د. دحام إبراهيم الهسنياني
إن
الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو المثل
الأعلى والأكمل لمرتبة الوسط، فنحن نستحقّ صفة الوسطية إذا اتّبعنا سيرته وشريعته،
وهو الذي يحكم على من اتّبعها، ومن حاد عنها وابتدع لنفسه تقاليد أخرى، وانحرف عن
الجادّة، حينئذ يكون الرسول -صلى الله عليه وسلم
-،
بدينه وسيرته، حجّة عليه، وبأنه ليس من أمّته، التي وصفها الله في كتابه بقوله: {كُنْتُمْ
خَيْرَ أمّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأمرونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ
الْمُنكَرِ}([1])،
وبذلك يخرج من الوسط، ويكون في أحد الطرفين([2]).
وإذا كانت الشهادة في أمر عادي، ولو بسيطاً،
لا تصحّ إلا ممّن كان عدلاً، تتوّفر فيه شروط من العقل والعلم والصدق ومكارم
الأخلاق.. فكيف الأمر بمن يكون شهيداً على النّاس، كلّ النّاس؟ وهكذا كانت أمّة
الإسلام (أمّة
وسطاً) وسطاً بكل معاني الكلمة: شرفاً، وإحساناً، وفضلاً، وتوازناً،
واعتدالاً، وقصداً، وعقيدة، ونظاماً، وشريعة، ومنهاجاً، ومناخاً، وموقعاً في
الأرض، وتاريخاً.. إنها الأمّة الوسط التي تشهد على النّاس جميعاً، فتقيم بينهم
العدل والقسط، وتضع لهم الموازين والقيم، وتبدي فيهم رأيها، فيكون هو الرأي
المعتمد، وتزن قيمهم وتصوّراتهم وتقاليدهم وشعاراتهم، فتفصل في أمرها([3]).
قال الله تعالى: {وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ
أمّة وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ
عَلَيْكُمْ شَهِيداً}([4])..
وهي شهيدة على النّاس، والرسول هو الذي يشهد عليها، يقرّر لها موازينها وقيمها،
ويحكم على أعمالها وتقاليدها، ويزن ما يصدر عنها، ويقول فيها الكلمة الأخيرة.
وبهذا تتحدّد حقيقة هذه الأمّة ووظيفتها، لتعرفها هي، وتشعر بضخامتها، ولتقدّر
دورها حقّ قدره، وتستعدّ له استعداداً لائقاً.. ومن أسْمائِه - صلى الله عليه وسلم -، شَاهِدٌ
وشَهيدٌ، ومَعناهما متقارِبٌ، يدلُّ على مَن يَشهَد على نفسه، أو على غَيره،
أيْ إنَّ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -،
سَيَشهدُ، يومَ القيامة، عَلى أمَّته، وعلى الأنبياء من قَبْله، ويُدلي بتلكَ
الشهادة بَينَ يَدَي الله عزَّ وجل، وهذا من مظاهر الشَّرَف والعِزَّة.
جاء في تفسير فتح البيان: {وَيَكُونَ
الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}، أي على أمّته؛ بأنهم قد فعلوا ما أمر
بتبليغهم إليهم، ومثله قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أمّة
بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا}([5]).
وقيل: عليكم بمعنى لكم، أي يشهد لكم بالإيمان. وقيل معناه: يشهد عليكم بالتبليغ
لكم([6]). قال في
الكشاف: "لمّا كان الشهيد كالرقيب والمهيمن على المشهود له، جيء بكلمة
الاستعلاء، ومنه قوله تعالى: {والله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد}([7])،
{كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}([8])"([9]).
وإنّما أخّر لفظ (على) في شهادة الأمم على
النّاس، وقدّمها في شهادة الرسول عليهم، لأن الغرض -كما قال صاحب الكشّاف- في
الأول إثبات شهادتهم على الأمم، وفي الآخر اختصاصهم بكون الرسول شهيداً عليهم([10]). كما أن
التزكية أصل عظيم في الشهادة، وأن المزكّى يجب أن يكون أفضل وأعدل من المزكّي،
وأنّ المزكّى لا يحتاج للتزكية، وأن الأمّة لا تشهد على النبي (صلى الله عليه وسلم). ولهذا كان يقول في
حجّة الوداع: (ألا هل بلّغت؟ فيقولون: نعم، فيقول: اللهم اشهد)، فجعل الله هو
الشاهد على تبليغه([11]).
قال الإمام ابن الجوزي: "قوله تعالى: {وَيَكُونَ
الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}، يعني محمد - صلى الله عليه وسلم -، وبماذا يشهد عليهم؟ فيه ثلاثة أقوال:
بأعمالهم، قاله ابن عباس (رضي الله عنه)، وأبو سعيد الخدري وابن زيد. والثاني:
بتبليغهم الرسالة، قاله قتادة ومقاتل. والثالث: بإيمانهم، قاله أبو العالية. فيكون
على هذا: )عَلَيْكُمْ(
بمعنى: لكم. قال عكرمه: لا يسأل عن هذه الأمّة إلاّ نبيّها"([12]).
وقال الإمام الشوكاني: "قوله: )عَلَيْكُمْ(،
يعني لكم، أي يشهد لهم بالإيمان. وقيل معناه: يشهد عليكم بالتبليغ لكم.."([13]).
وأمّا كون شهادة الرسول عليهم سبباً لجعلهم
خياراً، فظاهر. لأنّه إن كانت بمعنى التزكية، ففي ذلك الشرف التام لهم، حيث كان
أشرف المخلوقات هو الشاهد عليهم([14]).
ويتبيّن كلّ ذلك جليّاً من خلال معرفة حُقُوق
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أُمَّتِهِ:
للنبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - حقوق على أمّته، وهي كثيرة، منها:
أوّلًا: الإيمان الصادق به (صلى الله عليه وسلم)، وتصديقه فيما أتى
به:
قال تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا
وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}([15]).
وقَالَ (صلى الله عليه وسلم): (أُمِرْتُ أَنْ
أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
وَيُؤْمِنُوا بِي وَبِمَا جِئْتُ بِهِ)([16]).
والإيمان به (صلى الله عليه وسلم) هو: تصديق نبوّته، وأن الله أرسله للجنّ
والإنس، وتصديقه في جميع ما جاء به وقاله، ومطابقة تصديق القلب بذلك شهادة اللسان،
بأنّه رسول الله. فإذا اجتمع التصديق به بالقلب، والنطق بالشهادة باللسان، ثم
تطبيق ذلك: العمل بما جاء به؛ تمَّ الإيمان به (صلى الله عليه وسلم).
ثانيًا: وجوب طاعته (صلى الله عليه وسلم)، والحذر من معصيته: فإذا
وجب الإيمان به، وتصديقه فيما جاء به، وجبت طاعته؛ لأن ذلك ممّا أتى به. قال الله
تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا
تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ، وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا
سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ، إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ
الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ، وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْرًا
لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ، يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا
يُحْيِيكُمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ
وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}([17]).
إن الهتاف هنا للذين آمنوا ليطيعوا الله
ورسوله، ولا يتولّوا عنه وهم يسمعون آياته وكلماته.. إن هذا الهتاف هنا إنما يجيء
بعد جميع مقدماته الموحية.. يجيء بعد استعراض أحداث المعركة؛ وبعد رؤية يد الله
فيها، وتدبيره وتقديره، وعونه ومدده؛ وبعد توكيده أن الله مع المؤمنين، وأن الله
موهن كيد الكافرين. فما يبقى بعد ذلك كلّه مجال لغير السمع والطاعة لله، والرسول - صلى الله عليه وسلم -. وإن التولّي عن
الرسول، وأوامره، بعد هذا كلّه، ليبدو مستنكراً قبيحاً، لا يقدم عليه إنسان له قلب
يتدبّر، وعقل يتفكّر.. ومن هنا يجيء ذكر الدواب في موضعه المناسب! ولفظ (الدوابّ)
يشمل النّاس فيما يشمل، فهم يدبّون على الأرض، ولكن استعماله يكثر في الدوابّ من
الأنعام، فيلقي ظلّه بمجرد إطلاقه؛ ويخلع على {الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ
لَا يَعْقِلُونَ} صورة البهيمة، في الحسّ والخيال! وإنهم لكذلك! إنهم لدوابّ،
بهذا الظلّ، بل هم شـرّ الدواب! فالبهائم لها آذان، ولكنها لا تسمع إلا كلمات
مبهمة؛ ولها لسان، ولكنها لا تنطق أصواتاً مفهومة. إلا أن البهائم مهتدية بفطرتها،
فيما يتعلّق بشؤون حياتها الضـرورية. أمّا هؤلاء الدوابّ، فهم موكولون إلى
إدراكهم، الذي لا ينتفعون به. فهم شـرّ الدوابّ قطعاً!
{وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا
لَأَسْمَعَهُمْ}.. أي لأسمع قلوبهم، وشـرحها لما تسمعه آذانهم.. ولكنّه -
سبحانه - لم يعلم فيهم خيراً، ولا رغبة في الهدى، فقد أفسدوا استعداداتهم الفطرية
للتلقّي والاستجابة؛ فلم يفتح الله عليهم ما أغلقوا هم من قلوبهم، وما أفسدوا هم
من فطرتهم. ولو جعلهم الله يدركون بعقولهم حقيقة ما يدعون إليه، ما فتحوا قلوبهم
له، ولا استجابوا لما فهموا.. {وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ
مُعْرِضُونَ}.. لأن العقل قد يدرك، ولكن القلب المطموس لا يستجيب. فحتّى لو
أسمعهم الله سماع الفهم، لتولّوا هم عن الاستجابة. والاستجابة هي السماع الصحيح.
وكم من أناس تفهم عقولهم، ولكن قلوبهم مطموسة لا تستجيب!
ومرّة أخرى يتكرّر الهتاف للذين آمنوا،
الهتاف بهم ليستجيبوا لله والرسول، مع الترغيب في الاستجابة، والترهيب من الإعراض؛
والتذكير بنعمة الله عليهم حين استجابوا لله وللرسول.
إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنّما يدعوهم إلى ما يحييهم.. إنها دعوة إلى
الحياة، بكلّ صور الحياة، وبكلّ معاني الحياة..
إنه يدعوهم إلى عقيدة تحيي القلوب والعقول،
وتطلقها من أوهاق الجهل والخرافة، ومن ضغط الوهم والأسطورة، ومن الخضوع المذلّ
للأسباب الظاهرة، والحتميات القاهرة، ومن العبودية لغير الله، والمذلّة للعبد، أو
للشهوات، سواء..
ويدعوهم إلى شريعة من عند الله؛ تعلن تحرّر
(الإنسان)، وتكريمه، بصدورها عن الله وحده، ووقوف البشر كلهم صفّاً متساوين في
مواجهتها؛ لا يتحكّم فرد في شعب، ولا طبقة في أمّة، ولا جنس في جنس، ولا قوم في
قوم.. ولكنهم ينطلقون كلّهم أحراراً متساوين، في ظلّ شريعة صاحبها الله ربّ
العباد.
ويدعوهم إلى منهج للحياة، ومنهج للفكر، ومنهج
للتصوّر؛ يطلقهم من كلّ قيد، إلا ضوابط الفطرة، المتمثّلة في الضوابط التي وضعها
خالق الإنسان، العليم بما خلق؛ هذه الضوابط التي تصون الطاقة البانية من التبدّد؛
ولا تكبت هذه الطاقة، ولا تحطّمها، ولا تكفّها عن النشاط الإيجابي البنّاء.
ويدعوهم إلى القوّة، والعزّة، والاستعلاء بعقيدتهم
ومنهجهم، والثقة بدينهم وبربّهم، والانطلاق في (الأرض) كلّها، لتحرير (الإنسان)
بجملته؛ وإخراجه من عبودية العباد، إلى عبودية الله وحده؛ وتحقيق إنسانيته العليا،
التي وهبها له الله، فاستلبها منه الطغاة!
ويدعوهم إلى الجهاد في سبيل الله، لتقرير
ألوهية الله في الأرض، وفي حياة الناس؛ وتحطيم ألوهية العبيد المدّعاة؛ ومطاردة
هؤلاء المعتدين على ألوهية الله، وحاكميّته، وسلطانه؛ حتى يفيئوا إلى حاكميّة الله
وحده؛ وعندئذ يكون الدين كلّه لله. حتى إذا أصابهم الموت في هذا الجهاد، كان لهم
في الشهادة حياة.
ذلك مجمل ما يدعوهم إليه الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وهو دعوة إلى
الحياة، بكلّ معاني الحياة.
إن هذا الدين منهج حياة كاملة، لا مجرد عقيدة
مستسـرّة. منهج واقعي تنمو الحياة في ظلّه، وتترّقى. ومن ثم هو دعوة إلى الحياة،
في كلّ صورها وأشكالها، وفي كلّ مجالاتها ودلالاتها. والتعبير القرآني يجمل هذا
كلّه في كلمات قليلة موحية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا
للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}.. استجيبوا له طائعين
مختارين؛ وإن كان الله قادراً على قهركم على الهدى، لو أراد: {وَاعْلَمُوا
أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ
تُحْشَـرُونَ}.. ويا لها من صورة رهيبة مخيفة، للقدرة القاهرة اللطيفة: {يَحُولُ
بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}، فيفصل بينه وبين قلبه؛ ويستحوذ على هذا القلب،
ويحتجزه، ويصـرّفه كيف شاء، ويقلّبه كما يريد. وصاحبه لا يملك منه شيئاً، وهو قلبه
الذي بين جنبيه!
إنها صورة رهيبة حقّاً؛ يتمثّلها القلب في
النصّ القرآني، ولكن التعبير البشـري يعجز عن تصوير إيقاعها في هذا القلب، ووصف
هذا الإيقاع في العصب والحسّ!
إنها صورة تستوجب اليقظة الدائمة، والحذر
الدائم، والاحتياط الدائم. اليقظة لخلجات القلب وخفقاته ولفتاته؛ والحذر من كلّ
هاجسة فيه، وكلّ ميل، مخافة أن يكون انزلاقاً، والاحتياط الدائم للمزالق والهواتف
والهواجس.. والتعلّق الدائم بالله، مخافة أن يقلب هذا القلب في سهوة من سهواته، أو
غفلة من غفلاته، أو دفعة من دفعاته..
ولقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو رسول الله المعصوم، يكثر من دعاء ربّه:
(اللهم يا مقلّب القلوب، ثبّت قلبي على دينك). فكيف بالنّاس، وهم غير مرسلين، ولا
معصومين؟!.. إنها صورة تهزّ القلب حقّاً، ويجد لها المؤمن رجفة في كيانه حين يخلو
إليها لحظات، ناظراً إلى قلبه الذي بين جنبيه، وهو في قبضة القاهر الجبّار، وهو لا
يملك منه شيئاً، وإن كان يحمله بين جنبيه ويسير!
صورة يعرضها على الذين آمنوا، وهو يناديهم: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ
لِمَا يُحْيِيكُمْ}.. ليقول لهم: إن الله قادر على أن يقهركم على الهدى - لو
كان يريد -، وعلى الاستجابة التي يدعوكم إليها هذه الدعوة، ولكنه – سبحانه -
يكرمكم؛ فيدعوكم لتستجيبوا عن طواعية تنالون عليها الأجر؛ وعن إرادة تعلو بها
إنسانيتكم، وترتفع إلى مستوى الأمانة التي ناطها الله بهذا الخلق المسمّى
بالإنسان.. أمانة الهداية المختارة؛ وأمانة الخلافة الواعية، وأمانة الإرادة
المتصـرّفة عن قصد ومعرفة.. {وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}.. فقلوبكم
بين يديه، وأنتم بعد ذلك محشورون إليه، فما لكم منه مفر، لا في دنيا ولا في آخرة،
وهو مع هذا يدعوكم لتستجيبوا استجابة الحرّ المأجور، لا استجابة العبد المقهور([18]).
وعَنْ أَبَي هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:
(مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصـَى اللَّهَ)([19]).
ومعنى هذا: أنه (صلى الله عليه وسلم) إنما
يأمر بما أوحي إليه، فطاعته في ذلك طاعة لربّه. قال الله تعالى: {مَنْ يُطِعِ
الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ
عَلَيْهِمْ حَفِيظاً}([20]).
عن أبي هُرَيْرةَ (رضي الله عنه)، أنَّ
رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (كُلُّ
أُمَّتي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إلاّ مَنْ أبى) قالُوا: يا رَسُولَ الله: وَمَنْ
يَأْبى؟ قَالَ: (مَنْ أطاعَني دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصاني فَقْدَ أبى)([21])..
ولا شك أن طاعته هي فعل ما أمر به، وتجنّب ما نهى عنه، والتسليم مع ذلك لما جاء
به، والرضى بحكمه، وترك الاعتراض على شـرعه، أو التعقّب والانتقاد لحكمه.
ثالثًا: اتّباعه - صلى الله عليه وسلم -، واتّخاذه قدوة في
جميع الأمور، والاقتداء بهديه: قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ
تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ
ذُنُوبَكُمْ}([22]).
وقال تعالى: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}([23]).
فيجب السير على هديه، والتزام سنّته، والحذر من مخالفته. قال - صلى الله عليه وسلم -: (مَنْ رَغِبَ عَنْ
سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي)([24]).
إن الله قرن محبَّة رسوله بمحبَّته، وطاعة
رسوله بطاعته، وبيعة رسوله ببيعته.. هذا ليعلمنا عن قدر هذا الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -، وأن مَن أحبّ رسول
الله فقد أحبّ الله.
إن حبّ الله ليس دعوى باللسان، ولا هياماً
بالوجدان، إلا أن يصاحبه الاتّباع لرسول الله، والسير على هداه، وتحقيق منهجه في
الحياة.. وإن الإيمان ليس كلمات تقال، ولا مشاعر تجيش، ولا شعائر تقام.. ولكنه
طاعة لله والرسول، وعمل بمنهج الله الذي يحمله الرسول - صلى الله عليه وسلم -.. إن هذا الدين له
حقيقة مميّزة، لا يوجد إلا بوجودها.. حقيقة الطاعة لشريعة الله، والاتّباع لرسول
الله، والتحاكم إلى كتاب الله.. وهي الحقيقة المنبثقة من عقيدة التوحيد، كما جاء
بها الإسلام. توحيد الألوهية التي لها وحدها الحق في أن تعبّد النّاس لها،
وتطوّعهم لأمرها، وتنفّذ فيهم شرعها، وتضع لهم القيم والموازين التي يتحاكمون
إليها، ويرتضون حكمها. ومن ثمّ توحيد القوامة، التي تجعل الحاكمية لله وحده في
حياة البشر، وارتباطاتها جميعاً، كما أن الحاكمية لله وحده في تدبير أمر الكون
كلّه([25]).
يقول بديع الزمان سعيد
النورسي: إن
من يجعل اتّباع السنّة السنية عادته، فقد حوّل عاداته إلى عبادات، ويمكنه أن يجعل
عمره كلّه مثمراً ومثاباً عليه.. والآية فيها استدلال
منطقي. فالمراد: إن كنتم مؤمنين بالله، فلا بد أنكم تحبّون الله، وما دمتم تحبّون
الله، فلا بد أن تتصرّفوا كما يحبّ لكم. أمّا التصـرّف في الدائرة التي يحبّها
الله، فلا بد له من الاقتداء بمن أحبّه الله، وأثنى عليه بقوله: {وَإِنَّكَ
لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}([26]). والاقتداء به يكون باتّباعه والتشبّه به في كل أمر، ما
استطاع المؤمن. وثمرة هذا هو نوال حبّ الله.
وفي نفس الأمر، إن
المقصود من حبّ المؤمن لله، أن يفوز بحبّ الله له.. وتعلن هذه الآية
العظيمة إعلاناً قاطعاً عن مدى أهمّية اتّباع السنّة النبوية، ومدى ضرورتها..
فتقول: إن كان لديكم محبّة الله، فلا بد من الاتّباع لـ(حبيب الله). وإن لم يكن
هناك اتّباع، فليس لديكم إذاً محبّة الله، إذ لو كانت هناك محبّة حقّاً، فإنها
تولّد حتماً اتّباع السنة الشـريفة لـ(حبيب الله).
أجل،
إن من يؤمن بالله يطعه، ولا ريب أن أقصـر طريق إليه، وأكثرها قبولاً لديه، وأزيدها
استقامة – ضمن طرق الطاعة المؤدّية إليه – لهي الطريق التي سلكها وبيّنها حبيب
الله - صلى الله عليه وسلم -.. إن محبّة الله
تستلزم اتّباع السنّة المطهرة لسيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -، لأن حبّ الله هو العمل بمرضيّاته، وإن مرضاته
تتجلّى بأفضل صورها في ذات محمد - صلى الله عليه
وسلم -.
والتشبّه بذاته المباركة في الحركات والأفعال يأتي من جهتين: إحداهما جهة حبّ
الله، وإطاعة أوامره، والحركة ضمن دائرة مرضاته. هذه الجهة تقتضي ذلك الاتّباع،
حيث إن أكمل إمام، وأمثل قدوة، في هذا الأمر، هو محمّد (صلى الله عليه وسلم). وثانيتهما: جهة [ذاته المباركة] - صلى الله عليه وسلم -، التي هي أسمى وسيلة
للإحسان الإلهي غير المحدود للبشـرية، فهي إذاً أهل لمحبّة غير محدودة لأجل الله،
وفي سبيله.. والآية العظيمة: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ
الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ الله} تُعْلِنُ إعلاناً قاطعًا عن مدى أهمّية وضرورة اتّباع السُّنة.. فمحبّة
الله تستلزم اتّباع السنة الطاهرة لمحمّد - صلى الله عليه وسلم -، لأن حبّ الله هو العمل بمرضيّاته، وأن
مرضيّاته تتجلى بأفضل صورها في ذات محمّد - صلى الله عليه وسلم -([27]).
وهو يؤكّد أن اتّجاه الإنسان بكلّيته ونيّته الخالصة
للاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم -،
ومراعاة أبسط آدابه، يورث في القلب تقوى عظيمة، وإيماناً قوياً راسخاً، لما في هذا
الاقتداء من تذكير بشخص الرسول الأعظم - صلى الله
عليه وسلم-،
الذي يستتبع استحضار الرقابة الإلهية.
إن من
آثار رحمة الله، أن أنزل القرآن الكريم وحياً يتلى إلى يوم القيامة، محفوظاً من
التبديل والتغيير.. فكان دليلاً على إثبات نبوّة محمّد - صلى الله عليه وسلم -، وكان خير حافظ للشريعة من عبث العابثين،
وتحريف الغالين، وكان وما زال نوراً ساطعاً.. وكما حفظ الله شريعته بكتاب لا يأتيه
الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، رفع الإصر والحرج عن عباده، فأنزل على رسوله
الكريم - إلى جانب القرآن العزيز - نوعاً آخر من الوحي هو السنّة، أنزلها إليه
بالمعنى، وجعل اللفظ إليه، إيذاناً بأن في الأمر سعة على الأمّة، وتخفيفاً عليها.
ويقول الرَسُولِ (صلى الله عليه وسلم): (أَلَا
إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ...)([28]).
يقول ابن القيم: "وَلَا يُحِبَّكَ اللهُ
إِلَّا إِذَا اتَّبَعْتَ حَبِيبَهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَصَدَّقْتَهُ خَبَرًا،
وَأَطَعْتَهُ أَمْرًا، وَأَجَبْتَهُ دَعْوَةً، وَآثَرْتَهُ طَوْعًا. وَفَنِيَتْ
عَنْ حُكْمِ غَيْرِهِ بِحُكْمِهِ، وَعَنْ مَحَبَّتِهِ غَيْرِهِ مِنَ الْخَلْقِ
بِمَحَبَّتِهِ، وَعَنْ طَاعَةِ غَيْرِهِ بِطَاعَتِهِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ
فَلَا تَتَعَنَّ. وَارْجِعْ مِنْ حَيْثُ شِئْتَ فَالْتَمِسْ نُورًا، فَلَسْتَ
عَلَى شَيْءٍ"([29]).
رابعاً: محبّته (صلى الله عليه وسلم) أكثر من الأهل
والولد، والوالد، والنّاس أجمعين: قال تعالى: {قُلْ إِن كَانَ
آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ
وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ
تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي
سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ
يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}([30]).
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: (لَا يُؤْمِنُ
أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ
أَجْمَعِينَ)([31]).
فلا يتم ولا يكتمل إيمان الإنسان إلا بإيثار النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمحبّة
والتعَظِيم على سائر خلق الله.
وقد ثبت في الحديث أن من ثواب محبّته
الاجتماع معه في الجنّة: وذلك عندما سأله رجل عن الساعة فقال - صلى الله عليه وسلم -: (مَا أَعْدَدْتَ
لَهَا؟) قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَعْدَدْتُ لَهَا كَبِيرَ صَلَاةٍ وَلَا
صِيَامٍ وَلَا صَدَقَةٍ، وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. قَالَ:
(فَأَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ)([32]).
وعلامات محبّته - صلى الله عليه وسلم -، تظهر في الاقتداء به - صلى الله عليه وسلم -، واتّباع سنّته،
وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، والتأدّب بآدابه، في الشدّة والرخاء، وفي العسر
واليسر. ولا شك أن من أحبّ شيئاً آثره، وآثر موافقته، وإلا لم يكن صادقاً في حبّه،
ويكون مدّعياً.
لقد اجتمع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكارم الأخلاق
والشجاعة والكرم، فمن رآه بديهةً هابه، ومن خالطه معرفةً أحبّه. ولقد بلّغ الرسول
الرسالة، ونصح الأمّة، وجمع الكلمة، وفتح مع صحابته القلوب بتوحيدهم، كما فتحوا
البلاد بجهادهم، ليخرجوا الناس من عبادة العباد، إلى عبادة ربّ العباد.
خامساً: احترامه، وتوقيره، ونصـرته: كما
قال تعالى: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ
وَتُوَقِّرُوهُ...}([33]).
وحرمة النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد موته، وتوقيره،
لازمٌ، كحال حياته، وذلك عند ذكر حديثه، وسنّته، وسماع اسمه وسيرته، وتعلّم سنّته،
والدعوة إليها، ونصرتها.
وقال الله تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ
كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ
وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ
النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي
التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ
الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ
وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ
فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ
الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}([34]).
فهذه تسع صفات لسيدنا رسول الله - صلى الله
عليه وسلم -، وهي:
أن الله أوحى إليه كتابًا مختصّاً به وهو
القرآن، وأنه صاحب المعجزات، أنه بلّغ ونبّأ بأفضل وأتمّ العقائد والعبادات
والأخلاق، وهو الأمّيّ الذي لم يمارس القراءة والكتابة، ولم يجلس إلى معلّم، فهو -
صلى الله عليه وسلم - باقٍ على الحالة التي ولد عليها. وقد ذكره ربّه باسمه وصفاته
ونعوته عند اليهود والنصارى، في التوارة والإِنجيل، وقد كتمها الكافرون منهم، أو
أساءوا تأويلها.
كما وصفه ربّه بأنه يأمرهم بالمعروف،
ويكلّفهم بفعل ما تدعوا إليه الطبائع المستقيمة، والفطر السليمة؛ لأن في ذلك
النجاح في الدنيا، والفلاح في الآخرة، وأنه - صلى الله عليه وسلم - يزجرهم وينهاهم
عن كلّ منكر مستهجن، تستقبحه الجبلّة القويمة، والخلقة السوّيّة.
ويحلّ لهم ما حرّم عليهم من الطيّبات التي
منعوا منها، وحظرها الله عليهم جزاء طغيانهم وضلالهم، ويحرّم عليهم كلّ ضار وخبيث:
كأكل الميتة، والمال الحرام؛ من الربا والرشوة والغشّ.
ويخفّف عنهم ما شقّ عليهم وثقل من التكاليف
التي كانت في شريعة موسى - عليه السلام - كقطع الأعضاء الخاطئة، وتحريم الغنائم
عليهم، ووجوب إحراقها. وكذلك يخفّف الله، ويحطّ عنهم، المواثيق الشديدة التي فرضت
عليهم، عقاباً لهم على فسوقهم وظلمهم([35]).
فالنبي الأمّيّ هو الذي جاء رحمة عامّة شاملة
للنّاس جميعاً، قد جعل الله محامل دعوته عامّة إلى جميع الأمم والشعوب... ومن هنا
كان مبعثه إيذاناً برفع هذه القيود التي قيّد الله بها أولئك الذين جعل من شريعته
لهم، هذا التأديب الشـرعي، الذي لا يرفع عنهم ثقله أبداً، إلا إذا ظهر النبي
الأمّي، وإلا إذا اتّبعوا هذا النبيّ الأمي، وعندئذ فقط يسقط عنهم هذا الحمل الذي
وضعه الله على ظهورهم، ويرفع هذا العهد الذي أخذه الله عليهم، وتوعّدهم بالعذاب
الأليم إن هم نقضوه، قبل ظهور هذا النبيّ الأمّيّ، والإيمان بهذا النبيّ الأمّي،
والأخذ بشريعته.. {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ
وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}..
ومعنى عزّروه: منعوه من أعدائه، وكانوا سنداً له ووقاية. والمراد بالنور الذي أنزل
معه، القرآن الكريم.. وهو نور وهدى لمن طلبه، وفتح عينه وقلبه له([36]).
وهذه الآية تقرّر في صراحة صريحة أن رسالة
الإسلام رسالة عامّة شاملة، وأن اليهود والنّصارى لن تكتب لهم رحمة الله، ولن
يكونوا من المؤمنين، إلا إذا تابعوا النبيّ الأمّي، واستجابوا لدعوته، ودخلوا في
دين الله، وهو الإسلام.
سادسًا: الصلاة والسلام عليه - صلى الله عليه وسلم -:
فإنّ نعم الله على عباده كثيرة لا تحصـى،
وأعظم نعمة أنعم الله بها على الثقلين (الجنّ والإنس) أن بعث فيهم عبده ورسوله
وخليله وحبيبه وخيرته من خلقه محمّداً - صلى الله
عليه وسلم -،
ليخرجهم به من الظلمات إلى النّور، وينقلهم من ذلّ العبودية للمخلوق إلى عزّ
العبودية للخالق، يرشدهم إلى سبيل النجاة والسعادة، ويحذّرهم من سبل الهلاك
والشقاوة.
ولمّا كانت نعمة الله على المؤمنين بإرسال
رسوله إليهم عظيمة، أمرهم الله تعالى في كتابه أن يصلّوا عليه ويسلّموا تسليماً،
بعد أن أخبرهم أنه وملائكته يصلّون عليه. قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ
وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}([37]).
قال الإمام القرطبي: "هذه الآية شرّف الله بها الرسول - صلى الله عليه وسلم -، حياته وموته، وذكر
منزلته منه، وطهَّر بها سوء فعل من استصحب في جهته فكرة سوء، أو في أمر زوجاته،
ونحو ذلك. والصلاة من الله رحمته ورضوانه، ومن الملائكة الدعاء والاستغفار، ومن
الأمّة الدعاء والتعظيم لأمره"([38]).
وقال ابن كثير: "المقصود من هذه الآية
أن الله تعالى أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيّه عنده في الملأ الأعلى، بأنه يثني
عليه في الملأ الأعلى عند الملائكة المقرّبين، وأن الملائكة تصلّي عليه، ثم أمر
تعالى العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه، ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين
العلوي والسفلي جميعاً"([39]).
وقال ابن القيّم: "والمعنى أنّه إذا كان
الله وملائكته يصلّون على رسوله، فصلّوا أنتم أيضاً عليه، لما نالكم ببركة رسالته،
ويُمن سفارته، من خير شرف الدنيا والآخرة. والصلاة من الله عزّ وجل هي الثناء
وإظهار الشرف، وإرادة التكريم. وصلاة المخلوقين: الدعاء بمزيد من الشرف
والتكريم"([40]).
وقال - صلى الله عليه وسلم -: (مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً، صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْـرًا)([41])..
فالصلاة من الله الرحمة، ومن الملائكة الشفاعة والاستغفار، ومن المؤمنين الدعاء
والثناء.. وقال مجاهد: الصلاة من الله التوفيق والعصمة، ومن الملائكة العون
والنصـرة، ومن المؤمنين الاتّباع والحرمة.. وقال ابن عطاء: الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - من الله الوصلة، ومن
الملائكة الرقّة، ومن المؤمنين المتابعة والمحبّة.. وقال غيره: صلاة الربّ على نبيّه
(صلى الله عليه وسلم) تعظيم الحرمة،
وصلاة الملائكة عليه - صلى الله عليه وسلم - إظهار
الكرامة، وصلاة الأمّة عليه طلب الشفاعة.
قال ابن حجر: "المراد تعظيمه في الدنيا
بإعلاء ذكره، وإظهار دينه، وإبقاء شريعته، وفي الآخرة بإجزال مثوبته، وتشفيعه في
أمّته، وإبداء فضيلته بالمقام المحمود.. ومعنى صلاة اللَّه على نبيّه: ثناؤه عليه
وتعظيمه، وصلاة الملائكة وغيرهم: طلب ذلك له من اللَّه تعالى، والمراد طلب
الزيادة، لا طلب أصل الصلاة"([42]).
إنها من أعظم شعب الإيمان؛ فهي محبةٌ له،
وأداءٌ لحقِّه، وتوقيرٌ له وتعظيم. والمواظبة عليها من باب أداء شكره - صلى الله عليه وسلم -، وشكره واجب، لِما
عظُم منه من الإنعام، فإنه سبب نجاتنا من الجحيم، ودخولنا في دار النعيم، وإدراكنا
الفوز بأيسـر الأسباب، ونيلنا السعادة من كلِّ الأبواب، ووصولنا إلى المراتب
السنيّة، والمناقب العليّة، بلا حجاب.. وقال الحليمي: "إنَّ تعظيم النبي - صلى الله عليه وسلم - من شُعب الإيمان،
وإنَّ التعظيم منزلة فوق المحبّة.. والمقصود بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - التقرُّب إلى الله،
بامتثال أمره، وقضاء حقِّ النبيِّ - صلى الله عليه
وسلم - علينا..
ومعنى الصلاة على النبيّ - صلى الله عليه
وسلم -:
تعظيمه. فمعنى قولنا: اللهم صلِّ على محمّدٍ: عظِّم محمدًا"([43]).
سابعًا: وجوب التحاكم إليه، والرضى بحكمه - صلى الله عليه وسلم -: قال تعالى:{يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي
الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ
وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ
خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}([44]).
ويكون التحاكم إلى سنّته وشريعته بعده - صلى الله
عليه وسلم -.
إن اللَّه تعالى قد تعهّد بحفظ القرآن
الكريم، وإن من ضمن هذا الحفظ، حفظ السنّة النبوية؛ وقد أمر اللَّه باتّباع نبيّه - صلى الله عليه وسلم -، فقال تعالى: {وَمَا
آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}([45])،
فكيف نأخذ ما أتانا الرسول، وننتهي عمّا نهانا عنه، إلا باتّباع سنته؟
على أن من جوانب حفظ السنة النبوية، هو ما
هيّئه الله تعالى لسنّته - صلى الله عليه
وسلم -
من رجال بذلوا مهجهم وأرواحهم وأموالهم وعقولهم وأوقاتهم في سبيل خدمة السنّة
النبوية، وتنقية الصحيح من السقيم، وبذلك نقلوها إلينا - رحمهم الله - مصفّاة
منقّاة، وتخصّصت الأمّة الإِسلامية بعلم لم يسبقها إلى مثله أحد، ألا وهو علم
الرجال (الجرح والتعديل)، وفي هذا العلم يكمن السـرّ الإلهي في تسخير هؤلاء الرجال
لحفظ السنّة النبوية، وإظهارها للأمّة الإِسلامية مصانة معافاة من كل يد مسمومة
تمتدّ إليها، أو عقل سقيم مأجور يشكّك فيها.
قال ابن أبي العزّ الحنفي: "فالواجب
كمال التسليم للرسول - صلى الله عليه وسلم -،
والانقياد لأمره، وتلقّي خبره بالقبول والتصديق، دون أن نعارضه بخيال باطل نسمّيه
معقولًا، ونحمّله شبهة أو شكّاً، أو تقدّم عليه آراء الرجال وزبالة أذهانهم، فنوحّده
بالتحكيم والتسليم والانقياد والإذعان، كما نوحّد المرسل([46])
بالعبادة والخضوع والإنابة والتوكّل، فهما توحيدان لا نجاة للعبد من عذاب الله إلا
بهما: توحيد المرسل، وتوحيد متابعة الرسول - صلى الله عليه وسلم -"([47]).
وقال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي
شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ
وَالْيَوْمِ الآَخِرِ}([48]).
قال الإمام الشافعي في قوله: {فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ}: (أي
إلى ما قاله الله والرسول)، إلى غير ذلك من الآيات.
وعن العرباض بن سارية (رضي الله عنه)، قال:
(صلّى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم، ثم أقبل علينا بوجهه، فوعظنا
موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب؛ فقال رجل: يا رسول الله، كأنها
موعظة مُودِّع، فماذا تعهد إلينا؟ فقال - صلى الله
عليه وسلم -:
(أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن كان عبداً حبشياً؛ فإنه من يعش منكم بعدي
فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسّكوا
بها وعضّوا عليها بالنواجذ. وإيّاكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة
ضلالة"([49]).
وعن أبي هريرة (رضي الله عنه)، قال: قال رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -: (ذروني ما تركتكم، فإنما هلك الذين من قبلكم بكثرة
سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم([50])، فإذا
نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)([51]).
وعن بلال بن الحارث (رضي الله عنه) أن النبي -
صلى الله عليه وسلم - قال له: (اعلم)، قال: ما أعلم يا رسول الله؟ قال: (اعلم يا
بلال). قال ذرني أعلم يا رسول الله؟ قال: (إنه من أحيا سنّة من سنّتي قد أميتت
بعدي، فإن له من الأجر مثل من عمل بها، من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً، ومن ابتدع
بدعة ضلالة لا ترضي الله ورسوله، كان عليه مثل آثام من عمل بها، لا ينقص ذلك من
أوزار النّاس شيئاً)([52]).
وقال الله تعالى: {وَمَا تَفَرَّقُوا
إِلاّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ}([53]).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن عمر (رضي
الله عنه) خطب بالجابية، فقال: قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطيباً، فقال: (من
أراد منكم بَحبوحَة الجنة فليلزم الجماعة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين
أبعد)([54]).
وعن معاذ (رضي الله عنه) أن النبي - صلى الله
عليه وسلم - قال: (إن الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم، يأخذ الشاة القاصية
النائية، فإيّاكم والشعاب، وعليكم بالجماعة والعامّة والمسجد)([55]). وعن أبي ذر (رضي الله عنه) عن النبي - صلى الله
عليه وسلم - قال: (اثنان خير من واحد، وثلاثة خير من اثنين، وأربعة خير من ثلاثة؛
فعليكم بالجماعة، فإن الله لم يجمع أمّتي إلا على هدى)([56]).
ثامنًا: إنزاله مكانته - صلى الله عليه وسلم - بلا غلوّ ولا تقصير: فهو
عبد لله ورسوله، وهو أفضل الأنبياء والمرسلين، وهو سيّد الأولين والآخرين، وهو
صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، ولكنه مع ذلك بشر لا يملك لنفسه ولا لغيره
ضرّاً ولا نفعاً، إلا ما شاء الله، كما قال تعالى: {قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ
عِندِي خَزَآئِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي
مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ...}([57]).
وقد مات (صلى الله عليه وسلم)، كغيره من الأنبياء، ولكنّ دينه باقٍ إلى
يوم القيام {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}([58]).
رسول الإسلام -
صلى الله عليه وسلم - أكمل رجال العالم:
إن خير
من
مثّل
صفة
الوسطية والتوازن والاعتدال
هو
رسول
الإسلام
محمّد
- صلى الله عليه وسلم -، إذ كانت شخصيته
متكاملة متّزنة، لا
يطغى
فيها
جانب
على
جانب،
ولا
اتجاه
على
آخر،
شهد
له
بذلك
العدو
قبل
الصديق. فهذا الأستاذ
سليمان
الندوي([59])
ينقل
كلام
أحد
البراهمة
في
وصف
النبيّ،
مبيّنًا هذه الحقيقة، وقد
قيل
له:
بماذا كان رسول الإسلام
أكمل
رجال
العالم؟
فأجاب:
"لأني أجد في
رسول
الإسلام
خلالاً
مختلفة، وأخلاقًا جمّة،
وخصالاً
كثيرة،
لم
أرها
اجتمعت
في تاريخ العالم لإنسان
واحد،
في
آن
واحد:
·
فقد
كان
ملكاً([60]) دانت
له
أوطانه
كلّها،
يصرّف
الأمر
فيها
كما
يشاء،
وهو
مع
ذلك
متواضع في نفسه،
يرى
أنه
لا
يملك
من
الأمر
شيئًا،
وأن
الأمر
كلّه
بيد
ربّه.
·
وتراه
في
غنى
عظيم،
تأتيه
الإبل
متوفّرة
بالخزائن
إلى
عاصمته،
ويبقى
مع
ذلك
محتاجًا،
ولا توقد في بيته
نار
لطعام
في
الأيام
الطوال،
وكثيرًا
ما
يطوي
على
الجوع.
·
وتراه
قائدًا
عظيمًا؛
يقود
الجند
القليل
العدد،
فيقاتل
بهم
ألوفًا
من
الجند
المدجّج
بالأسلحة
الكاملة، ثم يهزمهم
شـرّ
هزيمة.
·
وتجده
محبّاً
للسلم،
مؤثرًا
للصلح،
ويوقّع
شروط
الهدنة
على
القرطاس
بقلب
مطمئن،
وجأش هادئ، ومعه ألوف
من
أصحابه؛
كلّ
منهم
شجاع
باسل،
وصاحب
حماسة
وحميّة
تملأ جوانحه.
·
ونشاهده
بطلاً
شجاعًا،
يصمد
وحده
لآلاف
من
أعدائه،
غير
مكترث
بكثرتهم،
وهو
مع
ذلك رقيق القلب رحيم
رؤوف،
متعفّف
عن
سفك
قطرة
دم.
·
وتراه
مشغول
الفكر
بجزيرة
العرب
كلّها،
بينما
هو
لا
يفوته
أمر
من
أمور
بيته
وأزواجه
وأولاده، ولا من
أمور
فقراء
المسلمين
ومساكينهم.
ويهتمّ
بأمر
النّاس
الذين
نسوا
خالقهم،
وصدّوا عنه، فيحرص
على
إصلاحهم.
·
وبالجملة
إنه
إنسان
يهمّه
أمر
العالم
كلّه،
وهو
مع
ذلك
متبتّل
إلى
الله،
منقطع
عن
الدنيا،
فهو في الدنيا وليس
فيها؛
لأن
قلبه
لا
يتعلّق
إلا
بالله،
وبما
يرضي
الله.
لم
ينتقم
من
أحد
قطّ
لذات
نفسه،
وكان
يدعو
لعدوّه
بالخير،
لكنه
لا
يعفو
عن
أعداء
الله،
ولا
يتركهم([61]).
فثبت أن الأمّة الإسلامية متّصفة بالعدالة،
ممّا جعلها أهلاً لأداء الشهادة على الأمم الأخرى، بأنّ رسلهم بلّغوهم رسالات
ربّهم، ورسولنا شاهد علينا بأنّه بلّغنا الرسالة، وأدّى الأمانة. كما ثبت عند
القائلين بتفسير الوسط من كل شيء خياره: أن الأمّة الإسلامية معتدلة متوسّطة في
رسالتها وشريعتها، ومبادئها وقيمها، تلتزم الصـراط السويّ، وتلتزم منهج الاعتدال،
وتتّجه بإخلاص منقطع النظير لإصلاح الأمم والشعوب والأفراد، بما يحقّق لهم السعادة
والنجاة، ويكفل لهم عزّ الدنيا، والفلاح في الآخرة، على أساس الجمع بين المثل
العليا والواقع المشاهد.
([28])
رواه أبو داود، باب لزوم السنة، والإمام أحمد في مسنده: 4/130 برقم (17174)، وعلق
شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الصحيح. قال الخطابي: قوله:
"أوتيت الكتاب ومثله معه" يحتمل وجهين من التأويل، أحدهما: أن يكون
معناه أنه أوتي من الوحي الباطن غير المتلو مثل ما أُعطي من الظاهر المتلو..
ويحتمل أن يكون معناه: أنه أوتي الكتاب وحياً يُتلى، وأوتي من البيان، أي: أُذِنَ
له أن يبيّن ما في الكتاب، ويَعُمَّ ويخُصَّ، وأن يزيد عليه فيشرع ما ليس له في
الكتاب ذكر، فيكون ذلك في وجوب الحكم، ولزوم العمل به، كالظاهر المتلوّ من القرآن.
معالم السنن، وهو شرح سنن أبي داود: 4/298.
([50])
قوله: (ذروني)، أي: اتركوني ما تركتكم، ولا تتعرضوا بالتفتيش والسؤال، فإنما هلك
من كان قبلكم من الأمم السابقة، كبني إسرائيل، بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم،
كما ذكر الله في كتابه في قصة البقرة، وسؤال رؤية الله، ودخول قرية الجبارين، وغير
ذلك. فما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما لم أنه عنه فاسكتوا عنه ولا تتعرضوا له بالسؤال
والتشديد، فيشدّد الله عليكم. وفيه إشارة إلى أن الأصل في الأشياء الإباحة، ما لم
يرد دليل المنع. (تعليق د. تقي الدين الندوي على موطأ الإمام مالك، دار القلم،
دمشق، ط1، 1413هـ - 1991م).
([54])
رواه أحمد: 1/26، رقم (177). وابن ماجة (2363)، والترمذي (2165) في الفتن بَاب مَا
جَاءَ فِي لُزُومِ الْجَمَاعَةِ، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه،
والنسائي رقم (9226)، في عشـرة النساء، ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر عمر فيه،
والحاكم في المستدرك: 1/114 وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ووافقه في
تصحيحه الذهبي.، والبيهقي في السنن: 7/91.
([59])
سليمان الندوي، قاض، كان كبير علماء المسلمين في القارة الهندية. تفوّق في الحديث وتاريخ
الإسلام. نسبته إلى (دار الندوة). ولي القضاء في بهوبال، وتولّى مناصب علمية أخرى،
وأصدر مجلة (المعارف). وانتقل إلى كراتشي سنة 1370 هـ فكان فيها رئيساً لجمعية
علماء الإسلام. له تصانيف مطبوعة باللغة الأردية، ترجم بعضها إلى التركية، أشهرها:
السيرة النبوية في 10 مجلدات، والرسالة المحمّدية. توفي سنة 1953م. (الأعلام:
3/137).
منشور في مجلة الحوار | العدد 171 – 172 | صيف 2020
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق