الله، ويرددون قراءته وتفسيره، ودراسة معانيه، لكي يفهموه ويطبقوا أوامره ونواهيه، ليزدادوا بذلك تقرباً من الله سبحانه وتعالى. لأن هذا القرآن منزّل من الباري عزوجل إلى سيدنا المصطفى عليه الصلاة والسلام. ولذا اهتم المسلمون – قديماً وحديثاً – بتعظيم هذا الكتاب، والعناية به، وحفظه، والعمل به.. ونرى طباعته وكتابته، في كافة أنحاء البلاد العربية والإسلامية، والدول الأجنبية، تتم بأسلوب جيد، وبشرائط عديدة.. وثمة طرق جميلة، ومتفق عليها، لكتابته ورسمه.
ولإعطاء المعلومات عن كتابة ورسم القرآن الكريم، لا بد من الحديث عن قواعد الرسم العثماني.. وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة مذاهب:

 المذهب الأول: يجوّز كتابته حسب القواعد العامة للإملاء، ويرى أنه لا يجب التزام الرسم العثماني. وممّن أيد هذا القول، وانتصر له: ابن خلدون، والقاضي أبوبكر الباقلاني.
 المذهب الثاني: تجب كتابة المصحف لعامة الناس على القواعد الإملائية المعروفة لهم، ولا تجوز كتابته لهم بالرسم العثماني، وإنما يكتب بالرسم العثماني للخاصة من الناس. وممن جنح إلى هذا المذهب: الإمام بدرالدين الزركشـي، في كتابه (البرهان)، والإمام شيخ الإسلام (عزالدين عبدالسلام).
المذهب الثالث: يجب التزام الرسم العثماني في كتابه المصحف الشـريف، وإلى هذا ذهب جماهير العلماء من السلف والخلف.
أدلة المذهب الأول: استدل أصحاب هذا المذهب بثلاثة أدلة: الأول أن هذه الخطوط والرسوم ما هي إلا علامات وأمارات ، فكل رسم يدل على الكلمة، و يفيد وجه قراءتها، فهو رسم صحيح موافق للصواب. الثاني: أن كتابة المصحف على الرسم العثماني، قد توقع الناس في الحيرة والالتباس والمشقة والحرج، ولا تمكنهم من القراءة الصحيحة السليمة، فيعرفون الثواب الموعود به على تلاوة القرآن الكريم، وربما يتعرضون للعقوبة والإثم، إذا قرأوا قراءة بعيدة عن جادة الصواب . فتيسيراً على الناس في قراءة القرآن، ورفعاً للمشقة والحرج عنهم، وتمكيناً لهم من القراءة الصحيحة السليمة، حتى يحصلوا على الأجر الموعود به على قراءة القرآن، يكتب المصحف حسب قواعد الإملاء الحديثة. الثالث: ليس في الكتاب العزيز، ولا في السنة المطهرة، ولا في إجماع الأمة، ولا في قياس شرعي، ليس في شيء من ذلك ما يدل على وجوب كتابة المصحف برسم معين، وكيفية مخصوصة، ولم يرد عن الرسول الأعظم - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر أحداً من كتاب الوحي، حين كتابة الآيات القرآنية، أن يكتبها برسم خاص، و لا نهى أحداً أن يكتبها بهيئة معينة.
 أدلة المذهب الثاني: استدل أصحاب هذا المذهب، بأن كتابة المصحف حسب قواعد الرسم العثماني توقع الناس لا محالة في العسـر والمشقة، و تفضـي بهم إلى اللحن المنكر، والخطأ الفاحش، والتحريف المشين، والتغيير في كتاب الله تعالى بالزيادة فيه والنقص منه. قال أصحاب هذا المذهب: مع هذا يجب الاحتفاظ بالرسم العثماني، لأنه من آثار سلفنا الصالح، فلا نتغاضى عنه بالكلية مراعاة لجهل الجهلاء، بل يبقى في أيدي العارفين، الذين لا يخلو زمان من وجودهم، ويتشرف الزمان بهم.
أدلة المذهب الثالث: استدل أصحاب هذا المذهب بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان له كتاب يكتبون الوحي، وقد كتبوا القرآن كله بهذا الرسم، وأقرّهم الرسول على كتابته، وانتقل الرسول - عليه الصلاة والسلام - إلى الرفيق الأعلى، وقد كتب القرآن كله على هذا الرسم المخصوص؛ لم يحدث فيه تغيير ولا تبديل. ثم تولى الخلافة بعده أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - فأمر بكتابة القرآن كله في الصحف على هذه الهيئة. ثم جاء الخليفة عثمان - رضي الله عنه - لنسخه المصاحف العثمانية بأمره من صحف أبي بكر على هذا الرسم أيضاً، ووزّع عثمان هذه المصاحف على الأمصار لتكون إماماً للمسلمين، وأقرّ أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمل أبي بكر وعثمان في المصاحف، ولم ينكر أحد منهم عليهما شيئاً، بل ظفر كل منهما بإقرار جميع الصحابة لعملهما.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق