04‏/07‏/2019

رأي العلامة سبحاني في الفلسفة والفلاسفة.. الحلقة (4)


د. عمر عبد العزيز
(تحدثنا في ثلاثة مقالات سابقة من مجلة (الحوار)، عن رؤية العلامة (ناصر سبحاني) حول منهجية فهم التصوّرات والقيم الدينية، وركائز التصوّر الإسلامي في تحديد العلاقة بين الإنسان وما حوله، وموقفه من المذاهب الفكرية والعقدية، مع سرد مجمل لتاريخ الفِرق في التاريخ الإسلامي، وملابسات نشوئها، وموقفه منها، ورأيه في علم الكلام والمتكلّمين.
   في هذه الحلقة سنتحدّث عن الفلسفة، ونشأتها، وتطوّرها، وبدايات تأثّر المجتمع الإسلامي بها، ورأي العلامة سبحاني حول الفلسفة، والاستفادة من بعض النظريات الفلسفية، وتأصيلها من منظور قرآني، في نظره).. وذلك من خلال المحاور الثلاثة الآتية: 

أولاً/ تعريف الفلسفة، ونشأتها:
1-الفلسفة في اللغة والاصطلاح:
كلمة الفلسفة كلمة مركّبة من أصل يوناني، مشتقة من (فيلا- سوفيا)، أو(فيلو- سوفيا)، و(فيلا) أو(فيلو) تعني الحب، و(سوفيا) تعني الحكمة. إذاً، كلمة الفلسفة تعني: حبّ الحكمة، أو محبّة الحكمة، وذلك باليونانية. أمّا في الاصطلاح، فلقد عرّف الفلاسفة اليونانيون الفلسفة بأنها: "هي البحث العقلي عن حقائق الأشياء المؤدّي إلى الخير، أو لمعرفة المبدع الأوّل، حسبما قال سقراط وأفلاطون".[1]
ولكن الفلاسفة المسلمين لهم تعريفات أخرى، فالفارابي[2] يرى أنها "العلم بالموجودات بما هي موجودة، لحصول صورة عن الكون". بينما عرفّها ابن سينا[3] بأنها: "الوقوف على حقائق الأشياء كلّها، على قدر ما يمكن للإنسان أن يقف عليه". ولكن ابن رشد عرّف الفلسفة بأنها هي "النظر في الموجودات، من جهة دلالتها على الصانع"،[4] باعتبار أن المصنوعات إنّما تدلّ على الصانع بمعرفة صفتها.
2-نشأة الفلسفة، وتطوّرها:
يتصوّر المختصّون بدراسة تاريخ الفلسفة أن التفكير الفلسفي بدأ مع تطوّر الحياة البدائية للإنسان، بعد أن تجاوز حدّ قانون الحياة اليومية، ونمت تساؤلاته حول مظاهر الطبيعة، وكيفيّة خلق السماوات والأرض والنجوم وغيرها. ولقد طوّر الشعراء تساؤلات فلسفية عند اليونانيين، منذ القرن العاشر قبل الميلاد، ثم نشأت فكرة الاهتمام بالفرد، وحريّة الأفراد، في القرن السادس قبل الميلاد[5]. ثمّ تطوّرت سمات الفلسفة بتطوّر الأزمنة، ففي عهد سقراط (469-399 ق. م) كانت الأخلاق هي السمة الأساسية للفلسفة اليونانية، ثم أصبحت الحكمة - بمعنى درك حقائق الأشياء - سمة الفلسفة في عهد أفلاطون(427-347 ق. م). ثمّ أصبح المنطق في عهد أرسطو(384-321 ق. م) سمتها، باعتباره ميزاناً لجميع العلوم الأخرى.
ثمّ أخذت الفلسفة في العصور الوسطى طابعاً دينياً، وظهرت مذاهب تتحدّث عن مفترقات الطرق بين الدين والفلسفة. ولقد سادت في العصور الوسطى ثلاث فلسفات دينية: إحداها وصفت بالإسلامية، والثانية مسيحية، والثالثة يهودية - رغم أن الإسلام لم يكن بحاجة إلى فلسفة، ولكن تحت ضغط الواقع، وبتأثير من الموجة الوافدة، إثر حركة الترجمة- وكان حاملو كلّ منها يحاولون التوفيق بين الدين والفلسفة، رغم وجود بعض المعارضين لفكرة الجمع والتوفيق، باعتبار أن الدين ينشد خلاص الإنسان، ومناط ذلك القلب، بينما مناط الفلسفة العقل.
 ومن فلاسفة المسلمين، دعا ابن رشد[6] (ت:595هـ/1198م) إلى الاعتناء بالفلسفة، باعتبار عدم وجود تعارض بين المعقول والمنقول، على حدّ تعبيره، بل لا بدّ من محاولة الجمع بينهما. ولقد كرّس ابن رشد لهذا الأمر كتاباً باسم (فصل المقال وتقرير ما بين الشـريعة والحكمة من الاتّصال).[7]
أما صاحبنا العلامة ناصر، فيرى "أن الفلسفة، والمنطق، والقسم المتأثّر بهما من علم الكلام، ثلاثة أمور لا علاقة لها بالدين الذي أوحاه الله تعالى إلينا. وقد يصعب قبول هذا الكلام فيما يتعلّق بعلم الكلام، ولكن يستثني من ذلك ما يتعلّق بقسم السمعيّات في علم الكلام، حيث اُستلهم أساسيات هذا القسم من دين الله."[8]
هذا ولا بدّ هنا من القول بأن علم الكلام قد أنتجه واقع البيئة الإسلامية، لمواجهة التحدّيات في الأساس، ولكن تأثّر متصدّوه- بنسب متفاوتة- فيما بعد بما نُقل عن اليونانيين، فقسم منهم استفاد ممّا نُقل كمنهجية وآليات، وقسم منهم غالى في التأثّر إلى درجة الخروج عمّا هو مطلوب.

ثانياً/ نشوء ظاهرة التأثّر بالفلسفة في المجتمع الإسلامي:
يرى العلامة سبحاني أن حركة الترجمة التي ظهرت في عهد العباسيين، قد أثّرت على القائمين بعملية الترجمة، سواء من علماء المسلمين العرب وغيرهم، أو النصارى والمجوس المطّلعين على اللغات الفارسية واليونانية. ويشبّه هذا التأثّر بظاهرة الغزو الثقافي، والتسلّل الفكري، الذي حصل إثر نكسة سقوط الخلافة العثمانية، وتوسّع نشاط ترجمة الكتب الغربية، لا سيّما كتب المفكرين والمستشـرقين إلى اللغة العربية، وغيرها من لغات المجتمعات المسلمة. يقول سبحاني في هذا الصدد: ".. في عهد هرون الرشيد، والمأمون، اُستأجر عدد من علماء المسلمين واليهود والنصارى في مؤسّسة باسم (بيت الحكمة)[9]، لترجمة الكتب اليونانية والإيرانية والهندية.. وأثناء، وبعد الترجمة،  تأثّر عدد من المترجمين بما في تلك الكتب – كما يتأثّر الآن بعض الكتاب والمترجمين- لا سيّما ممّن كانوا من المعتزلة.[10]
وممّا ثبت في المراجع التاريخية، أنّ المأمون - الخليفة العباسي- هو الذي أنشأ تلك المؤسسة العلمية الكبيرة التي سمّيت بـ(بيت الحكمة)[11]، وجمع لها عددا كبيراً من العلماء من الملمّين بلغات الأقوام الأخرى، وصرف عليها وعليهم أموالاً عظيمة، بغية عملية الترجمة والتأليف والتوثيق. ويجدر بالذكر أن "بيت الحكمة لم تكن خزانة للكتب فحسب، بل كانت مؤسّسة علمية أشبه بالـ(أكاديميات) في وقتنا الحاضر، عني فيها بجمع الأصول والمراجع والنقل والترجمة والتأليف العلمي، وأعمال الرصد وتنمية العلم وإجراء البحوث، فكان أشبه بمركز الوثائق المعروفة اليوم. وتولّى أمر بيت الحكمة في أيام الرشيد عالم فلكي هو (ابن سهل الفضل بن نوبخت)،[12] كما تولّى أمرها أيام الخليفة المأمون عالم الرياضيات الأول في الإسلام الخوارزمي[13]. ولقّب بعض رؤساء بيت الحكمة بلقب (صاحب بيت الحكمة)، ومن هؤلاء: يوحنا بن ماسوية،[14] وحنين بن إسحق، وكانا طبيين تولّيا رئاسة الترجمة. وقد تولّى يحيى بن منصور الفلكي، وجماعة من علماء الفلك، إصلاح آلات الرصد، والقيام بالرصد المأموني، في جبل قاسيون بدمشق، وفي الشمالية في بغداد.[15]
على كلّ حال، يرى العلامة سبحاني بأن نشوء علم الكلام كان بدعة ظهرت إثر ذلك، مستدلّاً بالموقف الرافض الذي أبداه عدد من كبار الأئمة، كالشافعي وغيره إزاء علم الكلام. يقول سبحاني:" من هنا – أي بعد عملية الترجمة- اتّسعت رقعة علم الكلام، والدليل هو خلّو عصور الأئمة الأربعة – أئمة المذاهب الكبيرة- من ذكر إيجابي لعلم الكلام، إلى درجة أن إماماً كالشافعي – رحمه الله- يسمّي المتكلم بالزنديق".
هذه حقيقة مهمة نبّه إليها سبحاني، فلقد نشطت حركة الترجمة للكتب اليونانية، التي سمّاها العرب (الحكمية)، في عهد الخليفة العباسي المنصور، فترجمت مؤلّفات عديدة لأرسطو في المنطق، وكتاب (بطليموس)، و(أقليدس)، وكتب أخرى يونانية وفارسية قديمة.[16] ولقد أسند الخليفة هارون الرشيد (ت:193ه/809 م) إلى (يوحنا بن ماسوية) مهمة بعض الترجمات، ورتّب له كتّاباً حذّاقاً لا شغل لهم غير الكتابة. ثم خلفه (أبو سهل نوبخت)، الذي كان منجّماً للمنصور، وهو فارسي من بلاد إيران، ولقد تولّى – بما أبداه من نشاط متميّز- رئاسة بيت الحكمة، وكان ينقل بعض الكتب الفارسية إلى العربية. ولا ننسـى أن حركة الترجمة بدأت أوّلاً بنقل الكتب الفارسية إلى العربية.[17]
 وتذكر كتب التاريخ أن الخليفة المأمون(ت: 218ه/ 833م) قد أرسل بعثة علمية إلى بلاد الروم (بيزنطة)، بحثاً عن المخطوطات اليونانية،"[18] مع رسالة إلى الإمبراطور البيزنطي، يطلب منه إرسال الكتب اليونانية إليه. فلمّا وصلته هذه الكتب، اختار لها مهرة الترجمة، وكلّفهم بإحكام ترجمتها، ثم حثّ الناس على قرائتها"[19].
وإنني لا أدري هل اطّلع الشهيد سبحاني على بعض الدراسات القديمة، فيما وصل إليه من حقيقة التأثّر الذي أشرنا إليه، وكذلك حقيقة خلّو عهد الأئمة الكبار في القرن الثاني – بل حتّى الثالث- من ذكرٍ لعلم الكلام والفلسفة، أم أنه وصل إلى ذلك من خلال اطّلاعه الوسيع على تاريخ حياة أولئك الأئمة، وتراثهم الفقهي؟ لأنني متأكّد – بالنسبة لهذا القسم الثاني- من أنه كان شغوفاً بدراسة كتب التراث، بدءاً بما قاله الإمام أبو حنيفة في الفقه الأكبر، ومروراً بموطّأ الإمام مالك، وانتهاءً بالرسالة والأمّ للإمام الشافعي، وما نقل عن الإمام أحمد من مقارعته الشديدة للمعتزلة، فلم يجد فيها ذكراً لعلم الكلام والفلسفة، إلا في سياق ذمّهما، وذمّ المعجبين بهما..
     هذا، وإنني لاحظت أثناء تتّبعي للموضوع، أن العلماء القدامى قد انتبهوا إلى هذه الحقيقة، فعالم كابن القفطي[20]، يصرّح بأنه: "شغف المأمون بالفلسفة اليونانية، وخصوصاً فلسفة أرسطو، ولم يقدم المسلمون حتى أيامه على ترجمة الكتب الفلسفية، لاتّهام أصحابها بالزندقة. فلمّا قال المأمون بالاعتزال، أمر بنقل كتب الفلاسفة من اليونانية إلى العربية.[21]
والأدلّة على تأثّر بعض علماء المسلمين بالفلاسفة وأفكارهم كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر: حصول تردّد عند ابن سينا في تصوّر معاد الإنسان ومبعثه، فتارة قال بإنكار الحشر الجسماني، وإثبات الحشر النفساني - كما في رسالته المسمّاة بـ(الأضحوية)[22]، وتارة قال بإثبات الحشر الجسماني والنفساني، كما في رسالته(النجاة)[23]. وكذلك ينكر الكندي حشر الأجساد في رسائله[24]. إلا أن سبحاني قد استحصل عن طريق استقرائه العلمي أن: "علم الكلام أصبح تابعاً للفلسفة اليونانية، فقلّ فيه الاصطلاحات القرآنية، وأصبحت غريبة[25].
ولقد قسّم سبحاني الفلسفة - بصورة كليّة- إلى ثلاثة أقسام: 1- فلسفة المعرفة، أو منهجيّة المعرفة، أو المنطق.
 2- فلسفة الوجود، أو مجموعة التصوّرات الحاصلة عن الله - سبحانه - والخلق.
3- فلسفة القيم الأخلاقية، أو الأحكام.
ويؤكّد سبحاني أن القبول بهذا القسم الأخير، من الشرك الأكبر، لأنّه نتاج هوى الإنسان. وبهذا يتبيّن أنه لا مجال في الدين للمنطق والفلسفة، مستدركاً بأن هذا لا يعني الحكم على الفلاسفة والمنطقيين الإسلاميين بالخروج من الإسلام، ولكنّه حكم – بالتحديد- على المنطق ذاته، والفلسفة ذاتها، بجعلهما بديلاً للشريعة"[26].
ومن الأدلّة الأخرى للتأثّر الشديد باليونانيين، وفلاسفتهم: كثرة الترجمات، بل تعدّد الترجمات للكتاب الواحد. فلقد ترجم كتاب (سوفسطيقا) لأرسطو ثلاث ترجمات؛ نشـرها عبد الرحمن بدوي في المجلد الثالث من كتابه (منطق أرسطو)، رغم أنه عبّر عن هذا التأثّر بالحرص البالغ، والروح النقدية، التي توافرت لدى المترجمين[27]. إلا أنه يمكننا أن نجعل من سرعة حركة الترجمة - تلك - وقوّتها، دليلاً على انفتاح العقل الإسلامي، وعاملاً من عوامل ازدهار الحضارة الإسلامية. وهذا يعني أن حركة الترجمة كانت سلاحاً ذا حدّين، فإنها - رغم إغناء المكتبة العربية الإسلامية، وإثرائها بعض الشـيء- فهي شوّشت على جوانب من عقائد بعض الناس، وتصوّراتهم. هذا ما يؤكّده الرحالة والمؤرخ الكبير أبو الحسن المسعودي (ت346ه/ 957م)[28]، فهو يرى أن بعض الناس تأثّروا بعقائد (ماني)[29]، التي نقلها ابن المقفّع[30]، وغيره/ من الفارسية إلى العربية، فكثر بذلك الزنادقة - وذلك قبل البدء بترجمة الكتب اليونانية-، فأمعن المهدي (ت: 169ه) - حسب قول المسعودي- تعقّبهم والتنكيل بهم، وأمر الجدليين من أهل الحديث من المتكلّمين بتصنيف الكتب للردّ على الملحدين من الجاحدين وغيرهم، وأقاموا البراهين على المعاندين[31].
على كلّ حال، لا يخفى على المتتبّع لهذا الموضوع مدى تأثّر العرب بالثقافة (الإغريقية)، ولا سيّما في مجال المنطق والمناقشة والجدل، وتقليدهم في تبويب المسائل، وتقسيم المواضيع المنطقية، واستخدام القياس، وذكر الأمثلة، وتصنيف العلوم، وغير ذلك.
هذا الذي أكّدنا عليه - وأكّده العلامة سبحاني- ليس كلاماً يُرمى على عواهنه، بل هو حقيقة اعترف بها أحد أكبر من خاض غمار الفلسفة من المسلمين، وهو ابن رشد (ت: 595هـ/ 1198م)، الذي يقول بحقّ أرسطو: "إننا نحمد الله كثيراً، لأنّه قدّر الكمال لهذا الرجل، ووضعه في درجة لم يبلغها أحد غيره من البشـر في جميع الأزمان(!)، وربّما كان الباري مشيراً إليه بما قال في كتابه القرآن: [يختصّ برحمته من يشاء] آل عمران/ ٧٣. بل يقول أكثر من ذلك، فيقول بالحرف: "إن برهان أرسطو هو الحقّ اليقين، ويمكننا أن نقول عنه: إن العناية الإلهية أرسلته إلينا لتعليمنا ما يمكن علمه[32].
ولقد قارن العلامة سبحاني بين حقبتين تاريخيتين متغايرتين أجمل مقارنة تهزّ الكيان، وترجع بالإنسان إلى سالف الأزمان - حينما كان الهدي الإلهي يأخذ بيد أولي الأبصار للنظر في الكون- ثم تعيده إلى زمان قادتْ فيه مصطنعات اليونان المنهزمين من أبناءِ الأمة، فيقول -كما نقلنا قبل ذلك-: ".. لقد كانت أيام كان يأخذ فيها بيد البصـر – في طريق النظر إلى آيات الله في الآفاق وفي الأنفس- قائدُ، ويقود القلبَ – في كسب ما وراء حدود مجال الأبصار- هادٍ، كان قد نزل من عند ربّ العالمين، يتلقّاه سمع الإنسان... فأصبح الهدي الربّاني متمثّلاً في حياة طيّبة لخير فرد من أولاد آدم، وأفضل أسرة من أسر الأرضين، وأعلى جماعة من جماعات العالمين (رضوان الله عليهم أجمعين)، ألا ما أطيّب تلك الأيام! ثم إنّها جاءت أيام أخر، أمست تقود فيها المنهزمين مختلقات ومصطنعات اليونان وإيران والصين والهند، والبعيد والقريب، فتبلّد السمع، وغشيت الأبصار، وتغيّرت القلوب والأفئدة، لتحلّ محلّها الأذهان المتصلّبة الباردة، والتبست المعروفات والمنكرات[33].
هذا، ولقد أكّد مساوئ الفلسفة عدد كبير من علماء الأمّة، وعلى رأسهم شيخ الإسلام ابن تيمية، الذي يرى أن "كفار اليهود والنصارى أشرف علماً وعملاً منهم (أي من الفلاسفة)، من وجوه كثيرة. والفلسفة كلّها لا يصير صاحبها في درجة اليهود والنصارى، بعد النسخ والتبديل، فضلاً عن درجتهم قبل ذلك[34]. ويعلّل ذلك في موقع آخر بأن: "الفلاسفة أفسدوا على الناس عقولهم وأديانهم، بما أخذوا من الفرق المنسوبة إلى الدول الجاهلية، كدولة القرامطة الباطنية العبيدية، ودولة التتر، وغيرهم[35]. ويرى ابن الجوزي بأن متفلسفة الأمّة الإسلامية أضاعوا المشيتين، "فلم يكسبهم التفلسف إلا التحيّر، فلا هم يعملون بمقتضاه، ولا بمقتضى الإسلام!"[36]. ولهذا لم يستعمل ابن تيمية -على ما أعلم- مصطلح (فلاسفة الإسلام)، أو(فيلسوف الإسلام)، لكلّ من ذكر أسماءهم، كابن سينا والكندي والفارابي وغيرهم.
ولكنّي أظنّ أن الغزالي كان أكثر دقّة في تقويم شأن الفلاسفة، حيث فصّل في الحديث عنهم، فيرى أن الفلاسفة أخطأوا في الإلهيات، دون الطبيعيات والرياضيات، لأن مذهبهم فيها لا يصدم أصلاً من أصول الدين، ولأن تلك الأمور تقوم على براهين هندسية وحسابية"[37]. قال ذلك لأنه كان يرى أن الفلسفة ليست علماً برأسها، بل هي أربعة أجزاء: أحدها: الهندسة والحساب، وهما مباحان. والثاني: المنطق، وهو بحث عن وجه الدليل، وشروطه، ووجه لحدّه، وشروطه، وهما داخلان في علم الكلام. والثالث: الإلهيات، والفلاسفة انفردوا فيها بمذاهب: بعضها كفر، وبعضها بدعة. والرابع: الطبيعيات، وبعضها مخالف للشرع والدين والحقّ، فهو جهل وليس بعلم."[38]
وقريباً من هذا الكلام قال ابن الجوزي: "هؤلاء كانت لهم علوم هندسية ومنطقية وطبيعية، واستخرجوا بفطنتهم أموراً خفيّة، إلا أنهم لما تكلّموا في الإلهيات خلطوا، ولذلك اختلفوا فيها، ولم يختلفوا في الحسيّات والهندسيّات"[39]. أمّا ابن خلدون فيقول في مقدّمته: "جاء الله بالإسلام، وكان لأهله الظهور الذي لا خفاء له... وأخذوا من الحضارة... وتشوّفوا إلى الاطّلاع على هذه العلوم الحكميّة، بما سمعوا من الأساقفة والأقسّة المعاهِدين بعض ذكر منها.. فبعث أبو جعفر المنصور إلى ملك الروم، أن يبعث إليه بكتب التعاليم مترجمة، فبعث إليه بكتاب (أوقليدس)[40] وبعض كتب الطبيعيات، فقرأها المسلمون واطّلعوا على ما فيها.. وجاء المأمون بعد ذلك، وأوفد الرسل على ملوك الروم في استخراج علوم اليونانيين وانتساخها بالعربي، وبعث المترجمين لذلك، ودخل على الملّة من هذه العلوم، وأهلها، داخلة، واستهوت الكثير من الناس؛ بما جنحوا إليها، وقلدّوا آراءها، والذنب في ذلك لمن ارتكبه[41].

ثالثاً/ الاستفادة من بعض النظريات الفلسفية، وتأصيلها من منظور قرآني:
ممّا لا شك فيه أنه لا يمكن أن نحكم– بإطلاق- على الفلسفة، وكلّ ما قاله الفلاسفة، بالبطلان، لا سيّما فيما قالوه في التصوّرات حول الكون والحياة والإنسان والخلق، والرؤية حول الحقائق والمحسوسات.. فلا يستبعد أن يكون قسم ممّا قاله الفلاسفة – حتّى اليونانيين القدماء منهم- جزءاً من بقايا الوحي المنزّل على الرسل المبعوثين إلى أممهم قبلهم، فوصل إليهم بشيء من التحويل والتحريف[42].
 بناء على هذا لاحظت أثناء تتّبعي لموقف سبحاني من الفلسفة، وما قالوه، أنه قد قال ببعض ما قاله الفلاسفة، لا سيّما فيما تصوّر أنه لا يتعارض مع ثوابت القرآن. من ذلك ما يتعلّق بأقسام النفس وقواها الثلاث: فلقد قسّم ابن سينا (ت428ه/ 1037م) النفس إلى ثلاثة أنواع، هي: 1- النفس النّباتية 2- النفس الحيوانية 3- النفس الإنسانية. ثمّ قسّم النفس النباتية إلى قوى ثلاث، هي: القوة الغاذية، والقوة المنمّية، والقوة المولّدة.
أمّا قوى النفس الحيوانية، فهي: القوّة المحرّكة، والقوّة المدركة، ثم قسّم كل قوّة إلى أقسام.
 أمّا قوى النفس الإنسانية - التي سمّاها النفس الناطقة- فهي: القوّة العالمة، والقوّة العاملة، أو القوّة النظرية، والقوّة العملية[43].
يقول سبحاني - في هذا- في تفسير قوله تعالى: [وإنْ مِنْ شَيءٍ إلا يُسَبّحُ بِحَمْدِه] الإسراء: ٤٤: "لا يدع الله مخلوقاً إلا يهب له ما هو مستعد له من الكمال، فجعل كل شيء يسبّح - وذلك بالسير من النقص - ، ويحمّد - وذلك ببلوغ ما يمكن من الكمال -. وما كان شيء ليسبّح بحمد ربّه، إلا بـ (أخذ)، و(تصيير)، و(إعطاء)، فالنّواة أو الحبّة (البذرة) - مثلاً- إنّما تتطوّر وتبلغ ما قدّر لها من الكمال، بأخذ مواد غذائية، ثمّ بتصييرها وجعلها من جنس أجزائها، ثمّ بإعطاء آثار من الثمر، وغيره. وما النفس الإنسانية من هذه الكليّة بمستثناة، فإنها لن تنال كمالها إلا بأخذ صور من حقائق، ثمّ بتصيير للمأخوذات، وتكوين ملكات، ثم بإعطاء آثار، وقيام بأعمال صالحات".
 ثمّ يشرح جماع مظاهر الحياة في مختلف مراتبها، قائلا: "إن النفس شيء قد تكوّن من اتّصاف الروح بصفات قد حصلت من التزاوج بين خواصّ الروح وخواصّ الجسد، وتلك الصفات قوىً ستّ، هي جماع مظاهر الحياة في مختلف مراتبها، وهي: قوّتا النّمو والتوليد - وهما مظهر الحياة النباتية -، وقوّتا: الإحساس والحركة – وهما مع السابقتين مظاهر الحياة الحيوانية-، وقوّتا: العلم والإرادة، وهما مع ما سبق مظاهر الحياة الإنسانية([44]). ثم يشرح هذه القوى الستّ بتفصيل، وسيأتي الحديث عنها - لا سيّما فيما يتعلّق بقوّتي العلم والإرادة - في الحلقة القادمة، أثناء حديثنا عن مصادر معرفة الإنسان عند سبحاني، إن شاء الله.
بقي أن نقول: إنه بمقارنة متأنيّة بين ما قاله العلامة سبحاني، وما أقرّه ابن سينا، يلاحظ تقارباً بين القولين، وتشابهاً في بعض التقسيمات، ثم تعارضاً بين قوليهما من جانب آخر. أمّا التقارب أو التشابه، فحصل فيما يتعلّق بتقسيم مظاهر الحياة إلى ثلاثة أنواع، هي:1- النباتية 2- الحيوانية 3- الإنسانية، إلا أن سبحاني سمّاها مظاهر الحياة، ولكن ابن سينا سمّاها أقسام النفس. أمّا في تفصيل التقسيمات، فلكون ابن سينا متأثّراً بفلاسفة اليونان ومنطقهم، فلقد قال بما قالوه، بينما لجأ سبحاني إلى طريقة الاستقراء القرآني، لاستنباط قوى النفس الإنسانية، فكانت بصمات تأثير الهدي الإلهي بارزة على تصوّراته.
 بل إنّني أرى أن العلامة ناصر سبحاني قد كان أقرب إلى التصوّر القرآني وهديه – فيما قاله بحقّ قوى النفس الإنسانية- أكثر من العلامة ابن باجة، أبي بكر بن يحيى (ت: 503هـ/1109م)، الذي فصّل الحديث عن خفايا الإنسان، وأن سبحاني هو الأجدر بأن يسمّى بالخبير في علم الإنسان[45]. قال ابن باجة: "كلّ حيّ يشارك الجمادات في أمور، وكلّ إنسان يشارك الحيوان غير الناطق في أمور. فالحيّ والجماد يشتركان في بعض الأمور، ويشارك الإنسان الحيوان غير الناطق في النفس الغاذية والمولّدة والنّامية، كما يشاركه في الإحساس والتذكّر والتخيّل. والإنسان يمتاز عن الحيوان غير الناطق، وعن الجماد والنبات، بالقوّة الفكرية[46].
ونستخلص القول بأن سبحاني قد استبدل الذي هو أبعد عن الوحي المنزّل، بالذي هو أقرب منه، فترك المصطلحات الفلسفية اليونانية، واعتمد على المصطلحات القرآنية، وأخذ من الفلسفة ما هو في الحقيقة من آثار الوحي والحكمة الإلهية، وآثر التعمّق في القرآن، ومدلولات ألفاظه، على تقفّي آثار الفلاسفة، والمتكلّمين، المتأثّرين  بهم[47]. هذا هو منهجه ــ رحمه الله ــ في معالجة كافة القضايا الفكرية.
   (سنخصص الحلقة القادمة - بمشيئة الله - لرؤية العلامة ناصر سبحاني حول أسس القيم الدينية، ودورها في الحياة الاجتماعية للأمم، ومصادر تلّقيها، وعلاقتها بالحكم الابتلائي، الذي هو شطر الألوهية، وكيفيّة تلّقي القيم والأحكام، وأقسامها... إلخ)r




الحواشي والمراجع:
[1] الحنفي، موسوعة الفلسفة والفلاسفة،1/ 157.
[2] الفارابي، أبو نصر، محمد، بن محمد طرخان التركي، ذو المصنفات الشهيرة، قدم دمشق، ونزل لدى سيف الدولة، (ت: 303 ه،915م)، (انظر: الذهبي، سير أعلام النبلاء، 2/3008.
[3] ابن سينا، أبو علي، حسين، بن عبدالله، بن الحسن، (371-428ه/981-1036م)، المعروف بالشيخ الرئيس، لتقلّده منصب الوزارة. فارسيّ الأصل. يعدّ من أشهر الفلاسفة المسلمين. (ينظر: الموسوعة الفلسفية المختصرة، ص: 12).
[4] انظر: د. مصطفى الزلمي، فلسفة القانون، ص: 20.
[5] انظر للتفاصيل: أحمد أمين وزكي نجيب، قصة الفلسفة اليونانية، ص: 10.
[6] ابن رشد: محمد، بن أحمد، أشهر الفلاسفة العقلانيين، ولد في الأندلس عام (523 ه/ 1128م)، اعتنى بشغف بالفلسفة، رغم كونه فقيهاّ وطبيباً في الوقت نفسه. توفّي في المغرب، وقيل في مراكش عام (595ه/1198م). ينظر: الموسوعة الفلسفية المختصرة، ص: 1.
[7] طبع كتاب ابن رشد المذكور عدّة طبعات، منها الطبعة الثالثة في بيروت عام 1937.
 [8]انظر: ناصر سبحاني، دروس في العقيدة (باللغة الفارسية)، الدرس الثاني.
[9] بيت الحكمة: "مدرسة علمية أمر المأمون بإنشائها لغرض ترجمة علوم الأوائل من اليونانية والسريانية إلى العربية. كانت بمثابة مؤسسة (أكاديمية) أو مركز الوثائق في وقتنا الحاضر، عُني فيها بجمع الأصول والمراجع والترجمة. (انظر: ابن النديم، الفهرست، ص:382). و(د. عبد الرحمن بدوي، الفلسفة والفلاسفة في الحضارة العربية، ضمن موسوعة الحضارة العربية، دار الفارس، بيروت، 1995، 1/8 ).
 [10]ناصر سبحاني، المناظرة العلمية، سننج (إيران)، 1987م.
[11] ابن النديم، الفهرست، 382.
12 أبو سهل هو: إسمعيل، بن علي، بن إسحق، بن أبي سهل، بن (نوبخت)، كاتب وشاعر ومتكلم. ملمّ بالعربية والفارسية، خبير بالنجوم، عاش زمن الخليفة هرون الرشيد، وولّاه خزانة بيت الحكمة. ذكره ابن النديم، في الفهرست. (ت:311ه/924 م)، الفهرست، ص: 396.
13 هو: أبو عبد الله، محمد بن موسى، عالم الرياضيات والفلك والجغرافيا. ولد في خوارزم حوالي164هـ/ 780م. اتّصل بالمأمون الخليفة، وولّاه بيت الحكمة، وعهد إليه أعمالاً كبيرة، منها: رسم خارطة الأرض، ترجمت كتبه إلى اللغة اللاتينية، توفّى 232هـ/850 م.(انظر: موقع ويكيبيديا).
14 (يوحنا بن ماسوية): من أشهر الأطباء. هاجر إلى بغداد في أوائل القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي)، وأقام فيها مستشفى (بيمارستانا)، وقد عينه المأمون العباسي عام (215ه/ 830 م) رئيساً لبيت الحكمة، وتتلمذ عليه حنين بن إسحق، (انظر: موسوعة الحضارة العربية الإسلامية، المؤسسة العربية للدراسات، بيروت، دار الفارس، 1995، 1/8).
[15] موسوعة المعارف الكبرى، 23/66، وانظر: ابن النديم، الفهرست، ص: 382، وابن القفطي، أخبار العلماء، ص: 151.
[16] المسعودي، مروج الذهب، (2/554).
[17] سليمان الدخيل: الفوز بالمراد في تاريخ بغداد، القاهرة، دار الآفاق، 1423ه/ 2003.
[18] ابن النديم، الفهرست، ص: 243.
[19] انظر: تاريخ مختصر الدول. ص: 236، نقلاً عن الفوز بالمراد، ص: 152.
[20] ابن القفطي: أبو الحسن، جمال الدين، علي، بن يوسف، بن إبراهيم، ولد عام 568ه/1172م في (قفط) بمصر، وأقام بحلب. لقّب بالوزير الأكرم أيام الملك العزيز. له تأليفات عديدة في التاريخ والتراجم، أشهرها: أخبار العلماء. قيل: جمع من الكتب ما لا يوصف. توفّي عام 646ه/1248م. (انظر: الوافي بالوفيات، للصفدي، 7/106).
[21] ابن القفطي: أخبار العلماء، ص:255، نقلاً عن: الفوز بالمراد: ص: 151.
[22] طبع كتاب الأضحوية لابن سينا في مصر، من قبل: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، عام 1987م، بتحقيق الدكتور حسن عاصي.
  [23]طبع كتاب النجاة في المنطق والإلهيات لابن سينا، في مصر عام 1992م، بتحقيق عبد الرحمن عميرة، من قبل دار الجيل للطبع والنشر والتوزيع.
[24] ينظر: سعود السرحان، الحكمة المصلوبة، تقديم: حسن حنفي، بيروت، بيان للنشر، 2008م، ص: 53.
[25] ناصر سبحاني، المناظرة العلمية، سنندج.
[26] انظر: ناصر سبحاني، دروس في العقيدة (باللغة الفارسية)، الدرس الثاني.
[27] انظر: عبد الرحمن بدوي، الفلسفة والفلاسفة. مصدر سابق، (1/10).
[28] المسعودي: أبو الحسن، علي، بن الحسين علي، البغدادي (ت 345ه/956م) صاحب مروج الذهب وغيره من التواريخ، كان أخبارياً، صاحب ملح وغرائب وعجائب وفنون، وكان معتزلياً. انظر: الذهبي، سير أعلام النبلاء، 2/2772.
[29] ماني، ابن فاتن أو فاتك هو: مؤسس مذهب (المانوية)، القائل بمبدأي الخير والشر، والنور والظلام. ظهر بعد عيسى (عليه السلام). ادّعى النبوة، وأحدث ديناً بين المجوسية والنصرانية. (انظر: القلقشندي، صبح الأعشى، 13/298).
[30] ابن المقفع، أبو محمد، عبدالله، بن (دانويه)، ترجم للمنصور كتاب كليلة ودمنة، وترجم كتب أرسطو في المنطق من الفارسية إلى العربية. قتل عام (142ه/ 759م). (انظر: وفيات الأعيان 1/149).
[31] المسعودي، مروج الذهب، 2/554. أقول: إن مصطلح (الجدليين) هذا، الذي أتى به المسعودي لتصنيف بعض أهل الحديث، لم يقل به المحقّقون.
[32] (شاخت وبوزورث)، ترجمة حسين مونس وإحسان صديقي، سلسلة عالم معرفة، تراث الإسلام، 2/67.
[33] ناصر سبحاني، الولاية والإمامة، ص: 1213.
[34] ابن تيمية، مجموع الفتاوى، 9/252.
[35] انظر: ابن تيمية، الرسالة الهندية، 1/236.
[36] ابن الجوزي، تلبيس إبليس، بيروت، دار المعرفة، 1425ه/2004م، ص: 61.
[37] انظر: الغزالي، أبو حامد، تهافت الفلاسفة، ص: 80.
[38] انظر: الغزالي، إحياء علوم الدين، ص: 34.
[39] ابن الجوزي، تلبيس إبليس، ص: 60.
[40] (أوقليدس): أول كتاب لليونانيين، ترجم أيام الخليفة المنصور. نسخه مختلفة باختلاف المترجمين، فمنها لحنين بن اسحق، ولثابت بن قرّة، وليوسف بن الحجاج. ويشتمل على خمس عشرة مقالة.. وقد اختصر مختصرات كثيرة، كما فعله ابن سينا في تعاليم الشفاء، وكذلك ابن أبي الصلت في كتاب الاقتصار، وغيرهم. وشرحه آخرون شروحاً كثيرة. وهو مبدأ العلوم الهندسية بإطلاق. (انظر: ابن خلدون، المقدمة، 1/385).
[41] عبد الرحمن، بن محمد، بن خلدون (ت: 808ه/ 1405م)، مقدمة ابن خلدون، دار ابن حزم، بيروت، 1424ه/ 2003م، 1/381.
[42] إذا استندنا إلى قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ، وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ}فاطر:٢٤, وقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ...}إبراهيم: 4، وقوله سبحانه وتعالى ــ بعد أن قال: ورسلاً لم نقصصهم عليك: {رُسُلًا مُبَشِّـرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} النساء: ١٦٥، تبيّن لنا أنه ليس هناك أمّة إلا أتاها نذير، وما من قوم صاحب لسان إلا أتاهم رسول، لكي لا تبقى حجّة للناس على ربّهم بعد رسله. ومن هنا لا يبقى مجال للشك بأن اليونانيين لم يكونوا بدعاً من الأمم والأقوام التي أتاهم الرسل - عليهم السلام -، والله أعلم.
[43] ابن سينا، أبو علي، الحسين، بن عبدالله ، كتاب النجاة، ص158، نقلاً عن: الفلسفة والفلاسفة،  د. عبد الرحمن بدوي، في موسوعة الحضارة العربية،1/5253.
[44] ناصر سبحاني، رسالة في علوم الحديث، ص1213.
[45] حاول عبد الرحمن بدوي أن يطلق تسمية علم الإنسان على فلسفة العلامة ابن باجة. (انظر: الفلسفة والفلاسفة عند العرب، ضمن موسوعة الحضارة العربية، 1/89).
[46] ابن أبي أصيبعة، عيون الأبناء في طبقات الأطباء، بيروت، 1965، 2/62، نقلا عن موسوعة الحضارة العربية، 1/90.
[47] انظر للتأكّد من ذلك: ص 16-17 من كتابه: الولاية الإمامة، و ص: 12-15 من رسالته في علوم الحديث، و14-18 من كتابه: أسس التصوّرات والقيم، وأماكن أخرى كثيرة في دروسه العلمية المسجّلة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق