هفال عارف برواري
مقدمة :
الكنعانيون والفنيقيون واليبوسيون ما
هم إلا قبائل سامية قادمة من شبه الجزيرة العربية، أقاموا حضارة في بلاد الشام،
خاصة في فلسطين التي صارت تعرف بأرض كنعان وعاصمتها (أورسالم)، نسبة إلى (سالم) إله السلام عند الكنعانيين،
والذي صار يسمى (يبوس) نسبة إلى اليبوسيين.
وفي الحقيقة، فإن الكنعانيين حينما تركزت حياتهم في فلسطين لم يسلموا من الغزوات والحروب، وجرت تسميتهم أيضا بالعماليق، حيث ثبت للمؤرخين أصولهم التي تمتد إلى (عمليق بن لاوذ بن إرم بن سام بن سيدنا
نوح عليه السلام).لقد كان للكنعانيين
أصولهم السامية، ولغتهم الخاصة بهم، واسمهم الذي عرفوا به بين الشعوب الأخرى على
مدى التاريخ وامتداد الجغرافيا، حتى أن فلسطين عرفت لدى المؤرخين القدامى بأرض
كنعان.
وعندما جاء اليهود إلى فلسطين، وقبل أن
يحاربوا العماليق من الكنعانيين في عهد سيدنا داود - عليه السلام - استظلوا
بالحضارة الكنعانية، وتعلموا منها الكثير، لا سيما وأنهم لم يكونوا يتقنون إلا
التجارة.
وعندما انتصـروا على
الكنعانيين، قاموا بتحريف اسم عاصمتهم (أورسالم) إلى (أورشليم)، فظل الاسم دارجاً
عندهم إلى يومنا هذا..
الجـــزء الأول:
لنختصـر تاريخ
المنطقة في نقاط موجزة :
١- هاجر الكنعانيون من موطنهم الأصلي في
الجزيرة العربية، واستوطنوا جنوب ديار الشام، في ما يقارب سنة ٤٠٠٠ ق.م، فسميت هذه
الأرض بأرض كنعان.
٢- وسميت جزء من بلاد الشام بفلسطين..
وهناك دراسات كثيرة ومتشعبة عن أصل الكلمة، وأصل تواجدهم، لكن مختصـراً كان اسمها
(فلشتين)، وقد كان لها وجود منذ الألف الرابعة، ق.م. و اسم (فلستين) أتى من (فلش =
بمعنى مزارع) + شجرة التين، فأصبحت (فلشتين، فلستين = فلسطين)، أي أنّها تعني
(مزارعي أشجار التين).
لكن حدثت هجرات
عكسية من فلسطين إلى جزيرة العرب فيما يقارب القرن التاسع عشر ق.م، هذه الهجرة
العكسية أعطت أسماء كنعانية فلسطينية لبعض الأمكنة في جزيرة العرب، أي أن
(الفلستينيون) هم من أعطى (عسير، وجنوب الحجاز)، أسماء الأماكن، بعد أن هاجروا من
فلسطين إلى شبه جزيرة العرب، بسبب الجفاف في الفترة (23 ق.م –19 ق.م).
وهناك رواية تقول
إنه في عام ١٣٠٠ ق.م احتلت قبيلة فلستيا اليونانية سواحل أرض كنعان، فسميت المنطقة
بفلسطين.
والفلسطينيون هم
قبائل كنعانية عاشوا في فلسطين. وأول إشارة للفلستينيين بعد استقرارهم على الساحل
الفلسطيني، هي في سجلات الملك الآشوري (أداد نيرارب الثالث) (810-782) ق.م، الذي
تفاخر بأنه جمع الجزية من فلستيا.
٣- أما القدس، فقد سكنتها قبيلة كنعانية،
وهم ( اليبوسيون)، نسبة إلى قبيلة (يبوس)،
واستوطنوا التلال المرتفعة للمدينة القديمة، وبنوا على ما يسمى بجبل صهيون الآن
برجاً لحمايتها في عهد الملك (سالم اليبوسي)، فسميت المدينة باسم (سالم)، ثم تم
تغيير الاسم إلى (يور سالم) (أور سالم) أي (مدينة السلام)، وبقي هذا اسمها إلى حين
عهد الملك سليمان، حيث سميت بـ (أورشليم).
٤- وفي حدود فلسطين، هاجر إليها
(الفينيقيون)، الذين كانوا من بطون الكنعانيين العرب أيضاً. كما عاش في فلسطين في
ذات الفترة، شعب (العموريين) أو الأموريين، وهي قبائل عربية نتج عنها على مدى مئات
السنين شعب (الهكسوس)، الذي كان له دور بالغ الأهمية في مدينة القدس.
ولم يكن هناك وجود
للعبرانيين في القدس وحواليها، فقد كانت
أرضاً للكنعانيين. ويقال أن اسم كنعان هو نسبة لـ(كنعان بن سام بن نوح).
٥- ورد إليها (إبراهيم -عليه السلام-) من
العراق، مهاجراً بأمر الله تعالى إلى أرض
كنعان في القرن ال(١٩) ق.م، مع زوجته سارة، وبعض
المؤمنين، منهم ( لوط ع)، فعبروا نهر الأردن إلى أرض كنعان، لذا سموا بـ(العبرانيين)!
أي كان الكنعانيون موجودون قبل إبراهيم (ع) بـ ٢١ قرناً، وقد بين القرآن ذلك:
{وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إلى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا
لِلْعَالَمِينَ}، فهي كانت مباركة للعالمين، وليس لشعب أو قبيلة!
أو أن هذه الأرض كلها ستكون مباركة لأنَّها ستكون أرض النبوات، ومهبط الرسالات،
وساحة الأديان التوحيديّة الكبرى.. وهذا مراد الله بالقداسة ..
و من أولاد إبراهيم
هو (إسحاق)، كان له ابن يسمى بـ (يعقوب)، وسماه الله بـ(إسرائيل) أي بمعنى
(عبدالله)، وكان له ١٢ ولداً، من بينهم من كان اسمه (يهودا)، ومن اسمه أُخذت لأول
مرة كلمة (يهود)، وكانوا في فلسطين، لكن بسبب المجاعة هاجروا إلى مصـر ليلتحقوا
بـ( يوسف)، الذي كان أحد أولاد يعقوب، واكتسب مكانة رفيعة في الحكم، فقد كان
وزيراً للتمويين في حكم الهكسوس، الذين كانوا قد قدموا كقوة غازية من بلاد الشام
إلى مصـر.
لكن بعد تغلب
الفراعنة على الهكسوس بعد سنين غابرة، اتهموا سلالة بني إسرائيل بالتهم، فعذبوهم
وسخروهم لبناء القبور والأهرامات، وبعد أن اشتد عليهم التنكيل، بُعث إليهم (موسى
ع) لإنقاذهم من فرعون وإعادتهم إلى التوحيد. وبعد غرق فرعون في البحر الأحمر،
وعبور موسى وقومه البحر هاربين إلى سيناء، تمرد
بنو إسرائيل على موسى بسبب ضنك العيش في الصحراء، فأنعم عليهم الله بالطعام
والشـراب والملك، والمراد بالملك أي أصبحوا
أحراراً بعد أن كانوا مستعبدين، وباتوا مستقلين بعد أن كانوا أتباعاً،
يملكون شؤون أنفسهم وأمورها بعدما كانوا مملوكين من فرعون وزبانيته يتصرف فيهم
كيفما شاء، ومتى شاء..
فأمرهم موسى بدخول
الأرض المقدسة في فلسطين، فامتنعوا قائلين: إن فيها قوماً جبارين، وهم الكنعانيون،
وهذا النص القرآني يبين ذلك:
{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ
اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَآءَ
وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً وَآتَاكُمْ مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن الْعَالَمِينَ *
يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ
تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ * قَالُوا يَا مُوسَى
إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُواْ
مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا داخِلُونَ}..
لذلك عاقبهم الله
بالتيه في الصحراء أربعين سنة.
فالقول إن القدس
يهودية ليس بصحيح، فمن المعلوم أن شـريعة موسى هي يهودية، لكن موسى
ولد وبعث ونشأ في مصـر، ومات في مصـر، فصحراء سيناء من ضمن مصـر
! ونزلت عليه التوراة باللغة الهيروغلوفية المصـرية، في أصلها، في
القرن (١٦) قبل الميلاد.. أي أن القدس كانت فيها هذه القبائل قبل موسى بـ ٢٧ قرناً!
واللغة الهيروغلوفية كانت لغة قومه، كما بينه القران أنَّ كل رسول نزل بلغة
قومهم.. {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ
لَهُمْ}.
أما اللغة العبرية
في الأصل، فهي كانت لهجة كنعانية تبلورت كلغة بعد ١٠٠ سنة من موت موسى ودخول
العبرانيين بقيادة (يوشع بن نون) إلى أرض كنعان!
٦- في عهد (يوشع بن نون) دخلوا مدينة
(أريحا) في (فلسطين)، وأنزلوا العقاب عليهم، وقسموا فلسطين بين الأسباط الاثني عشـر، ومنهم سبط
(يهودا)، الذي كانت حصته (يورسالم) [القدس] وما حولها، فحاربوا (اليبوسيين)
وانتصروا عليهم بقيادة الملك (طالوت)، المسمى عند اليهود (شاؤول)، ومعهم النبي
(داود)، واسترجعوا (التابوت). ومن ثم جلس (داود ع) على عرش فلسطين، وحول اسم
عاصمتها (يورسالم) إلى مدينة (داود). وجاء من بعده ابنه النبي والملك (سليمان)،
وسمى القدس بـ(أورشليم)، وبنى الهيكل (المعبد)، (الهيكل
الأول، في سنة ٩٦٠ق.م) .. لكن الله أوصى النبي سليمان أن الهيكل
سيبقى لهم إلى يوم القيامة ما لم يفسدوا، لكن بعد وفاته عاد اليهود إلى فسادهم،
فخرّب الله عليهم الهيكل، فانتشروا في الآفاق..
أي بمعنى أن هناك
فقط (٤١٥ سنة) في عهد (داوود وسليمان )في القدس، وكان وجوداً عرضياً ومؤقتاً، وكان
الكنعانيون موجودون قبلهم بـ(٤٠) قرناً!
وإبراهيم أبو
الأنبياء لم يكن يهودياً ولا نصـرانياً، كما أخبرنا القرآن، لأنه جاء قبل اليهودية
والنصرانية:
{مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا
نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ}.
اليهودية كانت في
القرن ١٣، (وإبراهيم ع)في القرن ١٩ قبل الميلاد!
أما النصرانية، فقد
كانت في القرن الأول من الميلاد !
لذلك نستطيع السؤال:
أين
هو وجه المقارنة بين القدس واليهودية؟
فشـريعة موسى لم
تدخل القدس وأرض كنعان إطلاقا،ً ودخلها (يوشع بن نون) مع بني إسـرائيل
إلى أرض كنعان دخولاً واستيلاءً، وهو موجود في العهد القديم !
٧- وللعلم فإن القدس وفلسطين احتلت من
غزاة متعددين عبر التاريخ، وكأنها مركز الصـراع عبر التاريخ بين الأمم والحضارات
إلى الآن!!
فبعد أن انقسمت
مملكة يهوذا إلى شطرين شمالاً وجنوباً
:
أولاً
/ البابليون غزوها واحتكروها لأنفسهم بقيادة (بختنصـر) (نبوخذ نصـّر
الثاني)، واحتل جنوب المنطقة، ودمر مدينة أورشليم، وأقدم على تدمير [هيكل سليمان]،
وذبحهم، وأسر البقية، ونقلهم إلى بابل لما يقارب سنة ٥٨٦ ق.م.
ثانياً
/
احتلت من قبل الإمبراطورية الفارسية بقيادة ملك الفرس (كورش)، وسمح بعودة
اليهود إلى القدس، ولكن بعضهم بقي في العراق، والبعض الآخر من اليهود هاجروا إلى
القدس في عام٥٣٩ق.م، وتم إعادة بناء الهيكل المهدم، وتم بناء [الهيكل
الثاني] عام 515 ق.م.
ثالثاً/
ثم احتلّ الإغريق أراضي فلسطين، وخضعت للإسكندر المقدوني (حوالي عام ٣٣٣ ق.م)
[وهُدم الهيكل للمرة الثانية] خلال حكم المقدونيين، على يد الملك
(أنطيوخوس الرابع)، بعد قمع الفتنة التي قام بها اليهود عام 170 ق.م، ثم خضعت هذه
الأراضي لخلفاء المقدونيين، وهم البطالمة، ثم السلوقيين.
رابعاً
/ثم
احتلت من قبل الإمبراطورية الرومانية عام ٦٣ق.م. وكان (هيرودس) من أوائل الحكام،
وأبرزهم، الذين عينهم الرومان لحكم القدس (عام ٤٠ق.م)، والذي أصبح ملكاً على
اليهود، وقد قام بتجديد بناء البيت المقدس (حوالي عام 20ق.م)، وأعيد بناء (الهيكل)
للمرة الثالثة، وعلق عليه شعار الرومان
(النسـر الذهبي)، الذين كانوا يعادون اليهودية قبل (أغسطس).
ولكن بعد قيام ثورة
اليهود الأولى سنة ٦٦م ضد الرومان، والتي كانت تعرف بالثورة الكبرى لليهود، أقدم
الجنرال الروماني (تيتوس)، ابن الإمبراطور (ڤسپاسيانوس)، سنة ٧٠م، على احتلال
أورشليم مرة أخرى، وأقدم على تدمير الهيكل مع أورشليم!
أي تم [تدمير الهيكل للمرة الثالثة].
وفي عاميّ 115 و132م، قامت الثورة اليهودية
الثانية والثالثة، ومن خلالها تمكن اليهود بالفعل من السيطرة على المدينة،
وأعلنوها عاصمة لمملكة يهوذا مجددًا، إلا أن الإمبراطور الروماني (إيليانوس
هادريانوس) قام بسحق ثورة اليهود الثالثة، و تعامل مع الثوّار بعنف، وأسفر ذلك عن
تدمير القدس للمرة الثانية. وتم تخريب أورشليم تماماً في سنة ١٣٥ م، وأحرق كل ما
فيها، وتم حرق أراضيها الزراعية !وأخرج اليهود المقيمين فيها، ولم يبق
فيها إلا المسيحيون، ومن شدّة نقمة الإمبراطور على اليهود قام ببناء مدينة جديدة
مكانها، وأصدر مرسومًا بجعل المدينة ذات طابع روماني، وتم تغيير اسمها من أورشليم
إلى (إيلياء)، على اسمه (أيليانوس).. وقد بنى (هادريان إيليانوس) مكان الهيكل
معبداً رومانيًا، وأقام لنفسه ولربه جوبيتر تمثالين فيه، تهدّم كل ذلك فيما بعد،
وأصبح مكان الهيكل (أو المسجد الأقصـى) خاويًا، وكان ممنوعاً على اليهود دخول
إيلياء إلا يومًا واحدًا في السنة، ليبكوا على أطلال الهيكل، فهي كانت معروفةً
عندهم.. لذلك ففي عهد الفتح، عهد ظهور الإسلام، ولغاية الفتح، كانت المدينة تسمى
(إيلياء) وليس (أورشليم).
نستنتج من ذلك أن
أرضية المعبد أو الهيكل هي التي أقيم عليها المسجد الأقصـى وقبة الصخرة، وقد أرشد
اليهود لمكان المعبد عندما فتحها عمر الخليفة، فالمكان لم يكن مجهولاً لهم.. وبعد
أن حوّلت الرسالة من اليهود إلى المسلمين، أصبح المسلمون أولى بتراث الأنبياء
منهم، وكان الإسـراءُ بخاتم النبيين إلى المسجد الأقصـى، وصلاتُه إماماً بالأنبياء
هناك، إعلاناً بذلك.
خامساً/
من تاريخ ٣٢٤- ٦٣٦م، يعد استمرار امتداد احتلال الإمبراطورية الرومانية، لكن
بإدارة جديدة، بعد أن اعتنق (قسطنطين الأول) مؤسس الدولة البيزنطية (الإمبراطورية
الرومانية الشـرقية) الدين المسيحي، وجعلت العقيدة المسيحية هي عقيدة الدولة..
وباعتبار فلسطين هي المنطقة التي نشأ فيها (عيسى ع)، وأمّه (مريم العذراء)، فقد
صار لها مركز متميز وأهمية خاصة في هذا العهد الجديد، مما حدا بوالدة قسطنطين
(هيلين) المتدينة إلى أن تبارك كل من يزور هذه المدينة المباركة، وتقوم باختيار
مواقع لتشييد الكنائس وتمجدها مثل كنيسة المهد في (بيت لحم)، وكنيسة القيامة في
(القدس) (محل دفن المسيح).
لقد أدى تشييد
الكنائس في فلسطين من قبل الإمبراطور، وأمّه (هيلينا)، إلى تحويل فلسطين إلى مركز
فني هام.. أما سياسياً، فقد حذا (قسطنطين) حذو الأباطرة الرومان، فمنع اليهود سنة
٣٣٥م من التبشير بينهم، وذلك بسبب الفساد الذي كانوا يعيثون به. وقد منع قسطنطين
اليهود من العيش في القدس، أو المرور بها!
وفي سنة 395م، وبعد
وفاة الإمبراطور (ثيوديسيوس الأول)، انقسمت الإمبراطورية الرومانية بين ولديه
(هونوريوس، وأركاديوس)، فتولّى الأول الإمبراطورية الرومانيّة الغربيّة، وعاصمتها
روما. وأما (أركاديوس)، فقد تولّى حكم الإمبراطورية الرومانيّة الشـرقيّة (الدولة
البيزنطية)، وعاصمتها بيزنطة (القسطنطينية)، وتضمّ بلاد الشّام بما فيها فلسطين.
وبعد ذلك بسنوات، أي
في الفترة ما بين 397-400م، قسمت فلسطين إلى ثلاث مناطق إدراية، وهي:
فلسطين الأولى،
وعاصمتها (قيسارية مارتين)، وفلسطين الثانية وعاصمتها (بيسان)، وفلسطين الثالثة
وعاصمتها (البتراء).
ومن عام (484-529م ) ثار السامريون ضد الحكم البيزنطي
مرات كثيرة ، استطاع أخيراً الملك (جستنيانس) إخماد ثورتهم واستتباب الأمن.
سادساً/
وخلال أهم المراحل التاريخية التي مرت بها فلسطين، فقد اجتاحت الدولة الفارسية
فلسطين عام 614م.. قاد ذلك الاجتياح كسـرى الثّاني ملك الفرس(590-628م)، حيث تعرضت
مدينة القدس لحصار استمر لمدة 20 يوماً.
هذا وقد ساعد يهود
منطقة الجليل الفرس في احتلال فلسطين، بحيث يقال إنّهم قد أمدّوا الفرس بـ 20 – 26
ألف جندي، وأسفرت عن احتلال المدينة بقوة السلاح، وحرق عدد كبير من الكنائس
والأديرة، وقتل الآلاف من السّكان المسيحيين وقادتهم.
إلا أنه وبعد مرور
أربعة عشـر عاماً، استطاع الإمبراطور البيزنطي هرقل (610-636م) أن ينتصـر على
الفرس في معركة حاسمة بالقرب من نينوى بالعراق عام 628م، ويستعيد القدس.
وقد أخبر القرآن عن
هذه الحادثة:
{غُلِبَتِ الرُّومُ ﴿2﴾ فِي أَدْنَى
الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ﴿3﴾فِي بِضْعِ سِنِينَ
لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ
الْمُؤْمِنُونَ} (سورة الروم، الآيات من 1-3).
وبعد هذا التاريخ
قام (هرقل) بإعادة بناء الكنائس الّتي خرّبها الفرس.
وكان لا بدّ لهذا
الإمبراطور من التعامل مع اليهود، الذين قتلوا من مسيحيي القدس أكثر مما قتل الفرس
أنفسهم، فقام بقتل بعضهم وطرد الآخرين منهم، ولم يسمح لهم بالاقتراب لأكثر من
ثلاثة أميال من القدس.
سابعاً/
وفيما يقارب سنة 620م، وقعت حادثة الإسـراء لنبي ورسول الإسلام محمد. وقد بين
القرآن ذلك:
{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ
لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلى الْمَسْجِدِ الأَقْصـَى، الَّذِي
بَارَكْنَا حَوْلَهُ، لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ
البَصِيرُ}.(سورة الإسراء/1).
لم يستمر الحكم البيزنطي لفلسطين طويلاً، إذ
التقت القوّات الإسلاميّة مع البيزنطيّة في معركة اليرموك عام 636م، وكانت نتيجتها
هزيمة القوّات البيزنطيّة. وأخيراً، ينتهي هذا العصـر في فلسطين عام 16ه/638م،
عندما فتح الخليفة (عمر بن الخطاب) مدينة القدس، وتسلم مفاتيحها من بطريركها آنذاك
(صفرونيوس) (634-638م)، الذين طلبوا من (عمر بن الخطاب) عدم دخولاليهود إلى القدس!
لكن (عمر بن الخطاب) بسماحته الدينية سمح بدخول اليهود الذين كانوا مطرودين من
القدس في عهد الرومان.
وبعد ذلك بدأت صفحة
جديدة من تاريخ القدس الشـريف وفلسطين بدخول المسلمين إليها، ونشـر الدين الإسلامي
فيها، الذي أصبح فيما بعد وحتى الوقت الحاضر ثقافة ودين الغالبية العظمى من سكان
فلسطين.
ثامناً
/أوروبا،
متمثلة بالإغريق والرومان، غزوها واحتكروها لأنفسهم في عهد الوثنية.. وفي عهد
أوروبا المسيحية والتنصير الصليبي، أقدمت أوروبا على احتلال فلسطين وانتزاعها من
المسلمين ودخول المنطقة باسم الحروب الصليبية، واحتلوا القدس ودخلوها سنة ١٠٩٩م،
وحولوا بيت المقدس إلى كنيسة لاتينية، مع
مخزن أسلحة واسطبلات الخيول، وبقوا فيها
ما يقارب الـ ٩٠ سنة !
تاسعاً/
إلى أن استطاع (صلاح الدين الأيوبي الكوردي) من تحريرها مرة أُخرى، بعد أن نجح في
تأسيس جيش يقاتل لأجل هدف واضح ببأس شديد وعزيمة، مكنه من توحيد البلاد الإسلامية
في مصـر والشام، وتقوية الصف الداخلي، وقتال الصليبيين والانتصار عليهم في كثير من
المعارك، لا سيما معركة حطين، التي جرت في سنة 583 هـ، الموافق في سنة 1187م،
والتي كُسـرت على أثرها شوكة الإفرنجة، وأسـر ملكهم، مما مهد لصلاح الدين الطريق
نحو التوغل تجاه ساحل الشام، وفتح مدنه وحصونه، حتى جاءت اللحظة التاريخية ألا وهي
فتح بيت المقدس، ودخول مدينة القدس في ليلة الإسراء والمعراج في 27 رجب سنة 583
هـ، الموافق لـسنة 1187م.
عاشراً/
بقي الوضع هكذا إلى حين اندلاع الحرب العالمية الأولى في القرن المنصـرم، واستطاعت
بريطانيا سنة 1917م من احتلال فلسطين،
وطرد قوى الخلافة العثمانية منها ، وأصدر حينها وزير الخارجية البريطاني آنذاك
آرثر بلفور (وعد بلفور) الشهير، الذي نص على أن [حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين
العطف إلى إقامة وطن قومي في فلسطين للشعب اليهودي]!
وفي سنة 1920م تم عقد (مؤتمر سان ريمو) للقوى المنتصـرة في
الحرب العالمية الأولى، وقرر منح بريطانيا حق الانتداب على فلسطين. وفي سنة 1930م
لجنة ملكية بريطانية ووثيقة حكومية توصيان بتحديد هجرة اليهود إلى فلسطين من كل
بقاع العالم ! وفي سنة1947م الأمم المتحدة توصي بتقسيم
فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية، وبإخضاع مدينة القدس، والمناطق المحيطة بها،
لسيطرة دولية، وذلك عقب إعلان بريطانيا إنهاء انتدابها.
وفي سنة 1948م
الإعلان عن ولادة دولة إسرائيل، وإعلان استقلالها، بعد انتهاء الانتداب البريطاني..
ومنذ نهاية الحرب
العالمية الأولى ولغاية الآن الشعب الفلسطيني يقاوم هذا الاحتلال والتغيير
الديموغرافي المبرمج لأهل الأرض، والقرارات المجحفة التي تتخذ في حقهم..
والآن اليهود يحتكرون
القدس وفلسطين لأنفسهم ..
لكن الملاحظ أن:
كل الشعوب احتكروها
وانتسبوها لأنفسهم، إلا الإسلام والمسلمين !لأنه
الدين الوحيد الذي يؤمن بديانة الآخرين، ويحترم مقدساتهم. لذلك فإسلامية القدس
ليست مصلحة إسلامية بحتة، بل هي مصلحة عالمية، لأن الإسلام فتح أبوابه لكل
الديانات مع مقدساتهم وطقوسهم التعبدية. فلا غرابة أن تجد أن كثيراً
من أوقاف الكنائس الموجودة في القدس مكتوبة عليها أن الوقف هي لأُسـر مسلمة
يتوارثونها، لأن المسلمين مؤتمنون على مقدسات الآخرين، ومحايدون حتى بالنسبة للفرق
النصرانية التي كانت تحارب بعضها بعضاً.
لقد بقي الصليبيون
٢٠٠ سنة في المنطقة ، لكن أين هم الآن؟ فللتاريخ سنن لا تتغير!
أما ادعاء اليهود
بوجود (هيكل سليمان) تحت المسجد الأقصـى، فقد قلبوا باطن الأرض تحت بيت المقدس
ليحصلوا على آثار هيكل سليمان منذ ١٩٦٧ م لكن لم يروا إلا آثار الأيوبيين!
الجـــزء الثاني
نصوص توراتية حول
فلسطين وأهلها
الكل يعرف قصة سيدنا إبراهيم (ع)
وهجرته من (أور) الكلدانية في جنوب العراق الحالي، حوالي نهاية القرن التاسع عشـر
(ق.م)، نحو أرض كنعان، وما رافقها من ملابسات.. وللعلم، أن القبائل الأمورية
العربية هي التي كانت تسكن أور أيام دولتها (1894-1595ق.م).
وسنركز في هذا الحيز
على أن هنالك شعباً في أرض كنعان ينتمي لنفس الأصول العربية هم الكنعانيون،
ويسكنون (فلسطين) قبل وأثناء هجرة إبراهيم (ع).
ومن الأمور الواجب ذكرها أن التوراة الحالية
المتداولة تشير للهجرة بأنها لم تكن إلا لامتلاك الأرض الموعودة (من النيل إلى
الفرات، وقلبها فلسطين)، وليس من أجل التوحيد ونبذ عبادة الأصنام، كما هو مذكور في
القرآن الكريم!!
وحول الأرض (فلسطين)
ترد هذه النصوص:
- قال الرب
لأبرام
]اعلم
جيداً أن نسلك سيكونون غرباء في أرض غير أرضهم، فيستعبدهم أهلها[،(13-15،التكوين)،
أي أن إبراهيم لم يكن من سكان فلسطين الأصليين!؟
وعندما دخل إبراهيم
يندب سارة عند وفاتها، ويبكي عليها، فلما قام من أمام جثمانها، قال لبني حث (سكان
الخليل):
]أنا غريب
ونزيل بينكم، دعوني أملك قبراً عندكم لأدفن فيه ميتي من أمامي[،
فأجابه بنو حث: ]اسمع لنا يا سيدي، الله جعلك رفيع
المقام فيما بيننا، فادفن ميتك في أفضل قبورنا، لا أحد منا يمنع قبره عنك لتدفن
فيه ميتك[، (3-6، 23، التكوين).
وهذا ما حصل
لإبراهيم (ع) كذلك، والذي توفي عن مئة وخمساً وسبعين سنة، حسب ذكر التوراة:
]فدفنه
إسحق وإسماعيل ابناه في مغارة المكفيلة تجاه منمرا، في حقل عفرون بن صوحر الحثي،
وهو الحقل الذي اشتراه من بني حث، هنالك دفن إبراهيم وامراته سارة[،(9-10،
25، التكوين).
وهذه النصوص تدل
دلالة قاطعة أن علاقة إبراهيم (ع) وأولاده مع أهل فلسطين لم تقم على أساس عدائي،
وذلك أن الأرض لم تكن مقسمة بحدود، وأن جميع أطياف المنطقة ذات جذر واحد، هو الجذر
الجذر العربي (السامي)، وإلا لم يكن يحدث التجانس بينهم.
في نحو عام (1720
ق.م) هاجر آل يعقوب (إسرائيل) إلى مصـر، في القصة المعروفة بعد
محاولة قتل يوسف (ع) من قبل إخوته، وقد عانوا ما عانوا على يد فراعنة مصـر، إلى أن
عاد بهم موسى (ع) نحو فلسطين الأرض المقدسة حوالي (1300 ق.م)، وشاهدها من بعيد،
ولم يدخلها حيث مات ولا يعرف قبره إلى الآن.
تسلم قيادة بني
إسـرائيل بعد (موسى ع) فتاه (يشوع بن نون)، بعد أن ترك موسى (ع) شـرائع التوراة
لهم، وتبلورت التعاليم اليهودية التي جاء بها موسى (ع)، وتوجه نحو فلسطين، وكانت
آهلة بالسكان، واستخدم القسوة المفرطة في تدمير مدنها، ومنهم المديانيون.
]فاندفع
الشعب نحو المدينة، وقضوا بحد السيف على كل من فيها من رجال ونساء وأطفال وشيوخ،
حتى البقر والغنم والحمير[،( 2-6، يشوع)، لتبدأ علاقة أخرى مع أهل
البلاد.. وهذا بالضبط عكس ما فعله أهل فلسطين عندما استقبلوا إبراهيم (ع) وعشيرته،
وأعطوهم أفضل أراضيهم، وأسكنوهم بينهم، كما لاحظنا آنفاً.
بعد موت (يشوع بن
نون)، حكم الإسـرائيليين من يسمون بالقضاة، الذين استمر حكمهم بين عامي (1125 -
1025 ق.م)، ولكن بقت النزعة العشائرية تتحكم بهم، فلكل سبط قاضٍ خاص به، وحدثت أول
مواجهة بينهم، حيث تقول التوراة:
]ونزل
الفلسطينيون إلى المعركة، فانهزم بنو إسرائيل، وهرب كل واحد إلى خيمته، وكانت
الضـربة عظيمة جداً، فسقط منهم ثلاثون ألف رجل، واستولى الفلسطينيون على تابوت
العهد[، (10-11، 3، القضاة).
وكانت هذه أولى
نكبات بني إسرائيل من النكبات الكثيرة التي ابتلوا بها على مدار التاريخ.
وفي هذه الفوضى بين
داوود (ع)، عدو أول ملك إسرائيلي مخلوع بعد عصـر القضاة اسمه شاؤول (طالوت)، حيث
انحاز داوود (ع) للفلسطينيين، وسكن معهم، وفي إحدى المعارك تمكن الفلسطينيون من
شاؤول (طالوت)، وقتلوا أولاده الثلاثة، وانتحر هو بإلقاء نفسه على السيف، تقول
التوراة:
]وعندما
جاء الفلسطينيون في اليوم التالي ليسلبوا القتلى، عثروا على شاؤول (طالوت)، وعلى
أبنائه الثلاثة، صرعى في جبل جربوع، فقطعوا رأس شاؤول (طالوت)، ونزعوا سلاحه[،
(8-9، 31، صموئيل الأول).
أسس داود (ع) دولة
إسرائيل، ودام حكمه من (1010-970ق.م)، بعد ان انتصـر على حلفائه بالأمس
(الفلسطينيون)، وانقلب عليهم، وقتل قائدهم جالوت.
وعن عائدية أورشليم
(القدس) لليبوسيين، يرد النص التالي بين سيد وخادمه في سفر القضاة، أي في الفترة
التي سبقت دخول داوود (ع) إليها:
]حَوِل
بنا إلى مدينة اليبوسيين هذه فنبيت فيها، فقال له سيده: لا تنزل في مدينة غريبة لا
أحد فيها من بني إسرائيل[، (11-12، 19، القضاة).
والحقيقة أن سكان
أورشليم (القدس) من اليبوسيين قد عاشوا مع بني بنيامين، أحد الأسباط فيها، حيث ورد
ما يلي:
] أما
اليبوسيون المقيمون في أورشليم، فلم يطردهم بنو بنيامين، وأقاموا مع بني بنيامين
في أورشليم إلى هذا اليوم[، (21، 1، القضاة).
]وسار
الملك – داود - ورجاله إلى أورشليم لمحاربة اليبوسيين سكانها، فقال لهم هؤلاء، وهم
يظنون أنه لا يقدر أن يدخلها أحد: لا يمكنك أن تدخل إلى هنا، فحتى العميان والعرج
يصدونك[، (6-9، 5، صموئيل الأول).
والذي نريد قوله بأن
أورشليم (القدس) لم يبنها داود (ع)، وربما كانت تحتوي على مقام إبراهيم قبل ذلك
بكثير، والذي تم طمسه ببناء (هيكل سليمان) مكانه.
وتقول التوراة عند
دخول داوود إلى أورشليم، وكان يحمل تابوت العهد:
]وكان
داوود وجميع بني إسرائيل يرقصون بكل قواهم، وينشدون على أنغام القيثارات والرباب
والدفوف والصنوج[، (6-5، صموئيل الثاني).
وتقول التوراة إن ابنة الملك شاؤول، الذي
قتله الفلسطينيون، والعدو اللدود لداوود، رأت ذلك، فاحتقرت داوود، وعيرته:
]ولما دخل
التابوت أورشليم نظرت ميكال ابنة شاؤول من الطاقة، ورأت الملك داوود يقفز ويرقص
أمام الرب، فاحتقرته في قلبها[، (16-6، صموئيل الثاني).
ويتبيّن من خلال هذا
الاستعراض، واستناداً إلى كتبهم المقدسة، أن هذه الأرض ليست لليهود!.
المصادر:
اعتمدنا في كتابة هذا المقال على بعض
المصادر، ومنها كتابات للدكتور سعد الديوةجي، نشرنا على صفحته على الفيسبوك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق