04‏/07‏/2019

إشارات كونية من القرآن تدعو إلى الإيمان اليقيني


هفال عارف برواري


كثيراً ما نقرأ القرآن ولا نقف على معانيه، ولا نتدبّرها حقّ التدبّر،  أو نمرّ عليها - كما يقولون - مرور الكرام، أو يكون قد استقرّ في أذهاننا تفسير بعض الآيات، المفسّـرة من قبل العلماء في عصر من العصور، فتمّ بذلك حبس صورة تلك الآيات في أذهاننا، وترّسخت فيها، ونسينا أن الآيات القرآنية لا تنقطع دررها ومفاهيمها في كل عصـر، وفي كل حين. وهذا سرّ خلود القرآن، وصلاحيته في كل زمان ومكان..



الجزء الأول
بداية الكــــون
 ١- البحث عن بدء الخلق من المبادئ الأساسية في القرآن؟
يقول الله عز وجل:
 {قُلْ سِيرُوا فِي الأرض فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ}!
وهي آية واضحة، تحثّنا على معرفة كيفية بدء الخلق.. لكنّنا تركنا البحث والسير، وركزّنا على الطقوس العبادية فقط! وغيرنا هو الذي سار، مع أننا نحن الذين بدأنا، لكننا توقفنا عن السير في الركب الحضاري..
٢- ويقول الله عز وجل:
{وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ}
وقد أثبت العلماء أن الكون قد انطلق من نقطة واحدة، وهذه النقطة تستمرّ بالتوسّع على ثلاثة أنماط:
• إمّا أن الكون يتوسّع من داخله، حتّى يبلغ حجماً معيناً، يبدأ بعدها بالانكماش.. وهذا ما يسمّى بـ(الكون المغلق).
•وإمّا أن يستمر بالتوسّع إلى ما لا نهاية، ولكن بمعدّل ثابت، وهذا ما يسمّى بـ(الكون المسطّح).
•وإمّا أن يستمر بالتوسّع بشكل متسارع، وهذا ما يسمّى بـ(الكون المحدّب )، بتحدّب سالب، بحيث تبقى أرضنا، في المستقبل البعيد، كجزيرة هائمة وسط المحيطات!
لكن يبقى الاتفاق على أن الكون قد انطلق من نقطة، وهي ما يسمّى بـ(الانفجار العظيم)..
فقصة خلق الكون، بحسابات علمية ورياضية، في كيفيّة الانفجار العظيم، هو أن الكون قد انطلق من نقطة، كانت تحتوي على عدد هائل من الجسيمات الأوّليّة، في درجة حرارية عالية جداً؛ بالمليون مليون درجة.. الكون الذي ليس له خارج، ولا زمان، ولا مكان، خارج الكون..
ثمّ مرّ الكون بمرحلة التبريد، ثم مرّ بمراحل كثيرة، حتّى بلغ عمر الكون ٣٨٠ ألف سنة، عندها تركّبت وتشكّلت أولى الذرّات في هذا الكون.. وهذه الذرّات تجمّعت، وتفاعلت مع بعضها.. وعند اجتماع الجسيم ومضادّه، تحوّل إلى شعاع ضوئي.. وهذه الجسيمات تتحوّل إلى أشعة ضوء، ثمّ تعود للتخلّق من الطاقة الموجودة عند التبريد.. عند تبريد الكون.. فحافظت الجسيمات الثقيلة على نفسها، واجتمعت الإلكترونات مع البروتونات.. والبروتونات اجتمعت مع النيوترونات، من كل ذرّة من الذرّات التي تكوّنت:
بروتون + إلكترون = هيدروجين
بروتون 2+ نيوترون 2 في نواة من الذرة +إلكترون 2= هليوم
فتحوّل الكون من حالة العتمة إلى الشفافية، فانطلق ضياء ونور من كل ذرّة من الذرّات التي تكوّنت، فتمّ تفريغ المكان، فأصبح الكون شفّافاً..
جلّ الله بنوره في الكون!
حيث أصبح الكون منيراً بعد أن كان مظلماً.. وانطلق وقتها شعاع ضوئي هائل، ملأ الكون كلّه، بنفس الوقت الذي أصبح الكون شفّافاً، فامتلأ الكون بنور الله!
يقول الله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرض، مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ، الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ، الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ، نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ، يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ، وَيَضْـرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ، وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.
ثمّ تكاثفت سحب كبيرة جداً جداً من غاز الهيدروجين ٧٦٪، وغاز الهليوم ٢٣٪، و ١٪ عناصر أخرى..
هذه الغازات اجتمعت، وتشكّلت منها النجوم الأولى، وكانت كبيرة.. وأصبحت هذه النجوم تحرق وتدمج الهيدروجين مع بعضه، وتؤلّف من ذلك غاز الهليوم.. واستمرّت النجوم الأولى بعملية طبخ العناصر.. أيْ يتكوّن داخل النجم غاز الهليوم، واذا كان النجم كبيراً، سيندمج الهليوم مع بعضه، ليتشكّل الكاربون.. والكاربون يندمج ليتشكّل الأوكسجين، والنيتروجين..
هكذا بدأ الخلق؟
لذلك يقول الله عز وجل:
{لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ، وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}
لأن الإنسان خلق بمراحل تطوّرية.. لكن الكون خلق من العدم!!!
ويقول الله عز وجل:
{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرض بِالْحَقِّ، تَعَالىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ}.
وبالحقّ، أي: بقانون، وليس عشوائيّاً.. أي إن الله يدير هذا الكون بقوانين..
فلنر ما هو الحقّ في خلق الكون؟!
١- الكون بدأ من نقطة.
٢- تقول الفيزياء، في نظرية الكوانتوم، مع النظرية النسبية لمعرفة بدء الكون: أنه لا وجود لعدم مطلق..
وللعلم، ففي تاريخ الفكر الإسلامي الكلامي، هناك مناقشات جدليّة حول هذا الموضوع..
ففي التراث الإسلامي سنسجّل جدالاً حول ذلك:
تكلّم (المعتزلة)، وقالوا بشيئية العدم! وبيّنوا أن العدم هو ليس اللاشيء.. واستندوا على أن حقيقة الشيء هو المعلوم، والعدم معلوم، فهو شيء!!
وهو ما قاله (الجويني) في كتاب (الشامل في أصول الدين)..
لكن (الأشاعرة) ردّوا عليهم، وقالوا: إذا كان العدم شيئاً، فأنتم تجعلون لله نداً.. والأشياء تتألّف من جواهر.. فما هي جواهر العدم؟
فأجاب المعتزلة: إن جواهر العدم مثل جواهر الوجود، إلا أنها غير متحيّزة، أيْ لا تشغل حيّزاً!!
فالعدم ليس مكاناً، ولا فضاءً، أيْ هو شيء افتراضي، وليس حقيقياً؟
وبالاختصار، فقد قالت المعتزلة إن العدم موجود، لكنّه غير متحيّز، ولكنّه شيء، وإنْ كان لا وجود حقيقيّاً له!
وأيضاً، توّصلت فيزياء الكوانتوم أنه لا يمكن أن تكون أيّ مسافة صفراً.. لذلك النقطة التي انطلق منها الكون، لا بد أنها كانت حيّزاً، ولو كان بحجم البروتون.. وقد تمّ تسميته بـ (حيّز بلانگ = ثابت بلانگ)..
٣- (هايزنبرگ) توّصل إلى أن طاقة أيّ جسيم، مضـروبة في زمن وجوده، يجب أن تكون أكبر، أو تساوي مقدار (ثابت بلانگ).. هذا المقدار صغير جدّاً، جدّاً.. وهذه هي وحدة الفعل..
فأيّ جسيم حقيقي، موجود وواقعي، يجب أن تكون طاقته، في زمن وجوده، لا تقلّ عن هذا المقدار (ثابت بلانگ)، وهو جزء من عشـرة مليار ترليون ترليون.. جزء من وحدة الفعل!!!!
فإذا كان هذا المقدار الصغير جدّاً، هو معيار الوجود.. فما هو معيار العدم، فيزيائياً؟!
٤- العدم هو أيّ جسيم له طاقة، وموجود! لكن طاقته، مضروبة في زمن وجوده، تكون أقلّ من (ثابت بلانگ).. وفِي هذه الحالة سيعتبر غير موجود فيزيائياً!!
لذلك العدم ليس بصفر، بل ممكن أن يكون شيئاً، لكن هذا الشيء سيكون معدوماً!!
فما هي هذه الأشياء المعدومة، فيزيائيّاً؟
هي جسيمات مجازية، أو افتراضية، لا يمكن قياسها..
وقد توّصل (المعتزلة) - كما قلنا - إلى هذه الحقيقة، بعلمهم (علم الكلام)، الذي اندثر تحت رماد التاريخ..
٥- فيزيائياً، لو كان عندك مجال جاذبيّة شديد (قوّة خارجية عظيمة)، يتدخل في أيّ مكان يكون عدماً.. فإن هذا العدم ستتخلّق فيه جسيمات موجبة الطاقة، وسالبة الطاقة..
٦- لكن السؤال: من أين أتت هذه الجاذبية؟!!
الجواب العلمي: (لا نعرف)!
وقد كان الفلاسفة القدماء، أمثال (أرسطو)، وغيرهم، يقولون عن الله: بأنه هو (المحرّك الأوّل)..
وللعلم قد بيّن (ستيفن هويكنغ)، بأنّه في داخل الثقوب السوداء هناك عدم، ليس فيه زمكان.. وقال إننا نفترض أن الأشياء تتخلّق بالقرب من تلك الثقوب!!
القرآن يُبيّن أن إرادة الله هي التي خلقت السموات والأرض.. وهي القوّة الخارجية التي بإرادتها انطلق الكون من العدم.. بخلق قوّة جاذبية، قامت بتحدّب الزمكان..
لذلك، فالزمان والمكان وجدا مع الكون..

الجزء الثاني
الشمس
يقول الله عز وجل:
{أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرض كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا، وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ، أَفَلَا يُؤْمِنُونَ}
هذه الآية – علميّاً - تتحدّث عن كيفيّة تكوين النظام الشمسي..
الشمس، والأرض، والكواكب التابعة للمجموعة الشمسية، كانت رتقاً ففتقت.. ولا تتحدّث الآية عن نشأة الكون كمّا روّجها قديماً دعاتنا، حتّى المتخصصين منهم! ففي نشأة الكون هناك آيات أخرى تبيّن ذلك:
فالأرض عمرها ٤.٥ مليار سنة.. والشمس ٥ مليار.. لكن الكون عمره ١٤ مليار سنة ضوئية! والسماء كانت دخاناً:
قال تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إلى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ}.
لكن السؤال هنا:
ما هو مصير الشمس، كما قرّره العلماء، والقرآن؟؟ دون حدوث المعجزات! أيْ: وفق نواميس الكون؟
الشمس هي كتلة هائلة من الغازات (الهيدروجين والهليوم).. هذه الكتلة الهائلة، الكبيرة جدّاً، تشكّل ٩٩٪ من كتلة النظام الشمسـي.. وهذا النظام يتألّف من الشمس، والكواكب التي تدور من حولها الأرض.. ونحن نرى الشمس في كل يوم.. وهي التي تبعث لنا مقداراً كبيراً من الطاقة والحرارة والضوء.. وتبعث لنا كمية كبيرة من الشحنات الموجبة والسالبة، وما يسمّى بالرياح الشمسية.. هذه الشمس العظيمة التي تمدّنا بالطاقة، وقد قالها القرآن:
قال تعالى: {وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا}
كيف تنتج الشمس هذه الكمية الكبيرة من الطاقة؟
الشمس هي من الجيل الثاني، أو الثالث، من النجوم.. مكوّنة من عناصر كيمياوية أخرى، بعد الهيدروجين والهليوم..
وهي تولّد كمية كبيرة من الطاقة.. لكن - للعلم - أن الشمس تخسـر من طاقتها التي تصدرها، كلّ يوم، بمقدار 4 مليون طن في الثانية الواحدة!! لكن بسبب كتلتها الهائلة، فإنها تستطيع إنتاج الطاقة بمقدار مليارات السنين القادمة..
وهي – حسب الفلكيين - ستعيش إلى ٥-٦ مليار سنين أخرى، إن لم يحدث شيء ليس في الحسابات!
وللعلم، فالشمس متذبذبة.. فهي تنكمش وتتّسع قليلاً، باستمرار، وهذا ما يساعدها على عدم الانفجار!
فبسبب الانفجارات النووية داخل الشمس، يزداد الضغط عليها، وفي داخلها، وبذلك تتمدّد قليلاً، وعند التمدّد يتمّ تبريدها.. وبالتالي، تقلّ معدلات الاندماجات النووية.. وبالتالي، يقلّ الضغط، وبسبب ذلك يحصل انكماش، فتزداد الجاذبية، ويزداد الضغط عليها.. وبالتالي، تزداد معدلات الاندماجات النووية.. وهكذا، تتكرّر العملية باستمرار..
فهذا  التوازن الهيدروستاتيكي هو الذي يساعدها في محافظتها على كيانها؟
ولكن هذه العملية لا تستمر إلى الأبد!
لأن كميّة الهيدروجين محدّدة داخلها، مهما كانت كبيرة.. وبالتالي، ستتناقص، إلى أن تصل إلى درجة جعلها غير قادرة على خلق اندماجات نووية.. وبالتالي، تتوقف الانفجارات النووية.. فيبقى داخل الشمس كمية كبيرة من الهليوم.. والهليوم بطبيعته أثقل من الهيدروجين أربع مرات.. فتتولّد فيها قوّة جاذبية شديدة، تجعلها تعمل على سحب الشمس نحو الانكماش، والتحوّل إلى مرحلة التكوير!! كما بيّنها القرآن:  قال تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}.. وهي ضمّ الشيء بعضه إلى بعض..  
فانكماش الشمس انكماشاً عظيماً، يجعل الضغط داخلها يتزايد، ودرجة الحرارة ترتفع إلى ٢٥ مليون درجة.. وبما أنه أصبح فِي باطنها نسبة كبيرة من الهليوم، وقليل من الهيدروجين، وهذا ما يؤدّي إلى ارتفاع درجة حرارة باطن الشمس إلى أن تصل إلى درجة أعلى من ٢٥ مليون درجة، فيندمج الهليوم (ثلاث ذرات من الهليوم )، وتتحوّل إلى (كاربون)، فتتولّد طاقة هائلة، وعصف نووي، وضغط مئات أضعاف من اندماج الهيدروجين!! - فمن مميّزات الهليوم أنه عندما يكون تحت ضغط هائل، ويحدث فيه انفجار نووي، يؤدّي بالضرورة إلى انفجار كلّ الهليوم الموجود في باطن الشمس!!- وبالتالي، ستتحوّل الشمس من جسم منكمش، إلى جسم منتفخ انتفاخاً سريعاً جدّاً، بسبب الضغط الهائل من الانفجارات الهليومية، فتقوم بابتلاع كوكبي (عطارد والزهرة)، وتقترب اقتراباً شديداً من الأرض!!!
في القرآن، يُبيّن ذلك أيضاً مع ابتلاع القمر!! قال تعالى: {وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ}..
فعندما تتضخّم الشمس، وتنتفخ، يتحوّل قطرها من (مليون و٤٠٠ ألف)كم، إلى (٣٠٠ مليون)كم.. وفي فترة قصيرة جدّاً جدّاً.. ربّما ساعات! ممّا يؤدّي إلى غيابها، وطلوعها عندنا، وكأنّها تطلع من المغرب..
ففكرة تأويل بعض علماء المسلمين أنه حتّى تطلع الشمس من المغرب، يجب أن تتغيّر حركة  الأرض؛ من حركتها عكس عقرب الساعة، إلى حركة مع عقرب الساعة، لكي تظهر الشمس من المغرب، غير علمية.. لأنه سيؤدّي - بالضرورة - إلى اصطدامها بكواكب أخرى.. وليس في المنظور العلمي - لحدّ الآن - ما يشير إلى ذلك.. وهي تخالف نواميس الكون، وقوانينه.. لذلك، الأرجح أن الشمس ستغيب بسبب انكماشها الهائل، ثم تنتفخ انتفاخاً هائلاً في فترة قصيرة جدّاً، فتظهر وكأنها ظهرت من مغرب الأرض!
وعند انتفاخ الشمس، سيتسبّب ذلك في برودته، لذلك ستظهر وكأنها وردية اللون.. بالضبط كما في الوصف القرآني:
قال تعالى: {فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ}..
والنجوم ستنكدر، لأنه ستكون هناك غازات، وغبار:
قال تعالى: {وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ}..
والبحار ستكون ملتهبة:
قال تعالى: {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ}..
والغلاف الجوي الأرضي سينتزع:
قال تعالى: {وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ}..
وبالتالي، ستبدّل الأرض غير الأرض:
قال تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض وَالسَّمَاوَاتُ}..
والشمس، في النهاية، ستجري لمستقرّ لها:
قال تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا}، أيْ إنّها ستنكمش، وتصبح بحجم الأرض، أو أصغر.. وسيتحوّل الكاربون المتولّد من الهليوم، وبسبب الضغط الهائل، إلى قطعة من الماس!!
والأرض ستصبح جرداء، لا حياة فيها..
قال تعالى: {وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا}..
ثم يأتي يوم الانكماش العظيم للكون كلّه..

الجزء الثالث
نهاية الكون

من الطبيعي أن كل شيء له بداية، ستكون له نهاية..
قال تعالى: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ، كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ، وَعْدًا عَلَيْنَا، إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}..
وقال تعالى:
{وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}..
ومن الناحية العلمية، هناك آراء مختلفة حول نهاية الكون.. وهناك نظريات تقول إن الكون في توسّع مستمر إلى ما لا نهاية.. وهناك نظريات تقول إن الكون سينتهي، وسينطوي، أي سينكمش.. وبين هذه النظريات، يبقى العلماء حيارى، لأنه لا توجد حقيقة علمية قاطعة في ذلك..
من ناحية العقيدة الإسلامية، فإن القرآن يقرّر أن الكون كلّه سينتهي: {يوم نطوي السماء كطيّ السجل...}.. وهي آية واضحة في أن الكون سينكمش..
وفِي آية أخرى: {والسموات مطويّات بيمينه}..
فالطيّ أمر محسوم، من الناحية العقدية..
أمّا علمياً، فلا توجد إجابة قطعية على ذلك..
والراجح، حتّى الآن، علمياً، هي نظرية التوسّع الهائل.. بحيث ستنعزل مجرّتنا عن كلّ المجرّات.. والكون يتوسّع كلّه، على نحو متسارع، وسيستمر بالتوسّع كلّه..
لكـــن.. هناك آراء تعارض هذه النظرية:
التعارض الأوّل:
الدراسات التي تبيّن أن الكون في توسّع مستمر، هو لأننا موجودون في حيّز من الفراغ، على شكل فقاعة، تبدو أنها تتوسّع بالتسارع إلى الما لا نهاية.. لكنه شعور، وإرصادات موضوعية.. في حين قد ينطوي الكون ونحن لا ندري! لأن إرصاداتنا محدودة المدى..
التعارض الثاني: في قول أن الكون سينطلق دون انكماش، في توسّع مستمر.. وهذا ما يسمّونه بالنموذج الكوني المسطّح.. التي أظهرت الإرصادات، والدراسات، أنها مسطحة.. حيث قاموا بحساب مجموع زوايا ثلاث مجرّات، ووصفوها كأنها مثلث.. فكانت النتيجة أن مجموع زوايا المثلث كانت ١٨٠ درجة.. وهذا ما يؤكّد أن الكون مسطّح.. فَلَو كان محدّباً، فإن مجموع زوايا المثلث، على سطح محدّب، لا تكون ١٨٠ درجة، بل أكبر..
وقد أثبت العلماء أن الكون انطلق من نقطة واحدة، وهذه النقطة تستمر بالتوسّع على ثلاثة أنماط – كما ذكرنا سابقاً -:
١- إمّا أن الكون يتوسّع حتّى يبلغ حجماً معيّناً، يبدأ بعدها بالانكماش.. وهذا ما يسمّى بـ(الكون المغلق)..
٢- وإمّا أن يستمر بالتوسّع إلى ما لا نهاية، ولكن بمعدّل ثابت.. وهذا ما يسمّى بـ(الكون المسطّح)..
٣- وإمّا أن يستمر بالتوسّع بشكل متسارع، وهذا ما يسمّى بـ(الكون المحدّب)، بتحدّب سالب.. ولكن، بعد أن تمّت الإرصادات في الخلفية المايكروية، وجدوا أن الكون مسطّح.. وللعلم، أنه عندما يكون الكون بشكل (محدّب وإسطواني)، فهو بالأصل مسطّح السطح! ويمكن أن نسطّحه، ونبسّطه.. لكن المحدّب الكرويّ لا يمتلك سطحاً مبسّطاً..
وهذا يعلمه كلّ من درس الرياضيات..
وبالتالي، فلـو كان الكون بشكل اسطواني مسطّح السطح، يمكن - قرآنياً - أن يتمّ طَيّ سطح الكون كطيّ السجل، وينكمش إلى أن تكون شكل الأسطوانة الكونيّة كخيط رفيع، ومن ثمّ ينهار!!
وهذا سيتمّ - حسب النظرية - التي تبيّن أن الكون يكون محدّباً، لكن بشكل أسطواني، وهو في تذبذب، أيْ توسّع مستمر إلى أن ينتهي إلى حدّ، بحيث يبدأ بعدها بالانكماش، والطيّ، كطيّ السجل!
وهذه النظرية التي تتماشى مع ما بيّنه القرآن، يتعارض بالطبع مع النظرية السائدة الآن، التي تبيّن أن الكون في توسّع مستمر إلى الما لا نهاية.. لكن القرآن ثابت، والعلم متغيّر..
والآيات التي تحدّثت عن الإشارات الكونية هي آيات متشابهة، وليست محكمة:
قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ، فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ، وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ، وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا، وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}.. ومن حكمة الله في الآيات المتشابهة، هو كي تكون صالحة لكلّ زمان ومكان، ويتقبّلها من عاش في القرن الأوّل الميلادي، مع من عاش في القرن ٩٠ ميلادي، مثلاً.. فهو يراعي تطوّر العقل البشري، ومستوى إدراكه، ووعيه، وعلميّته.

الجزء الرابع
الأرض
الأرض هو أجمل كوكب في المجموعة الشمسية، وقد يكون في الكون كلّه..
وهناك مبدأ اكتشفه الفيزيائيون في الثمانينات، وسمّي بـالمبدأ الإنساني، أو مبدأ  التسخير.. وهو أن الأرض معدّة، ومصمّمة، لكي يوجد عليها كائن عاقل ذكي!
لكن من الذي جهزها؟
قال تعالى: {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَّحْفُوظًا، وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ}
وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرض وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً، وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ}..
أوّلاً/ الأرض أربعة أخماسها (٤/٥ منها) ماء:
قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ، أَفَلَا يُؤْمِنُونَ}.
ثانياً /
للأرض غلاف جويّ، يقوم بمهمّة عظيمة جداً.. وقد عبّر عنه القرآن، بقوله تعالى:
{وَآيَةٌ لَّهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ}.. والسلخ يكون في الجلد، كما هو مبيّن في اللغة العربية.. وسلخ الأرض هو إزالة غلافها الجوي!
وقد تبيّن أن سمك الغلاف الجويّ، مقارنة بجسم الأرض، هو ١٥/١٠٠٠.. وهو يساوي سمك جلد البقرة إلى جسمها!!
وهو غلاف متميّز، لاحتوائه على كلّ الغازات التي تساعد، وتسبّب وجود الحياة!
فسمكها، وضغطها، مقدّر، بحيث يتناسب مع نشوء الحياة!
وقطرها ١٢ ألف كم.. ويقوم بنشر الضوء: كما قال تعالى:
{وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا* وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا}.. فالغلاف الجويّ يجلّي الشمس..
وللعلم، الأرض معرّضة لمخاطر مهلكة، من قبل السماء، وهي:
١- الشهب والنيازك.. ويسمّى قرآنياً (كِسَف)، أيْ قطع من بقايا المذنّبات، والأجرام الصغيرة:
قال تعالى: {وَإِن يَرَوْا كِسْفًا مِّنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَّرْكُومٌ}.
٢- الإشعاعات القصيرة التي تأتي من الشمس، مثل: أشعة گاما، والأشعة الكونية السـريعة جدّاً، وأشعة أكسX، وهي مضـرّة جدّاً، والأشعة الفوق البنفسجية.. وتسبّب هذه الإشعاعات في حدوث موجات جفاف، أو تتسبّب في أمراض جلدية مميتة للبشر.
طبقة الأوزون تعمل على امتصاص الإشعاعات القصيرة..
٣- الرياح الشمسية، وهي موجات كهرومغناطيسية، تكون على شكل صواعق كهربائية محرقة، تستطيع أن تدمّر الأرض. ولو وصلت إلينا، لأحرقت الأخضر واليابس..
4- تسقط يومياً مئات الأحجار على الأرض، من بقايا الكواكب، أو بقايا المذنّبات، الصغيرة والكبيرة، أو بقايا كويكبات بحجم السيّارات، أو أكبر.. وهي عبارة عن فضلات ناتجة عن تصادم الكواكب بين المريخ والمشتري، فبعضها تعبر مدار المريخ لتصل إلى الأرض.. وقد وقعت مثل هذه الأحجار الكبيرة قبل ٢ مليون سنة في (كندا)، وهي التي عملت على خلق بحيرة كاملة.. والثانية قبل ٦٥ مليون سنة، والتي وقعت في (المكسيك)، وقضت على الحياة النباتية، ممّا أدّى إلى إبادة الديناصورات جوعاً، ولها آثارها الآن..
لكن غالبية الشهب إمّا تتبخر في الغلاف الجوي، أو تصل وهي صغيرة جداً.. ولولا الغلاف الجوي لأصبحت رؤوسنا كالغرابيب، أي لتمّ ثقبها، ولانعدمت الحياة، من كثرة تساقط حبّاتها المتشظّية من انفجار النيازك والشهب..
فالقمر - مثلاً - لا يحتوي على غلاف جويّ، لذلك فهو كوكب فيه ثقوب وحفر كبيرة، وكذلك كوكب العطارد، الذي يكون سطحه مثقّباً، وكأنه مصاب بالجدري..
ثالثاً/
طبقة الأوزون الموجودة في الغلاف الجوي، التي هي بسمك ٣ كم، وتبعد عنّا بـ ٣٦ كم.. وهي التي تحمينا من كلّ تلك الإشعاعات القصيرة، القاتلة والحارقة.. مع أن الإنسان يقوم الآن بتخريب هذه الطبقة العظيمة..
قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.
رابعاً /
الأرض محاطة بغلاف مغناطيسي، أو درع مغناطيسـي، مهمّ جدّاً، ينتج من مغناطيسية الأرض.. يحمينا من الرياح الشمسية، وهي شحنات وأيونات موجبة وسالبة.. أيْ بمعنى هي ضباب أو صواعق محرقة.. وهي تأتي إلى الأرض، لكنّها تنعكس عنها بواسطة هذا الدرع المغناطيسي حول الأرض، الذي يقوم بتحريف الشحنات، السالبة والموجبة، وحماية الأرض من الرياح الشمسية، التي هي عواصف كهرومغناطيسية ساحقة.. ففي (النرويج) - مثلاً - يمكن رؤية كيف تنحرف تلك الموجات، وتكون على شكل سترات ملوّنة..
وفِي عام ٢٠٠٣ ضربت تلك الرياح الغلاف الجوي بقوّة، واخترقت بعض شحناتها الأرض، ممّا تسبّبت بحرق مولّدات كهربائية على شريط شلالات نياگرا، وكندا، ونيويورك، إلى لندن، وفرنسا.. وتسبّبت في قطع الكهرباء..
ملاحظة:
١-الأرض كرويّة، وليست بيضويّة.
٢- ادّعاء بعض المسلمين أن الكرة الأرضيّة مسطّحة، هو نوع من السذاجة..
والأرض، في القرآن، جاءت بثلاث معانٍ:
• المنطقة التي تعيش فيها، أيْ الدولة:  
قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأرض نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا، وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}.. والآية تتحدّث عن  إمبراطوريات كبيرة، تمّ تصغيرها، واندثارها، مثل الحضارة الرومانية، أو المصرية، أو..
• الكرة الأرضيّة: 
قال تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرض بِالْحَقِّ، يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ}.. أي يكوّر الأرض على النهار، أي يدوّرها..
•أرض الجنّة:
قال تعالى: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأرض نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ، فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}.

الجزء الخامس
ظلمـــة الكــون
فالكون في أصله الظلمة..
•قال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إلىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاءٍ، أَفَلَا تَسْمَعُونَ}
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إلىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ، أَفَلَا تُبْصِرُونَ}
وهذه آيات علمية، وليست معجزة، ولا تخلّ بالنظام الكوني..
والطريقة هي جعل دوران الأرض حول نفسها، يساوي دوران الأرض حول الشمس.. كما هو حال القمر.. لذلك جزء من القمر مضـيء، والجزء الآخر معتم.. ونحن نرى القمر هكذا!!
لذلك العلماء يعلمون أن هذا القرآن هو الحقّ..
قال تعالى: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إلىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}.
•وفي قول الله تعالى:
{أَلَمْ تَرَ إلىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا}
وهذه أيضاً ليست معجزة، بل علم.. فَلَو كانت مدّة دوران الأرض حول نفسها، تساوي مدة دورانها حول الشمس، لرأينا الشمس ثابتة، وشاخصة، ولكانت الظلال ثابتة لا تتغيّر..

الجزء السادس
الحديث حول إمكانية وجود مخلوقات وحياة على كواكب أخرى غير الأرض!
مبدئيّاً لا توجد حياة في الكون إلا في الأرض.. لكن هناك لمحات قرآنية قد توحي إلى غير ذلك!
قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرض وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ، وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ}..
فمن الممكن إيجاد ما يدّب على كوكب من الكواكب، بحيث تجد فيها الحياة..
وللعلم، في التاريخ الإسلامي، انتقد (فخر الدين الرازي)، في كتابه (المطالب العالية من العلم الإلهي)، نظرية (أَرسطو) لمركزية الأرض في الكون، واقترح نظرية تعدّد الأكوان، التي تشمل عدداً لا يحصى من الأَكوان والعوالم!! من خلال شرحه الآية القرآنية: {الحمد لله رب العالمين}.. وأثار مسألة ما إذا كان مصطلح [العالمين]، في هذه الآية، يشير إلى عوالم متعدّدة في هذا الكون الواحد، أو إلى العديد من الأكوان الأخرى، أو الكون المتعدّد وراء هذا الكون المعروف.. وأثبت هذه النظرية من خلال وجود أدلّة على أن هناك فراغاً خارج العالم، بدون حدود نهائية، بالإضافة إلى قدرة الله تعالى على خلق ألف ألف عالم خارج هذا العالم، بحيث أن كل واحد من تلك العالمين يكون أكبر وأكثر ضخامة من هذا العالم..
هذه النظرية لم تكن معروفة عند علماء الغرب إلا في عام 1954.. لكن مع ذلك، فإن (الرازي) لم تتمّ هرطقته، بالرغم من أن ما قاله كان ينافي العقيدة السائدة..
أمّا الفيلسوف واللاهوتي الإيطالي (جون دانو برونو)، فقد أُحرق بتهمة الهرطقة، في القرن ١٦، بسبب آرائه المخالفة للكنيسة الكاثوليكية.. منها: إيمانه بأكوان ومخلوقات أخرى!!
لكــن مع ذلك، فإن اشتراط وجود الحياة على الكواكب الأخرى، هو اشتراط صعب جداً، في الحقيقة.. ومن هذه الشروط:
١- وجود الماء السائل. {وجعلنا من الماء كل شيء حي}.
٢- أن يكون لها مصدر للطاقة من النجم نفسه، أو من حرارة الكوكب نفسه، أو من البراكين.
٣- أن يكون لديها غلاف جوي يحفظها، ويحميها من النيازك والشهب، والإشعاعات الموجودة بكثرة في الكون.
٤- وأن يكون لديها غلاف مغناطيسـي، يقيها من الرياح الشمسية المهلكة، وصواعقها المدمّرة.
٥- أن يكون الكوكب صلباً، وليس كوكباً غازياً؛ لا تستقرّ عليها الخلايا، والكائنات.
قال تعالى:
{أَمَّن جَعَلَ الأرض قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا، أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ، بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}
فالسنّة الكونية، أي القوانين والإرادة الإلهية العاقلة، والمدبّرة، هي أساس الوجود، والحياة..
لكن قد توجد هناك نشاةً أُخرى:
{وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَىٰ}
٦- وجود صفائح تكتونية، لكي تحدث فيها زلازل وبراكين، ويحدث فيها تجديد لسطح الأرض.. فمثلاً، كوكب المريخ لا يوجد فيه نشاط تكتوني..
٧- يجب أن يكون للكوكب قمر، لأنه يعمل على حركة المدّ والجزر، ويتمّ نشأة البرك، التي يتشكّل فيها نشاط حيوي، وكائنات بدائية، ومن ثم تتطوّر وتتفرّع لتتكوّن فيها الخلايا.. لذلك لا يوجد حتّى الآن ما يشير إلى إمكانية وجود الحياة في أيّ كوكب.. لكن إذا وجدت، فهناك إشارات قرآنية تشير إلى إمكانية وجود حياة في الكون غير الأرض: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرض وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ، وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ}.
والله أعلم..
الجزء السابع
موافقات علمية
 لعلميّة هذه الآية القرآنية التي ما زالت محلّ حيرة عند علمائنا.. والتي تتحدّث عن قصة انتقال (عرش بلقيس) من اليمن إلى فلسطين، (على يد الذي عنده علم)، في عهد النبي سليمان:
قال تعالى: {قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ، فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ، وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ، وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ}..
 فحسب نظرية Quantum teleportation كوانتوم تيليبورتيشن، أو الطفرة الكمومية، تبيّن أثناء دراسة هذه الحالة  أنه يمكن نقل الأشياء بسـرعة فائقة بين مكانين، بحيث يختفي الشـيء ويظهر في مكان آخر!
والعجيب أن (ابراهيم النَظّام)، وكان من المعتزلة، كانت له آراء قريبة من ذلك.. فقال: "الجسم ممكن أن يمرّ من البصـرة إلى الهند، دون المرور بالمدن التي بينها".. لذلك بيّن فيلسوف علم الكونتوم المعاصر، الفيزيائي (ماكس هايمر)، في كتابه بعنوان (فلسفة ميكانيك الكم)، وذكر كلمات هذا المعتزلي في كتابه، وقال: "إن إبراهيم النَظّام كان من السبّاقين بالقول بالطفرة الكمومية!!"..
وقصة النبي سليمان مع عرش بلقيس - قد - يكون هذا الانتقال عن طريق الطفرة الكمومية، لأن طرف العين هو ثلث إلى عشر جزء من أجزاء الثانية، أي إن سرعة الانتقال كانت أسرع من سرعة الضوء في الثانية، بين فلسطين واليمن.. والله أعلم.

الجزء الثامن
التشبيه بين الثقب الأسود والحجر الأسود، والموت والنشأة الأُخرى!
فالمسلمون، في فترة حياتهم، يعملون الحسنات، ويقعون في السيئات؛ يصلّون، يزكّون، يصومون، وفي ختام أعمارهم ينوون إتمام حياتهم بأداء فريضة الحج. ومن معالم الحجّ الكبرى الطواف عكس عقرب الساعة، شأنها شأن كل جزيئات الكون؛ عندما يتحرّكون بشكل دائري حول أفلاكها، وعند الطواف يتّجهون نحو الحجر الأسود المقدّس، الذي لا يعرف أصله أحد، ويقولون إنه من أحجار الجنّة!!
وعند هذا الحجر، عند تلك البقعة، يدعون، ويتذكّرون كل ما اقترفوه من ذنوب، أو حسنات.. في تلك النقطة عند الحجر الأسود، وفي تلك اللحظة، يتحوّل كلّ ما فعلوه إلى ما يشبه (تصويراً هولوگراميّاً ثلاثي الأبعاد)، في مخيّلتهم، نادمين على ما فعلوه من سيّئات.. ومنها ينطلقون إلى عالم وحياة متجدّدة، مقبلين على الله بالتوبة..
وكذلك الثقب الأسود، فإن العلماء قد وصلوا الآن إلى استنتاجات تبيّن بأنه يوجد في قلب كل مجرّة ثقب أسود عملاق، يحرّك المجرّة حول فلكها، ويجذبها بقوّة.. وهكذا، في كل مجرّة!!
وقد قال عنه العالم الفيزيائي الكبير (ستيفن هويكنغ)، إنه عندما يبتلع الثقب الأسود كلّ ما حوله، سيتحوّل إلى فراغ تام، وخلاء، فتعمل جاذبية الثقب الأسود على فلق العدم، وتحويله إلى جسيمات ذات طاقة سالبة وموجبة، وتعمل على جذب كل شيء..
وقد أكّد (ستيفن هويكنغ) أن الثقوب السود تبلع كل شيء؛ من مادة، بما فيها من معلومات، وتفنى.. لكنّه رجع عن ما قاله، وصرّح في مؤتمر في أيرلندا عام ٢٠٠٤، أنه كان على خطأ! وأن كلّ المعلومات التي تدخل في الثقوب السوداء، سيتمّ عرضها على شكل تصوير ثلاثي الأبعاد (هولوگرامي)!!
والفيزياء أقرَّت بأن جميع المعلومات الموجودة في هذا الكون، بما فيها حتّى أعمالنا، ستعرض على سطح الثقب الأسود، ولن تُفنى كما تفنى المادة، وستعرض بشكل صور أو أفلام ثلاثية الأبعاد (هولوگرومي).. وستعرض عليه كافة المعلومات، حسب ‏Holographic theory.. ولن تدخل المعلومات إلى الثقب الأسود، بل ستعرض عليه!
قال تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَىٰ مِنكُمْ خَافِيَةٌ}..
والكون عند انكماشه سيندمج، ثم يتحوّل إلى نقطة.. وسيتحوّل كلّه - في النهاية - إلى ثقب أسود.. ومن ثمّ يتحوّل إلى نشأة أخرى، إلى عوالم أُخرى..
فمشهد يوم القيامة سيحصل عند الموت، وليس بعد آلاف، أو ملايين السنين، بعد الموت.. وستعرض أعمالنا في الحال، على شكل تصوير ثلاثي الأبعاد (بشكل هولوگرامي)..
إذاً، قصة الحياة والموت، والعرض، ومشاهد القيامة، تحصل في كل لحظة في الكون، وبين بني البشر..
فالعلم فعلاً يمكن أن يكون وسيلةً لكي نصل إلى درجة عالية من الإيمان اليقيني..
قال الله عز وجل:
{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ، إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ}.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق