04‏/07‏/2019

التكنولوجيا ودورها في استقرار المجتمعات وتقدّمها - ماليزيا وتركيا أنموذجاً -


أمين حجي الدوسكي
  التطوّر التكنولوجي، من الناحية الاقتصادية والثقافية، له دوره الفعّال في تقدّم بنية المجتمعات البشرية Technologos defolopment والاستقرار الاجتماعي. 
فمثلاً دول مثل ماليزيا وتركيا، استطاعت بفضل التكنولوجيا المعلوماتية، والتقنية الآلية، التغلّب علی مشاكل حياتية مستعصية في مجتمعاتها، ما زالت مجتمعات أخرى تعاني منها..
وممّا حظيت به هاتان الدولتان من التطوّر التكنولوجي، المدعوم من التقنية الآلية والقيم المجتمعية؛ كاحترام الوقت، وتقدير العمل، وتوزيعه وفق اختصاصاته، وغيرها، نستطيع الإشارة هنا إلى:
1-     الاستفادة الحقيقية من البيئة الطبيعية، بما فيها من الموارد الاقتصادية، والمصادر الإنتاجية، والتنويع
في تقسيمها على فئات المجتمع، وفق اختصاصاتها، فتقوى بذلك حرّية العمل، والإبداع فيه، وينسدّ باب الاحتكار العملي، والوظيفي، من قبل ٲشخاص معينين، أو شركات محددة، بما يؤدّي إلى اندماج الفروقات الفردية لصالح فئات محتكرة، وانحسار الاختراعات العملية لجهات ليست هي المالكة الحقيقية لها، فيتسبّب في الاحتقان الفكري، والغشّ العملي، ممّا يؤثّر سلباً على الاقتصاد.. وعلى العكس من ذلك، فتقسيم العمل، المبنيّ على الحرّية الاختراعية لمنتجه، يكون سبباً في نموّ اقتصاديات المنطقة..
وهذا ما يلمس في مجتمعات دول مثل ماليزيا وتركيا من تزايد المورد الاقتصادي، والمصدر الاستثماري، المبنيّ على حرية تنوّع وتقسيم الأعمال بين فئات المجتمع، وإعطاء المنتج القيمة الاقتصادية الحقيقية، والتي بدورها تزيد وتقوّي المورد الاقتصادي للبلد. 
2-     التطوّر التكنولوجي عامل مهم في التقليل من ضرورة الهجرة السكانية، والذي هو شرط أساس في عملية التوطين، الذي من شأنه إيقاف التحريك الجغرافي الناجم عن تقلّبات البيئة في ظلّ متطلبات الحياة المعيشية، فتنتقل المجتمعات من صور الحياة البسيطة، إلى حالات الرقي في العيش، بعدما تناولتها أيدي التموين العملي المستوطني المستقر.. ولذلك ترى جواز سفر مواطن دولة ماليزيا في الرتبة 12 من بين جوازات العالم، ويستطيع حامله دخول 166 دولة، وجواز دولة تركيا يحوز الرتبة 114، ويستطيع حامله دخول 39 دولة،  فجواز ماليزيا وتركيا من المستمسكات التي تحمل قيمة وطنية كبيرة، لما تتمتع به هذه الدول من تقدّم اقتصادي، واستقرار استيطاني، ونماء بشـري، وتقدّم تكنولوجيّ مستمر.. بخلاف جواز سفر دول، مثل العراق وسوريا وأفغانستان، وغيرها، التي هي موطن التذبذب الاقتصادي، والحروب، وهجرة العقول والكفاءات العلمية، ولذلك فجواز هذه البلدان يحتلّ المرتبة قبل الأخيرة من بين جوازات العالم!.
3-      التطوّر التكنولوجي يعمل على تقليل الوقت اللازم الذي تحتاجه الأنشطة المنتجة.. فما يخلّفه التقدّم التكنولوجي من تكوين البنى التحتية للاقتصاد، وتكميل مصادرها من المصانع والمعامل الإنتاجية، والأسواق العصـرية، التي تجتمع فيها البضائع الأساسية والتكميلية للحياة، والأجهزة الألكترونية الحافظة للعملات الورقية، والبنوك المحفزّة لبيع وشراء الأسهم التجارية.. وبخلاف ذلك، فمع فقدان البلد لمصادر اقتصادية متنوعة؛ من مصانع ومعامل وأسواق وشركات حكومية ومؤسسية أهلية، ومن قطاعات زراعية، ووظائف حكومية، توزّع اختصاصات المجتمع في ظلّها، فإنّ المجتمع يصبح غير مستقر، ومتذبذباً، بسبب الاحتكار العملي لما هو موجود، ففقدان مصدر العيش، فالبحث عن مصدر القوت، والذي ينتج عما سبق ضرورة الهجرة بحثاً عن المعيل؛ لضعف الانتماء الوطني الذي أورثته الحروب في البلد، والفساد المستشري فيه!
4-     وإذا كان التقدّم التكنولوجي عامل ازدياد للإنتاج الاقتصادي، وبزمن أقلّ، فإنه يورّث - وفق نظرية العلامة (وايت) حول التغيير الثقافي (Cultural change) - تداخلاً وتوافقاً بين الثقافات والأفكار المختلفة(Theory Convergence). وهي نظرية تبيّن أوجه التقارب في توافق الأفكار المتضادة، والتجانس الاجتماعي، بسبب العمق الاقتصادي الموجود، ممّا يزيد من الدخل القومي للبلد، والإنتاج الجمعي للمجتمع، والتعايش السلمي بين الأديان والفرق والأحزاب السياسية.
وبطبيعة هيمنة التطوّر التكنولوجي، في ظلّ أيديولوجية الدول المصدّرة لها؛ فإنه ينبني عليها أمور سلبية فيما يتعلّق بالقيم والمعتقدات المجتمعية، ومنها:
 أ. فتح قنوات التواصل الاجتماعي للمجتمعات الغربية عن طريق الانترنت مع المجتمعات الشرقية الإسلامية، وسوء استخدامها، ممّا أدّى إلى التأثّر أحادي الجانب بها، فالمجتمع الشرقي أثّر في شبابه التفسخ الخلقي عن طريق المواقع الإباحية والإعلامية المصدّرة للموضة والموديلات من المجتمعات الغربية لها، ولم يستفد المجتمع الشـرقي الإسلامي من القيم الخلقية عند الغرب، مثل القيم الإنسانية، واحترام الرأي والوقت، وتقدير الذات، وغيرها، بسبب الأنظمة القمعية المستبدة والمتحكّمة فيه، فظلّ يستورد من الغرب التفسخ والانحلال الخلقي فحسب.
ب. ضعف التمسّك الأسري في المجتمعات الإسلامية، بسبب عامل الوظيفة، وتوزيع الإنتاج على التساوي بين أفرادها، ممّا أدّى إلى ضعف المسؤولية لدى القيّم على الأسرة؛ لتفرّد الفرد أياً كان من دخله المعيشي، واستقلاله فيه، ولخلق حبّ الملكية الفردية التي غطّت طرف القيم عن مقوّميه؛ لئلا يسئل عن مسؤوليته المادية الإنفاقية تجاههم؛ فأصبحت الحرّية الاقتصادية الإنتاجية السمة الوحيدة المتحكّمة بين أفراد الأسرة، وليس القيمية الخلقية المنبثقة من الأبوة والأمومة والقيمية! إلا أنه قد يستدرك الأمر لو كانت الحكومات حكيمة فطنة مدركة لخطورة الأمر، عن طريق إعلامها ودعاتها ومفكريها ومثقفيها ومواردها الاقتصادية والتثقيفية والتوعوية؛ وبدون أن تمسّ حريّات الأحوال الشخصية للطوائف غير المسلمة فيها!
المراجع:  
      1- د. محمد فايز عبد أسعيد، مدخل إلى علم الاجتماع، دراسة نظرية في فهم المجتمع ،1984، الرياض، منشورات دار الفيصل الثقافية، -64 - 62.
2- أقوى جوازات السفر في العالم لعام 2018: https://arabic.rt.com/funny/920815-/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق