14‏/10‏/2010

الإعلام العربي وصناعة الرأي العام العراقي

بقلم: محمد ملو الزيباري
تعيش الشعوب في دول تحكمها قوانين وأنظمة خاصة بها، تتفق مع الأمور التي تعتبر من الأساسيات المسلمة لديها، مثل نظرتهم إلى الحكومة وأفرادها وكيفية التعامل معها؛ وكذلك النظرة السياسية للشؤون العامة للبلاد..وهكذا، قد تتفق آرائهم في شتى الأمور والمسائل وقد تختلف وهذا ما يمكن تسميته بـ(الرأي العام) تجاه قضايا الدولة والأمة.
لذلك كلما نجحت الأمم والشعوب في الوصول إلى رأي عام متوافق أو متقارب كان ذلك من نقاط القوة والارتكاز لذلك الشعب نحو صياغة سياسية رصينة تجاه مختلف القضايا والأحداث التي تلم بتلك الدولة؛ وتؤدي إلى التقدم والازدهار في الكثير من المجالات (الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والتقنية .. وغيرها).وثمة أمور ومسلمات ذات طابع وطني لدى الشعوب تعد مفاصل تجتمع في محورها الآراء المتقاطعة والمتضادة على مشتركات لايمكن الاختلاف حولها، على سبيل المثال (أتاتورك) عند اغلب الأتراك يعد قائدا مناضلا وموضع فخر؛ مهما تناوبت الأنظمة السياسية على سدة الحكم أو اختلفت الايدولوجية، ويعد المساس به شخصيا وبميراثه الفكري والسياسي من الخطوط الحمراء؛ لكن في نفس الوقت نستطيع أن نقول عن رئيس الوزراء الحالي (اردوغان) أنه قائد ناجح ومحبوب على الرغم من الاختلاف الشاسع في الفكر بين الأول و الثاني؟! فالأول علماني قومي؛ والثاني إسلامي، هذا هو (الرأي العام) التركي تجاه هاتين الشخصيتين، والأمثلة كثيرة وعديدة عند الشعوب الأخرى مثل (غاندي) عند الهنود و(كونفوشيوس) عند الصينيين، و(روزفلت) عند الأمريكان.الإنسان العربي بصورة عامة والعراقي على وجه الخصوص يعيش تناقضات وتجاذبات تؤدي إلى تشتت عجيب غريب في توجهات الرأي العام، فيها الكثير من التناقضات، ومن صور هذه التناقضات العجيبة الغريبة؛ قد تجد شخصا ما في مرحلة زمنية معينة أمام الرأي العام (مجاهدا) ثم فجأة يصبح (عميلا)..!!، وآخر يصبح خائنا ثم يمسي قائدا ضرورة، وهكذا تتكرر هذه المتوالية العجيبة بالتناوب دون أن يرسوا فيها الرأي العام على بر .بالأمس كان احدهم في نظر الكثيرين عميلا خائنا؛ وعندما كان رئيسا للحكومة امتلأت جدران المدارس والجوامع والأزقة تجاهه بالعديد من كلمات الشتم والعمالة والوعيد، اليوم نفس الشخص أصبح القائد الضرورة!! ويجب برأي الكثيرين أن يتبوأ مقعده من رئاسة الحكومة مرة ثانية. بالأمس القريب كانت المشاركة في العملية السياسية والانتخابات كفرا وحراما، واليوم أصبحت حلالا بحتا بل وحراما على من يقاطعها! هذه التناقضات تدعونا للوقوف والتفكر ولفت الأنظار والعقول إلى توجهات الرأي العام في بلدنا، خصوصا في الدور الإعلامي الذي يساهم في تشكيل توجهاته بشكل كبير، بغية الوصول إلى تشكيل منظومة فكرية وقيمية لدى الشعب العراقي تحاكي العقل والمنطق بهدف خلق رأي عام ناضج يقترب من توجهات الشعوب المتقدمة، ولنضع الأصبع على الجرح ونفتش عن مكامن الخطأ التي أدت إلى تدهور المنظومة القيمية التي أنتجت واقعا مترديا على كل الصعد سياسيا وثقافيا وفكريا واجتماعيا..الخ.الإعلام له دور كبير جدا في التأثير على توجهات الرأي العام في العراق، هذا الإعلام يعاني من الازدواجية في المعايير؛ وهو وغير منصف ولا يراعي في الكثير من جوانبه حرمة دم الإنسان بصورة عامة فهو مذبذب ومتقلب في نظرته إلى مسألة إراقة الدماء حسب ما تشتهيه المصلحة الفئوية؛ وهذا بدوره يؤثر على تشكيلة المنظومة القيمية المتذبذبة في العقل العراقي، والدليل هو انه لا يتفق اثنان من العرب أو حتى العراقيين على توصيف شخصية صدام حسين من حيث الإحسان والإساءة، لاحظت ذلك عند وجودي في مكة لأداء العمرة واختلاطي بالوافدين العرب أن احدهم يمدحه لدرجة وصفه بالقائد القومي المناضل والشهيد..! والآخر في نفس الجلسة يصفه بالدكتاتور المتهور، فهو بالأمس كان قائدا ً قومياً عند العرب و بمجرد سقوط نظامه وزوال حكمه أصبح دكتاتوراً لان المصلحة انتهت عندهم (إي عند الإعلام) و يظهر ذلك جلياً في أحداث المسلسل المصري (عباس الأبيض) وغيره من الأمثلة الكثيرة، في حين تصور لنا أحداث مسلسله تاريخية مبالغ فيها لأحدى الدول المجاورة تؤثر سلباً على المتلقي حيث تعتبر حارس الحارة بمجرد عمله كحارس أيام حكم الاحتلال الفرنسي أو العثماني(كما وصفه التاريخ العربي بالاحتلال) عميلاً منبوذاً لديهم (خارج عن الملة) يوم ذاك!! وهو والله لم يكن كذلك في وقتها ولم يعامل من الشعب تلك المعاملة المبالغ فيها كما تصوره لنا أحداث دراما تلك الدولة المجاورة، وهم (مع الاحترام و التقدير للوطنيين منهم وهم كثر) لم يكونوا كما تصوره الدراما من تلك المواقف البطولية الخارقة تجاه الاحتلال .. فلماذا كل هذه التعبئة المفرطة؟ أليست هي رسالة واضحة للتحريض على كل من يعمل لدى الحكومة من الشرطة والحرس الوطني وغيرها من الأجهزة الحكومية في البلدان الواقعة تحت الاحتلال مثل العراق؟. فلماذا كل هذه التعبئة المفرطة الموجهة؟ ولمن؟ و لماذا في هذا التوقيت؟ ألا يوجد في بلدانكم أراض محتلة إلى يومنا هذا، فماذا فعلتم بخصوصها؟ ثم هناك من يعيب علينا وجود أيادي يهودية على أرضنا تعمل في الخفاء في ظل دولة لم تستقر بعد، في حين لا يعيبون على أنفسهم تواجد الدولة الصهيونية علنا في بلاد العُرب بسفارات رسمية، أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم!! أليست هذه ازدواجية واضحة في تعاطي الإعلام العربي مع الأحداث وهي سياسية الكيل بمكيالين؟! والأمثلة كثيرة و فاضحة .
الإعلام لدى الشعوب الأخرى يقف موقفا ايجابيا في صياغة الرأي العام لا علاقة له بالمصالح الفئوية والمذهبية والقطرية، ولنأخذ الإعلام الصيني أنموذجا؛ فعندما احتلت أجزاء من بلاده مجسدة بإحدى أفلامها الشهيرة ( IP MAN ) لاحظنا كيف تعامل الجميع وكل من مكانه تعاملا ايجابيا للبحث عن مخرج لتلك الأزمة بأقل الخسائر دون إلقاء اللائمة على الآخرين من أبناء جلدتهم أو اتهامهم بالعمالة والتحريض على قتلهم أو ما شابه.. لم يفعلوا ذلك، فخرجوا ونجوا بامتياز؛ واليوم هم أسياد العالم دون إراقة دماء إخوانهم من أبناء بلدهم على الرغم من تعاملهم مع الاحتلال الياباني آنذاك، فالمواطن عندهم إنسان مهما يكن، والوطنية ليست بطاقة تعبئة تباع وتشترى، فحب الأرض نابع من غريزة الإنسان و لا يمكن إن يتجرد عنها الإنسان؛ فنحن لا نرى احد مثلا ً يشجع فريق كرة قدم لبلد غير بلده، هذا في الرياضة؛ فكيف إن كان الأمر يخص الوطن. بالرغم من وجود بعض الاستثناءات كوجود بعض العملاء الفعليين الذين يعملون ضد أوطانهم، ولكن لا يمكن اعتبار هذا النموذج هو الأساس في الحكم على الأمور، بحيث يعمم على الكثيرين من الذين لا يمكن التشكيك في وطنيتهم والتصاقهم وحبهم لأرضهم ليختلط الحابل بالنابل فيوضعون في دائرة الاستهداف، فكم عراقي قتل نتيجة هذه النظرة الازدواجية المتخبطة، بالأمس قتل لأنه شارك في الانتخابات، أو لأنه انخرط في سلك الجيش والشرطة وغيرها من المؤسسات الحكومية، واليوم هو برئ لان الانتخابات أصبحت حلالا ولأن الوجود في المؤسسة الأمنية الحكومية أصبح ضرورة ملحة لكن بعد فوات الأوان، فلماذا ذهبت كل تلك الطاقات قتلا ً و تهجيراً؟!.
أفلا يكون ما سبق مدعاة للتفكر والتريث قبل اتخاذ القرارات السريعة والمسبقة تجاه الآخرين؟ إن مسؤولية وسائل الإعلام مسؤولية كبيرة، أمام الله سبحانه وتعالى أولا، وأمام الشعوب ثانيا، وأمام الضمير الإنساني ثالثا، وأنا أدعو إلى أن نكون انتقائيين في تعاملنا مع وسائل الإعلام؛ نحن كأفراد، بمعنى أن لاننجر وراء كل دعوة ودعاية للفتنة أيا كان مصدرها، وحين نتلقى المعلومات نتلقاها بعقل محلل ناقد كي لا ننساق وراء أجندات من يقفون وراء وسائل الإعلام التحريضية الهدامة لروح التعايش والسلم بين أبناء البلد الواحد .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق