03‏/07‏/2019

رؤية/ (المتساقطون) في أدبيّات الحركة الإسلامية


شيروان الشميراني
 من المفردات الّتي انتشرت وعملت عملها في التكوين العقلي والنفسي والعلائقي بين أفراد الحركات الإسلامية وغيرهم، أنّ مَنْ خرج على الخط التنظيميّ، أو من تغيّرت حالته النفسيّة، أو تبدّلت قناعاته، فلن يكون قادراً أو قابلاً على الاستمرار كما كان في الماضي...
  أبرز النعوتات الّتي شاعت وكانت عنواناً لكتاب؛ هي (التساقط)، تلك الصّفة التي انتشرت كالنّار في هشيم الجسد الإسلامي الحركيّ، وجاءت كوصفٍ لكل من خرج أو تكاسل أو أتته فترة سكون وصمت عملي. صكّ هذا المصطلح الكاتب الأبرز الأستاذ فتحي يكن - الداعية الذي شكّل بكتاباته العقل الحركي الإسلامي - وجعله عنوانا لكتابه (المتساقطون على طريق الدعوة).

التساقط قيمةٌ معنويّة تصف الجانب الأخلاقي، وتتعلّق دائماً بجانب الأخلاق الاجتماعيّة، وقد دفع البعض إلى الاستسهال اعتماداً على مفردة التساقط – أن يتحدّثوا فيما بينهم عمّن ترك الخط التنظيميّ، أو العمل الدعوي عمُوماً بـ– المتساقط-، ومعروف كم لهذه الكلمة، واستعمالها بهذا الشكل الفجّ - في الحديث عن أخٍ قديم، بل عن أي إنسان - من وقع مؤذٍ.. التساقط حالة معنوية - أخلاقية، والعمل الحركي السياسي الإسلامي، اجتهاد فرعي جزئي، يمكن أن يتغيّر ويتبدّل في أي لحظة وأي وقت، ولا ضير في ذلك أخلاقياً، ويمكن أن يتراجع الإنسان أو السياسي عمّا كان يراه صواباً في مرحلة اجتهاديّة معيّنة، إلى غيرها، حسب الحالة العمرية والعقلية أو النفسية.. فتحي يكن –  رحمه الله –  نفسه قد حصل له ذلك، فقد ترك الجماعة الّتي كان العنصر الأبرز في تأسيسها، وانضمّ إلى المحور المناوئ نوعاً ما، محور حزب الله والنظام السوري، ومات على ذلك، وحصلت بينه وبين الإخوان المسلمين السوريين خلافات، إلى حدّ الاتهام الهادئ لبعضهم.. فهل تجرّأ أحدٌ على اتهام الأستاذ فتحي يكن، ورميه بـ - التساقط -  وأنّه إنسان – متساقط -؟!
  هذه الرؤية الّتي أفرزت هذه المصطلحات، وكعادة الإنسان، كانت أساساً للهجوم على كل مَنْ يخرج عن الصف كما يقال، مع أن كوردستان كانت محفوظة عن الهجوم الأدبي، لكن في أماكن أخرى كان الأمر سيّئاً جدّاً، حتّى قادة من الصف الأول بدأوا يشكون من الجفاء بسبب الخلاف في الرأي، أو الاتّهام المباشر، وأخيراً كان وصف (الغدر، النذل) في وصف شخصية رائعة كـ - أحمد داود أوغلو -  لخلاف بينه وبين رئيسه السابق والحالي.. وغداً يأتي جيل آخر أكثر تسرّعاً وأقلّ تربية، ينحت صفاتٍ أخرى أكثر تجاوزاً، ربّما من مثل (الحقير، أو عديم الأخلاق).
  هذه الأوصاف والنعوتات، لا تتّفق والأدب الإسلامي، والأخلاق الإسلامية، وقبول الاجتهاد المخالف، والروح الدينية، ويجب عدم التهاون معها تربويّاً. إنّ الهجوم الأخلاقي المعنوي على الآخر، هو في الحقيقة تساقطٌ تربوي..
 الحركة الإسلامية المغربيّة، أدركت خطأ اللجوء إلى مفردات التّساقط وغيرها؛ لأنها تمثل عاهات وتشدّدات تربويّة وحركيّة، أصيب بها المشرق المريض.
     في المغرب لم يستسلموا، بل وقفوا على كل سطر وكلمة وفكرة إسلاميّة وحركيّة في العمل الإسلامي، حلّلوها بحرّية دون أن يكونوا أسرى لها، لمجرّد أنّها من فلان، فصاغوا رؤىً وأفكاراً وأوصافاً ومصطلحاتٍ إسلاميةً أكثر قبولاً لديهم، فإذا كان الأمر يتوجّب ذلك فإنهم يرون الإبقاء على ما هو موجود، وإذا لم يكن كذلك فإنّهم يأتون بما هو أقرب إلى عقولهم وقناعاتهم، وعلى هذا الأساس رفضوا مصطلح التساقط، ووضعوا في محله - التراجع -، التراجع عن العمل، أو القناعات السّابقة، أو عن الانتماء التنظيميّ، أو الاجتهاد السّابق، أو التغيير في الأفكار، أو حتى ترك العمل التنظيمي.. فهو تراجع .. وليس تساقطاً..
    وقد يكون تغييراً، بمعنى الاستمرار في العمل، وليس ترك العمل، لكن بصيغةٍ أخرى وشكلٍ آخر، والنيّة عند الله تعالى، ويمكن الجدال حول الجدوى من هذا التغيير، والنقاش، لكن الهجوم المعنويّ  والتشكيك الأخلاقي؛ يظلُّ مردوداً وغير مقبول.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق